أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بن سالم الوكيلي - -كأس إفريقيا: مهرجان الرفاهية الذي يمول بدموع الفقراء-














المزيد.....


-كأس إفريقيا: مهرجان الرفاهية الذي يمول بدموع الفقراء-


بن سالم الوكيلي

الحوار المتمدن-العدد: 8236 - 2025 / 1 / 28 - 19:19
المحور: كتابات ساخرة
    


في بلاد حيث المواطن لا يكاد يفرغ جيبه ليحصل على رغيف خبز، يجد نفسه فجأة أمام حفل افتتاح كأس إفريقيا. نعم، في وقت يحتاج فيه الشعب إلى "كأس الأمل" في التعليم والصحة، قررت السلطات أن أفضل علاج لأوجاعهم هو "مهرجان" رياضي، بكل ما تحمله الكلمة من بهرجة لا تطاق. وحين نقول "بهرجة"، فالأمر يشمل كل شيء: أضواء، موسيقى صاخبة، ومغنيون وممثلون فائقو البهجة يتنقلون على خشبة المسرح وكأنهم يعيشون في كوكب آخر.

والغريب في الأمر أن هؤلاء الفنانون، الذين يبدو أنهم قاموا بـ"أخذ حقهم من الكعكة" التي تجمع من جيوب الفقراء، أصبحوا هم الأبطال في هذا المشهد المضحك. الحفل نفسه كان ككعكة الحلوى المفرغة من أي قيمة حقيقية، محشوة فقط بالألوان والأضواء التي تحاول تغطية عيوبها. وكأن الحكومة قررت أن تنسى هموم الشعب وتحلها بحفلة تدار على وقع "الرقصات البراقة" والموسيقى، بينما تزداد الأسعار في الشارع، ويظل المواطن يركض بحثا عن لقمة عيش قد أصبحت هي الأخرى "مناسبة رياضية".

لكن لنتوقف هنا لحظة ونفكر: ماذا تفعل الحكومة عندما تطلق مثل هذا الحفل الذي قد يشبع مشاعر البهجة لبعض الوقت؟ بالطبع، تعيد تغطية المشهد المتسخ. المواطن المغلوب على أمره يطالب بالعدالة الاجتماعية والحقوق الأساسية، لكن بدلا من أن يتم الاستماع إليه، يخبروه بكل فخر: "نحن مشغولون بتنظيم كأس إفريقيا، هل تمانع أن نتغاضى عن التعليم والصحة؟" وهكذا، تصبح كرة القدم هي الحل السحري لأزمة ارتفاع الأسعار والبطالة!

في هذا الحفل الساخر، لا شيء يعكس الواقع إلا الظلال التي تركتها الأضواء في الشوارع، حيث يظل المواطن ينتظر أن يعطى حقه في الحياة، بينما يتم صرف الملايين على سهرات احتفالية يتكئ فيها الفنانون على ثرواتهم المتزايدة، وسط مشهد استعراضي يعكس ببراعة ما يمكن تسميته بـ"فولكلور التسلية" المستورد. وبينما ينشغل الجميع بالاحتفالات، يستمر المواطن في الوقوف في طوابير للحصول على المواد الأساسية، وكأنهم يعيشون في حقبة زمنية موازية حيث لا مكان إلا للنجوم الرياضية والفنية.

وفي الوقت الذي تشتد فيه معاناة الفقراء والمهمشين في المجتمع، يزداد وضوح أن الأولويات الحكومية في كثير من الأحيان لا تتماشى مع احتياجات الشعب الأساسية. فبدلا من تخصيص موارد الدولة لتحسين الظروف المعيشية للمواطنين وتوفير التعليم والصحة بشكل لائق، يتم تبذير هذه الموارد في فعاليات رياضية قد لا تحمل سوى قيمة عاطفية مؤقتة. وما يزيد الطين بلة هو تصدير صورة وهمية عن الرخاء والرفاهية في ظل تدهور الظروف الاجتماعية، وكأن الاحتفالات والكرنفالات يمكن أن تعالج مشكلات حقيقية مثل الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار. هذا النوع من السياسة الاستعراضية يعكس نوعا من الهروب من المسؤولية بدلا من مواجهة الواقع والتعامل مع التحديات الجادة التي تعاني منها الطبقات الأكثر فقرا.

