أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل















المزيد.....



مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل


كاظم حسن سعيد
اديب وصحفي


الحوار المتمدن-العدد: 8235 - 2025 / 1 / 27 - 09:59
المحور: الادب والفن
    


مختارات من الشعر العربي المعاصر
كاظم حسن سعيد
2025





مقدمة..
ربما لا يقدم هذا الكتاب الكثير لمن تمرسوا بقراءة وحفظ الشعر، لكن هنا جيلا بدأ يبتعد عن اهم القصائد التي سجلت حضورا في زمانها، واجهزت شبيهة قصيدة النثر على الذائقة التي تحلت بها الاجيال السابقة، هذه المختارات قد تعيد القاريء الذي تباعد عن تراثه الشعري اليه.
اعتقد وهو اجتهاد شخصي ان هذه المختارات تمثل لدرجة عالية اساليب الشعراء التي كتبوها.
وقد سجلت هذه المختارات قصائد مكتملة او مقاطع منتقاة منها.

لقد مر الشعر العربي الحديث باربع مراحل _ قبل ان تترسخ قصيدة النثر - هي الكلاسيكية المحدثة والرومانسية والقصائد المنبرية والشعر الحر.
في الفصل الرابع تذكر سلمى الخضراء الجيوسي بكتابها الاتجاهات بان قوى التغيير في الشعر العربي الحديث قد نشطت منذ مطلع القرن العشرين ومنذ العقد الثاني منه بدات الرومانسية تكتسب على مهل قوة في الشرق العربي بعد ان ارست دعائمها في اعمال جبران وغيره من الرومانسيين في المهجر .
لقد ظهرت الحركة الرومانسية في الادب العربي دون ان تساندها اية فلسفة ومن دون ان تفجرها اية ثورة على مستوى الثورة الفرنسية .
فقد كانت تفتقر الى اساس فكري نابع من محيطها يشبه الفكر والاراء التي قامت عليها الحركة الرومانسية ولم تستنبط اسسا لها بعد ان اصبحت حركة مستتبة ولا عقيدة شعرية ذات مباديء محددة كان ينتظرمن الشعراء اتباعها فهي حركة لم تزد على ان حدثت وهي واحدة من ابسط الحركات الرومانسية في تاريخ أي شعر .

ولقد توجهت منذ بدايتها نحو تحطيم مدرسة الكلاسيكية المحدثة في الشعر وكان التنظير لها قد اخذ مسارين الاول ان يكون الشعر تعبيرا عن دخيلة نفسية والثاني ان الحاجة لم تعد قائمة للمدرسة الكلاسيكية الحديثة واساليبها فكان همها المباشر الواعي هما فنيا وقد اهتمت بتغيير في الشكل واللغة والصورة والموقف والمحتوى .
تجاوزت تثبيت سير الشعراء وتقديم نظرة عنهم،مكتفيا بالاشارة الى كتاب الجيوسي التي اشبعت الموضوع بحثا بمقدرة وموضوعية مميزة.
(كتاب الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث )
يقع هذا الكتاب في 650 صفحة من الحجم الكبير , ويضم مقدمة وثمانية فصول وخاتمة ..من الصعوبة بمكان ان تتمكن مقالة مختزلة الاحاطة بمواضيع هذا الكتاب العميق والمتشعب الذي رصد التغيرات التي حدثت للشعر الحديث منذ نهاية القرن الثامن عشر حتى عام 1970.ولهذا ارتاينا ان نلقي الضوء على الفصل السابع منه ..مع ضرورة الاشارة بان تلخيص الاراء الواردة في الكتاب سيتم تسليط الضوء عليها بحيادية بغض النظر عما كنا متفقين او مختلفين مع تلك الاطروحات ..
اعتبرت الكاتبة الجيوسي ان من العبث ان نربط بين حركة الشعر الحر (التي بدات مع ظهور الديوان الثاني لنازك الملائكة -شظايا ورماد - ) والافكار السياسية الثورية التي اندلعت نهاية الاربعينيات .فاعتبرت حركة التجديد تلك ظاهرة فنية نجحت بسبب نضوجها الفني وتوقيتها غير المقصود الذي جاء ملائما للحالة النفسية والتاريخية في الوطن العربي .. وتضيف بان ديوان نازك الثاني هو الذي بدا حركة الشعر الحر رسميا واعلاميا وقد كسبت الحركة دعما عندما نشر السياب ديوانه الثاني (اساطير ) سنة 1950..وفيما كانت القصائد الحرة لنازك تتسم بنقاء الاسلوب وخبرة في التقنية كان شعر السياب يكشف عن فحولة القديم في اسلوبه ولغته ولعل قصيدته ( في السوق القديم ) التي نشرت عام 1948رسخت البحر الكامل واستخدم على نطاق واسع وهي القصيدة التي استهوت الشعراء الاخرين .. وتؤكد الكاتبة بان هذين الشاعرين -نازك والسياب - منذ البداية كان واضحا انهما سيقودان ثورة الشكل في الشعر العربي الحديث .بعدهما اشتهر البياتي حين نشر ديوانه سنة 1954. تقول هؤلاء الشعراء بدؤا رومانسيين ثم تحولوا عنها .
انتقال مركز الشعر الى العراق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ترى الكاتبة ان (في نهاية الاربعينيات لم يبرز شعراء جدد مشهورون في مصر وتضرب امثلة على ذلك ..في تونس لم تسمع اصوات شعرية جديدة مهمة بعد وفاة الشابي ...الاقطار الاخرى كالمغرب وليبيا والجزائر والسعودية واليمن وغيرها بقيت فيما فرضته من عزلة على نفسها .. في لبنان بدا النشاط الشعري يفقد اصالته ...في سوريا ظهر شاعران مهمان : ابو ريشة وقد حدد نفسه بموضوعين يستقطبان القراء : الحب والوطنية اما نزار قباني فرغم مقدرته الفذة على استخدام المصطلح الاجتماعي المعاصر فان حدود الموضوع والموقف في بداية مسيرته الشعرية حالت دون قيامه بدور رائد ..اما في العراق فقد تمكن الشعراء الرواد من احداث ثورة حقيقية فرغم ان اثر الرصافي والزهاوي قد تضاءل فان شاعرا كبيرا قد ولد هو الجواهري فقد كان لشعره اللاهب اثر على الجمهور الا انه كان ضاربا في القدم فلم يستطع ان يكون المثال الذي يقتدي به شعراء الاربعينيات .. لكن السياب ورث منه جزالة في اللفظ وعاطفية في الاسلوب .. وكان العراقيون اكبر القراء في الوطن العربي ولم يتورطوا في متاهة الجدل النقدي وقد طبعو ا ديوان ابوماضي -الجداول - مرتين ولم يكن الشعر العربي المعاصر كافيا للشعراء الشباب في العراق فمضوا لينهلوا من الشعر الاوربي والغربي فقرؤا اليوت ولوركا , حكمت ونيرودا , ستويل وييتس واودن. لقد بزغت الحركة الجديدة من الشعر الحر استجابة لحاجة حقيقية نبعت من طبيعة الفن -الحاجة للتغيير والتجديد- .كان الشكل القديم قد (استنفذ امكانات مصطلحه الشعري ) حسب س.م.بورا .. ص2 .. وقد كتبت الملائكة مقالا عام 1958يتحدث عن رفض جيل الرواد لما اسمته بالنمط الرتيب وتطلع لشكل جديد ..
عام 1954 نجد السياب يؤكد بان -الشعر الحر ليس ظاهرة عروضية فحسب بل بناء فني جديد يجسد موقفا واقعيا جديدا , جاء ليحطم الميوعة الرومانسية والصرامة الكلاسيكية والشعر الخطابي وادب الابراج العاجية ..وتردّ الكاتبة على جواد الذي كتب بان الشكل الجديد جاء نتيجة للمحتوى الجديد بان في 1957والقى محاضرة حول -الشعر الحديث - سنة كما 1959اكد ادونيس على عنصر الرؤيا في الشعر .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن كتاب -د. سلمى خضراء الجيوسي - ترجمة د. عبد الواحد لؤلؤة , الطبعة الثانية 2007- مركز دراسات الوحدة العربية.

(الشعر الحديث في العراق تبرعم في حقل الرومانسية ).


نضج نهج الشعر الرومانسي منذ شعراء المهجر ,سبقتهم اوربا لذلك .
وحدث ان ظهر ارتداد عنها متمثلا بشعر الرصافي والزهاوي وغيرهم .
لكن طليعة الشعراء الذين ثبّتوا الحداثة في الشعر العراقي تجاوزوا هذا الارتداد وانطلقوا مما انتهى اليه النهج الرومانسي .
مثال ذلك قصيدة الرائد محمود البريكان(غسق) المنشورة في مجلة “الأديب” عام (1948):
ما للوجود كأنما عبرت
تدعوه نازلة الى سفر
والافق مطوي على لهب
فكأنما هو محجر القدر
ولنقرا له قصيدة اخرى ( التراب ) المنشورة في الاديب اللبنانية بالاربعينيات من القرن الماضي .
(قيل لي انت حفنة من تراب فاقشعرت بكبرياء جراحي
قلت لا لن اكون طينا من الطين انا من سلالة الارواح
وتشددت وافتديت خلودي وطماح المنى , باغلى الاضاحي
بدمي بالحبيس من من نازعاتي برؤى الليل وابتهاج الصباح.. وتغنيت للوجود بشعر اتحدى به الزمان الماحي
وادعيت السمو حقا لقد حلقت لكن من التراب جناحي).
ان انبثاق اية مدرسة تحتاج مجموعة مبدعين لهم افق فكري ومزاج سلوكي متشابه .
تاريخ الادب والفن يضيء ذلك فالانطباعيون كان همهم ابراز الضوء بتدرجاته فقالوا (نحن نعتّم كي نضيء ) اما التكعيبية فقد ابدعها اثنان بالدرجة الاولى بيكاسو وبراك.
لكن ماتيس لم يكن يهمه كلاسيكيات الكتل ولم يكن معنيا بنظريات اللون فانتج وحده الوحوشية التي صمدت رغم محاولات اغتيالها وهي بعمر مبكر .
فما الذي توفر في الشعر الرومانسي العراقي لنعده حديثا .انه الانتقال من قبضة البيان الى افق الايحاء وتغير حاسم بالمفردات والصور واستعارة والمجازوتناول مواضيع غير مطروقة كثيمة التوتر بين الحياة والموت والنهايات .
ان كتاب (التجربة الخلاقة ) للبروفسور مورا يرصد التحولات بالشعر المعاصر ويوضح كيف تقدم الشعراء المحدثون من حيث انتهى الرومانسيون وما هي اهم التغيرات التي كسبها الشعراء المحدثون .
ادرك ان هذا المقال مختزل ومكثف ولكنه دعوة لاعادة البحث عن جذور ومسار التطور في الشعر العراقي الحديث والذي بدأ في اطار القصيدة العمودية بنفس حداثوي مهد لانبثاق الشعر الحر بالعراق .

كاظم حسن سعيد
العراق
2025








الياس ابو شبكة ( لبنان 1903 – 1947)

