أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أحمد العمراوي - المثقف وخطابات التصوف بين -نعم- و-لا-: سؤال الحيرة وجواب النفي















المزيد.....



المثقف وخطابات التصوف بين -نعم- و-لا-: سؤال الحيرة وجواب النفي


أحمد العمراوي

الحوار المتمدن-العدد: 8232 - 2025 / 1 / 24 - 00:39
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


مدخل:
تهدف هذه الورقة إثارة أسئلة متعددة الأوجه تاريخيا وآنيا بل وحتى استشرافا للآتي من الأيام، جامعها هو محاولة تفكيك هذه العلاقة بين المثقف وخطابات التصوف. فكيف تأسست هذه العلاقة؟ وما هي امتداداتها في عصرنا الحالي؟ وأية صوفية سنميل إليها في تحليلنا هذا ؟
يصعب لمّ شتات موضوع كهذا في ورقة أو ورقات معدودة، بل وحتى في كتاب مستقل. لأنه موضوع المفكّر والمثقف في علاقته بذاته الجمعية قبل الفردية. إذ لا تنفصل الثقافة في أي عصر عن أسئلة البداية المرتبطة بتراث السائل، منذ نزول الوحي إلى الآن، بل وإلى الآتي من الأيام.
وتبدو الحاجة إلى مناقشة موضوع من هذا النوع مهمة جدا من حيث القيمة والحجم، في وقت اختلطت فيه الأوراق فكرا وممارسة ، مما أدى إلى تعتيم وضبابية على المتلقي بل وعلى المُلقي أحيانا. لقد تغيرت مفاهيم كثيرة منذ فعل الأمر الأول " اقرأ ؟ " في ارتباطه بجواب النفي " ما أنا بقارئ" ، أو " ماذا سأقرأ ؟ حسب رواية الطبري ،(1) إلى زمن التأويل بل إلى تأويل التأويل . هذا على مستوى الفكر ، أما على مستوى الممارسة فقد أصبحت التجربة الصوفية الفردية تجارب جمعية انتقلت من التصور إلى التمثل وإلى ممارسة التأثير اجتماعيا وأخلاقيا وسياسيا بطرق مختلفة الزوايا مدا وجزرا . كما أن المثقف المفكِّر نوَّع من منابعه ومرجعياته واستعاراته بشكل مثير يصعب وضعه في خانة محددة، وتصنيفه لجهة ما دون أخرى . تعددت مشارف المثقفين وتنوعت، وتكاثرت الخطابات المرتبطة بالتصوف مدارس واتجاهات مما يحتم علينا التريث في التحليل قبل الحكم . أليس النظر إلى الأسئلة بل إلى ترتيبها أولوية الأولويات في كل تحليل كما يقول عبد الله العروي فنحن " عندما نطالع الكتب الدينية، الكلامية أو الفقهية، الأجدى بنا أن نهمل الأجوبة ونركز على الأسئلة وبالضبط على ترتيبها. هذا الترتيب الموروث قد يغيب عن النظر بسب تكاثر المقالات وتشعب الاعتراضات ، لكنه لا يكاد يتغير" .(2) من هنا نقترح مقاربة موضوع خطابات التصوف والمثقف عبر العناصر التالية:
أ – أصل المسألة : العرفان والبرهان بين الفيلسوف والعارف.
ب – امتدادات في الحاضر . عبد الله العروي ومحمد عابد الجابري.
ج – القراءة العاشقة والصوفية الجديدة .

1 – في أصل المسألة : العرفان والبرهان بين الفيلسوف والعارف

1-1 الكتب والجثمان والخطاب من وراء حجاب
في اللقاءات القصيرة التي تمت بين ابن عربي وابن رشد ، امتد الزمان إلى اللاّمكان، وتم الانتقال بشكل غير إرادي من عالم الصور المرئية إلى عالم المثل.
