أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب كاظم محمد - الصوفي















المزيد.....


الصوفي


طالب كاظم محمد

الحوار المتمدن-العدد: 8237 - 2025 / 1 / 29 - 03:05
المحور: الادب والفن
    


عمارة المفتي الطابق الثالث شارع الرذيلة
لم يتردد وهو يخبرها برغبته في رسمها، فيما هو ينفث دخان سيجارته، قال لها
- ارغب في رسمك، قوامك الفاتن جدير بلوحة زيتية تخلدك لسنوات طويلة .
وهي تنظر في عينيه قالت له
- ترسمني ام تضاجعني؟
بدد الفضاء الخانق سحابة الدخان الكثيفة، التي اطلقها مصحوبة بضحكته المدوية وهو يشير بأصابعه الى وجهها البيضوي الطفولي، ح م لم تبلغ بعد عامها الثامن عشر، كانت ايقونة شجرة بغاء شارع النهر وشقيقه الاكثر ضلالة شارع الرشيد ، على جانبيه تطل بالكونات شقق الدعارة والاطباء المتخصصين بالسفلس والسيلان والافاقين الذين يمتهنون الاباطيل والخديعة ، هنالك عجائز ومتصابون، يدعون قراءة الغيب، محامون، عزاب وارامل في الاربعينات، لوطيون يفخخون شققهم بالحشيشة والخمورالرخيصة، بانتظار مومس تقطعت بها السبل فيحظون بليلة حمراء لا ينفقون في سبيل حرائقها اي درهم، باستثناء كؤوس عرق ومناديل ورقية لمسح اثر الخطيئة، وهو يسترد سكينته قال لها
- سأرسمك وسأدفع لك وان احببت سأضاجعك ؟
- تبدو مختلفا ، اشعر بذلك ، قلبي يخبرني بانك مختلف !
يدرك بانها لم تكن تعني اي كلمة مما قالته ، كانت تكذب لتمرير صفقة رابحة مع زبون ضال مثلها، فهم ليسوا بأفضل حالا منها ،انهم يستحقون مثلها القليل من الحب.
قالت له :
- ارسمني وضاجعـ.. لم تستطع نطق الكلمة الاخيرة عندما سحبها من يدها لترافقه في رحلته عبر الزقاق الضيق، ببيوته المهجورة الى صومعته في الطابق الثالث المعتم ، الشقة التي استأجرتها في زمن انقرض منذ سنوات عديدة، حين تخلت عنها الممرضة المنقذة من الفضائح، الاخت جوليت التي غادرت الى ديترويت عام 1965 بعد ان اخفقت في انقاذ سمعة صبية ، ماتت بسبب جرح لوث كيس الخلق
يوم الخلق الثامن
عندما جلس الرب في يوم الخلق الثامن، لم يكن هناك اثم ولم يكن هناك حقد او ضغينة ،حينما رعى بنظراته وهو يدس اصابع النور في خصلات الشعر المضيء يمسد لحيته الناعمة ، الشعاع الساطع غمر الخليقة التي انبثقت من راحتي يديه ، قال لتكن هناك جنة، فكانت جنة عدن، كان الثعبان بحراشفه السود ينام في عش العصفور بينما الطائر المطمئن يحتضن فراخه بسلام، كان الذئب يرعى قطيع الحملان الوديعة بينما النسر يرشد الغزلان الصغيرة الى الغدير وعيون الماء المتفجرة عند السفح الصخري، كان سلام وطمأنينة قبل ان يظهر من يفسد في مجد جنته ويحيل طمأنينتها وسلامها الى خراب وضغينة ، حدث ذلك عندما قال فليكن ادم، فكانت الخطيئة.
المتصوف
وهو يتفقد خطواته عبر الممر الضيق تسلق السفح الوعر في طريقه الى الصومعة المهجورة، بخرقته العتيقة البالية الممزقة عصب جبينه المجعد ، وهو يتطلع بعينين حمراوين الى قمة الجبل الاجرد، باستثناء شجرة سنديان وحيدة انتصبت تسند بجذعها الضخم جدران النزل المهجور، بينما الشقوق والتصدعات التي تمددت في حجارة الحائط شطرت جدار ايل للتفكك الى نصفين .
تفقد بنظراته الفجوات الكبيرة التي تمددت في سقف الحجرة بعد تفتت جذوع الجوز التي اسندت حجارة السقف بقبته المحدبة التي تلقت لمواسم عديدة المطر والعواصف التي اقتلعت جذوع الخشب التي اسندت جدران الصومعة التي هجرها الرهبان مذ عهد قديم، بطرف عصاه الطويلة اشار الى باب خشبي موصد متمتما
- سنبيت هنا
بقلق تطلعت في وجهه احاول تحذيره، والا انني شعرت بان قوة غامضة منعتني من النطق، عندما لمحت ثعبانا بحراشف سود تلمع ببريق مفزع يثير القشعريرة، براس منتصب ينفث فحيحا قويا وهو ينسل عبر ثقوب الجدار المتصدع ، يزحف مقتربا من قدمي رفيقي المسن، الذي انتعل صندلا جلديا باليا، العجوز الذي اسند هيكله الى عصاه الطويلة بطرفها المدبب ومقبضها المزين بنجوم فضية.
احذر الثعبان !
