أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق حربي - بيتنا في حي الأرامل














المزيد.....

بيتنا في حي الأرامل


طارق حربي

الحوار المتمدن-العدد: 8233 - 2025 / 1 / 25 - 00:15
المحور: الادب والفن
    


بيتنا في #حي_الأرامل
في إحدى الليالي الصيفية من سنة 1985، صعدتُ مبكراً لأنام فوق السطح ، وكان ذلك في اليوم الأخير من الإجازة الشهرية، وبينما أنا أتقلب في الفراش مفكراً فيما ستؤول إليه حياتي في شرق البصرة ، موتاً أم تعويقاً؟ جرحاً بليغاً أم أسراً أم فقداناً مثل شقيقي حسين، سمعتُ طفلاً يغني بحزن شديد طور (جبير الكون) الملىء بالشجن. كان غناءً جارحاً يأتي من قلب الظلمة السديمية محلقاً فوق المستنقعات الفسيحة! نهضتُ من الفراش ووقفتُ مشرفاً على ظلام مطبق محيط بالبيت من كل الجهات. لكن لم أشاهد وجه الطفل الذي قدرتُ عمره حينداك بأقل من عشر سنوات، كما لم أتبين إن كان يغني في أحد بيوت الأرامل أم حي سومر أم وراء المستنقعات؟! صوت حزين بلا وجه ولا ملامح يعلو إلى ذرى مأساة الحرب العراقية الإيرانية. وكم كانت ضروساً في سنواتها العجاف؟ حاملاً كل ألم الجنوب وإهمال أطفاله ومواطنيه وخدماته الإنسانية. كان يغني بقلب تعتصره آلام الفقر والحرمان وطول سني الحرب واليتم المبكر، ولم أفهم حتى اليوم كيف يمكن لطفل أن يجيد بالفطرة طور جبير الكون الذي يفطر القلب! وكان من أصعب الأطوار الغنائية في الناصرية وأعتبره سمفونية خالصة من العذاب والقهر الجنوبي!
في شهري كانون الثاني وشباط من سنة 1991، وقفتُ وأفراد عائلتي مرات عديدة على سطح البيت، وكان الناس فوق السطوح يشهدون مثلنا أمراً جللاً. كانت طائرات دول التحالف من طراز F16 القادمة من القواعد الأمريكية في الخليج العربي. والقاذفات الاستراتيجية 52 B القادمة من القواعد الأمريكية في أسبانيا تقصف بلا رحمة مواقع منتخبة من الناصرية، وكان هذا الجيل من القاذفات موجهاً في الأصل إلى صدر العالم الشيوعي خلال الحرب الباردة. حمم تُرمى بلا حساب على السكان الآمنين في الشوارع وعلى الجسور وفي الأسواق والمدارس وسايلو الحبوب وخزانات النفط والبنزين. تقتل البشر والحيوان جملة ومفرد. وقف المئات من أبناء الجيران فوق السطوح المتلاصقة، وتبادلنا عبر السياجات الخفيضة مشاعر من يدمر وطنه أمام عينيه لكن لا حول له ولا قوة! كنا نسمع الأخبار من الأذاعات ولا نرى الطائرات بالعين المجردة، لكن نسمع دويَّ الانفجارات وتصاعد أعمدة الدخان أمامنا ووراءنا ومن كل الجهات تهز الأرض هزاً يشيل معه البيت بما حمل! ولم تحملني الأرض من شدة غيضي وحقدي على صدام وأمريكا والغرب، ففي ظهيرة أحد الأيام وكان القصف مكثفاً نزلتُ من السطح وهرولتُ إلى المدينة كالمجنون لأقف على مادمرته الطائرات. كان الآلاف من السكان يهرولون مذعورين في جميع الاتجاهات. وفي سوق الحدادين كانت سيارات الأسعاف تنقل المصابين. وثمة قرب مخازن الحبوب
(السيف) حصان ميت بجانب عربته وبحيرة دماء صغيرة!
* مقطع من نص



#طارق_حربي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شمالاً حتى شيانغ راي (3)
- شمالاً حتى شيانغ راي (2)
- شمالاً حتى شيانغ راي (الجزء الأول)
- احتفاء بالدكتور #خزعل_الماجدي في العاصمة النرويجية أوسلو
- اللمسة الحنون في فيلم Her (هي)
- لماذا لا يتعلم مذيعو الفضائية العراقية من مذيعي قناة الجزيرة ...
- قفص مرمي في ضواحي بغداد
- إهداء كتابي (الطريق إلى الناصرية) إلى روح أبي
- إلى محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي. أوقفوا التعامل السيء مع ...
- السيد رئيس الهيأة العامة للآثار والتراث المحترم
- مصطفى والجسر والزلزال
- عن اللغة والفردوس والمنفى
- جدلية الصراع بين الخير والشر في فيلم شجرة الحياة
- جسر الزيتون
- فيلم طعم الكرز (Taste of Cherry - 1997) للمخرج عباس كيارستمي
- عراقيات (1) وادم حجاز كار يوسف عمر
- شارع جهنم (كتاب الرحلات الآسيوية)
- حقوق الحيوان في النرويج
- جفاف الفراتين!
- إليكِ عني أيتها الحرب


المزيد.....




- الكويت ولبنان يمنعان عرض فيلم لـ-ديزني- تشارك فيه ممثلة إسرا ...
- بوتين يتحدث باللغة الألمانية مع ألماني انتقل إلى روسيا بموجب ...
- مئات الكتّاب الإسرائيليين يهاجمون نتنياهو ويطلبون وقف الحرب ...
- فنان مصري يعرض عملا على رئيس فرنسا
- من مايكل جاكسون إلى مادونا.. أبرز 8 أفلام سيرة ذاتية منتظرة ...
- إطلالة محمد رمضان في مهرجان -كوتشيلا- الموسيقي تلفت الأنظار ...
- الفنانة البريطانية ستيفنسون: لن أتوقف عن التظاهر لأجل غزة
- رحيل الكاتب البيروفي الشهير ماريو فارغاس يوسا
- جورجينا صديقة رونالدو تستعرض مجوهراتها مع وشم دعاء باللغة ال ...
- مأساة آثار السودان.. حين عجز الملك تهارقا عن حماية منزله بمل ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق حربي - بيتنا في حي الأرامل