اللقاء الأول هو لقاء رمزي ، أو هو لقاء تم فيه التواصل بما بعد لغة الناس. لغة الحرف الحارق. واللقاء الأخير هو لقاء ما بعد الرمز أي لقاء الخطاب من وراء حجاب. وبين اللقاءين وعد مؤجل للقاء بين المثقف والمتصوف، أو فلنقل على لسان محمد عابد الجري بين العرفان والبرهان .(3) وغرضنا هنا هو إثارة هذه العلاقة بين الفيلسوف المفكر المثقف إذا جاز هذا اللفظ تاريخيا ، وبين المتصوف الرائي الباحث عن المطلق وفيه.
يقول محي الدين بن عربي الشيخ وهو يروي لقاء ابن عربي الفتى بابن رشد:
"ولقد دخلت يوما بقرطبة على قاضيها أبي الوليد بن رشد وكان يرغب في لقائي لما سمع وبلغه ما فتح به الله عليّ في خلوتي فكان يظهر التعجب مما سمع، فبعثني والدي إليه في حاجة قصدا منه حتى يجتمع بي فإنه كان من أصدقائه وأنا صبي ما بقل وجهي ولا طرّ شاربي، فعندما دخلت عليه قام من مكانه إليّ محبة وإعظاما فعانقني وقال لي : نعم، قلت له نعم، فزاد فرحة بي لفهمي عنه، ثم إني استشعرت بما أفرحه من ذلك فقلت له لا، فانقبض وتغير لونه وشك فيما عنده وقال: كيف وجدتم الأمر في الكشف والفيض الإلهي هل هو ما أعطاه لنا النظر؟ قلت له نعم لا وبين نعم ولا تطير الأرواح من موادّها والأعناق من أجسادها، فاصفر لونه وأخذه الأفكل وقعد يحوقل وعرف ما أشرت به إليه وهو عين هذه المسألة التي ذكرها هذا القطب الإمام أعني مداوي الكلوم، وطلب بعد ذلك من أبي الاجتماع بنا ليعرض ما عنده علينا هل هو يوافق أو يخالف؟ فإنه كان من أرباب الفكر والنظر العقلي، فشكر الله تعالى الذي كان في زمان رأى فيه من دخل خلوته جاهلا وخرج مثل هذا الخروج من غير درس ولا بحث ولا مطالعة ولا قراءة وقال: هذه حالة أثبتناها وما رأينا لها أربابا، فالحمد لله الذي أنا في زمان فيه واحد من أربابها الفاتحين مغالق أبوابها، والحمد لله الذي خصني برؤيته، ثم أردت الاجتماع به مرة ثانية فأقيم لي رحمه الله في الواقعة في صورة ضرب بيني وبينه حجاب رقيق أنظر إليه منه ولا يبصرني ولا يعرف مكاني وقد شغل نفسه عني، فقلت إنه غير مراد لما نحن عليه فما اجتمعت به حتى درج ودلك سنة خمس وتسعين وخمسمائة بمدينة مراكش ونقل إلى قرطبة وبها قبر، ولما جعل التابوت الذي فيه جسده على الدابة جعلت تواليفه تعادله من الجانب الآخر وأنا واقف ومعي الفقيه الأديب أبو الحسين محمد بن جبير كاتب السيد أبي سعيد وصاحبي أبو الحكم عمر بن السراج الناسخ، فالتفت أبو الحكم إلينا وقال: ألا تنظرون إلى من يعادل الإمام ابن رشد في مركوبه هذا الإمام وهده أعماله يعني تواليفه، فقال له ابن جبير : يا ولدي نعم ما نظرت لا فُضَّ فوك، فقيدتها عندي موعظة وتذكرة، رحم الله جميعهم، وما بقي من تلك الجماعة غيري وقلنا في ذلك:
هذا الإمام وهذه أعماله يا ليت شعري هل أتت آماله" (4)
يحدد نصر حامد أبوزيد (5) هذه اللقاءات في أربعة هي :
اللقاء الأول : وهو لقاء الفتى اليافع والذي لم يبلغ بعد سن الرشد وهو المذكور في النص إلى قوله مداوي الكلوم.
