أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بلال سمير الصدّر - بين معلمة البيانو لمايكل هاينكه 2001 ومعلمة البيانو لألفريدة يلنيك















المزيد.....


بين معلمة البيانو لمايكل هاينكه 2001 ومعلمة البيانو لألفريدة يلنيك


بلال سمير الصدّر

الحوار المتمدن-العدد: 8235 - 2025 / 1 / 27 - 00:13
المحور: الادب والفن
    


ما الذي تعرفه عن معلمة البيانو...؟!
ما الذي تعرفه عن الكآبة المجردة كاملة التجريد....
رواية الفريدة يلنيك-الحائزة على جائزة نوبل – معلمة البيانو خلقت ظروفا عصية جدا وقاسية جدا على المرأة...
أريكا تعيش في شقة متوسطة،او أقل من متوسطة،في عزلة ليست قادمة من عرين الذات أو الداخل الجواني،بل هي عزلة خلقتها عوامل عديدة،وهي قبل كل شيء،وأهم من كل شيء،عزلة خلقها الانسان نفسه ربما بشكل مقصود بسبب ظروفه الاجتماعية غير الطبيعية والتي ولدت لديه حالة من الاحتكام للحياة من مقدماتها اضطرابه العصبي ومرضه النفسي...
الوالد مات مجنونا،وهذه بحد ذاتها جزئية مزدوجة،فالجنون-بحد ذاته-يخلق عقدة مع المحيط،كما ان تكون مجنونا بسبب الجينات التي تحملها فهو أمر ايضا لايخلوا أبدا من الصحة...
من موقف الضعف هذا،تحيط الأم ابنتها بسياج حديدي محصن بموانع كهربائية وأسلاك شائكة مع كل انواع المتفجرات،فتفرض عليها نوعا من الحياة الرتيبة التي تخلو من اي نوع من أنواع المغامرة ولو حتى البسيطة،نوع من انواع مغامرات المشاعر حتى لو كان نوعا من انحراف المشاعر غير المنظور اليه والذي لايمكن ان نحسب له أي حساب...
ومع شيء واضح من البخل،تتصرف الأم وفقا لمنهج الضرورات والأوليات،فاللباس يجب ان يكون مناسبا للضرورة والطعام وكل شيء،كما أنه حتى المشاعر يجب ان تخضع لمبدأ الضرورة...
من الممكن ان تبقى الاشياء محصورة في خزنة من اجل ضيوف لن يحضروا أبدا...
تنشأ اريكا كشخصية منسجمة مع ذاتها،وقبولها العميق للظروف غير الطبيعية التي نشأت بها،والتي تعيش فيها حاليا أيضا،وعلى الرغم من أنها امرأة معقدة،فمن الواضح بأنها منسجمة مع المحيط...
فتعاملها الحذر الشديد مع المجتمع يكسبها نوعا من الاحترام كونها أيضا معلمة بيانو ماهرة ومتحفظة ومحترمة...بالتأكيد سوف تكون كذلك لأنها لم تتعلم شيئا في حياتها سوى الموسيقى...الموسيقى هي النشاط التام الخالي من أي مكدرات ومن كل المقاطعات المحتملة وغير المحتلمة...
لكن هذا الانسجام خلق شخصية اجتماعية فعلا لكنها محبطة للغاية وعلاقتها مع أمها الشخصية المركزية الوحيدة في حياتها تتسم بالقسوة لدرجة انها كانت تضرب أمها بطريقة مجنونة،وليس من الغريب أيضا ان يتبادلا اللطمات،وسرعان ما يتصالحا وكأن شيئا لم يكن فالبعد الجنوني نظرا لهذه الظروف حاصل بالتأكيد،فكلاهما-الأم وابنتها-فيهما لمسة من جنون واضحة،على ان اريكا ان كانت لاتستطيع ان تنفي عن نفسها التهمة،لكنها تريد ان تبقي جنونها غائرا في الأعماق وان لايكتشفه أحد..
اريكا تعاني من كبت واضح للمشاعر،ليس المشاعر الجنسية فحسب،بل كل انواع الكبت،فهي تصلح كحالة مثالية لأي محلل نفسي أراد ان يدرس الكبت بكل انواعه وصوره.
تحاول اريكا ان تجرح نفسها من اماكنها الحساسة وكانت المحاوة ناجحة وافضت الى سيل من الدماء،لكنها لن تكون حاسمة ولا مؤثرة لذلك تحاول تلجأ أريكا الى المنتج البورنوغرافي.
كانت هذه البورنوغرافية بالنسبة اليها ليست أداة للتنفيس عن مشاعرها الجنسية،بل رأت فيها دلالة ومفتاحا للقسوة...الحالة رأتها نوعا من الاهانة التي تقبلها المرأة على نفسها،ولكنها ايضا مدفوعة بالمحرك الجنسي الجبار الذي يرفض الانصياع لمعطيات كرامتها،وبالنسبة لها فان تستمتع به هو خطيئة بحد ذاته،وهو الأمر الذي يدفعها نحو تأنيب الذات،والعنصر الفعال بالنسبة لهذا التأنيب هو تعذيب الذات،أي الانطلاق الى نقطة مركزية داخل الذات...نحو مازوشية الذات.
المازوشية هي رد الفعل لقبولها القسري بوجود رغباتها المندفعة بشدة على عكس المتوقع أي ان تكون محصورة في نطاق ذاتها المكبوتة.
ومن معاييرها ايضا المثيرة للاستغراب،رفضها لفكرة الخجل من الدخول الى مكان الأصل ان يرتاده الرجال،وهي فكرة لاحت بقوة في رواية الفريدة يلنيك(شبق)،بوصف الشبق عنصر معياري نسبي لكنه مزدوج متعلق بالرجل والمرأة،لأنه اصلا فعل متعلق بكلاهما معا.
هي لاتشعر بالخجل أبدا كونها معلمة بيانو معروفة وترتاد نوادي البورنوغرافيا
نلاحظ ان في داخلها عناصر تتنازع...فهي تحاول جرح نفسها للحد من مشاعرها الجنسية،وفي نفس الوقت تواجه مشاعرها في المجتمع كنوع من مصارعة مع نفسها:
هي تقول كأمرأة موجودة شئتم أم ابيتم
انها كائن خنثوي...أقل من كائن...انها من خلال علاقتها بنفسها تريد ان تقتل نفسها بممارسة جنسية...ان ارتباطها بأي شخص -(ذكوري)- من نوع آخر هو مجرد خدعة مؤقتة ستكتشف لاحقا وبسرعة...انها تطلب من حبيبها الشاب المازوشية العنيفة جدا التي لاتقل أبدا عن الموت نفسه...انها ليست معادلا للموت...هذه المازوشية البعيدة عن باتي تماما هي الموت نفسه،والتي تطلبه احتقارا لنفسها لأنها طلبت المساعدة من عضو أجتماعي غريب هو الذكر...
اريكا ترغب ان يكون العضو الوحيد في حياتها هو الأم...
الأم هي التي تريد ان تفرغ فيها رغبتها،بل هي تحاول ان تجامع والدتها بعد طلبها الصريح من (كليمنر) الجنس المازوشي الصريح...
اريكا من الداخل لاتؤمن بوجودها،تلك الظروف أكسبتها شيئا ينطق في داخلها:أنها لاتستحق الوجود
لكنها تريد ان تمتلك الذكر...
أنها تريد ان تمتلك ذلك الذكر فقط،لنه بالنسبة لها الذكر المخدوع،وهي لاتدرك ان خداع اي شخص مهما كان ساذجا بالنسبة لوضوح حالتها المعقدة أمر صعب جدا....أريكا رغم كل المحبطات التي تغلق بها على نفسها شخص مكشوف جدا...مكشوف لدجة الشفافية...
لدرجة انك من الممكن ان ترى ما في داخلها
اريكا لاتؤمن بالعلاقة الأنثوية،بل هي تؤمن بعلاقة بين:أريكا والأم
حالة اريكا مختلفة عن بطل كافكا الحشرة،وعن بطل دوستيوفسكي في قبوي،فعند كلاهما-وكما هو مخمن عند كافكا-الحالة هي حالة داخلية ذات ارتباط بالداخل اكثر من ارتباطها بالخارج،فنحن على الأقل لانملك خلفيات واضحة عن بطلي كافكا ودوستيوفسكي،لكن حالة اريكا اكثر ارتباطا بامجتمع نفسه،اكثر ارتباطا بقدرها المشؤون الذي ولد لها ظروف وخلفيات لايمكن ان ينجو منها أي أحد سوى بالجنون...
لنلاحظ ان الموسيقين المفضلين عند اريكا هما:شوبرت وشومان