مُلّقيهِ بِحُسنِكِ المَأجورِ
وَاِدفَعيهِ لِلاِنتِقامِ الكَبيرِ
إِنَّ في الحُسنِ يا دَليلَةَ أَفعى
كَم سَمِعنا فَحيحَها في سَرير
أَسكَرَت خدعَةُ الجَمالِ هرقَلاً
قَبل شَمشونَ بِالهَوى الشِرّيرِ
وَالبَصيرُ البَصيرُ يُخدَع بِالحُس
نِ وَينقادُ كَالضَريرِ الضَريرِ
ملقيهِ فَاللَيلُ سَكرانُ واهٍ
يَتَلّوّى في خِدرِهِ المَسحورِ
وَنسورُ الكُهوفِ أَوهنها الحُ
بُّ فَهانَت لَدَيهِ كَالشَحرورِ
وَعنا اللَيثُ لِلبوءَةِ كَالظَب
يِ فَما فيهِ شَهوَةٌ لِلزَئيرِ
شَبِقَ اللَيثُ لَيلَةً فَتَنَزّى
ثائِراً في عَرينِه المَهجورِ
تَقطر الحمّة المسعّرة الشَهّ
اءُ مِنهُ كَأَنَّهُ في هَجيرِ
يَضربُ الأَرضِ بِالبَراثِن غَضَبا
نَ فَيُصدي القنوط في الديجورِ
وَوَميضُ اللَظى يُغلف عَينَيهِ
فَعَيناهُ فوهَتا تنّورِ
وَنَزا مِن عَرينه تَشَظّى
حممٌ مِن لَظاه في الزمهريرِ
وَاللهاثُ المَحمومُ مِن رِئَتَيه
يُشعل الغابَ في الدُجى المَقرورِ
فَسَرى الذُعرُ في الذِئابِ فَفَرَّت
وَتَرامى إِلى عشاش النُسورِ
وَإِذا لبوة مخدِّرَة الحُس
نِ تَرَدَّت من كَهفِها المَحدورِ
تنضح اللّذةُ الشَهِيَّةُ مِنها
خَمرَةٌ من جَمالِها المَأثورِ
فَتنثّ العَبيرَ في مخدع اللَي
لِ فَتَشهى حَتّى عروقُ الصُخورِ
فَتَلاشى اللَهيبُ في سَيِّدِ الغا
بِ أَميرِ المغاوِرِ المَنصورِ
وَالعَظيمُ العَظيمُ تُضعِفُهُ أَن
ثى فَينقادُ كَالحَقيرِ الحَقيرِ
ملّقيهِ فَفي أَشِعَّةِ عَينَي
كِ صباحُ الهَوى وَلَيلُ القُبورِ
وَعلى ثَغرِكِ الجَميلِ ثِمارٌ
حَجَبَت شَهوَةَ الرَدى في العَصيرِ
ملقيهِ فَبينَ نَهدَيكِ غامَت
هُوَّةُ المَوتِ في الفِراشِ الوَثيرِ
هوَّة أَطلَعَت جَهَنَّمُ مِنها
شَهواتٍ تَفَجَّرَت في الصُدور
ملّقيهِ فَفي مَلاغِمك الحُم
رِ مَساحيقُ معدنٍ مَصهورِ
يُسَرِّبُ السمّ مِن شُفافَتِها الحَرّ
ى إِلى مَلمَسِ الرَدى في الثغورِ
خَيَّم اللَيلُ يا دَليلَة في الغا
بِ وَأَغفى حَتّى الشَذا في الزُهورِ
فَاِنشِقي فورَة الحَرارَةِ مِن جِس
مي وَغَذّي قواكِ مِن إِكسيري
أَنتِ حَسناءُ مِثل حَيَّة عَدنٍ
كَورودِ الشارونِ ذاتِ العُطورِ
وَكغُفر الوَعل الوَديع وَإِن كُن
تِ تناجينَ عَقرَباً في الضَميرِ
لَستِ زَوجي بَل أَنتِ أَنثى عُقاب
شرسٍ في فُؤاديَ المَسعورِ
فَاِشتَهي كُلّ لَيلَة مخلَبي
الدامي عَلى خزّ جِسمِكِ المَخمورِ
وَأَتى الصُبحُ ضاحِك الوَجهِ يَرغي
زَبَدُ النورِ في ضحاه الغَريرِ
أَينَ شَمشونُ يا صَحارى يَهوذا
أَينَ حامي ضَعيفِك المُستَجيرِ
أَينَ قاضيكِ دافِعُ الضيم طاغي
المُستَبِدّينَ صائِنُ الدُستورِ
أَعوَرَت شَهوَةٌ من الحُبِّ عَينَي
هِ وَكَم أَعوَرَ الهَوى مِن بَصيرِ
إِنَّ قاضي المُستَعبَدين لِعبدٌ
وَقضاةٌ عورٌ قضاةُ العورِ
حَفَلَت قاعَة العِقابِ بِجَمعٍ
من سُراة المسوّدين غَفيرِ
هُم رموزُ الشقاق وَالفِتَن الحم
راءِ وَالغَدر وَالزِنى وَالغُرورِ
أَقبَلوا يَشهَدونَ مصرعَ شَمشو
نَ عَلى لَذَّةِ الطّلا وَالزمورِ
أَيُدينُ الخاطي جناةٌ صَعالي
كُ وَيَقضي الفجورُ ذَنبَ الفجورِ
وَسَرَت خَمرَةُ الوَليمَةِ في الحَف
لِ لِتَقديسِ ساعَةِ التَكفيرِ
وَكَأَنَّ النَسيمَ شُوِّقَ لِلخَم
رَةِ فَاِنسَلَّ مِن شُقوقِ الخدورِ
وَلِنَقرِ الدفوفِ صَوتٌ غَريب
يَتَحَدّى صَوتَ العِقابِ الأَخيرِ
وَإِذا قينَةٌ تَخالجها السك
رُ عَلى مَشهَد من الجُمهورِ
فَتَثنَّت تضاجِعُ الجَوِّ نَشوى
مِن تَلَوّي قَوامِها المَحرورِ
رَقصَة المَوتِ يا دَليلَة هذي
أَم تُراها اِختِلاجَةً في الخمورِ
وَصغا الجَمعُ لِلأَسيرِ يُنادي
هِ بِشَتّى مَطاعِن التَحقير
هيه شَمشونُ أَيُّها الفاجِر الزِنديقُ
يا عَبدَ يهوهَ المَقهورِ
أَحَكيمٌ مِن العتاة تذرّي
شَعرَهُ قينَةٌ من الماخور
فَتَلوّى شَمشونُ في القيدِ حَتّى
حَلَّ فيهِ روحُ الإله القديرِ
فَنَزا نَزوَة الوَميضِ من الغَ
لِّ وَدَوّى كَنافِخ في صورِ
بَدّدي يا زَوابِع النارَ أَعدا
ءَ إِلهي وَيا جَهَنَّمُ ثوري
وَتَنَفَّس يا مَوقد الثَأر في صَد
ري وَأَغرِق نَسلَ الريا في سعيري
وَاِمصِصي يا دَليلَة الخُبثِ من قَل
بي فَكَم مَرَّة مصَصتِ قُشوري
وَاِرقُصي إِنَّما البَراكينُ تَغلي
تَحتَ رجلَيكِ كَالجَحيمِ النَذيرِ
وَتَغَنّي بِمَصرَعي فَكَثيراً
ما سَمِعتُ الفَحيحَ في المَزمورِ
أَصبَحَ اللَيثُ في يَدَيكِ أَسيراً
فَاِطرَحيهِ سخرِيَّةً لِلحَميرِ
وَاِجعَلي الغَلَّ رَمزَ كلّ صَريح
وَاليَواقيتَ رَمزَ كلّ غدورِ
إِن أَكن سُقت في غَرامِكِ شَرّاً
فَالبَرايا مطيّة لِلشُرورِ
غَير أَنّي أَجني مِن الجِيَفِ الجَر
داءِ مَهما قَذرتُ شَهدَ قَفيرِ
هيكَلَ الإِثم لَم أُبِح لَكَ ذُلي
شَبحَ الرَقِّ لَم أُسَلِّمك نيري
فَاِسقِطي يا دَعائِمَ الكَذِبِ الجا
ني وَكوني أُسطورَة لِلدُهورِ
محق اللَهُ فيَّ شرَّ ظَلامي
فَلتُضىء في الحَياةِ حِكمَةُ نوري
إِن تَكُن جَزَّتِ الخِيانَةُ شَعري
في ضَلالي فَقُوَّتي في شُعوري














نزار قباني ((1923 – 1998)

مااذا أقول له لو جاء يسألني..
إن كنت أكرهه أو كنت أهواه؟
ماذا أقول ، إذا راحت أصابعه
تلملم الليل عن شعري وترعاه؟
وكيف أسمح أن يدنو بمقعده؟
وأن تنام على خصري ذراعاه؟
غدا إذا جاء .. أعطيه رسائله
ونطعم النار أحلى ما كتبناه
حبيبتي! هل أنا حقا حبيبته؟
وهل أصدق بعد الهجر دعواه؟
أما انتهت من سنين قصتي معه؟
ألم تمت كخيوط الشمس ذكراه؟
أما كسرنا كؤوس الحب من زمن
فكيف نبكي على كأس كسرناه؟
رباه.. أشياؤه الصغرى تعذبني
فكيف أنجو من الأشياء رباه؟
هنا جريدته في الركن مهملة
هنا كتاب معا .. كنا قرأناه
على المقاعد بعض من سجائره
وفي الزوايا .. بقايا من بقاياه..
ما لي أحدق في المرآة .. أسأله
بأي ثوب من الأثواب ألقاه
أأدعي أنني أصبحت أكرهه؟
وكيف أكره من في الجفن سكناه؟
وكيف أهرب منه؟ إنه قدري
هل يملك النهر تغييرا لمجراه؟
أحبه .. لست أدري ما أحب به
حتى خطاياه ما عادت خطاياه
الحب في الأرض . بعض من تخلينا
لو لم نجده عليها .. لاخترعناه
ماذا أقول له لو جاء يسألني
إن كنت أهواه. إني ألف أهواه

















بيروت والحب والمطر - نزار قباني

انتقي أنت المكان..
أي مقهى، داخل كالسيف في البحر،
انتقي أي مكان..
إنني مستسلم للبجع البحري في عينيك،
يأتي من نهايات الزمان
عندما تمطر في بيروت..
أحتاج إلى بعض الحنان
فادخلي في معطفي المبتل بالماء..
ادخلي في كنزة الصوف ..
وفي جلدي .. وفي صوتي ..
كلي من عشب صدري كحصان..
هاجري كالسمك الأحمر .. من عيني إلى عيني
ومن كفي إلى كفي..
ارسمي وجهي على كرأسه الأمطار، والليل ،
وبللور الحوانيت، وقشر السنديان..
طارحيني الحب .. تحت الرعد ، والبرق ..
وإيقاع المزاريب .. امنحيني وطنا في معطف الفرو الرمادي..
اصلبيني بين نهديك مسيحا..
عمديني بمياه الورد .. والآس .. وعطر البيلسان
عانقيني في الميادين..
وفوق الورق المكسور، ضميني على مرأى من الناس..
ارفضي عصر السلاطين، ارفضي فتوى المجاذيب..
اصرخي كالذئب في منتصف الليل..
انزفي كالجرح في الثدي..
امنحيني روعة الإحساس بالموت..
ونعمى الهذيان..
عندما تمطر في بيروت..
تنمو لكآباتي غصون، ولأحزاني يدان
فادخلي في كنزة الصوف .. ونامي
نحن تحت الماء يا نخلة روحي .. نخلتان..
***
ليس في ذهني قرار واضح.
فخذيني حيثما شئت ..
اتركيني حيثما شئت..
اشتري لي صحف اليوم .. وأقلام رصاص
ونبيذا .. ودخان..
هذه كل المفاتيح .. فقودي أنت ..
سيري باتجاه الريح والصدفة..
سيري في الزواريب التي من غير أسماء..
أحبيني قليلا..
واكسري أنظمة السير قليلا..
واتركي لي يدك اليمنى قليلا..
فذراعاك هما بر الأمان..
***
ليس للحب ببيروت خرائط..
لا ولا للعشق في صدري خرائط..
فابحثي عن شقة يطمرها الرمل ..
ابحثي عن فندق لا يسأل العشاق عن أسمائهم..
سهريني في السراديب التي ليس بها ..
غير مغن وبيان..
قرري أنت إلى أين ..
فإن الحب في بيروت مثل الله في كل مكان

















بدر شاكر السياب ( العراق 1926 – 1964)
شناشيل ابنة الجلبي

وأذكرُ من شتاء القريةِ النضَّاحِ فيه النورُمن خَلَل السَّحاب كأنَّه النَّغَمُ
تسرَّبَ من ثقوب المعزف — ارتعشتْ له الظلَمُ وقد غنَّى — صباحًا قبل … فيم أعدُّ؟ طفلًا كنت أبتسمُ
لليلي أو نهاري أثقلتْ أغصانَه النشوى عيونُ الحور.
وكنا — جدنا الهدَّار يضحك أو يغنِّي في ظلال الجوسق القَصَبِ وفلَّاحيه ينتظرون: «غيثَك يا إلهُ!» وإخوتي في غابة اللَّعَبِ يصيدون الأرانبَ والفَراش، و«أحمدَ» الناطور —
نحدِّق في ظلال الجوسق السمراء في النهرِ
ونرفع للسحاب عيوننا: سيسيل بالقطرِ.
وأرعدت السماءُ فرنَّ قاعُ النهر، وارتعشتْ ذُرى السَّعَفِ وأشعلهنَّ ومْضُ البرق أزرقَ ثمَّ اخضر ثم تنطفئُ
وفتحت السماءُ لغيثِها المدرار بابًا بعد بابٍ عاد منه النَّهر يضحك وهو ممتلئُ
تكلِّلُه الفقائعُ، عاد أخضرَ، عاد أسمرَ، غصَّ بالأنغام واللَّهَفِ وتحت النَّخل حيثُ تظلُّ تمطِرُ كلُّ ما سعْفَه
تراقصتِ الفقائعُ وهي تُفجَرُ إنه الرُّطَبُ
تساقطَ في يد العذراء وهي تهزُّ في لهفه
بجذع النخلةِ الفرعاء (تاجُ وليدكِ الأنوارُ لا الذهبُ،سيصلب منه حُبُّ الآخرين، سيبرئ الأعمى،ويبعث من قرار القبر ميْتًا هدَّه التعَبُ
من السفَرِ الطويل إلى ظلام الموت، يكسو عظمه اللحم اويُوقد قلبَه الثلجي فهو بحبه يثبُ!)
وأبرقتِ السماءُ … فلاح، حيث تعرَّج النهرُ،
وطاف مُعلَّقًا من دون أسٍّ يلثمُ الماءَ شناشيلُ ابنة الجلبيِّ نوَّر حوله الزَّهَرُ(عقود ندًى من اللبلاب تسطع منه بيضاء)وآسيةُ الجميلة كحَّل الأحداقَ منها الوجد والسَّهَرُ.
يا مطرًا يا حلبي
عبِّرْ بنات الجلبي
يا مطرًا يا شاشا
عبِّر بنات الباشا
يا مطرًا من ذهبِ.
تقطَّعتِ الدروب، مقص هذا الهاطلِ المدرارِقطَّعها ووراها،
وطُوِّقتِ المعابرُ من جذوع النخل في الأمطار
كغرقى من سفينة سندبادَ، كقصَّةٍ خضراء أرجأها وخلاها إلى الغدِ «أحمدُ» الناطورُ وهو يديرُ في الغرفه
كئوسَ الشاي، يلمس بندقيَّتَه، ويسعل ثم يعبر طرْفُه الشُّرْفه ويخترق الظلامَ.
وصاح «يا جدِّي» أخي الثرثارْ:«أنمكث في ظلام الجوْسق المبتلِّ ننتظرُ؟
متى يتوقف المطرُ؟»
وأرعدتِ السماءُ، فطار منها ثُمَّةَ انفجرا
شناشيلُ ابنة الجلبيِّ …
ثمَّ تلوحُ في الأفُق
ذُرى قوس السَّحاب، وحيث كان يُسارق النَّظرا
شناشيلُ الجميلةِ لا تصيبُ العينُ إلا حمرةَ الشَّفَقِ.
ثلاثون انقضت، وكبرتُ: كم حبٍّ وكم وجْد
توهَّج في فؤادي!غيرَ أني كُلَّما صفقَتْ يدا الرَّعْد
مددتُ الطَّرف أرقبُ: ربما ائتلقَ الشناشيل
فأبصرتُ ابنةَ الجلبي مقبلةً إلى وعدي!
ولم أرها. هواءٌ كلُّ أشواقي، أباطيل
ونبتٌ دونما ثمر ولا وَرْدِ.






