أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجيب طلال - ناسور ممثلا















المزيد.....


ناسور ممثلا


نجيب طلال

الحوار المتمدن-العدد: 8235 - 2025 / 1 / 27 - 09:14
المحور: الادب والفن
    


نــاسور ممثــلا
نجيب طــلال
نقطة نظام:

لا مندوحة أن نشير هاهنا، بأن هذا الموضوع رهين (كذلك) بمهمة لجنة ( النقد والإعلام) المنبثقة عن المهرجان الوطني للمسرح ( تطوان) ورهين (كذلك) بشرذمة "النقاد" الذين يتجولون في المهرجانات والتظاهرات !! ولا يقدمون لنا أية تموقف أو تصور يفيد ممارسي المسرح في هذا البلد ؟ فعـبر تاريخ المسرح في المغرب، لم يتم تناول قراءة " الممثل" كجسد تشريحي ومدى تقاطعه بالجسد البلاغي ومدى فاعليته في مركزية الركح، ومحور الشبكة الدلالية للعرض في كليته. وبمعزل عنه في نفس اللحظة. وما أكثر الطاقات المغربية الخلاقة التي كانت ولازالت ؛ تبهر بدينامية جسدها وخطابها اللفظي والإشاري فوق الركح. والتي برزت منذ عقد الستينيات من ( ق، م) إلى يوم الناس. وهنا لا يمكن أن نعْـدم بعض الإشارات أو اللمسات المنشورة من لدن بعض الصحفيين والمهتمين هنا وهناك. تجاه بعض الممثلين وأدائهم . وهذا في كل تظاهرة مسرحية / سينمائية، تبرز طاقات إبداعية ملفتة للنظر. على مستوى الأدائية و التشخيص الذي يُحقق الإبداعية ؛ لأن هناك فرق شاسع بين التشخيص والتمثيل والتجسيد والأداء... فلن ندخل في عالم المعاجم والقواميس، بقدرما سندخل في عوالم تلك الشخصية التي قدمها لنا "أمين ناسور" من خلال عرض " فوضى" وهذا الاختيار له أسبابه (؟) و ليس تمْـييزا أو تمَيزا عن الطاقات الأخرى التي برزت في الدورة (24 ) للمسرح الوطني بتطوان(ك) قدس جندل / أمين بالمعزة / زهرة لهواوي /محمد بنسعيد / جليلة التلمسي /فريد البوزيدي / زينب الناجم/ أشرف مسياح / مونية لمكيمل / نسرين المنجى/ سليمان أكلطي/ ذكري بنيوس/هؤلاء تجاوزوا "النص" ليحضر الجسد في تفاعلاته الداخلية مع الشخصية، متجاوزين حدود الإيهام التي ألبسها المؤلف/المخرج/على تلك الشخصيات التي أنتجتها مخيلته أو تجربته. ولهذا فالحقل اللغوي يتحدد بتحديد مفرداته ومرادفاته التوليدية : مسألة أحسن" (ممثل/ة)" بأي معيار يمكن أن نجزم الفصل بين ممثل وممثل؟ و بأية صفة ؟ هل بكونه مؤديا أم مشخصا أو هما معا ؟ فالإختيارليس حكما قطعيا، لأن الحُسن يقابله القبح الذي ضد أو يتنافى مع الجمال كإدراك حسي/ تذوقي. وليس عقلي، وإن كان" ديكارت " أكد ما مرة في تأملات بأن "العقل هو أعْـدل الأشياء قسمة بين الناس" فأين يمكن أن نضع " استفتِ قلبك، ولو أفتاك النـّاس( حديث شريف). أليس القلب/ الإحساس هو القاعدة الأولى و معيار الحقيقة ؟
والعجيب أن الفكر الكلامي ناقش مسألة الحسن والقبح باستفاضة، وإن كان الإطار يتعلق بمسألة الوجود والذات الإلهية. لكن في الفكر المسرحي المغربي، لم يتم توظيف أطروحة الأشاعرة / المعتزلة ، في سياق ( أحسن ممثل/ إخراج/...) لأن فكرنا مستلب : بدون منازع وبدون مزايدات سفسطائية. وعليه ففعل : أحسن/ أجاد / أتقن- واسم محاسن / مزايا (ضد ) مساوئ ومن باب اسم التفضيل( أحسن/ أفضل) هنا يتقاطع الحسي بالعقلي، ليتحقق نسبيا الإحتكام المنطقي إلى صفة ( أفضل/ Meilleur) ولكن(أي) ميزة أجادها ( الممثل) لتأطير صفة التفضيل، هل في التشخيص أم الآداء ؟ أم علاقته الإرجاعية بكل المكونات والعناصر الدرامية ؟ وبالتالي أين أجاد وأتقن الممثل " ناسور" دوره ؟ وما هي الميزة التي دفعتنا للترصد له، وهذا لا يعني في خلفيتنا أنه "أفضل "ممثل في الدورة. بالعكس !
نـاسور الظاهرة :
