إضاءة: رواية -عش النبلاء- لإيفان تورغينييف/ إشبيليا الجبوري - ت: من الفرنسية أكد الجبوري

أكد الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 8235 - 2025 / 1 / 27 - 09:57
المحور: الادب والفن
    

مقدمة عامة مبسطة؛
تحتل رواية "عش النبلاء" (1859)، التي ألفها إيفان تورغينييف (1818 - 1818)، مكانة بارزة في الأدب الروسي في القرن التاسع عشر باعتبارها واحدة من أكثر الصور دقة للمعضلة الأخلاقية والوجودية التي واجهتها ذكاء روسيا ما قبل الثورة. نُشرت الرواية في وقت شهد تغيرات اجتماعية وسياسية عميقة في الإمبراطورية الروسية، وتتناول قضايا مثل تراجع النبلاء الريفيين، والصراع بين التقاليد والحداثة، والبحث عن معنى أعلى للحياة، وهي موضوعات باهظة الثمن بالنسبة للواقعية الروسية ومسار المؤلف نفسه.

- السياق التاريخي والأدبي؛
كتب تورغينييف رواية "عش النبلاء" خلال فترة الإصلاحات الاجتماعية التي بلغت ذروتها بتحرير الخدم في عام 1861. تميزت هذه الفترة بنقاش فكري مكثف بين السلافيين، الذين دافعوا عن العودة إلى الجذور الثقافية والروحية الروسية، والغربيين، الذين بشروا بالحاجة إلى التحديث والتوافق مع القيم الأوروبية. يعكس تورغينيف، وهو نفسه غربي، في عمله التوتر بين هذين العالمين.

من ناحية أخرى، تشكل الرواية جزءًا من الحركة الواقعية، التي سعت إلى تصوير الحياة بدقة ومصداقية، مع استكشاف نفسية الشخصيات. وبهذا المعنى، فإن "عش النبلاء" عميق التأمل والفلسفة، وهي السمة التي تميزه عن مؤلفين معاصرين آخرين مثل دوستويفسكي، الذي يميل إلى الدراما والتجاوز.

- ملخص السرد؛
تدور الحبكة حول لافريتسكي، الرجل المرير والخائب الأمل في حياته الزوجية والنبلاء الذين تنتمي إليهم. بعد اكتشافه خيانة زوجته، فارفارا بافلوفنا، يعود إلى ممتلكات عائلته الريفية، بحثًا عن العزاء في بساطة الحياة الريفية ومحاولة إعادة الاتصال بجذوره. هناك، يلتقي بليزا كاليتينا، وهي شابة نقية وورعة، تتناقض حساسيتها وفضيلتها بشدة مع عالم فارفارا الفاسد والسطحي.

تدور أحداث الرواية حول تطور العلاقة بين لافريتسكي وليزا، والتي تتسم بالمثالية المأساوية: حيث يعجز كلاهما عن تحقيق حبهما بسبب الحواجز التي فرضتها الظروف وقيم المجتمع. ترفض ليزا، المخلصة للإيمان الديني، الانفصال عن المبادئ التي توجه حياتها، بينما يظل لافريتسكي أسير خيبات أمله وماضيه.

- الموضوعات الرئيسية؛
1. عقد النبلاء؛
من أكثر الموضوعات تكرارًا في "عش النبلاء" الانحدار البطيء للطبقة الأرستقراطية الروسية. إن عقار لافريتسكي، بأجوائه الكئيبة والمنحطة، هو استعارة للنبلاء الروس أنفسهم: الطبقة الاجتماعية التي كانت عظيمة ذات يوم، لكنها الآن معزولة، محاصرة بالماضي وغير قادرة على التكيف مع التغييرات. ويتعزز هذا النقد المبطن بشخصية لافريتسكي، الذي يعكس خيبة أمله الشخصية الفراغ الوجودي للأرستقراطية المتدهورة.

2. الصراع بين التقليد والحداثة؛
يستكشف تورغينييف التوترات بين القيم التقليدية لروسيا الريفية والتأثيرات الحديثة القادمة من الغرب. لافريتسكي، الذي تلقى تعليمه في أوروبا، هو رمز هذه المعضلة: على الرغم من استيعابه للمثل الغربية، إلا أنه يشعر برغبة عميقة في إعادة الاتصال بجذوره الروسية، والتي تبدو، مع ذلك، هشة ومدمرة. تمثل ليزا بدورها نقاء وروحانية روسيا التقليدية، لكن إيمانها الصارم يمنعها أيضًا من تحقيق السعادة الشخصية.

3. البحث عن المعنى والحب؛
إن السعي وراء معنى أعلى في الحياة ومحاولة التوفيق بين الحب ومتطلبات الأخلاق هي موضوعات مركزية في العمل. لافريتسكي وليزا شخصيتان مثاليتان للغاية، لكنهما تعانيان لأن تطلعاتهما تتعارض مع حقائق العالم الذي تعيشان فيه. هذا التوتر بين المثالية والواقع يرمز إلى واقعية تورغينييف ويعطي الرواية بعدها المأساوي.

4. دور المرأة؛
ليزا هي واحدة من أكثر البطلات تعقيدًا في أدب تورغينييف. إنها تمثل شخصية المرأة المثالية، لكنها أيضًا شخصية إنسانية عميقة، تسترشد قراراتها بكل من تفانيها الديني وحبها غير المتبادل. في المقابل، تُجسّد فارفارا بافلوفنا المرأة خبرة والمتلاعبة، التي ترمز قيمها السطحية إلى فساد المثل الأرستقراطية. ويعكس التناقض بين هاتين المرأتين النقاش حول دور المرأة في المجتمع الروسي في القرن التاسع عشر.

- الأسلوب الأدبي؛
يُعرف تورغينيف بنثره الغنائي، الذي يجمع بين الوصف الشعري والتحليل النفسي العميق. في "عش النبلاء"، تُعَد قدرتك على وصف المناظر الطبيعية والبيئات ملحوظة بشكل خاص، مما يساهم في خلق جو حزين وتأملي. وتيرة الرواية بطيئة بشكل متعمد، مما يعكس رتابة الحياة الريفية وتأمل الشخصيات.

فضلاً عن ذلك، يتجنب تورغينيف الأخلاقية الصريحة ويفضل اقتراح المعاني من خلال الصمت والإيماءات والنظرات. إن هذه الدقة السردية هي إحدى سماتها المميزة وتتناقض مع النهج الأكثر مباشرة وتضاربًا لمؤلفين روس آخرين، مثل تولستوي (1828 - 1910) ودوستويفسكي (1821 - 1881).

- المعنى الفلسفي؛
من وجهة نظر فلسفية، يمكن قراءة "عش النبلاء" كتأمل في الوقت والذاكرة واستحالة استعادة ما فقد. إن ملكية لافريتسكي الريفية هي مساحة من الحنين إلى الماضي، حيث يتعايش الماضي والحاضر في توتر. هذا البعد الزمني هو محوري لفهم البطل، الذي يعيش منقسمًا بين الرغبة في الهروب من الحاضر واستحالة المصالحة مع الماضي.

من ناحية أخرى، تقترح الرواية أيضًا انتقادًا للمثالية المفرطة، والتي غالبًا ما تشل الشخصيات بدلاً من إطلاق سراحها. في النهاية، أصبح لافريتسكي وليزا ضحايا لمثلهما العليا، غير قادرين على قبول عيوب الحياة الواقعية.

الخلاصة؛
أخيرا. رواية "عش النبلاء" عمل عميق التأمل يجمع بين النقد الاجتماعي والتحليل النفسي والتأمل الفلسفي في كيان متناغم. ومن خلال سرد القصص الدقيق والشخصيات المعقدة، يقدم تورغوينيف صورة مؤثرة لمجتمع في مرحلة انتقالية بينما يستكشف موضوعات عالمية مثل الحب والخسارة والبحث عن المعنى.

ورغم أن الواقعية التأملية لتورغوينيف أقل تضاربًا ودراماتيكية من روايات دوستويفسكي أو تولستوي، فإنها تشكل مساهمة أساسية في الأدب الروسي والعالمي. ويظل "عش النبلاء" عملاً خالداً، حيث لا يزال عمقه العاطفي والفكري يتردد صداه مسكونية. لدى القراء المعاصرين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Copyright © akka2025
المكان والتاريخ: طوكيو ـ 01/27/25
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة).

#أكد_الجبوري (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات