خزامي مبارك
الحوار المتمدن-العدد: 8233 - 2025 / 1 / 25 - 16:49
المحور:
الادب والفن
1
صور شفافة
قبل أربعة آلاف وبضعة وعشرين سنة قبل الميلاد،
وُلِد مؤسس أكاديمية أثينا.
وفي مساء شبه مظلم، توصل في تأملاته إلى أن العالم الذي نعيش فيه ليس إلا صورًا غير مكتملة لعالم آخر، وما نعيشه لم يكن الحقيقة بل مجرد انعكاسات. ولكنه نسي أن يقول إنها صور معكوسة الجوانب. ففي علوم الجغرافيا درسنا أن الجنوب دائمًا في الأعلى، أما الشمال فمكانه أسفل السافلين.
كان الناس في الشمال – وما زالوا – يظنون أن الجنوب تسكنه شياطين سوداء، تأكل لحوم البشر. عالم مخيف حقًا؛ شياطين لهم أسنان في الصدر وعين واحدة في منتصف الوجه. هكذا دوّن أحد الرحالة الشماليين عند وصوله إلى أدغال إفريقيا.
ومع مرور الزمن، وصلت أول السفن التجارية، وحملت عشرة آلاف من هؤلاء الشياطين شبه البشر، لبيعهم لملاك المصانع والشركات. الأسعار في متناول اليد:
أسود فاهم يبلغ العشرين من العمر، ثلاث دولارات.
أسود طويل القامة، خمس دولارات.
استمر هؤلاء المجلوبون للعالم الجديد يعملون بجد، يصنعون كل شيء: صنعوا المدافع والطائرات، وبنوا الأرض.
ورويًدا رويًدا، بدأت الصناعات تنتشر ودخلت حيز الاستخدام: القطارات والسيارات يتم استخدامها في الشمال، أما المدفع والصاروخ فيُستخدمان في الجنوب ليقتل هؤلاء الشياطين.
ازدهرت الصناعات حتى تم اختراع العامل الذي يعمل ويعمل من بزوغ الشمس إلى مشرقها؛ سيزيف والصخرة بالضبط.
"قام العمال في الأمم المتقدمة بكل ما كان في وسعهم أن يقوموا به، أو كانت لديهم النية للقيام به، غير أن ذلك كان دوماً شيئًا مادون الثورة." هذا ما يقوله أوليفر كوكس في "الرأسمالية كنظام".
ولكن، على منحى آخر، هناك تجارب متنوعة من الكفاح لشعوب أخرى استمدت إلهامها من مركبات معينة من القهر وأساليب القمع، التي تمثلت في الرق والهيمنة الثقافية، أي بصورة أوضح، تجارة لحوم البشر في ناقلات اللحوم عابرة الأطلسي.
هؤلاء لم يصمتوا بعد، وسيحطمون المرآة يومًا ما لبناء مرآة جديدة حقيقية، غير معكوسة الجوانب.
#خزامي_مبارك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