اللقاء الثاني : وسماه أبوزيد: الأمل الذي لم يتحقق ، من قوله : وطلب من أبي إلى قوله في الفتوحات: الذي خصني برؤيته
اللقاء الثالث : أين ومتى ؟ من ثم أردت الاجتماع به إلى غير مراد لما نحن فيه
اللقاء الأخير : بعد الرحيل، وهو لقاء الحسرة الذي يمثله قوله يا ليت شعري
ابن عربي كان رائيا، وأغلب ما كتبه أتى من رؤيا خاصة أُمر فيها بالكتابة وإحراج مكتوبه للناس، هو يرى ما لا يراه الآخرون ولذلك تحتاج رؤيته ورؤياه إلى تأويل خاص. ابن رشد كان مفكرا مثقفا يميل إلى العقلانية في تعامله مع الناس والأشياء. ابن عربي كذلك ولكن بمنطق خاص يتأسس على الخيال الخلاق المرتبط بما بعد الحداثة كما ينعته بذلك محمد المصباحي .(6)
علاقة وطيدة إذن بين الحياة والموت ، بين الكف والكفن، بين الكتابة والنعش، بين الكتب والجثمان. تناقضات في الظاهر لا مجال لحلها إلا بالرؤيا والرؤية، إذ أن الرؤيا الصالحة من الله، وما دونها فمن الشيطان (7)
خطاب الفكر والتصوف سيمر بأربعة مراحل إذن - التطابق: قال: نعم ، قلت له: نعم - التنافر : قلت: لا – التناقض : قلت: نعم ولا - الصمت أو الخطاب من وراء حجاب: الكتب والجثمان.
كيف يمكننا تأويل هذا الكلام؟ فبين نعم ولا نشأت حيرة هي حيرة السائل الذي هو هنا ابن رشد، وهو شخصية قوية علما وسنا وتجربة ، شخصية تعطي الجواب القاطع في الأصل وفي النهاية ، هي من يوجه الجواب ، ألم يكن قاضيا وفيلسوفا وفقيها؟ و" لا " هذه هي التي حيرته ودفعنه ربما إلى ابتلاع مكتبات قصد حل حيرة " لا " هذه، ومن هنا ندرك سر الرؤية الخاصة لابن عربي أو للناسخ الذي رأى التواليف توازي الجثمان. الأمر الذي سيتسبب في التساؤل الأخير شعرا : يا ليت شعري هل أتت آماله؟
في كتابه مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية (8) يعنون ابن عربي المشهد الحادي عشر ب " مشهد نور الألوهية بطلوع نجم " لا" وهو مشهد قصير ولكنه جد مكثف نورده كاملا لملاءمته لما نحن فيه. يقول الشيخ الأكبري : " أشهدني الحق بمشهد نور الألوهية ، وطلوع نجم (لا") فلم تسعها العبارة وقصرت عنها الإشارة ، وزال النعت والوصف ، والاسم والرسم . وقال وقلت . وائت ، وأقبل ،أدبر ، وقم، واقعد. وبدا لي كل شيء ولم أر شيئا . ورأيت الأشياء، ولم أر رؤية. زال الخطاب وانعدمت الأسباب، وذهب الحجاب ، ولم يبق إلا البقاء ، وفني الفناء عن الفناء بأنا"
ما المقصود ب"لا "هنا ؟ قد يتبادر للذهن أن المقصود هو لفظ لا إله إلا الله ، اللفظ المؤسس للإسلام بل ولكل دين بما أن الدين واحد في عرف ابن عربي، وهنا قد تحل الحيرة ظاهريا، ولكن الأمر سيستعصي في "لا" الأولى التي جعلت الشيخ يرتعد أمام الفتى .
لا الثانية لم يكتمل جوابها ، واستمرت الحيرة إلى ما بعد الموت عندما تحولت إلى حسرة, ولكن أي موت هذا وابن عربي لا يعترف بالموت الجسدي وهو الذي استحضر كل الأنبياء في فصوص الحكم وفي غيرها.
التواليف توازن الجثمان. تآليف ابن رشد وقد خلف منها المئات، منها ما يزيد على التسعين في الفلسفة والشروحات ، وما يزيد على العشرين في الطب إضافة إلى مؤلفاته الفقهية والأدبية المعروفة. ولعل كتابه "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال" هو بمثابة جواب عن سؤال الحيرة رغم كونه قد ألف قبل لقائه بابن عربي غالبا.