في انتظار رسالة - السياب
ذكرتها فبكيت من المي
كالماء يصعد من قرار الارض نز الى العيون دمي
و تحرقت قطراته المتلاحقات لتستحيل الى دموع
يخنقني فأصك اسناني لتنقذف الضلوع
موجا تحطم فوقهن و ذاب في العدم
دخان في القلب يصعد
ضباب من الروح يصعد
دخان ضباب
و انت انخطاف وراء البحار و انت انتحاب
و نوح من القلب كالمد يصعد
ودمع تجمد
و غصت به الاه في الحنجره
ذكرتك يا كل روحي و يا دفئ قلبي اذ الليل يبرد
و يا روضة تحت ضوء النجوم بقداها مزهره
و ذكرت كلتنا يهف بها و يسبح في مداها
قمر تحير كالفراشة و النجوم على النجوم
دندن كالاجراس فيها كالزنابق اذ تعوم
على المياه و فضض القمر المياها
و كأن جسمك زورق الحب المحمل بالطيوب
و الدفء وز المجداف همس في المياه يرن آها
فآها و النعاس يسيل منك على الجنوب
فينام فيه النخل تلتمع السطوح بنومهن إلى الصباح
أواه ما أحلاك نام النور فيك و نمت فيه
و الليل ماء و النباح
مثل الحصى ينداح فيه و أنت أول وارديه
هو الصيف يلثم شط العراق
بغيماته ذاب فيها القمر
و توشك تسبح بيض النجوم لولا برودة ماء النهر
و هف شراع لأضلاعه في الهواء اصطفاق
و غنى مغن وراء النخل
يغمغم يا ليل طال السهر
و طال الفراق
كأن جميع قلوب العراق
تنادي تريد انهمار المطر
و صعدت نحوك و النعاس رياح فاترات تحمل الورقا
لتمس شعرك و النهود به تموت
حينا و تلهث في النوافذ من بيوت
ألقاك في غرفاتها و أشد جسمك فار و احترقا
أني أريدك اشتهيك أمس ثغرك في رساله
طال انتظاري و هي لا تأتي و تحترق الزوارق و التخوت
في ضفه العشار تنفض و هي لاهثة ظلاله
عل الرياح حملن منك لها رسالة
لم تبخلين علي بالورقات بالحبر القليل و سحبه القلم الصموت
إني أذوب هوى أموت
و أحن منك إلى رساله






محمود البريكان ( العراق 1931 _ 2002)

في غرفة الزجاج
في متحفٍ
يقبع في مدينة ضائعة
ترسب في بلاد
مهجورة
في قارة واسعة
هذا انا، مرتفع، أواجه العيون
أشلّها
أنفض في نهاية السكون
حوادث الدهر، ورعب المائة التاسعة.
معبود نينوي
سيدها
في لحظه غامضة
برزت للوجود
على صدى ازميل
في راحتي نحات
في قاعة الاحجار والسجيل ...
قبائل الأموات
تنحر لي ذبائح الرعبِ
وكم اصوات
تهتز بالكابوس في ذبذبة الترتيل .
سميت الواناً من الأسماء
بخرت بالعطور والأنداء
ختمت بالخواتم
عيناي ماستان
تخترقان الليل، من مناجم
لم يكتشف اسرارها انسان
يعترف الزمن
بهذه الذاكرة ?
انا رأيت القمر الناعم
عند ابتداء الليل
وضجة الزلزال قبل الساعة العاشرة
انا رأيت الخيل
تقتحم الخدور
رأيتها ترتفع الرماحُ بالجماجم
رأيتها تختلج الرؤوس
بعد سقوط السيف
رأيت كيف ترقص العروس
في زفة الموت
وكيف تطفئ الشموس
زوبعة العواصم
يعترف الزمن
بهذه الذاكرة ?
تساقط القلاع والأسوار
والقحط والأمطار
والقمح والحديد
والبدء من جديد
وقوة السيف الذي يحدجه الرجالْ
برهبة، في غمده الجلدي
يعترف الزمن
بذلك الواقع ( أو بذلك الخيال ) ?
الموعد السري
لموت اسطورة
وبدء مشروع من المحال ْ
أو بئة التاريخ
دورتها المجهولة التقويم ْ
اشعة الحرائق ْ
تلون الوجه والسماء والحدائق ْ
ارادة القوة
وشهوة التحطيم ْ .....
فقدت ماساتي
جردت من خواتمي ... جزت ذؤاباتي
دحرجت من قاعدتي
نقلت من مكانْ
إلى مكان ْ
حاورتني البوم والعقبانْ
تسلقت اضلاعي الصبيان
ُجّرب فأس ما
في جسدي يوماً
ربطت بالحبالْ
سحبت ممدوداً علي وجهي
وراء زوجين من البغال ْ
حرست سوراً مرة
ومرة آخرى
وضعت في مدخل قصر ما
قطرت في جيش من الجيوش
تركت في الصحراءْ
ممدداً، تغسلني الانواءْ
تجفف السموم ْ
أقصى حجيراتي
محدقاً تحديقة الابد ْ
محاجري البيضاء
مفتوحة لعالم النجوم ْ
ينحسر البحر ولا تبقى سوى الاصداف ْ
في باطن الارض ِ
تهب الريح بعد الريح ْ
تعيد توزيع الرمال الحمر
والغربان ْ
حطت هنا، واندمجت في دورة الأفق ْ
قوادم الصقور
رفت على العنق ْ
واحترقت على ذرى الكثبان ْ
عجائز الذئاب
توسدت جسمي
هاربة الي مكان ما
قوافل اللصوص
تفيأت جنبيَّ، حيث تترك الفصوصْ
أثارَها، وحيث تبني النملُ من ترابْ
مملكة التوازن الأعمى
في غرفة الزجاج ْ
منتصب، تحدق النساء ْ
في جسدي الخالي من التعقيد
( في وسط الحوض على التحديد )
يبتهج الاطفال
لان أذني سقطت، وحاجبي مكسور
لأن في صدري
دائرة خالية ( مفزعة في النور )
في غرفة الزجاج ْ
لا يصل الصوت ُ
ولا يُلمس سطح الموت ْ
يبدو رجال، ربما يواصلون الهمس ْ
عن ظفري الايسر ْ
في غرفة الزجاج ْ
لا تسقط الاصابع الرثة
لا تصل الشمس، ولكن يصل المجهر
في غرفة الزجاج ْ
وحيدة تنتصب الجثة .











(قصيدة ذات مركز متحول) - البريكان
مدونة الوهم لا تنتهي ,النهايات تبدأ دورتها, القصائد تنفض اسرارها وتغادر منطقة الصمت, ها انا اجلس بين رماد الحرائق منتظرا ان يتم انطفائي , وان تبعث النار , انتظر اللحظات دهورا , دهورا سانتظر اللحظات وسوف ابطيء عبر سبات الشتاء رؤاي.
اغني ولا صوت لي , واغامر ان استقر الحدود, وكيف استر عري الحقيقة ؟كيف ارمم روحي؟وهل شرك الشعر ينقذني من من متاهي وهل يستقيم مصيري الي خلال الوجود المراوغ ؟ جوع الى الانتماء عميق توحش في عزلات السكون المحايد
هل يتسع التاريخ لي كملجأ اخير ؟
هل ارتجي لقاء اسلافي هل اطلب الصلح من الاموات هل انشد الحكمة في معترك الرايات هل اكمل الرحيل في المدن المطمورة الخالية .
هل اقرا الشواهد
وارسم المدافن العارية .
عالم من ظلال يتفكك في الريح ها هو ذا وطني الاول وطني المنسي وطن اعرفه .
لا اعرفه
وممالك حاشدة وعواصم من ذهب وحرير وملوك على صهوات الجياد ومواكب للمنشدين ومنائر للحكمة الخالدة , ولكن ااحمل وزرالمجازر هل اتامل تلك الدماء تلطخ كلتا يدي ؟ وهل استطيع افتداء ؟ وهل اتجاهل جوع الجياع ؟ وانسى دوي المظالم ؟
هنا الارض العالم البارد الصلب مهد الجذور القديمة مزرعة الحب والرعب . هذا هو العالم المتارجح بين الحقيقة والوهم . بين سطوع الوجود وظل العدم . اهذا اذن عالمي ؟ عالمي ؟ اذن اخلع هالاتي واستروح روح الله في العشب . اذن استقبل الشمس كاخت لكآباتي والتف مع الريح على الاشجار او اهدهد الليل , اذن اجري مع الانهار نحو البحر , لي ان اتبع الموجة في التيار ان احرس اضواء القرى ليلا واستوحي ضجيج المدن الكبرى , اناشيد
وحيد : لا سيروي غرباء الارض لي اسرارهم , المح في النظرة والعيون بشارات وعود كدت انساها .
الظلام يشحذ الرؤى
أي عالم جميل تحت هالة الغسق ,
هل تشاهد الفراغ هل تواصل الرؤيا هل تلامس الفزع.
للحقول سكان من الصلصال . للغابات حراس من الوحوش .
للمفاوز الميتة جلاد من الاعاصير , وللمدائن الضخمة اسوار من الاشباح تخفيها , واعياد لموتاها ,
هل اؤرخ الحروب هل الحن الصراخ هل اقطر الدموع هل اقيم للعنف مسلات وللعنة ابراج وللشؤم تماثيل , وهل اعتنق الموت ؟
اما تعبت من الاسفار مرتحلا
بين العصور ومن افق الى افق ؟
تطوي النهار الى غيبوبة الغسق
تغيب في الليل اسراء الى الشفق
هذا الجناح الضعيف الريش تطلقه
بين المجرات
هذا السهم ترسله في اللانهايات
هذا المجهل الخالي اضاع ظلك .
للاحلام ثروتها
وانت تربط ابادا بآزال
اتستطيع دخول الصحو ثانية
ماذا يقول النهار
للقطة الجائعة
ماذا يقول الصغار
للعب اللامعة
ماذا تقول المهود ؟
ماذا تقول الوجوه
ماذاتقوا الاغاني؟
ماذا تقول الطرق
مغروزة في الافق
ثابتة في الزمان .
تقدم الان الى اللحظة هذا بيتك الصغير
وهذه الحديقة الزهر ,
وهذا موضع للقبر في المقبرة المجاورة .
وفي بقعة مسورة بالعدم , تعهد زهورك
هذا غناء المباهج يصعد عبر الالم .
وهذا هو الحب وعد الوعود وهذا سلام البيوت التي يتضاحك اطفالها
الزمان الزمان الزمان
ستصوح اسنى الحدائق , تسلم اوراقها لهواء الخريف المسافر
تهرم كل الشوارع والدور تذبل , كل العواطف تتحول بغضا وحقدا
وينمو الصغار رجالا اصحاء او صورا من مسوخ , جميع الاغاني ستنسى وكل المسرات تثوي محنطة في الظلام
الى يوم ان تتهدم اعمدة الذاكرة
وما من ملاذ اخير .
نفتني المنافي ,
احاول ان اقهر الموت عبر القصائد , ادحر بالشعر هذا الظلام الذي يتمدد داخل روحي ,
احاول ان اجعل الفقد اجمل حين اصوغ المراثي
احاول ان اتثبت من درجات الوضوح
وان اتشبث بالزائلات
احاول ان اتعرف ما لا يباح وان اتقصى حدود العوالم
واحفر في صخرة الدهر رمز انتصاري .
ولكن نبض الليالي بطيء
ولي لحظة لا تشابهني
وكنوز اساطير ضاعت مفاتيحها
اشكل هذا السديم الذي لا يشكل
اكتب حتى تجف العروق وابصر هاوية الصفحات الاخيرة
فاغرة
وامامي يمتد تيه البياض السحيق.












محمود درويش ( فلسطين 1941 – 2008)

فكر بغيرك

وأَنتَ تُعِدُّ فطورك ’ فكِّرْ بغيركَ[ لا تَنْسَ قُوتَ الحمامْ ]وأَنتَ تخوضُ حروبكَ، فكِّر بغيركَ[لا تَنْسَ مَنْ يطلبون السلامْ]وأَنتَ تُسدِّذُ فاتورةَ الماء، فكِّر بغيركَ[مَنْ يرضَعُون الغمامْ]وأَنتَ تعودُ إلى البيت، بيِتكَ، فكِّرْ بغيركَ[ لا تنس شعب الخيامْ]وأَنت تنام وتُحصي الكواكبَ، فكِّرْ بغيركَ[ ثَمَّةَ مَنْ لم يجد حيّزاً للمنام]وأَنتَ تحرِّرُ نفسك بالاستعارات، فكِّرْ بغيركَ[ مَنْ فَقَدُوا حَقَّهم في الكلامْ]وأَنتَ تفكِّر بالآخرين البعيدين، فكِّرْ بنفسك[ قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ]







ابو القاسم الشابي ( تونس 1909 – 1934)
الشابي
عذبة أنت كالطفولة كالأح
لام كالحن كالصباح الجديد
كالسَّماء الضَّحُوكِ كاللَّيلَةِ القمراءِ
كالوردِ كابتسامِ الوليدِ
يا لها مِنْ وَداعةٍ وجمالٍ
وشَبابٍ مُنعَّمٍ أُمْلُودِ
يا لها من طهارةٍ تبعثُ التَّقدي
سَ في مهجَةِ الشَّقيِّ العنيدِ
يا لها رقَّةً تَكادُ يَرفُّ الوَرْ
دُ منها في الصَّخْرَةِ الجُلْمودِ
أَيُّ شيءٍ تُراكِ هلْ أَنْتِ فينيسُ
تَهادتْ بَيْنَ الوَرَى مِنْ جديدِ
لتُعيدَ الشَّبابَ والفرحَ المعس
ولَ للعالمِ التَّعيسِ العميدِ
أَم ملاكُ الفردوس جاءَ إلى الأَر
ضِ ليُحيي روحَ السَّلامِ العهيدِ
أَنتِ مَا أَنتِ أَنْتِ رسمٌ جميلٌ
عبقريٌّ من فنِّ هذا الوُجُودِ
فيكِ مَا فيهِ من غموضٍ وعُمْقٍ
وجَمَالٍ مقَدَّسٍ معبودِ
أنتِ مَا أنتِ أَنتِ فجرٌ من السّحرِ
تجلَّى لقلبيَ المعمودِ
فأراه الحَيَاةَ في مُونِقِ الحُسْنِ
وجلّى له خفايا الخلودِ
أَنتِ روحُ الرَّبيعِ تختالُ ف
ي الدُّنيا فتهتزُّ رائعاتُ الورودِ
وتهبُّ الحَيَاة سَكرى من العِط
رِ ويدْوي الوُجُودُ بالتَّغريدِ
كلَّما أَبْصَرَتْكِ عينايَ تمشينَ
بخطوٍ موقَّعٍ كالنَّشيدِ
خَفَقَ القلبَ للحياة ورفَّ الزَّه
رُ في حقلِ عمريَ المجرودِ
وانتشتْ روحيَ الكئيبَةُ بالحبِّ
وغنَّتْ كالبلبلِ الغِرِّيدِ
أَنتِ تُحيينَ في فؤاديَ مَا قدْ
ماتَ في أَمسيَ السَّعيدِ الفقيدِ
وَتُشِيدينَ في خرائبِ روحي
مَا تلاشَى في عهديَ المجدودِ
مِنْ طموحٍ إلى الجمالِ إلى الفنِّ
إلى ذلك الفضاءِ البعيدِ
وتَبُثِّينَ رقَّةَ الشوقِ والأَحلامِ
والشَّدوِ والهوى في نشيدي
بعد أنْ عانقتْ كآبَةُ أَيَّامي
فؤادي وأَلجمتْ تغريدي
أَنتِ أُنشودَةُ الأَناشيدِ غنَّاكِ
إِلهُ الغناءِ ربُّ القصيدِ
فيكِ شبَّ الشَّبابُ وشَّحهُ السّحْرُ
وشدوُ الهَوَى وعِطْرُ الورودِ
وتراءى الجمالُ يَرْقُصَ رقصاً
قُدُسيًّا على أَغاني الوُجُودِ
وتهادتْ في أُفْق روحِكِ أَوْزانُ
الأَغاني ورِقَّةُ التَّغريدِ
فتَمَايلتِ في الوُجُودِ كلحنٍ
عبقريِّ الخيالِ حلوِ النَّشيدِ
خطواتٌ سكرانةٌ بالأَناشيد
وصوتٌ كَرَجْعِ نايٍ بعيدِ
وقَوامٌ يَكادُ يَنْطُقُ بالأَلحانِ
في كلِّ وقفةٍ وقعودِ
كلُّ شيءٍ موقَّعٌ فيكِ حتَّى
لَفْحَةُ الجيدِ واهتزازُ النّهودِ
أَنتِ أَنتِ الحَيَاةُ في قدْسها السَّا
مي وفي سِحْرها الشَّجيِّ الفريدِ
أَنتِ أَنتِ الحَيَاةُ في رِقَّةِ ال
فجر في رونق الرَّبيعِ الوليدِ
أَنتِ أَنتِ الحَيَاةُ كلَّ أَوانٍ
في رُواءٍ من الشَّبابِ جديدِ
أَنتِ أَنتِ الحَيَاةُ فيكِ وفي
عَيْنَيْكِ آياتُ سحرها الممدودِ
أَنتِ دنيا من الأَناشيدِ والأَحلامِ
والسِّحْرِ والخيال المديدِ
أَنتِ فوقَ الخيالِ والشِّعرِ والفنِّ
وفوقَ النُّهى وفوقَ الحُدودِ
أَنتِ قُدْسي ومعبدي وصباحي
وربيعي ونَشْوتي وخُلودي
يا ابنةَ النُّورِ إنَّني أنا وحدي
من رأى فيكِ رَوْعَةَ المَعْبودِ
فدعيني أَعيشُ في ظِلِّكِ العذْبِ
وفي قُرْبِ حُسنكِ المَشْهودِ
عيشةً للجمالِ والفنِّ والإِلهامِ
والطُّهْرِ والسَّنى والسُّجودِ
عيشَةَ النَّاسكِ البتُولِ يُناجي الرَّ
بَّ في نشوَةِ الذُّهول الشَّدِيدِ
وامنحيني السَّلامَ والفرحَ الرُّو
حيَّ يا ضوءَ فجريَ المنشودِ
وارحميني فقد تهدَّمتُ في كو
نٍ من اليأْسِ والظَّلامِ مَشيدِ
أنقذيني من الأَسى فلقدْ أَمْسَ
يْتُ لا أستطيعُ حملَ وجودي
في شِعَابِ الزَّمان والموت أَمشي
تحتَ عبءِ الحَيَاة جَمَّ القيودِ
وأُماشي الوَرَى ونفسيَ كالقب
رِ وقلبي كالعالم المهدُودِ
ظُلْمَةٌ مَا لها ختامٌ وهولٌ
شائعٌ في سكونها الممدودِ
وإذا مَا استخفَّني عَبَثُ النَّاسِ
تبسَّمتُ في أَسًى وجُمُودِ
بَسْمَةٌ مرَّةٌ كأنَّني أَستلُّ
من الشَّوكِ ذابلاتِ الورودِ
وانْفخي في مَشاعِري مَرَحَ الدُّنيا
وشُدِّي مِنْ عزميَ المجهودِ
وابعثي في دمي الحَرارَةَ عَلِّي
أَتغنَّى مع المنى مِنْ جَديدِ
وأَبثُّ الوُجُودَ أَنغامَ قلبٍ
بُلْبُليٍّ مُكَبَّلٍ بالحديدِ
فالصَّباحُ الجميلُ يُنْعِشُ بالدِّفءِ
حياةَ المُحَطَّمِ المكدودِ
أنْقذيني فقد سئمتُ ظلامي
أنقذيني فقدْ مَلِلْتُ ركودي
آه يا زهرتي الجميلةَ لو تدرينَ
مَا جدَّ في فؤادي الوحيدِ
في فؤادي الغريبِ تُخْلَقُ أَكوانٌ
من السّحرِ ذاتُ حُسْنٍ فريدِ
وشموسٌ وضَّاءةٌ ونُجومٌ
تَنْثُرُ النُّورَ في فَضاءٍ مديدِ
وربيعٌ كأنَّهُ حُلُمُ الشَّاعرِ
في سَكرة الشَّباب السَّعيدِ
ورياضٌ لا تعرف الحَلَك الدَّاجي
ولا ثورَةَ الخريفِ العتيدِ
وطيورٌ سِحْرِيَّةٌ تتناغَى
بأَناشيدَ حلوةِ التَّغريدِ
وقصورٌ كأنَّها الشَّفَقُ المخضُوبُ
أَو طلعَةُ الصَّباحِ الوليدِ
وغيومٌ رقيقةٌ تتهادَى
كأَباديدَ من نُثارِ الورودِ
وحياةٌ شِعْرِيَّةٌ هي عندي
صُورةٌ من حَياةِ أَهْل الخلودِ
كلُّ هذا يَشيدُهُ سِحْرُ عينيكِ
وإِلهامُ حُسْنِكِ المعبودِ
وحرامٌ عليكِ أَنْ تهدمي مَا
شادهُ الحُسْنُ في الفؤادِ العميدِ
وحرامٌ عليكِ أَنْ تسْحَقي آم
الَ نفسٍ تصبو لعيشٍ رغيدِ
منكِ ترجو سَعادَةً لم تجدْهَا
في حياةِ الوَرَى وسِحْرِ الوُجُودِ
فالإِلهُ العظيمُ لا يَرْجُمُ العَبْدَ
إِذا كانَ في جَلالِ السُّجودِ






بدوي الجبل ( سوريا 1907-1990)

(السراب المظلم)
حنا السراب على قلبي يخادعه
بالوهم من نشوة السقيا و يغريه
فكيف رحت و لي علم ببطاله
أهوى السراب و أرجوه و أغليه
ويح السراب على الصحراء تسلمه
رمالها السمر من تيه إلى تيه
يزوّر الماء للسقيا و لهفته
حرّى إلى منهل يحنو فيسقيه
جلا النمير و ما ابتلّت جوانحه
من النمير و لا ابتّلت مآقيه
أيّامه خدع الركب ضاحكة
سخرا و للعدم القاسي لياليه
صرعاه لو عرفوا الأسرار ما جزعوا
ممّا يعانون بل ممّا يعانيه
ألا يملّ السراب الغمر وحدته
ألا يحنّ إلى نعمى تندّيه
هيمان لهفان لا مأوى لوحشته
قلبي الذي وسع الأكوان يؤويه
أبكي لبلواه تحنانا و مغفرة
روح الألوهة روحي حين أبكيه
إذا خدعت فقد جازيت خدعته
بالعذر أبسطه و الذنب أطويه
ادعو السراب إلى روحي فقد حليت
بها اللبانات ترضيه و تغويه
لهفي عليه أسيرا في يدي قدر
يميته كلّ يوم ثمّ يحييه
يغيض قبل رفيف الجفن زاخرة
أقلبه جفّ أم جفّت سواقيه
ماء و لا ريّ يندي في شمائله
كأنّه القول فاتته معانيه
يزوّق الحسن ألوانا و ما عصفت
بروحه سورة للحسن تصيبه
هذي مراعيه عطل من بشاشتها
حنّت لشبّابة الراعي مراعيه
لو صعّد القصب الولهان زفرته
لنوّرت بيده و اخضلّ واديه
ما للسّراب دنا حتّى إذا اكتحلت
بسحر دنياه عيني شطّ دانيه
أنت السراب و لكني على ظمأي
بأنهر الخمر في الفردوس أفديه
محوت من قلبي الدنيا فما سلمت
إلاّ طيوف هوانا وحدها فيه






فيتوري ( السودان 1936 – 2015)
في حضرة من أهوى
عبث بي الأشواق
حدقت بلا وجه ورقصت بلا ساق
وزحمت براياتي وطبولي الآفاق
عشقي يفن عشقي وفناي استغراق
مملوكك لكني
سلطان العشاق
- معزوة لدرويش متجول-













احمد شوقي(1870 – 1932 )

يا جارة الوادي طربت وعادني
ما زادني شوقا إلى مرآك
فقطعت ليلي غارقا نشوان في
ما يشبه الأحلام من ذكراك
مثّلت في الذكرى هواك وفي الكرى
لمّا سموت به وصنتُ هواك
ولكم على الذكرى لقلبي عبرةٌ
والذكريات صدى السنين الحاكي
ولقد مررت على الرياض بربوة
كم راقصت فيها رؤاي رؤاك
خضراء قد سبت الربيع بدلّها
غنّاء كنت حيالها ألقاك
لم أدر ما طيب العناق على الهوى
والروض أسكرهُ الصبا بشذاك
لم أدر والأشواق تصرخ في دمي
حتّى ترفّق ساعدي فطواك
وتأوّدت أعطاف بانك في يدي
سكرى وداعب أضلعي فطواك
أين الشقائق منك حين تمايلا
وأحمرّ من خفريهما خدّاك
ودخلت في ليلين فرعك والدجى
والسكر أغراني بما أغراك
فطغى الهوى وتناهبتك عواطفي
ولثمت كالصبح المنوّر فاك
وتعطّلت لغة الكلام وخاطبت
قلبي بأحلى قبلة شفتاك
وبلغت بعض مآربي إذ حدّثت
عينيّ في لغة الهوى عيناك
لا أمس من عمر الزمان ولا غد
بنواك آه من النوى رحماك
سمراء يا سؤلي وفرحة خاطري
جمع الزمان فكان يوم لقاك

















ابراهيم ناجي (مصر 1898 – 1953 )

الاطلال
يا رياحا ليس يهدا عصفها
نضب الزيت ومصباحي انطفا
وأنا أقتات من وهم عفا
وأفي العمر لناسٍ ما وفى
كم تقلبت على خنجره
لا الهوى مال ولا الجفن عفا
وإذا القلب على غفرانه
كلما غار به النصل عفا
.......................
لست أنساك وقد أغريتني
بفمٍ عذبِ المناداة رقيق
ويد تمتد نحوي كيدٍ
من خلال الموج مُدّت لغريق
آه يا قِبلة أقدامي إذا
شكت الأقدام أشواك الطريق
وبريقاً يظمأ الساري له
أين في عينيك ذياك البريق
.......














جبران خليل جبران (لبنان 1883 – 1931)
سكن الليل وفي ثوب السكون
تختبي الأحلام
وسعى البدر وللبدر عيون
ترصدُ الأيام
فتعالي يا ابنةَ الحقل نزور
كرمةَ العشّاق
علّنا نُطفي بذيّاك العصير
حرقةَ الأشواق
اسمعِ البلبلَ ما بين الحقول
يسكبُ الألحان
في فضاءٍ نفختْ فيه التلول
نسمةَ الريحان
لا تخافي يا فتاتي فالنجوم
تكتمُ الأخبار
وضبابُ الليل في تلك الكروم
يحجبُ الأسرار
لا تخافي فعروسُ الجنّ في
كهفها المسحور
هجعتْ سكرى وكادت تختفي
عن عيون الحور
ومليكُ الجنّ إن مرَّ يروح
والهوى يثنيه
فهو مثلي عاشقٌ كيف يبوح
بالذي يضنيه













ادونيس( سورية 1930 )

(وأقبلتِ الخيل فصاحوا علينا من الشط: ارجعا لا
بأس عليكم، فسبحْتُ، وسبَحَ الغلامُ أخي، فالتفتُّ
إليه لأقوّي من قلبه، فلم يسمعْني واغترَّ بأمانهم
وخشيَ الغرق، فاستعجل الانقلابَ نحوهم، وقطعتُ
أنا الفرات، ثم قدّموا الصبيَّ أخي الذي صار إليهم
بالأمان فضربوا عنقَه ومضَوْا برأسه، وأنا أنظر إليه
وهو ابنُ ثلاثَ عشرةَ سنة، ومضيتُ إلى وجهي:
أحسبُ أنّي طائر وأنا ساعٍ على قدمي).
عبد الرحمن الداخل
(صقر قريش)
هَدأَتْ فوق وَجْهِيَ بينَ الفريسةِ والفارسِ الرِّماحُ
جَسَدي يَتدحْرَجُ والموتُ حُوذيُّهُ والرّياحُ
جُثَثٌ تتدَلّى ومَرْثيّةٌ،
وكأنَّ النّهارْ
حجَرٌ يثقبُ الحياةْ
وكأنّ النَهارْ
عَرَباتٌ من الدّمعِ،
غَيِّرْ رنينَكَ يا صوتُ،
أسمعُ صوتَ الفراتْ:
(قُرَيْش...
قافلةٌ تُبْحرُ صوبَ الهِنْدْ
تحملُ نارَ المجدْ.)
... والسَّماء على الجُرح مَمْدودَةٌ، والضِّفافْ
تتهامَسُ، تَمْتَدُّ:
بيني وبين الضفَّافْ
لُغةٌ، بيننا حِوارْ
حَضنَتْهُ الْكَراكِيُّ، طافَتْ به كالشّراعْ
بيننا،
(وافُراتاهُ، كنْ ليَ جسْرً، وكن لي قِناعْ)
وتَرَسَّبْتُ،
غَيِّرْ رَنِينَكَ يا صوتُ، أسمع صوتَ الفراتْ:
(قُريشْ...
لُؤْلْؤَةٌ تشعُّ من دِمشْقْ
يُخْبِئها الصّندلُ واللُّبَانْ
أرَقُّ ما رقَّ له لبنانْ
أجملُ ما حَدَّثَ عنه الشّْرْقْ...)
افتَحي يا بَراري مصاريعَ أبوابكِ الصَّدِئاتِ:
مَلكٌ والفضاءُ خراجي ومملكتي خُطواتي
في الشّقوقِ تَفّيأت
كنْتُ أجسُّ الدَقائقَ
أَمْخضُ ثَدْيَ القِفارْ
سرتُ أمضى من السّهْم أمْضى
عَقَرْتُ الحصَى والغُبارْ
كانتِ الأرضُ أضيقَ من ظلِّ رُمْحيَ مُتُّ
سمعتُ العقاربَ كيف تَصيىءُ، هديتُ القَطَا في المجاهلِ
مُتُّ، انْحنيتُ على الأرض أكثرَ صبرًا من الأرض مُتُّ
انْكَببْتُ على كاهل الريحِ
صَلّيتُ
وَشوَشْتُ حتّى الحجارْ
وقرأتُ النّجومَ، كتبتُ عناوينَها ومحوتُ
راسِمًا شَهْوتي خريطَهْ
وَدَمي حِبْرُها وأعماقيَ البَسيطَهْ.
لو أنّني أعرفُ كالشّاعر أن أغيّرَ الفصولْ
لَو أنّني أعرف أن أكلّمَ الأشياءْ،
سحرتُ قبرَ الفارسِ الطّفل على الفراتْ
قبر أخي في شاطىء الفرات
(ماتَ بلا غسْلٍ ولا قَبْرٍ ولا صَلاهْ
وقلتُ للأشياء والفُصولْ
مُدّي ليَ الفُراتْ
خَلَّيهِ ماءً دافقًا أخضَرَ كالزَّيتونْ
في دَميَ العاشقِ في تاريخيَ المسْنونْ.
لو أنّني أعرف كالشّاعر أن أُشاركَ النَّباتْ
أَعْراسَهُ،
قَنَّعْتُ هذا الشّجَرَ العاريَ بالأطفالْ،
لو أَنَّني أعرفُ كالشاعر أَنْ أُدَجِّنَ الغَرابَه
سَوّيْتُ كلّ حَجَرٍ سحابَهْ
تُمْطرُ فوق الشّامِ والفراتْ،
لو أَنّني أعرفُ كالشّاعر أن أغيّر الآجالْ
لو أَنّني أعرفُ أن أكونْ
نَبْوءَةً تُنْذِرُ أو علامَهْ،
لَصِحْتُ يا غمامَهْ
تكاثَفي وأَمْطري
باسْميَ فوقَ الشَامِ والفراتْ
باللهِ يا غمامَهْ...
علامَةٌ...
مَهْلَكَ يا حَنيني...
أَلصَّقْرُ في باديةِ العروق في مدائنِ السّريرَهْ
أَلصَّقْرُ كالهالةِ مرسومٌ على بوَّابةِ الجزيرهْ
والصّقْرُ في الحنينِ في الحيرة بين الحلْمِ والبُكاءْ
والصّقرُ في مَتاههِ، في يأسه الخلاَّقْ
يَبْني على الذُّروةِ في نهايةِ الأعماقْ
أندلسَ الأعماقْ
أندلسَ الطَّالع من دمشقْ
يحمل للغرب حصادَ الشَّرْقْ.
يُومىء الصَّقرُ للصّقورْ
مُتْعَبٌ، حَملْتهُ مَتاهاتُهُ، حملتهُ الصّخورْ
وجههُ يتقدّمُ والشَّمسُ حُوذيّهُ،
والفضاءْ
مَوْقِدٌ،
والرّياحُ عجوزٌ تقصُّ حكاياته،
والصّقورْ
مَوكبٌ يفتَحُ السّماءْ
يرفَعُ كالعاشقِ في تفجّرٍ مَريدْ
في وَلَه الصَّبْوةِ والإِشراقْ
أندلسَ الأعماقْ
يرفَعُها لِلكون هذا الهيكلِ الجديدْ
كلُّ فَضَاءٍ باسْمهِ كتابٌ
وكلُّ ريحٍ باسْمهِ نَشيدْ .
من "كتاب التحولات والهجرة في أقاليم النهار والليل" 1965





لميعة عباس عمارة ( العراق 1929 – 2021 )

دخنين لا
أتشربين لا
أترقصين لا
ما أنت جمع لا
أنا التي تراني
كل خمول الشرق في ارداني
فما الذي يشد رجليك الى مكاني
ياسيدي الخبير بالنسوان
أن عطاء اليوم شيء ثاني
حلق فلو طاطأت لا تراني







عمر ابو ريشة ( سورية 1908 – 1990 )

قالتْ مللتُكَ إذهبْ لستُ نادِمةً
على فِراقِكَ إن الحبَّ ليس لنا
سقيتُكَ المرَّ من كأسي شفيتُ بها
حقدي عليك ومالي عن شقاكَ غنى !
لن أشتهي بعد هذا اليوم أمنيةً
لقد حملتُ إليها النعش والكفنا
قالتْ وقالتْ ولم أهمسْ بمسمعها
ما ثار من غُصصي الحرى وما سَكنا
تركْتُ حجرتها والدفءَ منسرحاً
والعطرَ منسكباً والعمر مُرتهنا
وسرتُ في وحشتي والليل ملتحفٌ
بالزمهرير وما في الأفق ومضُ سنا
ولم أكد أجتلي دربي على حدسِ
وأستلينُ عليه المركبَ الخشِنا
حتى سمعتُ ورائي رجعَ زفرتها
حتى لمستُ حيالي قدَّها اللدنا
نسيتُ مابي هزتني فجاءتُها
وفجَّرَتْ من حناني كلَّ ما كَمُنا
وصِحتُ يا فتنتي ! ما تفعلين هنا ؟؟
البردُ يؤذيك عودي لن أعود أنا !













ايليا ابو ماضي (1890 – 1957)

نَسِيَ الطينُ ساعَةً أَنَّهُ طينٌ
حَقيرٌ فَصالَ تيها وَعَربَد
وَكَسى الخَزُّ جِسمَهُ فَتَباهى
وَحَوى المالَ كيسُهُ فَتَمَرَّد
يا أَخي لا تَمِل بِوَجهِكَ عَنّي
ما أَنا فَحمَة وَلا أَنتَ فَرقَد
أَنتَ لَم تَصنَعِ الحَريرَ الَّذي
تَلبَس وَاللُؤلُؤَ الَّذي تَتَقَلَّد
أَنتَ لا تَأكُلُ النُضارَ إِذا جِع
ت وَلا تَشرَبُ الجُمانَ المُنَضَّد
أَنتَ في البُردَةِ المُوَشّاةِ مِثلي
في كِسائي الرَديمِ تَشقى وَتُسعَد
لَكَ في عالَمِ النَهارِ أَماني
وَرُأى وَالظَلامُ فَوقَكَ مُمتَد
وَلِقَلبي كَما لِقَلبِكَ أَحلا
مٌ حِسانٌ فَإِنَّهُ غَيرُ جَلمَد
أَأَمانِيَّ كُلَّها مِن تُرابٍ
وَأَمانيكَ كُلَّها مِن عَسجَد
وَأَمانِيَّ كُلُّها لِلتَلاشي
وَأَمانيكَ لِلخُلودِ المُؤَكَّد
لا فَهَذي وَتِلكَ تَأتي وَتَمضي
كَذَويها وَأَيُّ شَيءٍ يُؤَبَّد
أَيُّها المُزدَهي إِذا مَسَّكَ السُقــ
ـمُ أَلا تَشتَكي أَلا تَتَنَهَّد
وَإِذا راعَكَ الحَبيبُ بِهَجرٍ
وَدَعَتكَ الذِكرى أَلا تَتَوَجَّد
أَنتَ مِثلي يَبَشُّ وَجهُكَ لِلنُعمى
وَفي حالَةِ المَصيبَةِ يَكمَد
أَدُموعي خِل وَدَمعُكَ شَهدٌ
وَبُكائي زُل وَنَوحُكَ سُؤدُد
وَاِبتِسامي السَرابُ لا رَيَّ فيهِ
وَاِبتِساماتُكَ اللَآلي الخَرَّد
فَلَكٌ واحِدٌ يُظِلُّ كِلَينا
حارَ طَرفي بِه وَطَرفُكَ أَرمَد
قَمَرٌ واحِدٌ يُطِلُّ عَلَينا
وَعَلى الكوخ وَالبِناءِ المُوَطَّد
إِن يَكُن مُشرِقاً لِعَينَيكَ إِنّي
لا أَراهُ مِن كُوَّةِ الكوخِ أَسوَد
النُجومُ الَّتي تَراها أَراها
حينَ تَخفى وَعِندَما تَتَوَقَّد
لَستَ أَدنى عَلى غِناكَ إِلَيها
وَأَنا مَعَ خَصاصَتي لَستُ أُبعَد
أَنتَ مِثلي مِنَ الثَرى وَإِلَيهِ
فَلِماذا يا صاحِبي التيه وَالصَد
كُنتَ طِفلاً إِذ كُنتُ طِفلا وَتَغدو
حينَ أَغدو شَيخاً كَبيراً أَدرَد
لَستُ أَدري مِن أَينَ جِئت وَلا ما
كُنتُ أَو ما أَكونُ يا صاحِ في غَد
أَفَتَدري إِذَن فَخَبِّر وَإِلّا
فَلِماذا تَظُنُّ أَنَّكَ أَوحَد
أَلَكَ القَصرُ دونَهُ الحَرَسُ الشا
كي وَمِن حَولِهِ الجِدارُ المُشَيَّد
فَاِمنَعِ اللَيلَ أَن يَمُدَّ رَواقاً
فَوقَه وَالضَبابَ أَن يَتَلَبَّد
وَاِنظُرِ النورَ كَيفَ يَدخُلُ لا يَط
لُبُ أُذناً فَما لَهُ لَيسَ يُطرَد
مرقَدٌ واحِدٌ نَصيبُكَ مِنهُ
أَفَتَدري كَم فيكَ لِلذَرِّ مَرقَد
ذُدتَني عَنه وَالعَواصِفُ تَعدو
في طِلابي وَالجَوُّ أَقتَمَ أَربَد
بَينَما الكَلبُ واجِدٌ فيهِ مَأوىً
وَطَعاما وَالهُرُّ كَالكَلبِ يُرفَد
فَسَمِعتُ الحَياةَ تَضحَكُ مِنّي
أَتَرَجّى مِنك وَتَأبى وَتُجحِد
أَلَكَ الرَوضَةُ الجَميلَةُ فيها
الماء وَالطَير وَالأَزاهِر وَالنَد
فَاِزجِرِ الريحَ أَن تَهُز وَتَلوي
شَجَرَ الرَوضِ إِنَهُ يَتَأَوَّد
وَاِلجُمِ الماءَ في الغَدير وَمُرهُ
لا يُصَفِّق إِلّا وَأَنتَ بِمَشهَد
إِنَّ طَيرَ الأَراكِ لَيسَ يُبالي
أَنتَ أَصغَيتَ أَم أَنا إِن غَرَّد
وَالأَزاهيرُ لَيسَ تَسخَرُ مِن فَق
ري وَلا فيكَ لِلغِنى تَتَوَدَّد
أَلَكَ النَهرُ إِنَّهُ لِلنَسيمِ الرَط
بِ دَرب وَلِلعَصافيرِ مَورِد
وَهوَ لِلشُهبِ تَستَحِمُّ بِهِ في الصَي
فِ لَيلاً كَأَنَّها تَتَبَرَّد
تَدَّعيهِ فَهَل بِأَمرِكَ تَجري
في عُروقِ الأَشجارِ أَو يَتَجَعَّد
كانَ مِن قَبلُ أَن تَجيء وَتَمضي
وَهوَ باقٍ في الأَرضِ لِلجَزر وَالمَد
أَلَكَ الحَقلُ هَذِهِ النَحلُ تَجني
الشَهدَ مِن زَهرِه وَلا تَتَرَدَّد
وَأَرى لِلنِمالِ مُلكاً كَبيراً
قَد بَنَتهُ بِالكَدحِ فيه وَبِالكَد
أَنتَ في شَرعِها دَخيلٌ عَلى الحَق
ل وَلِصٌّ جَنى عَلَيها فَأَفسَد
لَو مَلَكتَ الحُقولَ في الأَرضِ طُرّاً
لَم تَكُن مِن فَراشَةِ الحَقلِ أَسعَد
أَجَميلٌ ما أَنتَ أَبهى مِنَ الوَر
دَةِ ذاتِ الشَذى وَلا أَنتَ أَجوَد
أَم عَزيز وَلِلبَعوضَةِ مِن خَدَّي
كَ قوت وَفي يَدَيكَ المُهَنَّد
أَم غَنِيٌّ هَيهاتِ تَختالُ لَولا
دودَةُ القَزِّ بِالحَباءِ المُبَجَّد
أَم قَوِيٌّ إِذَن مُرِ النَومَ إِذ يَغـ
ـشاك وَاللَيلُ عَن جُفونِكَ يَرتَد
وَاِمنَعِ الشَيبَ أَن يَلِمَّ بِفَو
دَيك وَمُر تَلبُثِ النَضارَةُ في الخَد
أَعَليمٌ فَما الخَيالُ الَّذي يَطـ
ـرُقُ لَيلاً في أَيِّ دُنيا يولَد
ما الحَياةُ الَّتي تَبين وَتَخفى
ما الزَمانُ الَّذي يُذَم وَيُحمَد
أَيُّها الطينُ لَستَ أَنقى وَأَسمى
مِن تُرابٍ تَدوسُ أَو تَتَوَسَّد
سُدتَ أَو لَم رَسُد فَما أَنتَ إِلّا
حَيَوانٌ مُسَيَّرٌ مُستَعبَد
إِنَّ قَصراً سَمَكتُهُ سَوفَ يَندَكُّ
وَثَوباً حَبَكتَهُ سَوفَ يَنقَد
لا يَكُن لِلخِصامِ قَلبَكَ مَأوىً
إِنَّ قَلبي لِلحَبيبِ أَصبَحَ مَعبَد
أَنا أَولى بِالحُبِّ مِنك وَأَحرى
مِن كِساءٍ يَبلى وَمالٍ يَنفَد










ميخائيل نعيمة (لبنان 1889 – 1988 )
النهر المتجمد
يا نهرُ، هل نضبتْ مياهُكَ فانقطعتَ عن الخريرْ؟
أم قد هَرِمْتَ وخار عزمُكَ فانثنيتَ عن المسير؟
بالأمسِ كنتَ مرنّماً بين الحدائقِ والزهورْ
تتلو على الدنيا وما فيها أحاديثَ الدهور
بالأمس كنتَ تسير لا تخشى الموانعَ في الطريقْ
واليومَ قد هبطتْ عليك سكينةُ اللحدِ العميق
بالأمس كنتَ إذا أتيتُكَ باكياً سلَّيْتَني
واليومَ صرتَ إذا أتيتُكَ ضاحكاً أبكيتني
بالأمسِ كنتَ إذا سمعتَ تنهُّدِي وتوجُّعِي
تبكي ، وها أبكي أنا وحدي، ولا تبكي معي !
ما هذه الأكفانُ؟ أم هذي قيودٌ من جليدْ
قد كبَّلَتْكَ وذَلَّلَتْكَ بها يدُ البرْدِ الشديد؟
ها حولكَ الصفصافُ لا ورقٌ عليه ولا جمالْ
يجثو كئيباً كلما مرَّتْ بهِ ريحُ الشمال
والحَوْرُ يندُبُ فوق رأسِكَ ناثراً أغصانَهُ
لا يسرح الحسُّونُ فيهِ مردِّداً ألحانَهُ
تأتيه أسرابٌ من الغربانِ تنعَقُ في الفضا
فكأنها ترثي شباباً من حياتِكَ قد مضى
وكأنها بنعيبها عندَ الصباحِ وفي المساءْ
جوقٌ يُشَيِّعُ جسمَكَ الصافي إلى دارِ البقاء
***
لكن سينصرف الشتا، وتعود أيامُ الربيعْ
فتفكّ جسمكَ من عِقَالٍ مَكَّنَتْهُ يدُ الصقيع
وتكرّ موجتُكَ النقيةُ حُرَّةً نحوَ البِحَارْ
حُبلى بأسرارِ الدجى ، ثَملى بأنوارِ النهار
وتعود تبسمُ إذ يلاطف وجهَكَ الصافي النسيمْ
وتعود تسبحُ في مياهِكَ أنجمُ الليلِ البهيم
والبدرُ يبسطُ من سماه عليكَ ستراً من لُجَيْنْ
والشمسُ تسترُ بالأزاهرِ منكبَيْكَ العارِيَيْن
والحَوْرُ ينسى ما اعتراهُ من المصائبِ والمِحَنْ
ويعود يشمخ أنفُهُ ويميس مُخْضَرَّ الفَنَنْ
وتعود للصفصافِ بعد الشَّيبِ أيامُ الشباب
فيغرد الحسُّونُ فوق غصونهِ بدلَ الغراب
***
قد كان لي، يا نهرُ، قلبٌ ضاحكٌ مثل المروجْ
حُرٌّ كقلبِكَ فيه أهواءٌ وآمالٌ تموج
قد كان يُضحي غير ما يُمسي ولا يشكو المَلَلْ
واليوم قد جمدتْ كوجهِكَ فيه أمواجُ الأمل
فتساوتِ الأيامُ فيه: صباحُها ومساؤها
وتوازنَتْ فيه الحياةُ: نعيمُها وشقاؤها
سِيّانِ فيه غدا الربيعُ مع الخريفِ أو الشتاء،
سيّانِ نوحُ البائسين، وضِحكُ أبناءِ الصفاء
نَبَذَتْهُ ضوضاءُ الحياةِ فمالَ عنها وانفردْ
فغدا جماداً لا يَحِنُّ ولا يميلُ إلى أحد
وغدا غريباً بين قومٍ كانَ قبلاً منهمُ
وغدوت بين الناس لغزاً فيه لغزٌ مبهمُ
***
يا نهرُ ذا قلبي، أراهُ، كما أراكَ، مكبَّلا
والفرقُ أنَّك سوفَ تَنشطُ من عِقالِكَ، وهو... لا




الجواهري ( العراق 1900 – 1997 )

قِفْ بالمعَرَّةِ وامسَحْ خَدَّها التَّرِبا
واستَوحِ مَنْ طَوَّقَ الدُّنيا بما وَهَبا
واستَوحِ مَنْ طبَّب الدُّنيا بحكْمَتَهِ
ومَنْ على جُرحها مِن روُحه سَكَبا
وسائلِ الحُفْرةَ المرموقَ جانِبُها
هل تبتَغي مَطْمَعاً أو ترتجي طلَبا ؟
يا بُرجَ مفْخَرةِ الأجداث لا تهِني
أنْ لم تكُوني لأبراج السَّما قُطُبا
فكلُّ نجمٍ تمنَّى في قَرارته
لو أنَّه بشُعاعٍ منكِ قد جُذبا
والمُلْهَمَ الحائرَ الجبَّارَ ، هل وصَلَتْ
كَفُّ الرَّدى بحياةٍ بَعْدَه سَبَبا؟
وهل تَبدَّلْتَ رُوحاً غيرَ لاغبةٍ
أم ما تزال كأمسٍ تشتكي اللَّغَبا
وهل تخبَّرْتَ أنْ لم يألُ مُنْطَلِقٌ
منُ حرّ رأيكَ يَطْوي بعْدكَ الحقَبا
أم أنتَ لا حِقَبلً تدري ، ولا مِقَةً
ولا اجتواءً ، ولا بُرءاً ، ولا وصَبا
وهل تصَحَّحَ في عُقْباكَ مُقْتَرحٌ
ممَّا تفَكرتَ أو حَدَّثْتَ أو كُتِبا ؟
نَوِّر لَنا ، إنَّنا في أيّ مُدَّلج ٍ
ممَّا تَشكَّكْتَ ، إنْ صِدقاً وإنْ كذبا
أبا العلاءِ ، وحتى اليومِ ما بَرِحتْ
صَنَّاجهُ الشَعر تُهدي المترفَ الطَّربا
يَستنزلُ الفكرَ من عَليا مَنازلهِ
رأسٌ ليمسحَ من ذي نعمةٍ ذنَبا
وزُمرةُ الأدبِ الكابي بزُمرتهِ
تفرَّقَتْ في ضَلالاتِ الهوى عُصَبا
تَصَّيدُ الجاهَ والألقابَ ناسيةً
بأنَّ في فكرةٍ قُدسيَّةٍ لقبا
وأنَّ للعبقريّ الفذِّ واحدةً
إمَّا الخُلودَ وإمَّا المالَ والنَّشبا
من قبلِ ألفٍ لَو انَّا نبتغي عِظةً
وعَظْتَنا أنْ نصونَ العلمَ والأدبا
على الحصيرِ .. وكوزُ الماء يَرفدهُ
وذِهنُه .. ورفوفٌ تحمِلُ الكتبا
أقامَ بالضَّجَّةِ الدُّنيا وأقعدَها
شيخٌ أطلَّ عليها مُشفقاً حَدِبا
بَكى لأوجاعِ ماضيها وحاضرِها
وشامَ مُستقْبَلاً منها ومرتقبَا
وللكآبةِ ألوانٌ ، وأفجعُها
أنْ تُبصرَ الفيلسوفَ الحُرَّ مكتئِبا
تناولَ الرثَّ من طبعٍ ومُصطَلحٍ
بالنقدِ لا يتأبَّى أيَّةً شجبا
وألهمَ الناسَ كي يَرضَوا مغبَّتهم
أن يُوسعوا العقلَ ميداناً ومضطَربا
وأنْ يَمدُّوا به في كلِّ مُطَّرحٍ
وإنْ سُقوا مِن جَناه الويلَ والحرَبا
لِثورةِ الفكرِ تأريخٌ يحدّثُنا
بأنَّ ألفَ مسيحٍ دونَها صُلِبا
إنَّ الذي ألهبَ الأفلاكَ مِقولُه
والدَّهرَ .. لا رَغَباً يرجو ولا رهَبا
لم ينسَ أنْ تشمَلَ الأنعامَ رحمتُهُ
ولا الطيورَ .. ولا أفراخَها الزُغُبا
حَنا على كلّ مغضوبٍ فضمَّده
وشجَّ منْ كان ، أيّاً كان ، مغتصِبا
سَلِ المقاديرَ ، هل لازلتِ سادرةً
أمْ أنتِ خجلى لِما أرهقتهِ نصبا؟
وهل تعمَّدتِ أنْ أعطيتِ سائبةَ
هذا الذي من عظيمٍ مثْلِه سُلبا
هذا الضياءَ الذي يَهدي لمكمنّه
لِصّاً ويُرشدُ أفعى تَنفُثُ العَطَبا
فانْ نَخَرتِ بما عوَّضتِ من هبةٍ
فقد جنيتِ بما حمَّلتهِ العصبا
تلمَّسَ الحُسنَ لم يمدُدْ بمُبصرةٍ
ولا امتَرى دَرَّةً منها ولا حلبا
ولا تناولَ من ألوانها صُوراً
يَصُدُّ مبتعِدٌ منهنَّ مُقتربا
لكنْ بأوسعَ من آفاقها أمداً
رَحْباً ، وأرهفَ منها جانباً وشَبا
بعاطفٍ يتبنَّى كلَّ معتلِجٍ
خفَّاقه ويُزكّيهِ إذا انتسبا
وحاضنٍ فُزَّعَ الأطيافِ أنزلها
شعافَه وحباها معقِلاً أشِبا
رأسٌ من العَصَبِ السامي على قفص
من العظام إلى مهزولةٍ عُصِبا
أهوى على كُوَّةٍ في وجههِ قدَرٌ
فسَدَّ بالظلْمةِ الثُقْبينِ فاحتجبا
وقال للعاطفات ِ العاصفاتِ بهِ
ألآنََ فالتمسي مِن حُكْمهِ هربا
ألآنَ يشربُ ما عتَّقتِ لا طفَحاً
يُخشى على خاطرٍ منه ولا حبَبا
ألآنَ قولي إذا استوحشتِ خافقَه
هذا البصيرُ يُرينا آيةً عَجبا
هذا البصيرُ يُرينا بين مندرِسٍ
رثِّ المعالم، هذا المرتَعَ الخصِبا
زنجيَّةُ اليلِ تروي كيف قلَّدها
في عُرسها غُرَرَ الأشعار ..لا الشهبا
لعلَّ بين َ العمى في ليلِ غُربته
وبين فحمتَهِا من أُلفَةٍ نسبا
وساهرُ البرق والسُمَّارُ يُوقِظهم
بالجزع يخفق من ذكراه مضطرِبا
والفجرُ لو لم يلُذْ بالصبح يَشربه
من المطايا ظِماءً شُرَّعاً شُربا
والصبحُ ما زال مُصفرّاً لمقرّنَهِ
في الحُسْن بالليل يُزجي نحوه العتبا
يا عارياً من نَتاجِ الحُبِّ تكرمةً
وناسجاً عَفَّةً أبرادَهُ القشُبا
نعوا عليكَ – وأنت النور – فلسفةً
سوداءَ لا لذَّةً تبغي ولا طرَبا
وحمَّلوكَ – وأنت النارُ لاهبةً
وِزرَ الذي لا يُحسُّ الحُبَّ ملتهبا
لا موجةُ الصَّدرِ بالنهدينِ تدفعه
ولا يَشقُّ طريقاً في الهوى سَربا
ولا تُدغدِغُ منه لذَّةٌ حُلُماً
بل لا يُطيقُ حديثَ اللذَّةِ العذِبا
حاشاك ، إنَّكَ أذكى في الهوى نفسَاً
سََمْحاً ، وأسلسُ منهمْ جانباً رطِبا
لا أكذبنَّكَ إنَّ الحُبَّ متَّهمٌ
بالجَور يأخذ مِنَّا فوقَ ما وَهبا
كم شيَّعَ الأدبُ المفجوعُ مُختضَراً
لدى العيونِ وعندَ الصدر مُحتَسَبا
صَرعى نَشاوى بأنَّ الخَودَ لُعبتُهم
حتى إذا استَيقظوا كانوا هُمُ اللُعَبا
أرتهُمُ خيرَ ما في السّحْرِ من بُدءٍ
وأضمرتْ شَرَّ ما قد أضمرتْ عُقبا
عانَى لَظَى الحُبِّ " بشَّارٌ " وعُصبتُه
فهل سوى أنَّهم كانوا له حَطبا
وهل سوى أنهم راحوا وقد نذروا
للحبِّ ما لم يجب منهم وما وَجبا
هل كنتَ تخلدُ إذ ذابوا وإذ غَبرُوا
لو لم ترُضْ منِ جِماحِ النفس ما صَعُبا
تأبى انحلالاً رسالاتٌ مقدَّسةٌ
جاءت تقوِمُ هذا العالَمً الخَربا
يا حاقِرَ النبعِ مزهُوّاً بقوَّتهِ
وناصراً في مجالي ضعفهِ الغَرَبا
وشاجبَ الموت من هذا بأسهمهِ
ومُستمِنّاً لهذا ظِلَّهُ الرَّحبِا
ومحرِجَ المُوسِرِ الطاغي بنعمتهِ
أنْ يُشرِكَ المُعْسِرَ الخاوي بما نهبا
والتَّاجُ إذ تتحدَّى رأسَ حاملهِ
بأيِّ حقٍّ وإجماعٍ به اعتصبا
وهؤلاءِ الدُّعاةُ العاكفونَ على
أوهامهم ، صنماً يُهدون القُرَبا
الحابطونَ حياةَ الناس قد مَسخوا
ما سنَّ شَرْعٌ وما بالفطرة اكتُسِبا
والفاتلونَ عثانيناً مُهرّأةً
ساءتْ لمحتطِبٍ مَرعى ومحتطَبا
والمُلصِقونَ بعرش اللهِ ما نسجت
أطماعُهم : بِدعَ الأهواءِ والرِيّبا
والحاكمونَ بما تُوحي مطامعُهم
مؤِّولينَ عليها الجدَّ واللَّعبا
على الجلود من التدليس مَدرعةٌ
وفي العيون بريقٌ يخطَف الذهبا
ما كان أيُّ ضلالٍ جالباً أبداً
هذا الشقاء الذي باسم الهُدى جُلبا!
أوسَعْتَهم قارصاتِ النقدِ لاذعةً
وقلتَ فيهم مَقالاً صادقاً عجبا
" صاحَ الغرابُ وصاحَ الشيخُ فالتبستْ
مسالِكُ الأمر: أيٌّ منهما نعبا "
أجللتُ فيك من الميزات خالدةً
حُرَّيةَ الفكرِ والحرمانَ والغضبا
مجموعةً قد وجدناهُنَّ مُفرَدةً
لدى سواكَ فما أغنيننا أربا
فربَّ ثاقبِ رأيٍ حطَّ فكرتَه
غُنمٌ فسَفَّ .. وغطَّى نورَها فخبا
وأثقلَتْ مُتَعُ الدُّنيا قوادِمَهُ
فما ارتقى صُعُداً حتَّى ادَّنى صَبيا
بَدا له الحقُّ عُرياناً فلم يَرهُ
ولاحَ مقتلُ ذي بغيٍ فما ضَربا
وإنْ صدقتُ فما في الناس مُرتكِباً
مثلُ الأديب أعان الجورَ فارتكبا
هذا اليراعُ ، شواظُ الحقّ أرهفه
سيفاً . وخانعُ رأيٍ ردَّه خشبا
ورُبَّ راضٍ من الحرمان قِسَمته
فبرَّر الصبرَ والحرمانَ والسغبا
أرضى ، وإنْ لم يشأ ، أطماحَ طاغيةٍ
وحالَ دونَ سوادِ الشعب أن يثبا
وعوَّضَ الناسَ عن ذُلٍّس ومَتربَةٍ
مَنَ القناعةِ كنزاً مائجاً ذهبا
جيشٌ من المُثُلِ الدُّنيا يَمُدُّ به
ذوو المواهبِ جيشَ القوَّةِ اللَّجبا
آمنت بالله والنورِ الذي رسمَتْ
به الشرائعُ غُرّاً منهجاً لَحِبا
وصُنتُ كَّل دُعاةِ الحقِّ عن زَيغٍ
والمُصلحينَ الهداةَ ، العُجْمَ والعَرَبا
وقد حَمِدتُ شفيعاً لي على رَشَدي
أُمّاً وجدتُ على الإسلامِ لي وأبا
لكنَّ بي جنَفَاً عنِ وعي فلسفةٍ
تقضي بأنَّ البرايا صُنِّفتْ رُتَبا
وأنَّ مِن حِكمةٍ أنْ يجتني الرُّطَبا
فردٌ بجَهد ألوفٍ تعلكُ الكَرَبا













ذكرى ابو التمن - الجواهري

طالَتْ – ولو قَصُرَت يدُ الأعمارِ
لرَمتْ سِواكَ عَظُمْتَ مِنْ مُختارِ
من صفوةٍ لو قيلَ أيٌّ فَذُّهُمْ
لم تَعْدُ شَخْصَكَ أعينُ النُظَّار
لكن أرادتْ أن تحوزَ لنفسها
عَينَ القِلادةِ فازدَرَتْ بنُثار
وتجاهَلتْ أنَّ البلادَ بحاجةٍ
لكَ حاجةَ الأعمى إلى الإِبصار
هَيَّجتَ منّي أيَّ داءِ كامنٍ
وقدحتَ منّي أيّ زندٍ واري
قسَماً بيومِكَ والفُراتِ الجْاري
والثورةِ الحمراء والثُّوّار
والأرضِ بالدَّمِ ترتوي عن دِمْنَةٍ
وتَمُجّهُ عن روضةٍ مِعطار
إنَّ الذينَ عهِدتَهُم حطَبَ الوغى
لولاهُم لم تشتعِل بأوار

















النواب (العراق 1934 – 2022)

يا طعم … يا ليله من ليل البنفسج
يا عذر …
يمامش بمامش و أحبك
طبع بگلبي من اطباعك ذهب
ترخص … أغلّيك و أحبّك
أنه متعلّم عليك هواي
يا سولة سكتّي
يا طواريّك … من الظلمه تجيني
چانن ثيابي عليَ غربه گبل جيتك
و مستاحش من عيوني
و علىٰ المامش حنيني
چلمة الهجران زارتني
گبل حبك يغالي و ألّمتني
علىٰ المامش علّمتني
گبل حبك …
آنه حب چثير گبلك ذوّباني
لگّحت بعيوني كل الطّلِع
گبلك …
و إنت توَّك عوِّگك يلفيَّك أشگر
عوّگك كلش زمانك عن زماني
شلون اوصفك ؟
و إنت كهرب
و آنه دمعة عيني … دمعة ليل ظلمه
شلون اوصفك ؟
و إنت دفتر … و آني چلمه
يلّي ما جاسك فكر بالليل
ولا جاسك سهر
يلّي بين حواجبك غفوة نهر
يلّي جرّة سما بعينك
خاف أفزّزها من اگلّك
آنه أحبّك …
مامش بمامش … و لا المامش
يميزان الذهب و أدغش و أحبّك
سلّمت كل الحجي الوادم
و أرد أگلّك …
فرني حسنك يا بنفسج
و إنت وحدك دوختني
و علىٰ حبّك …
أنه حبيت الذي بحبهم لمتني
يا طعم … يا ليله من ليل البنفسج
يا عذر …
يمامش بمامش و أحبّك











جورج جرداق ( لبنان – 1933 – 2014)

قَد أَطَالَ الوُقُوفَ حِينَ دَعَانِي
لِيَلُمَّ الأشواقَ عَن أَجفانِي
فَادن منّي وخُذ إِليكَ حَنَاني
ثُمُّ أَغمضْ عَينيكَ حَتَّى تَرَانيَ
وَليَكنُ لَيلُنا طًوِيلاً طَويلاً
فَكثيرُ اللقِاءِ كَانَ قَليلاَ
سَوفَ تَلهُو بِنَا الحَياة وَتَسخَر
فَتَعَالَ أُحُبّك الآنَ أَكثَر
يَا حَبيبِي طَابَ الهوَى مَاعلينَا
لَو حَمَلنَا الأَيَّامَ في راحَتَيْنَا
صُدفَةٌ أَهدَتِ الُوجُودَ إِلَينَا
وَأَتاحَت لَقاءَنَا فالتَقينَا
فِي بِحارٍ تَئنُّ فيهَا الرّياَحُ
ضَاعَ فِيَها المِجدَافُ والملاَّحُ
كَم أَذلَّ الفِرَاقَ مِنَّا لقاءُ
كُلُّ ليلٍ إِذَا التقينَا صَباحُ















الهادي آدم ( السودان 1927 – 2006 )
من ديوانه كوخ الاشواق الصادر 1948
وغدا تاتلق الجنة انهارا وظلا
وغدا ننسى فلا ناسى على ماض تولى
وغدا للحاضر الزاهر نحيا ليس الا
قد يكون الغيب حلوا
انما الحاضر احلى