اخير استعدت تماسكي وصرخت محذرا، الا ان رفيقي المسن لم يبال بالثعبان الاسود وهو يلتف متسلقا ساقه الهزيلة، التي لم تكن سوى عظم يغطيه جلد شاحب بلون الشمع ، لم يبعد الثعبان بعصاه الطويلة ، عصاه ، باستطاعتها ان تزدرد ذلك الثعبان اللعوب في لمح البصر فيما لو اراد المسن ايقاظها من السبات العميق الذي غرقت فيه منذ الف عام ، الا انه لم يفعل ذلك ، لحكمة لا يعلمها الا هو، تستطيع عصاه ان تجفف البحر وتشق ممرا في اللجة الهائلة المخيفة التي تتصاعد في بحر الموت و يعبر الى وجهته بسلام ، فعل ذلك الامر، الذي احدث شرخا وعد في حينها الها، فمن غير الاله يستطيع شق البحر، يستطيع ان يضرب بها الارض فينطلق قطيع كلاب تمزق بأنيابها الذئاب البرية، التي تهاجم خراف العشيرة، بطرفها المدبب، يمكنه ان يسقط الممالك العظيمة كما تهاوت بابل ، مدينة الذنوب والخطايا التي لا تغتفر، بمقبضها سحق برج الخليقة بطبقاته السبعة وحين لوح بها متوعدا ، شتت القبائل الضالة في الاصقاع القصية، هناك اسس المهاجرون مدنا اخرى كسادوم وعامورة لممارسة الرذيلة والنفاق والزنا، بعصاه انقذهم من الطوفان حين تحولت الى سفينة هائلة احتضنت في جوفها الملك والبغل، النبي والفاجر، في رحلتها التي انتهت بإخفاق ذريع طالما الخليقة المدنسة لم تتخلص من ذنوبها ، قابيل الموسوم بعلامة الرب على جبينه كجاحد لم يزل يتنفس في اعماق وجدانهم المدنس بالجشع والكراهية والحقد، قابيل الذي لم يزل يقظا يذرع بقدمين متقرحتين ذاكرتهم المعبدة باللصوص والعاهرات .
عصاه الطويلة بطرفها المدبب كلي القدرة، عصاه القاهرة التي لا ترد، منذ البدء اريد لها ان تكون كذلك، يمكنها لو اراد ذلك ان تفتك بالارض، كما لو ان احدهم يحطم جرة فخار، هو يدرك سرها الا انه يلجم رغباته الشيطانية بالخوف من الرب ، الخوف من اعماقه السحيقة المظلمة، التي تريد الانعتاق من اقانيمه وسجونه واقبيته التي يصفّد فيها شروره، فالعصا امتحانه الروحي الاخير الممض ، ان اخفق فلا جدوى بعد ذلك من اي شيء مقدس، بلحيته الفضية وبجبينه العالي وخصلات شعره الناعم التي استرسلت على كتفيه، يبدو لمن يراه للوهلة الاولى كأنه يرى النبي الذي كلم الرب وهو يتلقى لوح الوصايا من على جبل الطور
- دعه انه يلهو.
قال ذلك وهو ينظر بعينين غائمتين الى الثعبان الاسود، علق صرة الخيش ببقايا مسمار ثبت في الجدار الحجري، الذي ملط بالكلس والتراب الذي استحال الى فقاعات منتفخة علتها الطحالب بلونها الاخضر الداكن ، صرته التي تضم مقتنياته التي لا تفارقه في هجرته التي لا نهاية لها ، تضم كتابا بورق مصفر قديم ، ريشة مدببة للكتابة انتزعت من جناح نسر ميت ، لفافات جلدية رقيقة ، محبرة فضية نقشت عليها ازاهير وطلاسم ، بوصلة قديمة واسطرلاب ، خريطة بأطراف ممزقة لتضاريس عوالم قديمة لم يعد لها وجود.
-انه يلتف حول معصمك!
قلت له محذرا وانا انظر الى راس الثعبان اللامع الذي يشبه راس حربة بحراشفه السود الخشنة، فيما هو ينفث فحيحا ناعما اخذ يلعق بلسانه الاحمر المشطور كف رفيقي المسن
-اخبرتك ان لا تقلق انه يلهو فحسب
رد متمتما وهو يمسد براحه يده اليسرى راس الثعبان، الذي استسلم لملمس اصابع يد الرجل المسن، لينسل من بين اصابعه ويحرر ساق صاحبي وهو ينسحب ببطء ليزحف عائدا الى الجدار ليغيب في جوف الثقب العميق.
- كاد ان يعضك ويسمم بدنك.
- انت تروع نفسك لا اكثر.
- قلقت عليك من انقلابه فيعضك.
- لا تخف فالثعبان يدرك ما انا عليه يا صاحبي.
نظرت اليه وانا اشعر بالارتباك والحيرة، رافقته سنوات طويلة و لم افهم بعد رفيق رحلتي، وكانه يعرف بما يدور في ذهني، قال بصوت واهن وهو يفرد عباءته الصوفية وملاءته الخفيفة على الارض المعبدة بالحجر الاملس الناعم.
عليك ان تنال قسطا من النوم ففي الغد تنتظرنا رحلة شاقة الى الشرق



#طالب_كاظم_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المتاهة. قصص الحرب
- الكاهن
- تلاميذ الاسخريوطي
- صديقي الذي فتك بالعصافير في طفولته
- في ادب الطفل
- المسرح والدهشة الاولى التي سترشد خيال الطفل الى الجمال
- جلجامش وانكيدو سيناريو للفتيان
- مسرحية لليافعين: ابنة الخياط
- نووايس عقدك الثاني
- نواويس عقدك الثاني المهجورة
- قصة قصيرة : في الاسبوع التاسع والاربعين
- حب ما


المزيد.....




- بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر ...
- دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
- -الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
- -الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
- فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
- أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
- إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
- الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو ...
- -ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان ...
- تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال ...


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب كاظم محمد - الصوفي