|
الشاعر في قصيدة -حملت حروفي- أحمد الخطيب
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 8238 - 2025 / 1 / 30 - 10:18
المحور:
الادب والفن
أهم مسألة في الشعر إحداث الصعقة للمتلقي، وجعله (يدور حول نفسه) مأخوذا بالطريقة التي يتحدث بها الشاعر، ومدهوشا بما يقدمه من أفكار، في هذه القصيدة يتماثل دور الشاعر بدور (الإله الخالق)، فهو يخلق من "حروفي" كائنا حي، يتماثل معه في العديد من الصفات، ويتوحد معه وفيه، حتى أنهما يحلان في بعضهما، وهذا ما جعل "حروفي، الشعر" يتماثل مع الشاعر في عملية (الخلق). قبل الدخول إلى القصيدة، أنوه إلى أن عناصر الفرح/التخفيف التي يلجأ إليها الشعراء تتماثل في المرأة، الكتابة، الطبيعة، التمرد، فمنهم من يعتمد على المرأة لتكوين/لإيجاد بقية العناصر، ومنهم من يعتمد على الكتابة، وفي قصيدة "حملت حروفي" أعتمد الشاعر على الكتابة التي بها يجد ذاته كشاعر، من هنا جعلها تتماثل معه في طبيعته الخلاقة، المتمردة. وبما أن الحديث يدور عن الكتابة، فقد انعكس بياضها على فكرة القصيدة وألفاظها، فنجد الغلبة للألفاظ البيضاء على الألفاظ القاسية، وهذا ما أعطى القصيدة لمسة من النعومة، رغم ما تحمله من تمرد وثورة. حلول الشاعر في الشعر "جـمَّـلتُ حـرفـي، واحـتفيتُ بـذاتي وذهـبتُ أسـعى نـحو بعضِ صفاتي فــتـداركَ الـشِّـعـرُ الـجـمـالَ وزانــهُ واجــتــاحَ يــكـتـبُ لـلـنـدى آيــاتـي هــذا نـشـيدي"
في فاتحة القصيدة يتحدث الشاعر عن أفعاله: "حملت حروفي، واحتفيت بذاتي، وذهبت أسعى" نلاحظ أن هناك (الشدة) في "حملت وذهبت" يتوسطهما فرح/ "احتفيت" التي جاءت كاستراحة بعد مشقة فعل "حملت" واستعداد لفعل آخر شاق "وذهبت أسعى" ونلاحظ تتابع وسرعة الأفعال من خلال حرف الواو الذي مهد لفعل سريع آخر "فتدارك" الذي يعد مفصل في القصيدة، فبه بدأت عملية (خلق وتكوين) الشعر، ليكون كائنا مستقلا/فاعلا/متمردا كحال الشاعر، من هنا جاء فعل "واجتاح" ليكون بمثابة تمرد وثورة (مستقل) عن الشاعر، لكنه يتماثل معه في ثوريته. واللافت في خاتمة المقطع حجم البياض، إن كان على صعيد المضمون، أم على صعيد الألفاظ: "الشعر، الجمال، وزانه، يكتب، للندى، آياتي، نشيدي" حيث نلاحظ أنها متعلقة بالكتابة، بالقصيدة، ولفظ واحد يدل على الطبيعة "للندى" الأنا المنفردة " قــد رَعـاني حـينما ولّــى الـجـميعُ، وأقـفـرتْ سـاحاتي فـسـحبتُ-ما نـسـخَ الـمصوّرُ-صورةً وتـركتُ فـي سُـبلِ الردى زفـراتي فـاشـتدَّ عُــودُ الـعمر، أخـضرهُ، ومـا وافــى نـساء الـعمر فـي سَـكَراتي حـتى إذا شـاخَ الأنـينُ مِـنَ الصدى أصــدرتُ أنـفـاسي عـلى الـطرقاتِ"
الخالق واحد أحد، والشاعر عندما يكتب قصيدته يخلقها منفردا/مستقلا عن الآخرين، من هنا يقدم لنا "أحمد الخطيب" كيف أنه أنفرد وحيدا: "ولي الجميع، وأقفرت ساحاتي، فسحبت، وتركت" فكل هذا الأفعال تشير إلى الانفراد/العزلة/الوحدة. إذن نحن أمام حالة (قسوة) يمر بها الشاعر، وهي من (ساعده) على تكوين القصيدة التي خرجت منه كما يخرج المولود من رحم أمه، وما وجود أفعال قاسية: "ولي، وأقفرت، فسحبت، وتركت، الردى، زفراتي، سكراتي، شاخ، الأنين" إلا إشارة عن ألم المخاض، حيث نلاحظ ألم الشاعر من خلال الأصوات التي يطلقها: "زفراتي، أنين، الصدى" وكأنه بها يعبر عن امتعاضه من الآخرين الذي "ولى"/تركوه وحيدا، فاستعاض عنهم بعناصر الفرح، نساء/المرأة، أخضره/الطبيعة، وبالكتابة التي جاءت بصورة غير مباشرة، من خلال الصورة الشعرية التي نجدها في: "فاشتد عود العمر، أخضره وما وافى نساء العمر في سكراتي حتى إذا شاخ الأنين من الصدى أصدرت أنفاسي على الطرقات" واللافت في الأبيات أنها تمثل حالة توازن مع الوحدة التي (أجبر عليها) بعد أن ترك وحيدا، فإصراره على الفعل والمقاومة من خلال الرسم بالكلمات، ومن خلال المضمون الثوري الذي تحمله، وجعل المفرد مذكر كتأكيد على انفراده كشاعر/ كرجل: "المصور، عود العمر، شاخ الأنين" بينما جعل/جاء الجمع مؤنثا: "ساحاتي، زفراتي، نساء، أنفاسي، سكراتي، الطرقات" وهذا يقودنا إلى العقل الباطن للشاعر الذي يخاطب الآخرين بمنطقهم الذكوري، فبدا من خلال هذه المقاطع وكأنه يقول لهم أنا كفرد قادر على مواجهة الآخرين/الإناث، لأنهن أقل مني مكانة وقدرة وقوة. المائدة السماوية
قــد أُنـزلـتْ مــن سـابـع الـسمواتِ" لأخـيـطَ لـونَ الأرضِ أعـصر شـهدَها وأعـــود أرفـــل بـعـد طــول شـتـاتِ بـالـوردِ أو بـالـشعرِ أو بـالـجمرِ مــنْ بــعـض الــذي أدمـتْـهُ ريــحُ قـنـاتي فـأعـانـني الـمـعنى عـلـى بـيـكارهِ مـن هَـندسَ الـفنَّ احـتوى كلماتي لـلـصـائـدينَ جــواهــري وقــلائـدي لـلـقـابضين عـلـى جــلالِ حياتي لـلـدافـعـينَ إلــــى بــيــارق وقــتـهِ جـمـري إذا مــا أُفـرغـتْ شـحـناتي لـلـطـين أنـــزعُ، والــوجـودُ تــصـوُّفٌ لـلـقـبـراتِ إذا اخــتـرقـنَ جــهـاتـي لـلّـفـظِ يُـمـحـى إنْ تــبـدَّل ســربُـهُ لـلـشِّـعرِ يـصـبـو بــعـد كــلّ صــلاةِ" من آيات السيد المسيح مائدة السماء التي أنزلها الله للحواريين، "وأحمد الخطيب" ينزل قصيدته من السماء لتكون آية لأتباعه: "للصائدين، للقابضين، للدافعين، لطين، للقبرات، للفظ" فنلاحظ أن المشمولين بالدعوة أكثر من جهة، الناس، الأرض/الطين، الطيور/القبرات، وللكلمة/للفظ، وبمعنى أن دعوته شاملة لكل من ما ومن هو في الأرض. ولتسهيل قبولها من الآخرين، جعل نبوته/رسالته/قصيدته/دعوته تحمل الجمال والفرح: "شهدها، بالورد، بالشعر/للشعر، الفن، كلماتي، للقبرات، للفظ، صلاة" وقدمها بصورة الكثرة/الجمع: "فموائدي، السموات، شهدها، بالورد، بالشعر، بالجمر، كلماتي، جواهري، وقلائدي، شحناتي، للقبرات" لترغيب الآخرين بها وجعلهم يتقدمون منها. ونلاحظ سرعة الفعل في فاتحة المقطع: "أنزلت" وأثره في خاتمتها "يصبو" فبدا فعل نزول الخير السماوي إلى الأرض من خلال "يصبو" وهذا يمثل عامل ترغيب إضافي للأتباع/للآخرين ليؤمنوا بالدعوة/بالقصيدة. القصيدة منشورة على صفحة الشاعر
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سلاسة التقديم في بكائيات غزة ميسون حنا
-
العالم في قصيدة -نصفان: مأمون حسن
-
صلاح أبو لاوي في صباح الحرية
-
الصراع في ومضة -الولد الجني- المتوكل طه
-
صيغة السرد والمضمون -ال...هو/ القاروط/أيوب- في رواية -الكوان
...
-
اليهودي في رواية -كوانتوم- أحمد أبو سليم
-
الأسر والأسرى في كتاب -حسن اللاوعي- إسماعيل رمضان
-
-إضاءات على رواية المعتقلين الأدباء في المعتقلات الإسرائيلية
...
-
الثورة في ديوان -أعرني بعض إيمانك- فكري القباطي
-
صلاح أبو لاوي والموت
-
السلاسة والوحدة في مجموعة -أسرار خزنة- هدى الأحمد
-
أثر القمع رواية -الثانية وخمس وعشرون دقيقة- طايل معادات
-
التمرد في كتاب -النهر لن يفصلني عنك- رمضان الرواشدة
-
مهدي نصير وتقديم الألم
-
جواد العقاد والارتباك - وفي إيابي
-
البياض في قصيدة -معراج واسع للقصيدة- سائد أبو عبيد
-
الإيجابية في رواية -زمن القناطر- عامر سلطان
-
الأخلاق وجمالية الكتابة في رواية -لم أكن أتوقع- راشد عيسى
-
الواقع في قصة -الكابوس- مأمون حسن
-
فشل حركة التحرر العربية
المزيد.....
-
القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
-
*محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا
...
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|