|
القطب المنافس لأمريكا في عهد ترامب - 3/3
محمود عباس
الحوار المتمدن-العدد: 8235 - 2025 / 1 / 27 - 23:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
درست الدولة العميقة العصرية جميع جوانب الصراع، وكم سيكون رهيبا في مجال التكنلوجيا، وكسباق مع الزمن دفعت بالإدارة الأمريكية الجديدة، ومن أول يوم، على ترسيخ الاستراتيجية المواكبة للتنافس التكنولوجي المتصاعد، كمنهجية للتطوير إلى جانب زيادة الأرباح، والتي بدونها ستفقد أمريكا مكانتها كإمبراطورية عالمية، لذلك كان مشروعها العملاق في مقدمة الوثائق التي وقع عليها ترامب، وبحضور ممثليها، الذين وضعوا خطة استثمار 500 مليار دولار لتطوير الذكاء الاصطناعي في الوقت الذي كان اعلى سقف لأحد مشاريع الأوروبيين في هذا المجال بحدود واحد ونصف مليار يورو، كما وحثت شركات مماثلة إدارة ترامب بحظر تصدير الرقائق الإلكترونية للعالم، التي صرفت عليها المليارات بعد جائحة كورونا والإشكاليات التي ظهرت في قطاع السيارات والإلكترونيات على خلفية نقصها والتي كانت تنتجها الدول الأسيوية، كما وتم إطلاق مشروع (ستارجيت) من بداية دخوله المكتب البيضاوي، والذي أستثمر فيه كبداية 100 مليار دولار، هذه وغيرها من المشاريع العملاقة ستدفع بالشركات الكبرى إلى تنافس غير مسبوق عالميا، ستؤدي على الأرجح إلى نقل البشرية نحو عوالم جديدة. توسع دور هذه الشركات وزيادة تحكمها في الإدارة الجديدة كجزء أساسي من الدولة العميقة العصرية، ستكون دعما لنقل الحضارة الإنسانية والتطور البشري إلى مستويات أعلى، وربما رفاهيته، بعكس الدولة العميقة العسكرية التقليدية، التي كانت تعتمد على البنتاغون وتطوير السلاح، وخلقت الكوارث لتحقيق مصالحها عن طريق الصراعات والحروب. مع انتقال البشرية إلى هذه المرحلة الجديدة، تبدو المنافسة بين الشركات الكبرى في أوروبا والصين وحتى روسيا، بعدما تقف الحرب الأوكرانية، فرصة لتقديم الأفضل للبشرية من حيث التطور الحضاري، بدلًا من التركيز على الصراع الدموي لتطوير الأسلحة. رغم ذلك، تبقى المنافسة على الأرباح عنصرًا رئيسيًا، لكن من المرجح أن تكون خاليا من التدمير أو على الأقل أكثر نفعًا للإنسانية، ولتبين الدولة العميقة العسكرية دورها في دعم الاقتصاد نشرت خبرا بعد يومين من بدء إدارة ترامب أعمالها، ويوم بعد الإعلان عن الصفقة العملاقة في تطوير الذكاء الصناعي، على أنها أدخلت 318 مليار دولار في خزانة الدولة الأمريكية. الاستراتيجية الجديدة بدأت تتوضح في إدارة ترامب الأولى، لكنها برزت إلى الواقع العملي بشكل جلي من اليوم الأول لولايته الثانية، مما يبين على أن الولايات المتحدة والعالم أصبحوا أمام حقبة جديدة من التحولات الاقتصادية والتكنولوجية العالمية. في الواقع، الدولة العميقة العصرية لم تظهر فجأة بل مرت بمرحلة صراع طويل، ويمكن القول أنها ولدت من على عتبات الصراع العالمي العسكري، وخلفيات حاجة الولايات المتحدة الأمريكية لاحتضان التنافس، أو البقاء كقطب وحيد مهيمن على العالم بعد انهيار الإتحاد السوفيتي، وصعود الصين واليابان وأوروبا المتسارع، وهو ما أدى إلى انقسام الدولة العميقة العسكرية، طرف أستمرت على الإستراتيجية الكلاسيكية، والطرف الأخر عملت على دعم الطفرات التكنولوجية العصرية، أي الإنترنيت وتوابعها، والشركات المنتجة لها، وساهمت بشكل واسع في تطوير السلاح، أستمر الصراع بين التيارين اكثر من عقدين من الزمن، وتحديدًا منذ حقبة بيل كلينتون ونائبه آل غور، عندما دعم تطوير الإنترنت بين المجتمع الأمريكي. القسم الأول يمثل التيار التقليدي، الذي لا يزال يفضل الهيمنة على العالم من خلال القوة العسكرية، وقد ظهر ذلك بوضوح خلال محاولة ترامب في ولايته الأولى سحب القوات الأمريكية من مناطق جغرافية متعددة، حيث واجه معارضة شديدة من هذه الدولة العميقة العسكرية. أما القسم الثاني، وهو التيار الحديث، الذي تحول ليتبنى الهيمنة عبر القوة الاقتصادية والتقدم التكنولوجي. هذا التيار كان المحرك وراء دعم ترامب لثلاث من أكبر شركات التكنولوجيا لتطوير الذكاء الاصطناعي، في مشروع قيل في مؤتمر صحفي إنه "سيغير وجه البشرية" فإلى جانب ذلك، حصل على 600 مليار دولار من السعودية ستستثمر معظمه في هذا المجال. مع الإشارة إلى أن شركات تكنولوجية عملاقة أخرى ستنضم لاحقًا وتساهم بمبالغ هائلة. على أثر هذه التطورات المتسارعة في عالم التكنولوجيا، أمريكا تواجه نوعين من الصراعات: الأول بين التيارين داخل الدولة العميقة نفسها، القديم والحديث. ترامب، بصفته ممثل المرحلة الحديثة، حاول في ولايته الأولى تقليص الاعتماد على العسكرية، ما أدى إلى تغييرات متكررة في وزارة الدفاع، حيث أُقيل أربعة وزراء دفاع خلال أربع سنوات. في المقابل، عمل على توسيع نفوذ الدولة العميقة الحديثة من خلال دعم هائل للشركات التكنولوجية، وتطوير الذكاء الاصطناعي، والإنترنت الفضائي، وتعزيز نفوذ وسائل التواصل الاجتماعي ومشاريعها، ولهذا ضم إلى حكومته نخبة من أثرى أثرياء أمريكا، وهم رؤساء شركات التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي، الذين يتحكمون في القوة الاقتصادية الأمريكية الهائلة. أما النوع الثاني من الصراع، فهو مع الأقطاب الاقتصادية المنافسة، سواء كانت أوروبا، الصين، روسيا، أو حتى دول أخرى مثل مجموعة بريكس. ترامب واجه هذه الأقطاب من خلال محاربة الشركات التكنولوجية الصينية ومحاولات السيطرة عليها، مثل شركة تيك توك أو علي بابا، اللتين تُقدر قيمتهما السوقية بأكثر من تريليون دولار. هذه الجهود تشكل جزءًا من الصراع العالمي على الهيمنة التكنولوجية والاقتصادية. وفيما يتعلق بالصراعات الجغرافية، ودور الدولة العميقة الأمريكية العصرية، لا تزال مناطق مثل الشرق الأوسط تُدرج ضمن إستراتيجية المصالح الأمريكية، حيث تستمر كإمبراطورية عسكرية تخدم الأهداف الاقتصادية، لكن الدولة العصرية تعمل على جر بعض الدول إلى حاضنتها، كالسعودية كما نوهنا سابقا. هذا يفسر استمرار دعم الإدارة الأمريكية الجديدة لسياسات الهيمنة على الشرق الأوسط، ورفضها السماح بعودة النفوذ الروسي، أو أدوات إيران، أو التمدد التركي في المنطقة، كقوى عسكرية تضر بمصالح الشركات في منطقة الشرق الأوسط الغنية والمتوقعة أن تعيد تركيبتها الجيوسياسية. ويبقى السؤال: إلى أي مدى يمكن للولايات المتحدة تحقيق التوازن بين مصالح القوى الداخلية وبينها والقوى العالمية، دون التضحية بمكانتها كقوة عظمى؟
د. محمود عباس الولايات المتحدة الأمريكية 22/1/2025
#محمود_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القطب المنافس لأمريكا في عهد ترامب 2/3
-
القطب المنافس لأمريكا في عهد ترامب- 2/3
-
القطب المنافس لأمريكا في عهد ترامب - 1/3
-
تداعيات الصراع التركي الأمريكي على مستقبل القضية الكوردية
-
(بافي طيار) رمز الحب والحياة في ذاكرة الكورد وكوردستان
-
الكورد ما بين الثقة والاستراتيجية
-
سوريا الجديدة بين إرث الماضي وخطر التطرف القادم
-
لماذا لا نتفق نحن الكورد إلا بالإذعان لقوة خارجية؟
-
ازدواجية الخطاب العربي وحقوق الكورد
-
سوريا تنحدر إلى مستنقع الظلام الفكري
-
تركيا بين تعزيز النفوذ ومواجهة التحديات في الساحة السورية
-
ترامب والصراع الكوردي-التركي
-
تصريحات هاقان فيدان وزير خارجية تركيا من دمشق، قراءة في الأب
...
-
رقصة الحراك الكوردي في سوريا على حافة الهاوية
-
سوريا بين الثورة والظلام، هل تنتصر الحرية على التطرف؟
-
نيران التغيير، وربما التقسيم تقترب من تركيا، هل ستنقذها الفي
...
-
سوريا لن تُبنى بالإملاءات
-
الكورد والمحتل
-
سوريا ولادة من رماد الطغيان إلى صراع على هوية المستقبل
-
حين يتصارع التطرف والشرعية في تشكيل هوية سوريا كوطن
المزيد.....
-
-هل نحن هدف-..كنديون يقاطعون السفر إلى أمريكا بسبب سياسة دون
...
-
شاهد.. إنقاذ رجل فاقد للوعي من قارب خارج عن السيطرة وسط بحير
...
-
بعد مقترح ترامب.. وزير دفاع إسرائيل يأمر الجيش بتجهيز خطة لـ
...
-
المرشحة الرئاسية المحتملة لرومانيا ستزور روسيا
-
إسبانيا: نرفض مقترح وزير الدفاع الإسرائيلي استقبال بلدنا فلس
...
-
خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين: الكنيست يبحث دعم هجرة الفلسطين
...
-
هل تنجح شكوى الصين إلى منظمة التجارة العالمية في إلغاء الرسو
...
-
كاتس يوعز الجيش بإعداد خطة لترحيل أهل غزة ومقتل جنديين إثنين
...
-
قبل الانتخابات.. ميركل تدعو السياسيين إلى الحوار وتهدئة التو
...
-
-أسيل- تضرب لبنان وتغلق طرقات جبلية (فيديو)
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|