هل من الممكن القول فقط ان هذه الخيارات نابعة من الذوق الفني فقط...؟
هل من الممكن القول على سبيل التخمين أن كلاهما مات مجنونا له علاقة ايضا بالذوق الذي يخفي شيئا ما بين السطور...؟!
لكن،ما الذي اضافه هاينكه في فيلمه الشهير (معلمة البيانو) الشهير الغني عن التعريف،والذي حققه هاينكه في ذروة تالقه وشهرته وقامت بالبطولة الممثلة الفرنسية الأثيرة لديه :إيزابيل هابرت
في دور وأداء ربما يكون افضل أدوارها على الاطلاق...
عند هاينكه أولا،علينا أن نركز على فكرة التلفزين وما يقدمه من تضليل بامكانه ان يسبب غباءا للانسان...التلفاز هو بلورة وهمية لخلق تصرف اندفاعي مبني على تصديق،او محاولة تصديق أفكار وتصرفات معا قدمها التلفاز،ومن ضمنها خدعة البورونوغرافيا.
يقول هاينكه:الأفلام الاباحية من وجهة نظري لاتختلف عن الأفلام الحربية أو أفلام البروباغندا،ذلك لأنها جميعا تحاول تحويل امور مستهجنة أو غريزية أو جسدية الى مادة استهلاكية...
بالطبع،لن يخوض هاينكه في تفاصيل دقيقة للرواية،بل هو لايذكر ان الأب مات مجنونا منذ فترة،بل يجعل موته آنيا في الفيلم من دون ان يخبرنا عن جنونه أي شيء،وهذا هو المطلوب.
فان تصنع فيلما جيدا فهذا مختلف تماما عن تحقيق رواية جيدة...
وكلاهما حقق مراده،ففيلم هاينكه حقق سعفة كان الكبرى،بينما وكما قلنا فالفريدة يلنيك حاصلة على جائزة نوبل للآداب.
والفيلم من الممكن أن يضيف شذرات أكثر تنوعا عن حالة اريكا التي حللّناها روائيا:
هل قرأت ل أدورنو:
عن سيمفونية فنتازيا لروبرت شومان،تحدث عن حزنه ليس كأن شومان تجرد من اسبايه،ولكن قبل ذلك....قبل ذلك بفترة بسيطة كان يعلم انه يفقد عقله،لقد عذبه ذلك ولكنه تماسك،لقد كان يعلم كيف كان شعور الشخص عندما يفقد ذاته،قبل ان يكون منبوذا بالكامل.
شوبرت وشومان هما المفضلين لدي هذا كل شيء،وكلاهما انتهت حياته باجنون
اريكا في الفيلم هي من تنطيق بالجملة اعلاه،ومن الواضح انها غير واعية بأنها اصلا تشرح مسارها الذاتي..
ربما اريكا هي حالة معرفية تأملية ذات ابعاد كثيرة ووجهات نظر خاضعة للصح والخطأ،اكثر منها حالة معرفية تجريدية،اي متعلقة بعلم النفس وحده ولا حتى الفلسفة وحدها ولا حتى الأدب وحده،ومن الممكن ان تنضم وجهات نظر معرفية اخرى الى كل ذلك...
تقول اريكا في جملة اخرى في الفيلم-عندما كتبت رسالة لمن يدعى عشيقها-:
أنا عازفة ولست شاعرة....الحب يبنى على اشياء تافهة
تنطلق أريكا من هذه المشاعر أساسا،من مشاعر جلد الذات،لكنها تتصرف بطريقة توحي بغيرتها على كليمنر وهو الذي يلاحقها بدافع الفضول ليس إلا-وهذا شيء عرفناه من خلال الرواية وليس من خلال الفيلم-لأنه في النهاية سينحل ذلك الرداء الأنثوي الذي يرفض الارتباط سوى بالأم،وبالنسبة اليها الحاجة بحد ذاتها هي حجة مقنعة لتعذيب الذات،وتستسلم تماما لأن جملة انا احبك لاتعني سوى الاستسلام...
في خضم علاقتها بمجتمعها تسير بهدوء الى حفل موسيقي مدرسي...مرتبطة بمجتمع لاتريد الارتباط به،فالموضوع هو رضوخها لهذا الارتباط اكثر منه احتقار اجتماعي...ربما تري كليمر ايضا من بعيد مع فتاة...
لاصلة لديها اتجاه هذه النفس...تقوم بطعن نفسها بالكتف ...تخفي جرحها وتسير بهدوء...
17/09/2024



