خالد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8238 - 2025 / 1 / 30 - 04:47
المحور:
الادب والفن
أسافرُ بلا جناحين، وأعبرُ المسافاتِ بلا خُطى،
أحملُ روحي كزورقٍ من ضوء، وأُبحرُ في اللازمن،
أفتحُ نوافذَ الريحِ في رأسي، وأمتطي غيمةً من ظنوني،
أشدُّ على الحلمِ كوترٍ مشدود، وأعزفُ عليه أغنيةَ الغياب.
أمضي حيثُ لا دربَ يسيرُ عليه العابرون،
أقطفُ زهرةً من سرابِ صحراءٍ لم تُولد بعد،
أضعُها في جيبِ الظلِّ، حيثُ تكبرُ الأحلامُ بلا خوف،
وأهدهدُ النهارَ حتى ينامَ بين يديَّ كطفلٍ تائهٍ في المجرّة.
حين أُغمضُ عينيّ، أرى ما لا يُرى،
أكتبُ على الموجِ لغةً لا تحفظُها الشواطئ،
وأتركُ للريحِ رسائلي، علّها تصلُ لمن لم يُولدوا بعد،
أرسمُ على صفحةِ الغيابِ نافذةً، تطلُّ على ما وراء الوقت.
في كل سفر، أصيرُ نجمًا يسقطُ في بئرِ الزمن،
أتبعُ صوتًا يشبهُ أغنيةً منسيّة،
صوتًا يقودني إلى ذاتي التي لم ألتقِها بعد،
أجمعُ ملامحي المتناثرة بين الأزمنة، وأعيدُ رسم وجهي بالنور.
وأسافرُ أكثر...
حين أفتحُ أبوابَ الليلِ وأدخلُ مدنًا لا يعرفها الوقت،
مدنًا تُضاءُ بنجومِ الذين كانوا، ويعبرُ فيها الغيابُ بلا ظل،
أجلسُ عند ناصيةِ الأسئلة، وأحتسي قهوةَ الدهشة،
وأكتبُ اسمي على جدارِ الصمت، حتى يناديني الغدُ من بعيد.
فالسفرُ ليس طريقًا، بل احتراقُ جناحٍ في حلم،
هو أن تذوبَ في معنى، قبل أن يُولدَ الحرف،
هو أن تُحلّقَ حيثُ لا سماء، وتُقيمَ حيثُ لا مكان.
وأسافرُ أبعد...
حين أتركُ ظلي وراءي وأمضي خفيفًا كأنني لم أكن،
أغمسُ يدي في نهرِ الوقتِ وألتقطُ لحظةً لم يلمسها أحد،
أعيدُ ترتيب الفصولِ في داخلي، فأجعلُ الشتاءَ يزهر،
وأرسمُ للريحِ طريقًا لا تعرفُه، كي تضلَّ مثلي في الدهشة.
أقفُ على حافةِ الصمتِ وأنصتُ لصوتِ الأشياءِ قبل أن تُسمّى،
أرى الفجرَ وهو يُولَدُ بين أصابعي، فأحمله كطفلٍ من ضوء،
أتنفّسُ الموسيقى المخبوءةَ في قلبِ الفراغ،
وأرقبُ الكواكبَ وهي تهمسُ لي بأسرارِ الذين رحلوا.
فالسفرُ ليس طريقًا يُقطع، بل لغزٌ يُفتح،
هو أن تعبرَ المسافاتِ التي في داخلك، قبل أن تعبرَ أيّ أرض.
#خالد_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