أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الجسار - لماذا نكتب؟














المزيد.....

لماذا نكتب؟


احمد الجسار
كاتب وصحفي

(Ahmed Al-jassar)


الحوار المتمدن-العدد: 8236 - 2025 / 1 / 28 - 00:23
المحور: الادب والفن
    


لماذا نكتب؟ قد يبدو السؤال بسيطًا للوهلة الأولى، ولكنه يحمل في طياته إجابات عميقة ومعقدة. الكتابة ليست مجرد وضع كلمات على الورق أو شاشة الحاسوب؛ إنها فعل وجودي يعكس رغبة الإنسان في التعبير عن نفسه، في التواصل مع الآخرين، وفي ترك أثر يدوم بعد رحيله. هي وسيلة لتسليط الضوء على الأفكار والمشاعر، لتفريغ الأعباء العاطفية، ولإعطاء معنى لتجاربنا.

منذ القدم، استخدم الإنسان الكتابة كأداة للتعبير عن ذاته. كما قال الكاتب الأمريكي إرنست همنغواي: "الكتابة هي عملية محاكاة الحياة". عبر السطور، نستطيع أن نضع أفكارنا ومشاعرنا أمام الآخرين ليقرأوها، يفهموها، ويعيشوا معنا تجاربنا. الكتابة تتيح لنا أن نعبر عن كل ما يدور في قلوبنا: الفرح، الحزن، الحب، والغضب، بل وحتى الخوف. هي وسيلة لتحرير مشاعرنا المكبوتة، للبحث عن السلام الداخلي من خلال الكلمات. كما يقول الكاتب الفرنسي مارسيل بروست: "الكتابة هي محاولة لفهم الحياة التي نعيشها". إنها محاولة دائمة للقبض على اللحظات العابرة، والأفكار المتناثرة التي تصعب استيعابها بمجرد التفكير.

ولكن الكتابة أيضًا هي أداة للتواصل مع الآخرين. في هذا العالم المزدحم بالضجيج والفوضى، تظل الكتابة الوسيلة الأقوى للتعبير عن أفكارنا وآرائنا بطريقة تبقى حتى بعد مرور الزمن. كما أشار الكاتب البرتغالي جوزيه ساراماغو: "الكتابة ليست فقط أن تكتب، بل هي أن تترك شيئًا خلفك". من خلال الكتابة، نبني جسورًا بين الثقافات والأجيال. نستطيع أن نتواصل مع الآخرين بغض النظر عن الزمان والمكان. هذه العلاقة بين الكاتب والقارئ لا تقوم على مسافة، بل على فهم مشترك وتبادل عاطفي. الكتابة تمنحنا الفرصة للتواصل مع أرواح الناس في أزمنة وأماكن مختلفة، مما يخلق نوعًا من الصلة الإنسانية التي تتجاوز الحدود المادية.

لكن الكتابة ليست فقط وسيلة للتعبير والتواصل، بل هي أيضًا أداة للتفكير. فعندما نكتب، نضطر إلى تنظيم أفكارنا وتحليلها، نُعطيها شكلًا واضحًا. الكتابة تحفزنا على التفكير العميق وتساعدنا على اكتشاف أفكار جديدة لم نكن لنتوصل إليها دون هذه العملية. كما يقول الكاتب الأمريكي كيرت فونيغوت: "الكتابة ليست مجرد تفكير بل هي عملية تحول فكرنا إلى شكل يمكن فهمه". الكتابة تتيح لنا أن نرى أفكارنا تتشكل على الورق، وأن نتابع تطور تفكيرنا ونحن نقوم بتدوينه.

أكثر من ذلك، الكتابة هي وسيلة للإبداع. الكاتب لا يقتصر على نقل الواقع كما هو، بل يخلق عوالم جديدة، يخلق شخصيات، وحكايات من خياله. في هذا السياق، نجد رأي الكاتب الإنجليزي جورج أورويل الذي قال: "الكتابة هي أداة لتغيير الواقع، أكثر من كونها مجرد سرد للواقع". الكتابة تمنحنا الحرية لإعادة تشكيل العالم كما نراه، لنخلق عوالم جديدة ونحلق في آفاق غير محدودة من الخيال. هذه القدرة على الإبداع تجعل الكتابة أكثر من مجرد أداة لتمثيل الواقع، بل هي وسيلة لتخيله، ولإعادة تعريفه.

الكتابة، بالإضافة إلى كونها وسيلة للإبداع، هي أداة للمقاومة أيضًا. في عالم مليء بالظلم والاضطهاد، تصبح الكتابة سلاحًا يعبر عن رفضنا للظلم، وسيلة لتحدي السلطات القمعية وتعزيز الحرية. كما قال الكاتب الفرنسي فيكتور هوغو: "عندما يسكت الجهل، تتحدث الكتابة". الكتابة تُسمع الصوت الذي يُحارب الفساد والاستبداد، وتدافع عن حقوق الإنسان والعدالة. من خلال الكلمات، يمكننا أن نلهم الآخرين للقتال من أجل الحرية، ولإحداث التغيير في عالم مليء بالمعاناة.

الكتابة أيضًا هي وسيلة للشفاء. في كثير من الأحيان، نمر بتجارب قاسية وآلام عميقة، والكتابة تمنحنا القدرة على معالجة هذه الجروح. كما يقول الكاتب الأمريكي توني موريسون: "الكتابة هي وسيلة لتلمس الجرح القديم". من خلال الكتابة، نجد القدرة على التعبير عن آلامنا، لنعبر عن المعاناة التي لا يمكننا تحملها في داخلنا. الكتابة تُتيح لنا أن نفهم تجاربنا، وأن نحولها إلى أفكار وكلمات يمكنها أن تريحنا وتساعدنا في المضي قدمًا.

لكن الكتابة ليست فقط وسيلة للشفاء والتفكير، بل هي أيضًا وسيلة للتعلم. في كل مرة نكتب فيها، نكتسب معرفة جديدة. كما قال الكاتب الأمريكي إدموند ويلسون: "الكتابة هي عملية تعلم مدى معرفة الكاتب بنفسه وبالعالم من حوله". الكتابة تجبرنا على البحث، القراءة، والتفكير العميق. من خلالها، نطور مهاراتنا الفكرية والإبداعية، نتعلم من تجاربنا وتجارب الآخرين، ونكتسب دروسًا حياتية قد نغفل عنها في حياة سريعة.

من خلال الكتابة، أيضًا نترك إرثًا. كما قال الكاتب المصري نجيب محفوظ: "الكتابة ليست إلا عملية لتخليد الإنسان". الكلمات التي نكتبها تبقى بعدنا، تحمل قيمنا وتجاربنا، وتُخلّد أصداء أفكارنا في ذاكرة الآخرين. الكتابة ليست مجرد لحظة عابرة، بل هي حضور دائم في عالم متغير. تضمن لنا الكتابة بقاء ما نؤمن به بعد رحيلنا، وتسمح لأفكارنا بأن تعيش في أذهان الأجيال القادمة.

وأخيرًا، الكتابة هي أيضًا أداة للاكتشاف. من خلالها، نكتشف جوانب جديدة من أنفسنا ومن الآخرين. كما يقول الكاتب الأمريكي ريل كيلي: "كل كتابة هي اكتشاف جديد". الكتابة تفتح لنا أبوابًا جديدة من الفهم، تدفعنا لاستكشاف المجهول، لنرى الحياة من زوايا لم نكن نلاحظها من قبل. هي رحلة مستمرة من الاكتشاف، حيث نتعلم شيئًا جديدًا في كل مرة نكتب فيها.

إن الكتابة ليست مجرد أداة تواصل أو وسيلة للتعبير عن الذات. هي أكثر من ذلك بكثير: إنها فعل من أجل الفهم، التغيير، الشفاء، والإبداع. هي وسيلة للبقاء، لتوثيق تجاربنا، ولترك بصمة في هذا العالم. من خلال الكتابة، نُعبّر عن جوهرنا، ونترك شيئًا من أنفسنا ليبقى بعدنا. الكتابة ليست فقط وسيلة لنقل الكلمات، بل هي الطريقة التي نعيش بها، نفهم بها، ونُغيّر بها العالم.



#احمد_الجسار (هاشتاغ)       Ahmed_Al-jassar#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلاقة بين الأدب والسياسة في العالم العربي
- حلم كاتب... من أوراق الحلم إلى -أرض بلا أكاذيب-
- الأدب الرقمي: هل هو امتداد للأدب التقليدي؟
- أدب التصوف: تجربة روحية وفنية
- الموت يزورنا مرتين - قصة قصيرة
- تأثير الجوائز الأدبية على حركة الإبداع العربي
- القيم الاجتماعية في المعلقات الجاهلية
- كيف يغير الأدب حياتنا؟
- هل الفصحى والعامية تمثلان لغة تقاطع أم لغة تكامل؟
- في الشعر الجاهلي: بين النقد والتحليل لطه حسين
- العقلية السياسية الإسرائيلية: تحليل علمي سياسي
- علم الاجتماع الرقمي وتأثيره على المجتمع العراقي
- حيادية الدولة: مفتاح المساواة والاستقرار للجميع
- الدولة: مفهومها، إدارتها، ومهامها الأساسية
- مخاطر تقييد الحريات الشخصية وتأثيرها على الشعوب
- التحليل السكاني وفقاً للنتائج الاولية للتعداد العام للسكان ل ...
- دور الذكاء الاصطناعي في السياسة الإقليمية
- تاريخ الصراعات في الشرق الأوسط: جذورها وتطورها حتى العصر الح ...
- تطبيقات الإحصاء في البحوث الطبية
- كيف تبدأ رحلتك كمدرب محترف في تخصصك


المزيد.....




- مئات الكتّاب الإسرائيليين يهاجمون نتنياهو ويطلبون وقف الحرب ...
- فنان مصري يعرض عملا على رئيس فرنسا
- من مايكل جاكسون إلى مادونا.. أبرز 8 أفلام سيرة ذاتية منتظرة ...
- إطلالة محمد رمضان في مهرجان -كوتشيلا- الموسيقي تلفت الأنظار ...
- الفنانة البريطانية ستيفنسون: لن أتوقف عن التظاهر لأجل غزة
- رحيل الكاتب البيروفي الشهير ماريو فارغاس يوسا
- جورجينا صديقة رونالدو تستعرض مجوهراتها مع وشم دعاء باللغة ال ...
- مأساة آثار السودان.. حين عجز الملك تهارقا عن حماية منزله بمل ...
- بعد عبور خط كارمان.. كاتي بيري تصنع التاريخ بأول رحلة فضائية ...
- -أناشيد النصر-.. قصائد غاضبة تستنسخ شخصية البطل في غزة


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الجسار - لماذا نكتب؟