|
هل يمكن اعتبار عمل الزوجة المنزلي مساهمة في تنمية الأموال المكتسبة خلال الزواج ؟
خالد خالص
الحوار المتمدن-العدد: 8235 - 2025 / 1 / 27 - 22:15
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
من المقترحات التي طرحت مؤخرا في المغرب بخصوص مدونة الأسرة، والتي صادق عليها المجلس العلمي الأعلى، اعتبار عمل الزوجة المنزلي مساهمة في تنمية الأموال المكتسبة خلال الزواج عندما لا يتم الاتفاق على ذلك في عقد الزواج. تُعد هذه الفكرة منصفة وعادلة من الناحية الأخلاقية والانسانية والاقتصادية والاجتماعية، إذ تعيد النظر في دور المرأة داخل الأسرة وتُثمّن مساهمتها، التي غالبًا ما يتم تجاهلها أو التقليل من شأنها... العمل المنزلي: مساهمة اقتصادية غير مباشرة في معظم الثقافات، ومنها الثقافة المغربية، يُنظر إلى العمل المنزلي الذي تقوم به الزوجة داخل البيت على أنه واجب طبيعي وليس مساهمة اقتصادية. إلا أن هذه النظرة التقليدية تغفل عن حقيقة أن الزوجة، من خلال دورها في تربية الأطفال، وإدارة المنزل (كالطبخ، والتنظيف، والحضور الدائم لرعاية الأسرة)، توفر تكاليف باهظة كانت ستُنفق على خدمات خارجية، مثل الاستعانة بمربية أطفال، أو خادمة، أو اللجوء إلى المطاعم بشكل متكرر. علاوة على ذلك، تُعتبر الزوجة محور الاستقرار الأسري، وهو أساس أي نجاح اقتصادي. فالبيئة التي تُهيئها الزوجة داخل المنزل تسهم في دعم الزوج وتمكينه من التركيز على عمله، مما ينعكس إيجابيًا على إنتاجيته وإيراداته. توازن الأدوار داخل الأسرة يدخل هذا المفهوم في إطار توازن الأدوار بين الزوجين. فالزوج يتحمل المسؤولية الأساسية عن الكسب المالي، بينما تقوم الزوجة بدور لا يقل أهمية، يتمثل في إدارة الموارد المنزلية لتحقيق الاستفادة القصوى للأسرة ككل. وهذا التوازن يجعل من العمل المنزلي ركيزة أساسية في تنمية الأموال المشتركة. مقارنة مع حق الكد والسعاية يمكن مقارنة هذا الاقتراح بمفهوم حق الكد والسعاية المعروف في الثقافة الأمازيغية المغربية، حيث يشترك الاثنان في الروح والأساس: الاعتراف بمساهمة المرأة في بناء الثروة المشتركة داخل الأسرة خلال فترة الزواج. يقوم حق الكد والسعاية على مبدأ عمل المرأة جنبًا إلى جنب مع زوجها، سواء في الأعمال الزراعية، أو الرعي، أو إدارة المنزل، أو غيرها من الأنشطة. وعند حدوث انفصال (كالطلاق) أو وفاة الزوج، يحق للمرأة الحصول على نصيب من الأموال أو الممتلكات التي نمت خلال فترة الزواج، باعتبار أن هذا النمو لم يكن ليتحقق دون مساهمتها. تجارب دولية: العمل المنزلي في إطار الملكية المشتركة في بعض الأنظمة القانونية الدولية، مثل فرنسا وبعض الدول الأوروبية، يُعتبر العمل المنزلي مساهمة اقتصادية تُحتسب في إطار الملكية المشتركة للأموال المكتسبة خلال الزواج. ويُعترف به في حالات الطلاق أو توزيع التركة، حيث يُمنح الزوجان نصيبًا يتناسب مع مساهمتهما في الحياة المشتركة. تحديات تقييم العمل المنزلي رغم أهمية هذا الاقتراح، تبرز صعوبة جوهرية تتمثل في كيفية تقييم العمل المنزلي ماليًا. فتقدير قيمة الأعمال المنزلية يختلف من أسرة إلى أخرى حسب طبيعة المهام وظروف الأسرة، مما يجعل الأمر مجالًا للاجتهاد. لذلك، قد تحتاج مدونة الأسرة إلى وضع معايير عملية لإنصاف المرأة. يمكن أن تشمل هذه المعايير: المستوى الدراسي للزوجة: إذ يمكن مقارنة ما كان من الممكن أن تكسبه لو عملت خارج المنزل. التكاليف البديلة: تقدير المبالغ التي كان الزوجان سينفقانها على خدمات خارجية (مثل الخادمة أو المربية). مدة الزواج: لتحديد نطاق المساهمة خلال العلاقة الزوجية. الإشكاليات الشرعية والقانونية في حالة الطلاق، يمكن أن تكون مسألة احتساب مساهمة الزوجة أكثر وضوحًا، إذ تُعتبر الأموال المكتسبة أثناء الزواج أموالًا مشتركة بين الزوجين اما مناصفة أو بنسب متفاوتة.. أما في حالة وفاة الزوج، تبرز إشكالية أكبر في دولة إسلامية مثل المغرب، حيث يتعين إيجاد توازن بين: الأحكام الشرعية: التي لا تنص صراحة على تعويض مادي عن العمل المنزلي. الاعتبارات القانونية والاجتماعية: التي تُطالب بإنصاف الزوجة وتقدير مساهمتها. في هذا السياق، يمكن التفكير في اعتبار هذه الأموال بمثابة ديون على التركة تُؤدى قبل تقسيم الميراث، استنادًا إلى القواعد الفقهية التي تُعطي الأولوية لسداد الديون. لكن هذا الطرح قد يتطلب اجتهادًا فقهيًا وتنظيمًا قانونيًا جديدًا يراعي العدالة بين الأرملة وباقي الورثة. الخلاصة إن اعتبار عمل الزوجة المنزلي مساهمة في تنمية الأموال المكتسبة خلال الزواج خطوة هامة نحو تحقيق العدالة داخل الأسرة. ومع ذلك، يظل النجاح في تطبيق هذا المفهوم رهينًا بوضع معايير واضحة لتقييم العمل المنزلي وضمان توازن بين الأحكام الشرعية والقوانين المعاصرة. فهل ستتمكن مدونة الأسرة المقبلة من إرساء هذا المبدأ بشكل منصف يُلبي احتياجات الواقع ويضمن الحقوق؟ ملحوظة رقم 1: تحدثنا عن الزوجة التي تتفرغ مطلقا لخدمة زوجها وأطفالها ومنزلها.. ولم نتحدث عن الزوجة التي تعمل داخل المنزل وخارجه...كما لم نتحدث عن وضعية الزوج أن هو الذي اختار أن يبقى بالبيت للقيام بالأعمال المنزلية .. ملحوظة رقم 2 : أود توضيح نقطة مهمة، وهي وجود فجوة، قد تكون واسعة في كثير من الأحيان، بين النصوص القانونية والممارسات الفعلية على أرض الواقع. في هذا السياق، نجد أنفسنا أمام غياب إحصائيات دقيقة وموثوقة لتحديد من يتحمل العبء المالي الأكبر في الحياة الأسرية. من المحتمل أن تكون نسبة النساء اللواتي يساهمن في تكاليف الحياة الأسرية، بل وربما يتحملنها بالكامل، مرتفعة جداً في المغرب. استقلال الذمة المالية بين الزوجين من جهة أخرى، أود أن أذكّر بأن الذمة المالية لكل من الزوج والزوجة مستقلة تماماً عن الأخرى، وفقاً لما تنص عليه القوانين الحالية. ورغم ذلك، فإن مدونة الأسرة المغربية تمنح الزوجين إمكانية الاتفاق على تقاسم الأموال المكتسبة خلال فترة الزواج. في هذا الصدد، تنص المادة 49 من مدونة الأسرة على أنه: "لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة، غير أنه يجوز لهما في إطار تدبير الأموال التي ستُكتسب أثناء قيام العلاقة الزوجية، الاتفاق على استثمارها وتوزيعها." يتم هذا الاتفاق إما ضمن عقد الزواج أو في عقد مستقل يُبرم عند إبرام عقد الزواج. هذه المادة تؤكد مبدأ استقلال الذمة المالية لكل من الزوجين، مع فتح المجال لتوافقهما حول كيفية إدارة الأموال المكتسبة أثناء الزواج. السؤال المحوري: العمل المنزلي كإسهام في تنمية الثروة المشتركة ما أثير في النقاش العام، وخاصة في العمود المشار إليه، يتعلق بقضية جوهرية: هل يمكن اعتبار عمل الزوجة المنزلي إسهاماً فعلياً في تنمية الثروة المكتسبة أثناء فترة الزواج؟ هذا المقترح يُناقش حالياً ضمن سياق التعديلات المرتقبة على مدونة الأسرة. للتوضيح، يخص النقاش الزوجة التي لا تمارس أي عمل خارج المنزل، بل تكرّس حياتها ووقتها للعناية بزوجها، تربية أطفالها، والقيام بالأعمال المنزلية، دون أي دخل شخصي. بينما الزوج، في المقابل، يعمل خارج البيت لتأمين الدخل وتنمية الثروة. السؤال الذي طُرح هو: هل يمكن اعتبار العمل المنزلي للزوجة مساهمة في تنمية أموال الزوج المكتسبة خلال فترة الزواج؟ هذا النقاش يكتسب أهمية خاصة عندما يتعلق الأمر بحالات الطلاق أو وفاة الزوج. حالة تطبيقية للتوضيح لنتأمل المثال التالي: زوج أجبر زوجته، التي كانت موظفة أو محامية أو طبيبة أو مهندسة، على ترك عملها والبقاء في المنزل لتربية الأبناء والقيام بالأعمال المنزلية. الزوجة استجابت لهذا الطلب، وأدت واجباتها المنزلية بالكامل، بينما تمكن الزوج من تحقيق ثروة كبيرة خلال فترة الزواج. بعد 30 عاماً، وقع الطلاق، وأصبحت الزوجة بلا أي ممتلكات أو أموال. السؤال: هل يمكن اعتبار عملها المنزلي عنصراً مساهماً في تحقيق هذه الثروة في غياب الاتفاق المنصوص عليه بالمادة 49 المذكورة؟ الإشكالية: هل يمكن أن تحكم المحكمة للزوجة بمبلغ مالي يعكس إسهامها غير المباشر في تنمية أموال الزوج؟ التحدي: كيف سيتعامل المجتمع مع هذه النازلة؟ هذا النقاش يستحق التأمل العميق لأنه يعكس أبعاداً اجتماعية وقانونية حساسة، تتطلب رؤية شاملة لضمان تحقيق العدالة والإنصاف. وهذا هو الهدف من المقال المختصر الذي لم يتضمن سوى بعض رؤوس أقلام لأن الموضوع بحاجة الى دراسة شاملة للإحاطة به من جميع الجوانب: الشرعية القانونية الاجتماعية الإنسانية الخ..
#خالد_خالص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جدران للمبكى وسعادة للبيع
-
مدونة الأسرة بين صراع القيم وصخب النقاش العمومي
-
النسبية أو التريث: فن التعامل مع الواقع
-
التنمر والخطابات العدائية عبر الإنترنت في القانون المغربي
-
النجاعة القضائية بين المفهوم والممارسة
-
تعليق بيت الزوجية وعدم إدخاله ضمن إحصاء التركة: مسودة دراسة
...
-
قراءة نقدية في مشروع القانون رقم 02.23 المتعلق بالمسطرة المد
...
-
من -المختصر في تاريخ مهنة المحاماة-
-
لماذا خرج المحامون المغاربة للشارع ؟
-
أي مستقبل لمهنة المحاماة في ظل مشروع قانون المسطرة المدنية ؟
-
عبد العزيز النويضي
-
مطرقة القاضي
-
حصانة المرافعة في القانون المغربي
-
ادريس الضحاك
-
حق الملح
-
ما بين كل شيء ولا شيء
-
مستجدات مسودة مشروع قانون تعديل قانون مهنة المحاماة بخصوص مس
...
-
ظاهرة التحريض
-
في قفص الاتهام
-
تخليق مهنة المحاماة كمدخل لتكافؤ الفرص
المزيد.....
-
ترامب ينشئ مركز احتجاز للمهاجرين في غوانتانامو.. وكوبا تندد
...
-
تفاصيل عملية تبادل الأسرى الجديدة بين -حماس- وإسرائيل
-
ترامب يوجه بإرسال 30 ألف مهاجر غير شرعي إلى غوانتانامو.. وكو
...
-
أمر تنفيذي لترامب لاحتجاز ما يصل لـ-30- ألف مهاجر في -غوانتا
...
-
ترامب يقرر تحويل غوانتانامو إلى مركز احتجاز لعشرات الآلاف من
...
-
الجمهوريون يحثون ترامب على معاقبة الجنائية الدولية لإصدارها
...
-
-تصرف وحشي-.. رئيس كوبا يندد بخطة ترامب لاحتجاز مهاجرين في غ
...
-
وفد قيادي من حماس يلتقي أردوغان في أنقرة ويبحث آخر التطورات
...
-
ترامب يوقع مذكرة رسمية تمهد لاحتجاز المهاجرين في غوانتانامو
...
-
الأونـروا: مـا الـعـمـل بـعـد الـقـرار الإسـرائـيـلـي؟
المزيد.....
-
الوضع الصحي والبيئي لعاملات معامل الطابوق في العراق
/ رابطة المرأة العراقية
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|