الاختيار له أسبابه كما أشرت سلفا(؟) و ليس تمْـييزا أو تمَيزا عن الطاقات الأخرى، وبعيدا عن الإطراء والمدح المجاني أو النفاقي. فالمخرج "ناسور" فرض نفسه في المشهد ليس جبرا ولا اختياريا، بل طبيعة المناخ الثقافي والمسرحي، أفرزته كظاهرة مسرحية (الآن) من حيث العطاء والدينامية والحضور الفني والإبداعي. لكن تتجلى الظاهرة عندي أنه اجترح مصطلحًا قائما برأسِه ، ولم يناقش لحد الساعة ( مخرج متنقل) ويعتبر هذا سابقة فنية "عالميا" لأن مخرجي المسرح سواء المعروفين أو المغمورين عربيا أو دوليا. كانوا مستقرين في فضاء وإطار معين ( ورشة / فرقة/ استوديو) اللهم إن وقع خلاف أو انشقاق، وهذا كان يقع غالبا في مسرح " الهواة" لكن نحن أمام شق مختلف، حيث الفنان" أمين ناسور" لا فضاء محدد له ! بل في كل موسم مع جمعية / فرقة / مقاولة/ يقدم تصوراته الفنية والجمالية، بداهة بهذا التنقل الفني يغني تجربته ويطعم مساره الإبداعي بالتنوع والاختلاف. لكن الإشكالية هل هذا التنقل يحمل في طياته مشروعا أو تصورا فنيا / جماليا، يحاول تفعيله وتصريفه في سياق الإنتاجية المتنوعة في الفضاءات؟ أم أنه يؤمن بإطلاقية تجربته السابقة كمتجول ومسافر بين الجمعيات بحرية؟ آخرها تجربته مع مسرح الناس في ثلاثة أعمال – الأخيرة- للطيب الصديقي (؟) تلك الأعمال كان لها تأثير قوي على تجربته ورؤيته و تصوراته، وهذا يلاحظ جليا : بأن أملاح الراحل "الصديقي" تبرز و تلوح حضورها في كل عمل قام بإخراجه . فهل بتحديد مهمته - ك[مخرج متنقل] ضمنيا يحاول تصريف تجربة المبدع "الطيب الصديقي" كامتداد لرؤاه الفنية ذات المنظورالشكلاني بالأساس؛ بحكم كونه مدرسة حقيقية بدون منازع في المسرح العربي ؟ أم هنالك خبايا أخرى وراء هاته الظاهرة ؟ مثل ترسيخ مسرح متعدد الثقافات من خلال هذا التنقل / التجول/؟ فمهما يكن الطرح، فمسألة ( مخرج متنقل) تحتاج لنقاش ودراسات ، بإمكانها ستفيد الرؤية الإخراجية وتجربة المخرجين المغاربة، رغم أن " باتريس بافيس " يتنبأ بموت المخرج؟ ولكن عندهم .
أميــن مـمـثلا:
حسب ما لدينا أن المخرج " أمين ناسور" لا يملك تاريخا طويلا في مجال التمثيل، وذلك بحكم عمره من مسرح الثانويات إلى مسرح الناس ولكنه عاشق ومهوس به، والدليل صعوده الركح مرة أخرى. بعد تجربته في مسرحية "توقيع" مع فرقة عبور( الرباط) سنة 2017 والآن في مسرحية " فوضى" مع فرقة الفكاهيين المتحدين للثقافة والفنون(فاس) وبالتالي نعيد السؤال السابق أين أجاد وأتقن الممثل " ناسور" دوره ؟ هل في التمثيل أم التشخيص؟
إذا كان "بريشت" يؤكد بأن جسد الممثل لغة قائمة بذاتها، ف"ناسور" باختياره لأعقد شخصية مركبة ومهجنة في نفس الوقت، حاول بجسده المتوازي وصورة الفيل أن يحقق لغته الركحية المتفردة بعيدا عن المؤثرات الخارجية لتجربته. وهنا مربط الاختيار. بحيث من الصعب جدا على "ممثل" آخر أن يجسد هاته "الشخصية" لما لها من حمولة السيكو نفسية والفيزيولوجية لأداء الوظيفة الرمزية ، وتحقيق اشتغالها الدلالي في سياق العرض وبمعزل عنه كذلك. هذا لا يعني أنه لم يسقط في هفوات بعضها منه وبعضها من الإخراج. كترك حقيبة السفر مرمية والأحداث سارية، حتى استدركت الزوجة إزالتها بطريقة إخراجية، وهي تتكلم في الهاتف. ترك قنينة خمر من بداية العرض إلى لحظة إتمام السكر، عـدم توظيف الكتاب أو على الأقل جريدة ( ما ) كإشارة للوضعية الفكرية والإجتماعية للشخصية.... ؟
ففي البداية نجده يدخل من القاعة مخترقا الجمهور، وهو يضم بيده اليسرى حقيبة سفر. ولحظة وصوله للركح/ فضاء( الإقامة/الشاليه ) نراه يضم الحقيبة بيديه معا. هنا بدا لنا أننا سنكون أمام "شخصية" ملحمية ؛ انطلاقا من تكسير الجدار الرابع ( بريشت) لكن تبين لنا أننا أمام توصيف / تشخيص ضمني أو غير مباشر. يفرض علينا أن نستنتج بأنفسنا ما شكل "الشخصية" التي سيؤديها " ناسور" ؟ فمن خلال المظهر الجسدي وأفعال وخطاب وأفكار الشخصية وتفاعلها مع الشخصيات الأخرى اتضح أنه يؤدي "شخصية" يتقاطع فيها الواقعي بالرمزي. وبالتالي فتكسير الجدار: كان خطأ إخراجيا لاعلاقة للممثل به. ومن باب الإرهاص والتوطئة يرمي "الممثل" الحقيبة أرضا وبسخط عارم عبر عنه بجلسته ، والتي توحي في نفس الوقت بالعياء. فبين السخط والعياء تبرز رمزية ( الفيل)* المتراوحة بين صفات الغموض والحكمة. ليحاكي أفعاله وخصاله الواردة في المخيال الشعبي ( العالمي) وما ترسخ فى أذهانهم ووجدانهم. إذ يتمتع الفيل بصفات نفسية مميزة، منها الهدوء والرزانة والحكمة والاحساس المرهف. علما أنه :"هو حيوان ظريف بهى نبيل من أعظم الحيوانات، وربما كان فى فمها ثلاثمائة سن، وهو أظرف وألطف من كل حيوان خفيف الجسم رشيق. صنع الله فى خلقته عجائب قدرته... (1) فحينما ارتخى على الكرسي، ظل صامتا ، ويلعب بالعجلة المكسورة بيديه كأنه يسبح لله. ولا يعبر عن خطاب الزوجة إلا بابتسامات ساخرة وعبارات جد مقتضبة ، ولم ينظر لوجهها إلا نادرا ، بقدر ما ظلت يده اليسرى تحرك عجلة مكسورة لحقيبة السفر، وفي النفس اللحظة يركز بنظره على الحقيبة، ثم ينهض بسرعة ليكشف لنا في ماذا كان يفكر وغير عابئ بثرثرة زوجته ( الثانية) لكن رغم خروجه عن هدوئه ، لحظة اتهامه ب( البخل) ومن خلاله نعرف شخصيته الحقيقية ( أستاذ جامعي) ظل الجسد واقفا وغير مرتبك، مستعملا حركات اليدين إشارة للقوة و الحكمة ، ومرتكزا فقط على لفظة ( المنهجية) في الحوار / العمل/ العلاقات/..:" إنه بمجرد معرفتك المظهر الخارجي للشخصية، يمكنك أن تعرف حقيقة هذه الشخصية ومستواها الإجتماعي، وتوجهها الفكري(2) فرغم هذا الطرح ظلت "شخصية " غامضة ، غير مكشوفة، إلا بعد تصاعد الأحداث ، نظرا لارتباط الشخصية بالحدث. مما حاول بكل طاقته تفعيل شخصية " الأستاذ الجامعي" من حيث الإلقاء والخطاب، الذي استطاع أن يغير صوته الطبيعي إلى صوت الشخصية . ووفق رمزية صفات الفيل وأن يوفق بين طبائع الشخصية ورغباتها ومشاعرها وقواها الفكرية، كنوع من الإقناع. هنا يؤطر " أمين ناسور" نفسه بطريقة غير مباشرة في عملية "التشخيص" متجاوزا "التمثيل" حيث وقع حلول في الشخصية ، منزاحا عن دور الشخصية . ربما ساعده في ذلك، تجربته في الإخراج وإدارة الممثل. هنا فالإخراج لا علاقة له بنحت شخصيته (؟) و يبدو لي أنه قام ( فقط) بتنظيم تموقعاته ليس إلا؟ استنادا :بأن المخرجة تعتبر أول تجربة لها(؟) وهذا ليس نقيصة من قيمتها. وثانيا أن المؤلف صرح أثناء مناقشة العرض : بأن نص "فوضى" لا يمثله (؟) ولهذا فالممثل "ناسور" سعى جاهدا تفعيل إمكانياته الداخلية والخارجية ، بغية تقليص المسافة بين المُتلقي والشخصية، من أجل إدراجه وإقحامه جوانية الحالة. حتى لا يفكر المتلقي إلا في التجربة، تجربة حالة ( أستاذ جامعي) الذي ربما له شبيه في الواقع. وهذا له تفسيره وتبريره؛ ربما جاء عفويا أو مدرجا في النص؟ فمنذ البدء لا نعرف اسمه ( أمين) رغم أن أخت الزوجة تلفظت باسم ( أمين) وبشكل عابر. لكن اتضح اسمه إلا بعد اتصاله هاتفيا بزوج أخت زوجته الذي اسمه ( أشرف) فالإسميين معا حقيقيين وليست أسماء ورقية ؟ وفي نفس السياق نعرف أن ( أمين) أستاذ [الأدب المقارن] طبيعي أن تكون له رهافة الإحساس، وشاعرية الموقف. مما تم التركيز على التوظيف الدلالي [للفيل] لأن: "جوهر المسرحية تمثيل فعل ما، شرط أن يصدر ذلك الفعل وفق مزاج الشخصية المعينة ومشاعرها، وعواطفها وغرائزها وميولها الطبيعية، وأفكارها وقواها التفكيرية، لأنه من أبرز عناصر التشخيص في المتخيل المسرحي (3) فالمتخيل ينتجه المؤلف والمخرج كذلك. لكن الممثل وإن كان مقيدا بعدة شروط وقواعد موضوعية "مادية ومعنوية" لقد استطاع " أمين ناسور" أن يحدد موقعه في الفضاء صانعا متخيلا آخر، بإجبار جسده الفيزيقي بأن يكون مطاوعا. عن طريق "البيوميكانيك" .هنا كنا أمام المخرج(ماييرهـولد) الذي اهتم بإعداد جسد "الممثل" بطريقة آلية بلاستيكية لإنجاز مجموعة من الأدوار الحركية . ولقد اتضح هذا رغم بدانة جسم "الممثل" استطاع أن يتحرك بخفة، ويخرج رجليه من طست الماء . بعدما كانت زوجته تغسل رجليه ، في حوار حول الهدف من الإذخار المالي وبحركة اليدين معا استطاع أن يشكل صندوق الإذخار ، وكذا محاولة استغلال الزوجة (الأولى) لماله رغم غناها. تعيده الزوجة بطريقة ميكانيكية لإتمام الغسل. لكنه وقف بسرعة ، تم انحنى بشكل مستوى( انتصاب الرجيلين) بدل تحريك الركبتين ليلبس حذاءه .هنا انتقل بسرعة فائقة ، لا يمكن لأي كان التقاطها من الجسد الفيزيقي إلى الروحي، حينما مد يده اليسرى نحو الحذاء الأيسر، لكنه استدرك ببداهة بأن يستعمل اليد اليمنى نحو الفردة اليسرى للحذاء. ولاسيما أن الزوجة أثناء ملئ الطست بالماء وضعت قدمه اليسرى هي الأولى. وبالتالي فإن (التدفق الجسدي) للممثل " ناسور" كان بمثابة تعبئة روحية وبدنية ساعدته على التعبير والتركيز والتحفز للعقل وللبدن. نستشف هذا لحظة انفعاله وتوتره مع الزوجة ، التي ترفض عيشة البخل والإقتتار، ولكن في سياق إهانتها للعلماء، تحرك الاندماج الجسدي بالروحي، ليعارضها بإشارة قوية من اليد اليمنى تم استدار بسرعة عجيبة، ليهددها إشاريا باليد اليسرى. مشكلا دائرة شبه حدودية لابد أن تعلب فيها زوجته . وفي نفس الوقت إشارة لتحويل اتجاه (الفيل) من الحِلم والصبر للهيجان بطريقة غير مباشرة .هنا نحن أمام جسد بلاغي لغته تماهى ﻣﻊ اﻟواﻗﻊ والدور الذي تقمصه، حيث استغل الطاقات الكامنة في جوارحه لتفعيلها ببراعة وإحكام، عبر حركاتِ الجوارحِ وحركات الرأس واليدين وغمزات عينيه. وكذا تلميحات ذكائه، تجاه تصرفات زوجته ! من خلال اللعب بالهواتف التي استعمل فيها اليد اليمنى فقط، لكن توظيف اليسرى لحظة شرب الخمر، واتصاله ب(أشرف) نتيجة اضطراب الحياة الزوجية وتفاقم الصراع بينهما، مما احتار واختل توازنه الفكري والسلوكين حتى أنه تلفظ بكلمة لا أخلاقية وغير مقبولة مسرحيا، لتبيان انهيار الخطاب أو الحوار، واضطراب تموقع الشخص بحيث ظل يسكب كأسا وراء آخر ، وينتقل من مكان لآخر، ليصل عـدد الرشفات (ويسكي) لسبع (7) (أي) يفترض عمليا أن يختل توازنه ويدخل في حالة "مخمور" فاقدا وعيه ؛ وغير مدرك لما يفعله حتى لو أكل حذاءه، لأن( أمين/ الأستاذ الجامعي) فلم يحتس الخمرة من أجل اللذة والنشوة المزعومة التى يشعر بها الشارب. بل لنسيان واقعه الأسري . إذ الخمرة لم تؤثر على وعيه / عقله. بل ظل متماسكا ومنضبطا في حمل الهاتف يسارا، وسكب الخمرة باليمنى بعد الثلاثة لأنه في البداية كان يسكبها يسارا، و( أشرف) يقدم له النصائح والإرشادات ويتهكم عليه بالأدب ( المقارن) ولم يستطع أن يقارن؟ ثم يطلب منه التنفس قليلا( الهدوء/ استرخاء) وبعدها يرمي الهاتف باليمنى ويأخذ القنينة باليسرى وينسحب. لينعرج بنا الحدث لصورة وميزة أخرى عن( الفيل) جوانية رقعة لعبة الشطرنج، باعتبارأن ( الفيل) أحد القطع القوية. وميزته تتجلى في قدرته على تنفيذ بعض التكتيكات ضد(الحصان/ الزوجة) استعملها من أجل إنجاب النسل، لكنه يكتشف سرها عبر مكالمة عفوية ! ليصاب بنوع من الانهيار المؤقت، في مشهد رائع .حيث يضع يد ه اليمنى على نابه لإبراز قـوة ( الفيل) الذي انعكس الجسد على صورته وصورته على الجسد ، وانعكست شراسته باستدارة ظهره للجمهور، فظل يهيج ويدُك دكاً برجله اليمنى ويغلي بجسده مبرزا حالة الغضب والهيجان العارم ..ولا نسمع سوى [لا...لا...لا] وكأنه يدخل في نفق مظلم .مما تم :"الإكثار من الحركة والفعل والإعادة ، ودمجهما فيما يسمى بالإيماءة التأشيرية التي تؤكد حضور الجسد وشغله الفضاء المسرحي نصا وعرضا(4) لأن حالة الغضب تم توظيفها إشاريا بجسد فعَّل مرونته الميكانيكية ، وخاصة قمة الانفعال والهيجان ! ذاك الذي صبه على زوجته بعد تكبيلها ! ففي هاته الوضعة هنا: إشارة رمزية رهيبة. يطلق عليها [ القطعة المسيطرة ] لأن الفيل تمكن من محاصرة (الحصان ) ومنعه من الحركة وكذلك كان. ليحمل حقيبته :كإشارة دالة على الانفصال والهجرة والهجران عن المكان والزوجة ( الحصان) ليخرج من حيث دخل؟ هاته "الدائرية" لم يبرزها ( الإخراج/ الدراماتورجيا ) عبر أنساق الأحـداث . وبالتالي :"ما تفعله الشخصية أو تحققه في عمله أو ما تختار أن تفعله ، دلالة واضحة على نفسيتها وتركيبتها العقلية والعاطفية، فالأحداث الخارجية تكشف البنية الداخلية للشخصية (5) لهذا فالفعل الحركي للشخصية تمركز أساسا على الجهة اليسرى، هل هي إحالة رمزية لشخصية يسارية / راديكالية ؟ لكن أمام زوجته ( الثانية) مسالما هادئا إلى حد تمظهره بأنه شخصية بليدة / معتوهه .بمعنى أنها شخصية "انفصامية /شيزوفرنية" وهذا البعد السيكولوجي المرضي ، لم يظهر في شخصيته منذ البداية ، ويتنافى و رمزية "الفيل" كرمز للحكمة والقوة والحماية. وبالتالي هنا فشخصية ( أمين) سقطت في عبثية وجودها، خارج أنساق تاريخها الإجتماعي. لهذا فلا مندوحة أن نسأل : من يتحمل مسؤولية البناء الفوضوي للشخصية الفاقدة لهويتها: المؤلف ( أم) المخرج ؟
الإستــئــناس :

*) يبدو أن- الفيل- هو الحيوان الوحيد الذي نسجت حوله أساطير وخرافات ومعتقدات، لكن في التراث العربي هنالك
ندرة وضآلة الروايات والأخبار والأشعارالتى وردت عن الفيل. لأن العرب لم يكونوا قد رأوه ، كما رأوا الإبل والنوق
وفي القرآن الكريم لم يذكر اسم الفيل إلا مرة واحدة( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) وكان نقاشا فقيها حول
الآية لأن العرب كانت بعيدة العهد به . بخلاف الثقافة الهندية والهندوسية.
1) عجائب المخلوقات والحيوانات وغرائب الموجودات لزكريا بن محمد بن محمود الكوفى القزويني- ص 328-
مؤسسة الأعلمى للمطبوعات، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى 2000 م
2)غواية المتخيل المسرحي : مقاربات لشعـرية النص والعرض والنقد: لعواد علي – ص449 المركز الثقافي
العربي/1997
3) نـــفــــســــه – ص 62 -
4) سيمياء المسرح والدراما : لكير إيلام ترجمة: رئيف كرم – ص114 - المركز الثقافي العربي,/1983
5) تقنيات الدراسة في الرواية " الشخصية": لعبدالله خمار ص137 دار الكتاب العربي/1999.



#نجيب_طلال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التلقي بين الجمالية والإشكالية
- أي مهـــرجـان مسرحي هـذا ؟؟
- المسرحي السليماني عاشق متفرد
- مهرجان الفوضى الخلاقة ؟
- هي فوضى مهرجانيــة ؟؟
- المسرحي الخطيب :جمرة العشق
- سيـــاق مسرح الجـيب
- شطحات ليلية مؤرقة
- الفعل المسرحي والعطب الفكري !!
- رحل المسرحي الداسوكين ، وماذا بعد؟
- الثريدراما بين المونو والديو!!
- بمناسبة اليوم الوطني للمسرح: المسرحي بنعيسى بين القرش والشرق
- الملصق المسرحي لمن ؟
- استحضار المسرحي جواد من زنبقة الياسمين
- أيــنك يا مسرح الـهواة,,, أينك ؟
- وداعا: لنجاح المسرحي البسيط .
- بين نهضة المسرح العـربي ومسؤولية المؤرخ !
- لسفراء المسرح المغربي
- الناسخ والمنسوخ في عروض المهرجان !!
- انتهى مهرجان المسرح ،فأين السؤال ؟


المزيد.....




- الثقافة السورية توافق على تعيين لجنة تسيير أعمال نقابة الفنا ...
- طيران الاحتلال الاسرائيلي يقصف دوار السينما في مدينة جنين با ...
- الاحتلال يقصف محيط دوار السينما في جنين
- فيلم وثائقي جديد يثير هوية المُلتقط الفعلي لصورة -فتاة الناب ...
- افتتاح فعاليات مهرجان السنة الصينية الجديدة في موسكو ـ فيديو ...
- ماكرون يعلن عن عملية تجديد تستغرق عدة سنوات لتحديث متحف اللو ...
- محمد الأثري.. فارس اللغة
- الممثلان التركيان خالد أرغنتش ورضا كوجا أوغلو يواجهان تهمة - ...
- فنانو وكتاب سوريا يتوافدون على وطنهم.. الناطور ورضوان معا في ...
- ” إنقاذ غازي ” عرض مسلسل عثمان الحلقة 178 كاملة ومترجمة بالع ...


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجيب طلال - ناسور ممثلا