حسب الشيخ جعفر ( العراق 1924 - 2022)
من ديوان الطائر الخشبي

العشب والحيوان والنار القديمة أصدقائي،
الريح تحمل لي أريج الحندقوق، العشب
والحيوان والنار القديمة أصدقاء صبية خجلى،
ارتجفت أمام عينيها، ضممتُ، بكت، وما كنا
سوى طفلين يحتضنان بعضهما، ارتشفت، ولم أذق
من قبل غيرهما، ندى شفتين، تحمل لي أريج
الحندقوق الريح، في قصب الضفاف؟ الماء
يجري؟ الفجر كان نداوة وشذى قديم،
ضباب قديم
ونهر قديم
الماء في الضوء القديم، الماء في الظل القديم
الماء يحمله صغيرًا، عمره يومان، حلوًا نائمًا،
يلتف حول العنق منديل، وتنفتح العيون
الخضر تحت الماء، ذا نغل؟ أنحمله إلى البستان؟
عمي ادفنه تحت النخل.. قيل: تعيش خلف
سياجها القصبي امرأة أحبت واحدًا من صبية
الجيران، قيل: عيونها خضر وخداها مرايا
قيل: أرملة إذا انحلت ضفائرها ارتمت
ذهبًا يشع على البساط.. لمحتها يومًا، أتذكر
أيها النهر القديم؟
ضباب قديم
وفجر قديم
أحببت وجهك؟ وجه ابنتك؟ ارتجفت أمام
عينيها، أعدني أيها النهر القديم، أعد مذاق
الحندقوق، وددت لو أطوي يديّ عليك
أبكي يا ابنتي ابكي ويضحك في عيونك كوكبي
اللاهي.. إلهي لو أعود، أعود طفلًا في رذاذ
الريح يخفق ثوبه البالي، معًا نعدو وراء التل
طعم الخبز والرشاد في شفتي.. طعم القبلة
الأولى، والبروق الخضر تخطفني، أقص عليك
شيئًا عن كنوز الجن؟ يحرقني شحوبٌ في يديك
أتفهمين، الماء والسفن الثقيلة والنخيل
الماء يجري، الفجر كان مدثرًا بالسحب كان
شممت عشبًا يابسًا وندى يشع، شممت
عشًا دافئًا في الفجر، أنكرني دخان الروث
والكرب المبلل، أنكرتني النار والطين القديم
بحثت عن ثوبي الممزق وارتعاشة هيكلي المهزول
تنبحني كلاب طفولتي البيضاء.. (أزرق كان
وجهك في زجاج الريح، مرتجفًا أراك، يداك
تلتقطان ريش البطة المذبوحة البيضاء، أسمع
كالصدى الخابي عويلك واطفاق الريح والسعف
الشتاء يحط قربك لقلقًا ويفر، بيت
من حجار ضمنا بيت وراء النخل نبنيه ويهدمه
اللصوص، والتر تسهر فوق وجهك.. لعبة
الصبر القديمة في يدي تحطمت، وجهي على
لهب المرايا وردة تبتل حين أراك تبكي، البطة
البرية البيضاء، من يدري، اتخفق في ضباب
عيونك الساهي القديم؟ تلم شعري بقايا
القش حين تعود نحجلُ..) أنكرتني الريح،
جفَّ دمي القديمُ، الماء يجري، امتد قوس
من شفاهك، هل يمر حنيني الهمجي؟ يدفق
في عروقي الطين واليقطين، ما انهدمت غصونك
في يديَّ، إليّ ورقي المخبأ في الجذور،
أتحتَ هذي النخلة العجفاء يغفو صحو أوراقي؟
اتركي في راحتي نعومة أو رعشة من وجنتيكِ
يمر دونهما الزمانُ وتخفقان مدى انتظاري
الماء يجري، واحفري في مقلتي وفي يدي
شحوب وجهك كلما أصحرت في شفة الهجير
ارتحت في ظل ندي من طراوة هدبك الخجلان
وجهك صحو أوراقي القديم
ضباب قديم
طين قديم..
(وأضم، في خجل، يديَّ على بقايا دفء ليلٍ
مقمر، والنخل بات يجوده طل يهف الى
الصباح، وفي ارتخاءٍ كنتُ ارقص في ارتخاء،
حلوة بيضاء كنتُ.. تضيء وجهك ضحكة قمرية
في مقلتيها، حلوة مثلي؟ انزلقت على يديها
متعبًا خجلان تغرب في شحوب يدي
القديم) الماء يجري، العشبُ والحيوان
والنار القديمة اصدقائي، الماء يجري، وجهي
القروي يهرم في المقاهي
فانفضي عن جبيني الغبار
وامسحي عن جفوني المطر
وجهك الحلو في كل بار
مر بي فانتشر
في عروقي الضباب القديم.



·








بشارة الخوري - الاخطل الصغير (1848 – 1968 )
المسلول
حسناء ، أي فتى رأت تصد
قتلى الهوى فيها بلا عدد
بصرت به رث الثياب ، بلا
مأوى بلا أهل بلا بلد
فتخيرته ، وكان شافعه
لطف الغزال وقوة الأسد
***
ورأى الفتى الآمال باسمة
في وجهها ، لفؤاده الكمد
والمال ملء يديه ، ينفقه
متشفياً إنفاق ذي حرد
ظمآن والأهواء جارية
كالسلسبيل ، مسى يرد يرد
روض من اللذات ، طيبة
أثماره ، خلو من الرصد
نعم أفانين ، يكاد لها
يختال من غلواه في برد
ماضيه ، لو يدري بحاضره ،
رغم الأخوة مات من حسد
***
سكران ، والكاسات شاهدة ،
إن الكؤوس لها من العدد
سكران لا يصحو كسكرته
أمساً ، وسكرته غداة غد
سكران ، وهي تزقه قبلاً
ويزقها ، وإذا تزد يزد
سكران ، وهي تمص من دمه
وتريه قلب الأم للولد
سكران ، حتى رأسه أبداً
لا يستقر لكثرة الميد
(( قالت له : نم ، نم لفجر غد
ضع رأسك الواهي على كبدي
نم ، لا تسلط يا حبيب على
مخمور جسمك قلة الجلد
عيناك متعبتان من سهر
ويداك راجفتان من جهد
لا ، لا أنام ولا أذوق كرى ،
إن النهار مضى ولم يعد
لا ، لا أنام و لا أذوق كرى ،
أنا لست من يحيا لفجر غد
سلمى ، أحس النار سائرة
بدمي ، وتجري معه في جسدي
وأحس قلبي فاغراً فمه
للحب ، للذات ، للرغد
إن ضاع يومي ، ما أسفت على
خضر الربيع وزرقة الجلد
***
نم لا تكابر ، كاد رأسك أن
يهوي بكأسك ، غير أن يدي ..
يهوي ! .. نعم يا فتنتي ومنى
نفسي ، وزهرة جنة الخلد
يهوي ! .. ولم لا ، والشباب ذوى
وعلى شبابي كان معتمدي
لم تبق لي مني ، سوى رمق
متراوح في أضلع همد …
رباه مذ يومين كنت فتى
لي قوتي وشبيبتي وغدي
واليوم ، أسرع للبلى ، وأنا
لم أبلغ العشرين أو أكد
سلماي إنك أنت قاتلي !
فجميل جسمك مدفني الأبدي
وطويل شعرك صار لي كفناً
كفن الشباب ذوى وكان ندي
سلمى اطفئي الأنوار وافتتحي
هذي الكوى لنسائم جدد
ودعي شعاع الشمس يضحك لي
فشعاعها يرد على كبدي
ودعي أريج الزهر ينعشني
وهديل طر الأيكة الغرد
أنا ، إن قضيت هوى ، فلا طلعت
شمس الضحى بعدي على أحد ))
***
أنا إن قتلتك كيف تحفظني
إن صح زعمك ، حقظ مقتصد
أو كنت مت لليلتي جهد
يا مهجتي خفف ولا تزد
لا ، أنت محييتي ومنقذتي
من عيشي المتنكر النكد
أفأنت قاتلتي ؟ كذبت أنا ،
لولاك كنت أذل من وتد
لكنما العشاق ، عادتهم
ذكر المنايا ذكر مفتئد
يبكون من جزع للذتهم
أن لا تكون طويلة الأمد ..
قلبي لقلبك خافق أبداً
ويظل يخفق غير متئد
إن كان ذاك ، فهذه شفتي
من يشتعل في الحب يبترد
***
وتصافحا فتعانقا فهما
روحان خافقتان في جسد
***
نهبا أويقات الصفاء ، وقد
عكفا عليهما عكف مجتهد
وترشفا كأس الغرام ، وما
تركا بها من نهلة لصدي
ومشى الهوى بهما كعادته ،
والبحر لا يخلو من الزبد …
***
سنة مضت ، فإذا خرجت إلى
ذاك الطريق بظاهر البلد
ولفت وجهك يمنة ، فترى
وجهاً متى تذكره ترتعد :
هذا الفتى في الأمس ، صار إلى
رجل هزيل الجسم منجرد
متلجلج الألفاظ مضطرب
متواصل الأنفاس مطرد
متجعد الخدين من سرف
متكسر الجفنين من سهد
***
عيناه عالقتان في نفق
كسراج كوخ نصف متقد
أو كالحباحب ، باخ لامعه ،
يبدو من الوجنات في خدد
تهتز أنمله ، فتحسبها
ورق الخريف أصيب بالبرد
ويكاد يحمله ، لما تركت
منه الصبابة ، مخلب الصرد
***
يمشي بعلته على مهل
فكأنه يمشي على قصد
ويمج أحياناً دماً . فعلى
منديله قطع من الكبد
قطع تآبين مفجعة
مكتوبة بدم بغير يد
قطع تقول له : تموت غداً
وإذا ترق ، تقول : بعد غد ..
والموت أرحم زائر لفتى
متزمل بالداء مغتمد
قد كان منتحراً ، لو أن له
شبه القوى في جسمه الخصد
لكنه ، والداء ينهشه ،
كالشلو بين مخالب الأسد ..
جلد على الآلام ، ينجده
طلل الشباب ودارس الصيد ..
***
أين التي علقت به غصناً
حلو المجاني ناضر الملد
أين التي كانت تقول له :
ضع رأسك الواهي على كبدي ؟..
مات الفتى ، فأقيم في جدث
مستوحش الأرجاء منفرد
متجلل بالفقر ، مؤتزر
بالنبت من متيبس وندي
وتزوره حيناً ، فتؤنسه
بعض الطيور بصوتها الغرد ..













سعدي يوسف ( العراق 1934 – 2021 )
حملت على رمال شمال افريقية السعفا
حملت الطلع من منفى الى منفى
واحرقت الخرائط في مرافيء مصر بين الشرق والمنفى
وسبعا كانت السنوات
سبعا كانت الارضون
وعبر دروب بنغازي ودرنة كنت اسال عن هويتي التي مزقتها نصفين
اعطيت المفوض نصفها وحبيبتي نصفا









فهرست
مقدمة
الياس ابو شبكة
نزار قباني
السياب
البريكان
محمود درويش
الشابي
بدوي الجبل
الفيتوري
الاخطل الصغير
احمد شوقي
ابراهيم ناجي
جبران خليل جبران
ادونيس
لميعة عباس عمارة
عمر ابو ريشة
ايليا ابو ماضي
ميخائيل نعيمة
الجواهري
النواب
جورج جرداق
الهادي ادم
الاخطل الصغير
سعدي يوسف



#كاظم_حسن_سعيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف انبثقت الرومانسية في الشعر العربي المعاصر
- كتاب مختارات من الشعر العربي المعاصر
- رواية حزن وجمال لكاوباتا الياباني اسرار الجسد الانثوي.
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
- نظرات من اعلى التل كتاب كامل
- رواية المطبخ احدث السرد الياباني
- حوار مع الذكاء الصناعي باول صبح 2025
- ماركيزيات كتاب كامل
- تسجيل لحكايا برقية ج5
- تسجيل لحكايا برقية ج4
- ارملة مونتيل العالم سيء التكوين
- صكوك الغفران جذر لاخر رواية لماركيز
- تسجيل لحكايا برقية ج3
- مقدمة كتاب ماركيزيات
- جمال الموت يغير الواقع
- النوبلية نادين جورديمرالموت افلاس اخير
- الباكورة السليمانية كتاب تسبب بحرق صاحبه
- مكتبات غزة وقود لصنع الرغيف
- الرواية القصيرة في الطريق الى الصدارة
- النوبلية اليس مونرو الاسباب الخفية وراء العشق


المزيد.....




- الثقافة السورية توافق على تعيين لجنة تسيير أعمال نقابة الفنا ...
- طيران الاحتلال الاسرائيلي يقصف دوار السينما في مدينة جنين با ...
- الاحتلال يقصف محيط دوار السينما في جنين
- فيلم وثائقي جديد يثير هوية المُلتقط الفعلي لصورة -فتاة الناب ...
- افتتاح فعاليات مهرجان السنة الصينية الجديدة في موسكو ـ فيديو ...
- ماكرون يعلن عن عملية تجديد تستغرق عدة سنوات لتحديث متحف اللو ...
- محمد الأثري.. فارس اللغة
- الممثلان التركيان خالد أرغنتش ورضا كوجا أوغلو يواجهان تهمة - ...
- فنانو وكتاب سوريا يتوافدون على وطنهم.. الناطور ورضوان معا في ...
- ” إنقاذ غازي ” عرض مسلسل عثمان الحلقة 178 كاملة ومترجمة بالع ...


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل