مهمة سرية الى قاعدة الأنصار في بيرسرين

فائز الحيدر

الحوار المتمدن-العدد: 8234 - 2025 / 1 / 26 - 18:26
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    

في السابع عشر من أيلول / 1967 حدث انشقاق داخل الحزب الشيوعي، وتمكن المنشقون من إعتقال الفقيد عضو اللجنة المركزية ( زكي خيري ) ابو يحيى إلا أنه تمكن من الهرب بمساعدة بعض الرفاق والوصول إلى مكان آمن للحفاظ على حياته.
ذات مساء زارنا عضو اللجنة المركزية للحزب الشهيد (ستار خضير ) اخذ يشرح لنا طبيعـــة الأنشقاق واسبابه وتأثيـــره على الحــزب وهمس بإذن والدي بأمر كنا نجهله كليا" ثم غادر البيت مسرعاً في حين بقي الوالد منتظرا" وهو يقوم بحركات غريبة،
مرت ساعات قبل أن يدخل الشهيد ستار خضير ثانية برفقة رجل مسن بانت عليه علامات التعب، انه المناضل الفقيد ( زكي خيري ) / ابو يحيى وقد ارسله الحزب لكي يبقى ضيفاً لدينا لبضعة أيام حفاضا" على حياته ولغاية أنتهاء الأزمة التي يمر بها الحزب، وكنت سعيدا" بإستغلال الوقت الصعب الذي يمر به الحزب للتحدث مع الرفيق ( أبو يحيى ) على طبيعة الأنشقاق وأسبابه وبنفس الوقت تكفلت برعايته وسلامته وتلبية كافة أحتياجاته .

كان الفقيد يقضي النهار بمطالعة الكتب المتنوعة المتوفرة لدينا ويستعمل التلفون احياناً لغرض الأتصال مع رفاقه، اما في ساعات الليل فكان يجلس معنا كفـــرد من أفـــراد العائلة ويقــــوم الوالـد خلالها بإعـداد القهوة العربية ويتبادل معه أبيـات من الشعر الشعبي والحديث وعـن ظلم الأقطاع في المحافظـــات الجنوبية، كان الرفيق يخرج من البيت عند الضرورة ليلاً متنكرا" بالملابس العربية وعقاله الجنوبي المذهب ويشماغه الأبيض وعباءة الكلبدون وكأنه شيخ عشيرة معروف، وعند مغادرته كان يحدد لنا ساعة عودته ويطلب منا إعلام الرفاق في الحزب فيما لو طالت فترة غيابه عن الساعة المحدد لعودته.

ذات ليلة وبعد حديث بالتلفون طلب الأذن بالخروج لمهمة سرية واخبرنا بأنه سيعود خلال ساعتين وعند عدم عودته بعد هذا الوقت يرجى اخبار الحزب بذلك، ولكن هذه المرة قـد تجاوزت فترة غيابه أكثر من ثلاث ساعات كنا خلالها في قلق كبير، أبلغنا الرفاق بالأمر مما زاد قلقهم ايضاً، خرجت ابحث عنه في أزقة المحلة دون جدوى، الرفاق يتصلون بنا بين فترة وأخرى حتى دخل علينا فجأة وهو متعب قليلا" قائلا"... لقد أضعت الطريق إلى البيت وسط ظلام الأزقة ولم أستطع تبيان الطريق مما أضطرني إلى القيام بجولة حتى أهتديت إلى بيتكم ثانية أنا آسف، أعرف إني أقلقتكم وأعدكم لن أعيدها ثانية .

بقي الرفيق في بيتنا عدة أيام، وفي أحد الليالي طلب مني التحدث بعيداً عن الأهل في مسألة غاية الأهمية واخبرني هامساً هل لديك إستعداد اذا كلفك الحزب في مهمة سرية لشمال العرق وذلك لمرافقة احــــدى الرفيقات بالتوجه الى قاعدة الأنصار في قرية ( بيرسرين )، لم اسأل عن التفاصيل ولكني سررت لهـــذا التكليف الصـادر من قبل الحــزب وبروحية الشباب المحبة للحزب أبديـت موافقتي بسرعة دون ان اناقش المهمـة وتفاصيلها وخطورتها خاصة وانها اول تجربة لي لزيارة مواقع رفاقنا الأنصار.

في ذلك الوقت كان رفاق قاعـــدة الأنصار في ( بيرسيرين ) قـــد وصلهم خبر الأنشقق أضافة الى انهم يشكون من ضعف الأمكانيات المادية لمواصلة نشاطهـم لذلك قـــرر الحزب أن يرسل أحــدى الرفيقــات في مهمة سرية إلى هذه القاعدة لغرض ايصال المساعدة المادية مع توجيات الحزب الجديدة،
كانت العمليات العسكرية في تلك الايام بين السلطة البيشمركة متوقفة نتيجــة الهدنة والمفاوضــــات الجارية بين الحكومة العراقية والثورة الكردية والتي دامت اكثر من سنتين ونصف وتجلت بأتفاقية 11 / آذار 1970.
لم يكن لدينا معرفة بهذه القرية وأين تقع في كردستان ولكن الرفيق ابو يحيى قد زودنا ببعض المعلومات الأولية واسماء الرفاق الواجب الأتصال بهم كمرحلة اولى ومنها نبدأ التحرك، ولغرض الوصول إليها علينـا أن التوجه إلى الموصل أولا" ومن هناك التوجه إلى القاعدة بتوجيه من منظماتنا، إنها عملية محفوفة بالمخـاطر.

غادرنا بغداد صباحاً متوجهين نحو الموصل وحسب المعلومــات التي زودنا بها كان لقاءنــا الأول مع الفقيد القائد الأنصاري (توما توماس) الذي ورحب بنا وبعد استراحة قصيرة أرسل الفقيـــد بطلب أحــد رفاقنا من سواق التاكسي لأيصالنا إلى أربيل ومنها علينا أن نتوجه لقرية ( بيرسرين) بركوبنا بسيارة تاكسي لرفيق آخر ليوصلنا إلى القرية قبل المساء.
كانت الرحلة صعبة وأخذت وقتا" طويلا" لكثرة المحاذير بعد أن مررنا بعدة نقاط سيطرة عسكرية تعرضنا خلالها إلى مضايقات والنظر لهوياتنا الشخصية وعن وجهتنا الى منطقة ( العصاة ) وسبب مجيئنا مع تفتيش دقيق، وكنا ندعي بالبحث عن شقيق الرفيقة وهو جندي مكلف قطعت اخباره عن العائلة منذ عدة اشهر لأسباب نجهلها وكانت آخر رسالة له من قرية بيرسرين، بقيت والرفيقة جالسين في السيارة وخلال الأنتظار سمعنا اصوات لرشقات اسلحة رشاشة بعيدة فبان على الجميع في السيطرة القلق والأستعداد عندها طلب منا المغادرة فوراً وهكذا لعبت الصدفة دورها في انقاذنا من الأعتقال ونغادر بسلام.
وكلما كنا نقترب من قرية ( بيرسرين ) الواقعة في منطقة جبلية وعرة ل كنا نمر بسيطرات تابعة للبيشمركة يسأل افرادها عن وجهتنا ايضاً حتى وصـولنا للقرية عنـد المساء.
. وصل خبر وصولنا الى رفاقنا الأنصار في القاعدة وتم استقبالنا بترحاب وطلبنا على الفور لقاء الرفيق الفقيد أبو عايد ( ملازم خضر) / (نعمان علوان سهيل التميمي) الذي سارع باالمجئ مرحباً بنا وبعد استراحة قصيرة تناولنا العشاء الأنصاري المتواضع معهم.

بعد انجاز مهمتنا وتسليم الرفيقة ما لديها بقينا في القاعدة يومين لغرض الراحة بعد الأرهاق الذي اصابنا جراء رحلتنـا الطويلـة وكانت الرفيقـة ضيفـة عنـد احـدى العـوائل بينمـا قضيت شـخصياً مع الرفـاق أوقـــات جميلـة كنت اشاركهم في الخدمات اليومية وحضــور المحاظرات الثقافية المسائية .
كانت الحياة الأنصارية في القاعدة صعبة جداً بسبب الحصار الأقتصادي المفروض على المنطقة وصعوبة الحصول على المواد الغذائية اليومية ، ومن الطرائف التي اتذكرها وبعد مناقشة الرفاق كيفية الحصول على المواد الغذائية قال الفقيد الرفيق (ملازم خضر) أمام الرفاق وبعد امسية اليوم الأول انه صياد سمك ماهر وما رأيكـم ان يكون غذائنا ليوم غــد السمك المشوي وعلى شــرف وصـــول رفاقنـــا بسلام واقترح التوجه صباح يوم غـــد الى النهر القريب لصيد السمك وبالفعل خرج الرفيق وخمسة رفاق وانا بينهم في جــو صباحي بارد وكل رفيق يحمل ســنارته ويفتخــر بها متوجهين النهر القريب واتخـــذ كل رفيق مكان مناسب له على حافة النهر الحادة ورمى الجميع سناراتهم وهم ينظرون لبعظهم وينتظرون السمك الموعود به لوجبة الغذاء ولكن الأنتظار قد طال لغاية ما بعد الظهر عندئذ فقد الجميع الأمل بصيد ولو ( زورية ) واحدة كما يقال لذلك قرر الجميع العودة الى المقر بخفي حنين، ولسوء الحــظ وخـلال حديث الرفيق ابوعايــد مع رفاقه وقــد اصابه الأعياءا تعثرت قدمـاه بالأعشاب وســـقط في النهـر وتعــاون الرفاق لأخراجــه من الماء البارد بعــد ان اصيب بخدوش بسيطة في احــدى يديه بسبب الأعشـــاب المنتشرة على حافة النهر وعلق الرفاق حينها انهم قد أصطادوا سمكة كبيرة هذا اليوم.

بعد إتمام المهمة التي كلفنا بها الحزب والتي دامت يومين ودعنا رفاقنا وعدنا إلى بغداد بنفس سيارة رفيقنا سائق التكسي الذي كان ينتظرنا عند مدخل القرية بسلام دون صعوبات تذكر في الطريق.
ورغم قصر الفترة هذه الا انها كانت تجربة فريدة كان لها تأثير كبير في حياتي لاحقا".

#فائز_الحيدر (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات