|
في ذكرى الثورة الرابعة عشر: “جاك الدور يا ديكتاتور”
الثورة الاشتراكية - نضال من أجل مجتمع حر وعادل
الحوار المتمدن-العدد: 8234 - 2025 / 1 / 26 - 08:22
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
في شهر فبراير 2011، كانت الثورة التونسية قد نجحت في الإطاحة بديكتاتورها بن علي، والثورة المصرية على وشك الإطاحة بديكتاتورها حسني مبارك هي الأخرى. حينها تأثر صبية سوريون لم تتجاوز أعمارهم الرابعة عشرة ربيعًا بثورة التونسيين والمصريين، فكتبوا على حائط مدرستهم في درعا: “أجاك الدور يا دكتور”، متمنين أن ينهض الشعب السوري هو الآخر ويطيح بديكتاتوره الدكتور بشار.
لم يتوقع هؤلاء الصبية أن كتابتهم هذه العبارة على حائط مدرستهم سوف يترتب عليها اشتعال المظاهرات في مدينتهم، ثم لاحقًا اندلاع الثورة في أنحاء سوريا. فقد قام الأمن باعتقالهم وتعذيبهم بطريقة وحشية على مدار خمسة وأربعين يومًا، ما أدى إلى خروج أهالي درعا في تظاهرات للتنديد بوحشية الأمن. قوبلت المظاهرات في درعا بالرصاص وقتل المتظاهرين، فاشتعلت الثورة في أنحاء المدن والمحافظات السورية.
احتاج السوريون إلى ثلاثة عشر عامًا لإسقاط الديكتاتور الأسد، الذي شن حربًا شاملة على شعبه، استجلب فيها الروس والإيرانيين وحزب الله كي يدافعوا عن سلطته التي تضمن مصالحهم. وستظل نضالات السوريين مستمرة من أجل تحقيق الديمقراطية وبناء سوريا حداثية تقدمية، ومنع هيئة تحرير الشام التي تحكم اليوم بسلطة الأمر الواقع من فرض تصوراتها الطائفية والسلطوية، ولكن تبقى خطوة إزاحة ديكتاتورية الأسد خطوة كبيرة باتجاه تحرير السوريين.
في واقعنا المصري، لم يحتاج النظام سوى عامين ونصف العام من 2011 إلى منتصف 2013 كي يتمكن من تصفية الثورة، وتتويج رئيس المخابرات العسكرية وقت اندلاع الثورة، عبدالفتاح السيسي، ديكتاتورًا جديدًا. ولتحقيق ذلك، تمكن الجيش من الاستفادة من عاملين رئيسيين. الأول هو القوى والقيادات السياسية الخائنة التي حرصت على اكتساب أو الاحتفاظ لنفسها بنصيب من الثروة والسلطة داخل منظومة المجتمع الرأسمالي مقابل حماية سلطة قادة الجيش، وذلك بالعمل على كبح الجماهير وإجهاض الثورة. العامل الثاني هو غياب قيادة سياسية بديلة لديها التحليل والاستراتيجية الذين يمكنها من إرشاد الجماهير لطريق يجنبها السقوط في الفخ الذي كان النظام والطبقة الحاكمة يعده لها.
من أكثر تلك القوى الخائنة أهمية كانت جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات الإسلامية الأصولية، فبعد الإطاحة بحسني مبارك تسلموا السلطة في البرلمان والرئاسة. وأدى فشلهم في معالجة الأزمة الاقتصادية وإصدار أوامر بقمع الاحتجاجات إلى خيبة آمال عريضة وغضب الجماهير اتجاههم، ما سمح للجيش بالتحضير لحل البرلمان ثم القيام لاحقًا بالانقلاب. وساعد الجيش في تأمين الدعم الشعبي لخطواته المعادية للثورة مجموعة خائنة مهمة أخرى من قوى وشخصيات قومية وعلمانية ويسارية، مثل حمدين صباحي والنقابي الفاسد كمال أبو عيطة.
لعبت المجموعة السياسية التي كان ينتمي إليها عدد من أعضائنا في ذلك الوقت – الاشتراكيون الثوريون – دورًا ثانويًا ولكن مهمًا رغم ذلك في هذه المأساة. فقد اجتذبت تلك المجموعة العديد من أفضل الشباب الثوار الذين رأوا الحاجة إلى محاربة النظام الرأسمالي الذي ارتبطت به كل قوى الثورة المضادة. لكن قادة المجموعة اتبعوا سياسة انتهازية تتلخص في السير وراء أي زعيم على رأس الجماهير في كل وقت لتجنب الانعزالية، بدلاً من أخذ خطوة للأمام بإعلان برنامج وخطة مستقلة للعمل الثوري تسمح بالانتصار، ما دفعهم للتقلب بين تحالفات اليمين الإسلامي والليبرالي والقومي. فعندما حظيت جماعة الإخوان المسلمين بدعم في بداية الثورة، دعمت وصولها إلى السلطة كبديل مدني للعسكر.
لكن عندما فقدت جماعة الإخوان المسلمين دعم الجماهير، قدم قادة الاشتراكيون الثوريون الدعم غير النقدي لحركة تمرد، على الرغم من أنه كان من الواضح أنها عملية مخابراتية للتحضير للانقلاب العسكري. بل إن قادة الاشتراكيين الثوريين احتفلوا بالانقلاب باعتباره ثورة شعبية أخرى، قبل أن يتجه الجيش للقمع، ما جعل من الواضح للغاية أنه كان في الواقع يعمل على تصفية الثورة. قاوم عدد منا في الاشتراكيين الثوريين التحليلات والاستراتيجية الكارثية التي انتهجتها القيادة، لكننا لم نتمكن من التغلب على هيمنة القيادة البيروقراطية الفاسدة.
في النهاية، فشل قادة الاشتراكيين الثوريين في تطوير برنامج سياسي أو استيعاب أعداد العضوية الجديدة التي وفرها الزخم الثوري، فضلاً عن تزيلهم الحراك، ومشاركتهم بشكل عمدي في تضليل وعي الجماهير.
نجح النظام والطبقة الحاكمة المصرية في إعادة تثبيت سلطتهم وهيمنتهم على المجتمع في وقت قياسي، وذلك عبر التصعيد الجنوني لديكتاتورية السيسي، الذي يقود تحالف النظام والطبقة الحاكمة بين قادة وضباط الجيش والشرطة والقضاة وكبار موظفي الدولة ورجال الأعمال وكبار الملاك العقاريين. ينظر أعضاء هذا التحالف الطبقي لأنفسهم على أنهم أصحاب البلد وأسيادها الذين يستحقون رغد العيش وخيرات البلد وثرواتها دون سواهم.
تتوقف هذه النظرة العنصرية المتعالية والفوقية للنظام والطبقة الحاكمة المصرية على تعاملها مع الشعب المصري فقط. فنفس هذا النظام وهذه الطبقة تجدها أمام حكام دول الخليج وأمام قادة الاحتلال الإسرائيلي ذليلة خاضعة منسحقة. فقد أمسى النظام والطبقة الحاكمة مافيا تحكم البلاد وتستعبد شعبها، وتشارك حكام دول الخليج في استعباده ونهبه، والاحتلال الإسرائيلي في حصار الفلسطينيين وإبادتهم.
عاجلاً أو آجلاً، سينهض الشعب المصري في انتفاضة جديدة ضد الدكتاتورية العسكرية. فإن تفاقم الفقر واتساع القمع الذي تعيشه الجماهير يجعل ذلك أمرًا حتميًا. ولكن نجاح الثورة القادمة أو فشلها يتوقف على ما إذا كانت القيادة السياسية الجديدة قد تشكلت في الوقت المناسب، وهي القيادة القادرة على إخراج الجماهير من فخاخ الطبقة الحاكمة وإرشادها إلى الطريق الذي يمكنها من الاستيلاء على السلطة بنفسها.
لقد أكدت لنا تجربتنا مع الثورة قدرة الماركسية على فهم أزمة المجتمع والإشارة إلى الحل. وقد أظهرت ثورة يناير القوة الهائلة التي تمتلكها الطبقات الشعبية عندما تحشد قواها النضالية. ولكنها أظهرت أيضًا كيف أن كل المجموعات والقادة السياسيين المرتبطين بالنظام الرأسمالي سوف يخونون النضال من أجل الديمقراطية عندما يهدد ثرواتهم وسلطتهم.
نحن نعتقد أنه لكي تنجح الثورة الديمقراطية القادمة، فسوف يتعين على جماهير الطبقة العاملة والفقراء تعلم أنهم لابد أن يستولوا على السلطة بأنفسهم كجزء من النضال الثوري العالمي ضد الرأسمالية، حتى يتسنى توجيه الإمكانات الإنتاجية للنظام الاقتصادي بعيدًا عن الربح الخاص ونحو إنتاج وفرة من الاحتياجات الأساسية للجماهير.
بعبارة أخرى، لن تنجح ثورتنا الديمقراطية القادمة إلا إذا تحولت إلى ثورة اشتراكية ضد الرأسمالية، كجزء من سلسلة من الثورات الاشتراكية التي تشهد استيلاء الجماهير على السلطة في مختلف أنحاء المنطقة. وسوف تمهد هذه السلسلة من الثورات الطريق لتحرير الشعب الفلسطيني وتصفية الدولة الصهيونية الوحشية لصالح دولة ديمقراطية واحدة حيث يمكن لجميع المواطنين أن يعيشوا في سلام ومساواة. ولابد أن تساهم هذه السلسلة من النضال العالمي للطبقة العاملة والشعوب المضطهدة للإطاحة بالسلطة الرأسمالية في مختلف أنحاء العالم.
لقد قضت مافيا الحكم على أي فرصة للعمل السياسي العلني الجاد داخل البلاد. فقد نجحت في استيعاب المعارضة التقليدية عبر جلسات الحوار الوطني وآلية التنسيق الأمني، وجعلت منه بوابة للفساد والارتزاق السياسي بوسائل وأشكال متعددة. ذلك أن مافيا الحكم تحتاج إلى مافيا معارضة كي تؤدي أمامها دور المعارضة، كي يكتمل إخراج مشهد سياسي بائس يحكم واقعنا، تلعب فيه المعارضة التقليدية أقذر الأدوار. إن بناء الحزب والتنظيم الثوري هي وسيلتنا الوحيدة للنجاح في تحقيق هدفنا في إسقاط ديكتاتورية السيسي.
ففي ظل هذه الظروف، فإن المهمة الأساسية اليوم أمام الثوار هي التجمع في تنظيم سري نعمل فيه على تثقيف أنفسنا باكتساب القدرة على التحليل الماركسي، وبناء قوانا لنكون قادرين على لعب دور قيادي في مركز النضالات عندما تتاح الفرص لنا للقيام بذلك، ومن ثم البدء في بناء حزب سياسي ثوري قادر على قيادة الجماهير إلى النصر.
يحتاج إقناع أعداد متزايدة من المواطنين بمشروع عمل تنظيمي للإطاحة بديكتاتورية السيسي إلى عزيمة وإصرارًا ومثابرة لا تلين. لكن لا طريق آخر أمامنا غير ذلك. فإن تجربتنا من 2013 وحتى اليوم تعلمنا أن الطرق السهلة والوصفات السريعة لإسقاط النظام، بدعوات التظاهر العشوائية التي تكرر إطلاقها على مدار سنوات، لم تنجح سوى في زيادة أعداد المعتقلين، ناهيك عن تحريرهم أو إسقاط النظام.
إن الإطاحة بديكتاتورية السيسي هو الهدف الذي يجب أن نتكاتف وأن نعمل بصبر من أجل تحقيقه، حتى ننهي عقودًا من الاستبداد والعنصرية والطبقية للنظام والطبقة الحاكمة المصرية. نحن نعمل على تحقيق هذا الهدف بكل جد واجتهاد.
تعمل مجموعتنا وفق مستويين للعمل: الأول مستوى عمل تنظيمي يهدف إلى بناء الحزب وإعداد صفوفه الداخلية وتوثيق ارتباطه بالجماهير والحراك بشكل عام. الثاني مستوى عمل دعائي نعتمد عليه في تكثيف نشر الدعاية والأفكار والتحريض بشكل علني لضم أعضاء جدد إلى صفوفنا. نحن شديدو الحرص فيما يتعلق بتأمين وسائل اتصالاتنا وأدوات الدعاية والنشر الخاصة بنا، حتى نضمن عدم تعريض أعضائنا الجدد لمخاطر أمنية أو تعريض أدواتنا الدعائية للحجب أو الاختراق.
في ذكرى يناير الرابعة عشرة، نرفع شعار: “العمل المنظم الجاد تحت راية تنظيم ثوري مبني على أسس اشتراكية ثورية يعمل بآليات الديمقراطية هو طريقنا الوحيد للإطاحة بديكتاتورية السيسي ونظامه وطبقة حكمه”.
تواصلوا معنا وانضموا إلينا حتى نتمكن سويًا من تحقيق هدفنا المشترك في الإطاحة بديكتاتورية السيسي ونظامه وطبقة حكمه، وبناء مجتمع جديد حر وعادل وديمقراطي.
بريد إليكتروني : [email protected]
#الثورة_الاشتراكية_-_نضال_من_أجل_مجتمع_حر_وعادل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
توقفت الإبادة، لكن لم يتوقف العدوان. تحرير فلسطين يبدأ بتحري
...
المزيد.....
-
شکست ب? ه?موارکردن?و?ي ک?ن?پ?رستان?ي ياساي باري ک?ساي?تي 188
...
-
حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني يدين السعي الأمريكي لت
...
-
الجبهة الشعبية: مخططات التهجير الجديدة التي يخطط لها ترامب ل
...
-
بيان المكتب المحلي لحزب النهج الديمقراطي العمالي بتارودانت
-
اشتباكات قرب الحدود العراقية بين الجيش التركي ومقاتلي حزب ال
...
-
التقدم والاشتراكية ينظم حفلًا تكريميًا مميزًا للرفيق النقيب
...
-
آلاف المتظاهرين في كل أنحاء ألمانيا ضد اليمين المتطرف
-
ألمانيا: أكثر من 15 ألف متظاهر في كولونيا ضد صعود اليمين الم
...
-
الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع ترد على إحدى “ال
...
-
بيان مشترك للأحزاب والمنظمات اليسارية والتقدمية العربية
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|