#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انحرافات 1983(مايكل هاينكه):وجود ويوتوبيا
- بدلة للعرس 1976(عباس كيارومستاني):.الله ستر
- اللاموس-lamminge1979(مايكل هاينكه):مسارات تدمير الذات
- بعد ليفربول 1974:الفيلم التلفزيوني الأول لمايكل هاينكه
- عن مايكل هاينكه وثلاثة مسارب للبحيرة 1976
- الحياة ولا شيء آخر1992:كيارومستاني الذي يبحث عن مصير ابطاله
- استعراض ترومان1998(من اخراج بيتر وايلدر وتمثيل جيم كاري): تل ...
- 1900(برناردو برتولوتشي)-1976: فيلم عن الصعود والسقوط الطبقي
- الريح ستحملنا 1999(عباس كيارومستاني):ارتجال الحياة
- تذاكر 2005(عباس كيارومستاني): فيلم عن التذكرة التي نحجزها في ...
- القمر 1979(برناردو برتولوتشي): انه حب اوديبي ولكن ليس بالمعن ...
- البجعة السوداء(دارين آرنوفسكي) 2010 : اوبرا تشايكوفسكي تحولت ...
- حياتي في ذلك الزمن الذي قضيته مع انتونين ارتو 1993:مسرح القس ...
- تجربة 1973(عباس كيارستمي):اللقطة هي الحياة
- أليس 1990(وودي ألن):صراع
- سبتمبر 1987(وودي ألن): .اليد الالهية واضحة جدا
- وردة القاهرة الارجوانية 1985(وودي ألن):السينما مثل المخدر... ...
- الدخان المقدس 1999(جين كامبيون):على نمط شذرات أميل سيوران ول ...
- رومانسية الكهولة-تأصيل حلم
- مأساة رجل سخيف 1981(برناردو برتولوتشي): في عالم الخواء لايمك ...


المزيد.....




- للكلاب فقط.. عرض سينمائي يستضيف عشرات الحيوانات على مقاعد حم ...
- أغنية روسية تدفع البرلمان الأوروبي للتحرك!
- الأديب الغزي محمود عساف يوثق أهوال الحرب في -كم موتًا يريدنا ...
- وفاة المخرج السينمائي العراقي محمد شكري جميل
- بعد رحيله عن النصر.. الشارقة يضم -فنان المغرب-
- وفاة المخرج السينمائي العراقي محمد شكري جميل
- نجيب محفوظ وفن الكوميكس.. هل يفتح الفن التاسع آفاقا جديدة لل ...
- فيلم -إيميليا بيريز-.. فوضى إبداعية بين الموسيقى والكوميديا ...
- محمد سمير ندا.. على الكاتب أن يمتلك الجرأة على إلقاء الحجارة ...
- بعد سقوط الأسد.. فنان سوري شهير يتعرض للتهديد بالقتل


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بلال سمير الصدّر - بين معلمة البيانو لمايكل هاينكه 2001 ومعلمة البيانو لألفريدة يلنيك