أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد النور إدريس - مغامرات باحميد : وجوه في المرآة العمياء للقاص عبد النور إدريس














المزيد.....


مغامرات باحميد : وجوه في المرآة العمياء للقاص عبد النور إدريس


عبد النور إدريس
كاتب

(Abdennour Driss)


الحوار المتمدن-العدد: 8238 - 2025 / 1 / 30 - 10:18
المحور: الادب والفن
    


مغامرات باحميد : وجوه في المرآة العمياء
في حلقات: الحلقة رقم4
قصص قصيرة للقاص: ادريس عبد النور

تحت ظلال خيمة مقهى صغيرة في أغادير، حيث النسيم يتسلل بخفة بين أعمدة القماش الملونة، جلس با حميد أمام فنجانه الصامت. كان الزمان يشبه مرآة متشققة، تعكس صورة الحاضر لكنها تخفي وجوهًا قديمة بين طياتها. بجانبه كان حسن ساعي، ينظر إلى الشارع الذي يغرق في هدوء ما بعد الزوال.
قال با حميد بصوت يشبه الحكمة التي تحملها الرياح:
"هذا العالم يا حسن... أشبه بشبكة عنكبوت. كل خيط فيه يربط بين أشخاص لا يعرفون إن كانوا يصطادون أم يُصطادون."
أجاب حسن مبتسمًا، كعادته التي تخفي خلفها تساؤلاته:
"لكنها شبكة ناعمة، يا حميد. كثيرون يجدون فيها أنفسهم... أو يظنون أنهم وجدوا."
هنا، وبدون مقدمة، دخل نوري 19 إلى المشهد. لم يكن مجرد رجل، بل ظلًّا لفكرة، تجسدًا لروح تسافر بين الواقع وما وراء الشاشة. جلس بهدوء، ورفع عينيه نحو السماء كما لو كان يبحث عن إجابة محفورة بين الغيوم.
قال نوري بصوته العميق الذي يحمل نغمات الفلاسفة:
"العالم الرقمي ليس إلا امتدادًا لذواتنا، لكنه امتداد غريب. كأننا ننظر في مرآة عمياء، نرى فيها ما نريد لا ما نحن عليه."
حدق فيه با حميد مليًّا، ثم قال:
"لكن يا نوري، أليس هذا الامتداد ضرورة؟ العالم تغير، ولا أحد يستطيع العيش خارج هذه الشبكة."
أومأ نوري برأسه، وأخذ رشفة من قهوته الباردة، ثم أجاب:
"الضرورة ليست عذرًا للضياع، يا حميد. المشكلة ليست في الرقمي، بل فينا. نحن من صنعنا هذه الوجوه الزجاجية التي نختبئ خلفها. صرنا نسير في شارع مليء بالوجوه، لكن بلا عيون ترى."
انحنى حسن ساعي للأمام، وقال بفضول طفولي:
"إذن، كيف ترى الذات الرقمية يا نوري؟"
ابتسم نوري، كأن السؤال أيقظ في داخله نيران الحكمة:
"الذات الرقمية يا حسن، هي انعكاس مشوه. كل صورة نضعها، كل كلمة نكتبها، كل مقطع ننشره، هو قناع. نحن نظن أننا نحكي حكايتنا، لكننا في الواقع نكتب سيناريو لحياة نرغب فيها، لا لحياة نعيشها. الرقمي ليس ذاتًا، بل ظلاً للذات... وكل ظل يحتاج ضوءًا كي يظهر."
سكت لبرهة، ثم تابع:
"لكن هنا تكمن الكارثة. الضوء الذي يجعل هذا الظل يظهر، ليس نورًا حقيقيًا. إنه مجرد وهج زائف، يستهلكنا بدل أن يمنحنا حياة."
ساد الصمت. كانت الكلمات تنساب بين الثلاثة كما ينساب ضوء الغروب على الأرصفة. شعر با حميد بثقل الكلمات، كأنها تطوق عنقه، لكنه لم يستطع الرد.
أما حسن، فقد بدا مترددًا، ثم قال:
"لكننا لا نستطيع العودة للوراء. الرقمي الآن هو العالم... هل تعتقد أن هناك خلاصًا؟"
ابتسم نوري ابتسامة حزينة، وقال:
"الخلاص يا حسن ليس في الهروب، بل في الوعي. أن نعرف أننا لسنا هذا الظل. أن نستخدمه، لا أن ندعه يستخدمنا. أن نكون أكثر صدقًا، أقل تشظيًا... أن نجد أنفسنا في المرآة، لا في أعين الآخرين."
كان الليل يزحف ببطء، يلون الأفق بلون داكن كأنه يغلق الستار على المسرح. نظر با حميد إلى حسن، ثم إلى نوري، وقال بهدوء:
"ربما نحن بحاجة إلى هذه المرآة، كي ندرك كم نحن بعيدون عن حقيقتنا."
نهض نوري 19، وكأن كلماته ختمت الحوار. وقبل أن يغادر، قال بصوت يشبه الهمس:
"البعد عن الحقيقة هو ما يجعلنا نبحث عنها... لا تنسَ ذلك، يا حميد."
ثم اختفى بين الظلال، تاركًا خلفه أسئلة عالقة، كضوء يتلاشى ببطء في أعماق المرآة العمياء.



#عبد_النور_إدريس (هاشتاغ)       Abdennour_Driss#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صراخ باحميد وصمت الجبناء للقاص عبد النور إدريس
- مغامرات باحميد وصراخ التكتوك للقاص عبد النور إدريس
- مغامرات BH ومنصة التكتوك للقاص عبد النور إدريس
- قصيدة - الأناني - للشاعر عبد النور إدريس
- قصيدة -زوبعة المشاعر- عبد النور إدريس
- قصيدة: أَخافُ عَلَيْكِ شعر:عبد النور إدريس
- قصيدة -أغار عليكِ- شعر عبد النور إدريس
- قصيدة غناء النجوم شعر عبد النور إدريس
- قصيدة -دهشة المطر- شعرعبد النور إدريس
- قصيدة الرقص عند الفجر شعر عبد النور إدريس
- قصيدة: الشاعر الفينيكس شعر عبد النور إدريس
- قصيدة:هَمس الطين شعر عبد النور إدريس
- قصيدة : أميرة البنفسج شعر عبد النور إدريس
- قصيدة خريطة التاج شعر عبد النور إدريس
- قصيدة:أحرف تهجٍّ للبدء المقدس شعر عبد النور إدريس
- قصيدة تراتيل صوفية ،شعر عبد النور إدريس
- فِلِيسُ... امرأةٌ بنت الطين شعر عبد النور إدريس
- قصيدة مسرودة الفجر
- قصيدة اختيار شعر عبد النور إدريس
- قصيدة يوم مولد طفل آذار


المزيد.....




- فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف ...
- خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
- *محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا ...
- -كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد ...
- أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون ...
- بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
- بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر ...
- دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
- -الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
- -الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد النور إدريس - مغامرات باحميد : وجوه في المرآة العمياء للقاص عبد النور إدريس