ومن جهة أخرى، إذا نظرنا إلى تأثير هذه "المهرجانات" على الوعي الجماهيري، نجد أن كرة القدم والفعاليات الرياضية تتحول إلى أداة تهدئة للغضب الشعبي، فهي تجعل الناس ينسون همومهم اليومية في لحظات من الفرح الجماعي والاحتفالات الصاخبة. لكن، هذا النوع من التسلية الجماهيرية لا يمكن أن يكون بديلا حقيقيا للمطالب المشروعة مثل تحسين الرعاية الصحية، توفير فرص العمل، وتقليص الفوارق الاجتماعية. قد يشعر المواطن لبعض الوقت بأن الحياة تستحق العيش، ولكن سرعان ما يعود إلى واقعه المرير عندما يواجه التحديات اليومية التي لا يغيرها أي هدف رياضي أو "احتفال فني".

في النهاية، يمكن تلخيص المشهد بكل بساطة: حفل افتتاح كأس إفريقيا كان بمثابة "ماكياج" يوضع على "خنونة" الواقع. والمال الذي أُنفق على ذلك الحفل كان من المفترض أن يستثمر في تحسين أوضاع الناس، لكن لا بأس، فبعض البهرجة على حساب الفقراء قد تنسي الجميع أن الوطن يعيش على حافة الهاوية. وبالطبع، لا شيء يسكت الجموع مثل كرة القدم، تلك "المخدرات الجماهيرية" التي تباع في أسواق الرغبات المؤجلة!.



#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -عندما يسوق العالم مجنون: الرئيس الأمريكي على دراجة بلا عجلا ...
- الإنسانية للبيع: قراءة ساخرة في ملف تبادل الأسرى
- حكومة الكراسي الفارغة: مشهد ساخر في زمن العزلة السياسية
- -سيرك الدماء: حين تتحول الحرب إلى عرض عبثي تصرخ فيه الأمهات-
- -النجم الشعبي: حين يصبح التحكيم أشبه بجلسة شاي في عرس شعبي-
- ترامب ونتانياهو: كوميديا السياسة بين التهديدات والنفاق الدبل ...
- أسكاس أمباركي 2975 : عندما يصبح العبث سياسة رسمية
- -انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة: سلام مرتقب أم استراحة محارب ...
- حين تشتعل الأرض: السياسة بين العبث وإنذار النهاية
- -النار التي أحرقت جنون العظمة: من كاليفورنيا إلى غزة.. حين ت ...
- نبيل عيوش، وأوسكار المغرب: عندما يصبح -الكل يحب تودا- أسوأ م ...
- بدون فلتر *** ليبيا: قهوة ورصاص مع لمسة من الموت
- بدون فلتر *** أحلام الطفولة: حين تسخر الحياة من طموحاتنا وتع ...
- -منطقة الساحل: منافسة أم فرصة للتعاون؟ المسألة التي طرحتها ج ...
- لطيفة أحرار: خطوة جريئة أم مشهد من مسرحية؟
- -عندما يصبح لعب الأطفال مأساة سياسية: هل من يوقف هؤلاء؟-
- -من 2025 إلى 2026: خريبكة تختار فوضى الزمن في خطوة نحو العصر ...
- -بدون فلتر *** ديك رومي بين التين الشوكي: ملحمة عبثية في كرم ...
- -من الهجاء إلى الاعتذار: تأملات كاتب في العام الجديد-
- -عبد اللطيف وهبي في محكمة الضحك: من وزير للعدل إلى بطل كوميد ...


المزيد.....




- دور غير متوقع للموسيقى في نمو الجنين!
- الممثلة السعودية ميلا الزهراني بمسلسل -فضة- في رمضان
- منظمة -الرواية اليهودية الجديدة- تندد بشكل لا لبس فيه خطة تر ...
- أفراد يحتجون.. إطلالة على علم النفس الاجتماعي للاحتجاج
- الشرطة تناشد الشهود لتزويدها بأفلام وصور إطلاق النار في المد ...
- المشهور الغامض.. وفاة الفنان المصري صالح العويل
- جسد شخصيته في فيلم -الشبكة الاجتماعية-.. جيسي أيزنبرغ لا يري ...
- مع ختام معرض الكتاب.. متى يعلن وزير الثقافة واتحاد الناشرين ...
- لوحات 18 فنانا مصريا تشارك في معرض لوحة في كل بيت بأتيليه جد ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صالح العويل


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بن سالم الوكيلي - -كأس إفريقيا: مهرجان الرفاهية الذي يمول بدموع الفقراء-