ومن باب التساؤلات المرتبطة بالشطح نقول: لماذا التركيز على التواليف وليس الأقلام؟ ما دمنا في بحر التأويل والمجاز العالي الذي هو مدخل كل فكر ونبش صوفي من جهة، وكذا بالنسبة لأسئلة المثقف والمفكر والفيلسوف من جهة ثانية.
الأقلام هي وسيلة الكتابة على اللوح أو الورق (أما زالت كذلك في العصر التكنولوجي ؟) . لقد ذكرت في القرآن الكريم بقوة ( نون والقلم وما يسطرون ) وحين ترفع (9) يقع ما لا تحمد عقباه . القلم يسطر على اللوح من أجل الحفظ والاحتفاظ قصد التذكير والتذكر وتلك مهمة الكتاب الأول . القلم بداية والكتاب نتيجته ولذلك نهتم بالنتيجة ، أي ما خطته الأقلام.
حين يكتب الكاتب فهو يدون مخزونه بالقلم ، وقد خَلقت الكتابة عبر الآلة مشكلة للكتاب الورقيين الذين لا زالوا مرتبطين بالكتابة القلمية لأنها يدوية، ولست أدري هل كان ابن عربي سيشعر الشعور نفسه وهو يرى تواليفه محمولة عبر آلة صغيرة جدا توازي الجثمان ( لنلاحظ أن الكتاب وضع للأخذ والحمل وكذا الهاتف والحاسوب المحمول ). لعل المهم هنا هو أن المحمول الذي أصله كتاب هو كفن القلم ، هو جمّاع الألف . والألف هو البداية و البداية نقطة ، والنقطة ألف، والألف ألفات ، فوجودٌ سيحفظ في كتاب تتفرع عنه كتب. فتوحاتٌ حين تجمع وتخرج للوجود ينتهي دور الكاتب، لتستمر هذه الفتوحات مؤثرة إلى ما نحن فيه.
هل كان ابن عربي يتنبأ بمصير ابن رشد ؟ (لنتذكر شريط المصير ليوسف شاهين ) مصير مضطرب أحيانا ، ومثير للجدل أخرى. الفقيه سيواجه الفيلسوف. والفيلسوف ليس مقبولا في البداية من طرف الفقهاء، أعني المفكر والمثقف العقلاني.نِدٌّ ونقيض. والجمع بين النقيضين هو ما خلق المشكلة بالنسبة للمفكر، ( ابن رشد) وقد لا يخلق مشكلة للمتصوف ( ابن عربي مثلا في مشهد (لا) (10) و في جوابه الثاني (نعم ولا). هل هو تناقض بين الحياة والموت ؟ هل يبحث الفقيه عن قضايا الحياة وكيف يجب أن تكون استعدادا لما بعد الموت؟ وهل يتأمل الفيلسوف والمفكر في الحياة والموت بلا حدود؟
حيرة السؤال مشروعة هنا ، ولذا لا سبيل للبحث عن الجواب بالرؤية، قد تكون الرؤيا هي الحل في مقامنا هذا. الفقيه هنا فيلسوف. والفيلسوف فقيه.وقد يجمعهما لفظ المثقف المتعدد في مصطلحنا المعاصر. الأمر ينطبق هنا على الرائي والمرئي ، على ابن عربي وابن رشد.
ابن رشد ابن عربي، اسمان متكاملان في التاريخ ، كل منهما يرى الآخر تارة ب "نعم" ، وتارة ب "لا" . الرائي مبصر بما بعد الحواس فما ذا أبصر هنا؟ المجهول ربما، أعني الصور المتبقية في النفس، فالصور اللامرئية تصير مرئية ، وهي عوالم أخرى، هي غير عالم الواقع , هي تنتمي لعالم المثال , عالم الوهم (والتعبير لابن عربي) أي عالم الخيال والتخيل (الخلاق) حسب هنري كوربان.
الكتاب اسم مادي له دلالة جمع المكتوب وتثبيته وحفظه من الضياع. لنتذكر أن من أسماء القرآن الكريم لفظ الكتاب، وكل كتاب في الأصل هو كتاب الله ، ولذلك يدعو القرآن الكريم إلى معاشرة أهل الكتاب ، نعني أهل الشرائع السابقة على الإسلام حتى لا تقول الديانات بما أن دين الله واحد.
جثمان ابن رشد من جهة ، وتواليف من جهة أخرى ، هي تواليفه. هل كان من بينها الكتاب الأول أي كتابنا العزيز؟ أعتقد أن لا أحد بإمكانه الجواب القطعي هنا رغم أننا في حضرة الخيال والتخيل، إذ لو حصل ذلك لتغير تحليلنا وجهة أخرى ليست هي المقصودة هنا.
الحروف أمم لها أنبياؤها يقول الشيخ" فهم مخاطبون ومكلفون ، وفيهم رسل من جنسهم، ولهم أسماء من حيث هم ، ولا يعرف هذا إلا أهل الكشف من طريفنا" (11). فما دلالة اسم الرائي ( ابن عربي) ؟ وما دلالة اسم المرئي( ابن رشد)؟ وما الرابط بينهما؟ ابن رشد من الرشد والرشدية وابن عربي من العروبة والصفاء . والكتاب والمكتوب والكتابة هي الجامع. ولكن بحذر بالنسبة للمتلقي. إذ أن الصوفي والمثقف سيشتركان في التمييز في الخطاب بين العامة والخاصة، فمن أسباب النقمة على ابن رشد غضبه على الفقهاء لكونهم تحدثوا مع العامة بلغة الخاصة، وهو يميز منهجيا بين الناس ويقسمهم إلى عامة وعلماء أو إلى جمهور وراسخين في العلم (12). للمتصوفة كذلك لغتهم ومصطلحاتهم الموجهة للخاصة دون العامة.
الكتاب هو آلة مادية في الظاهر ستتحول إلى ما هو أبعد من ذلك ، نقصد حلقات ابن رشد التي ستقيم الدنيا من خلال رؤى ابن عربي المؤدية للحسرة:
هذا الإمام وهذه أعماله يا ليت شعري هل أتت آماله
كومة كتب توازن جثمانا (13). هي مقارنة وموازنة بين جثمانين في الحقيقة. أليس الكتاب جثمانا ثابتا لا ينفتح إلا إذا فتحناه؟ ( تلك أهم دعوة سعت إليها اللقاءت القليلة بين المفكرين). وحين يُخرِج الكاتب مَكتوبه فهو يدفنه في قبر هو كتابه. الكتاب هو قبر الكاتب والشاعر (14). المقارنة مشروعة هنا ولا مجال للحسرة. قد يحدث ذلك لدى العامة بما أن الموت في عرفها هو سكون ونقيض للحياة، ولكنه بالنسبة للمتصوفة العاشقين للمطلق والرائين محتلف. هو استمرارية يفصلها البرزخ.
ما الذي حدث في الرؤية المتخيلة لابن عربي رغم انطلاقها من واقع مادي ؟ ما الذي حدث في رؤيا الخضر التي تبناها ابن عربي وتأسف عليها ( يا ليت شعري) ؟ تجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الموازنة ليست فرجة تافهة في العمق ، فهي ترتبط بالجثمان وصاحبه، ولم يكن ممكنا أن يرى ابن عربي الكتب والتواليف لو تغير الجثمان ، بل لو تغير توجهه من الجنوب إلى الشمال أو من الشرق إلى الغرب في اصطلاحنا المعاصر . فما الذي تحقق؟ سيوارى الجثمان غربا، ومعه الكتب ستوارى أيضا لتظهر وتزدهر من جديد، ولكن غربا لا شرقا.

1-2 محمل الكتب ومحمل الجثمان :
الجثمان يُحمل في التابوت بعد تكفينه قصد الذهاب به إلى القبر ، فأين سيحمل الكتاب ؟ على الأكف؟ على دابة ؟ عبر آلة ؟ أية علاقة بين الحامل والمحمول؟ هل هي تكاملية أم ترابطية أم ماذا؟ الجثمان سيحمل على دابة، هذا ما رآه ابن عربي ومعه الخضر.
سِفْر الكتاب جامد وثابت ساكن إلا إذا فتحته. فتحه هو فتح لباب يقودك للنور، ولهذا يصر الكاتب أيا كان صنفه أن يخلف أكبر عدد من الأبواب وراءه، وهو يحب أن تفتح باستمرار ، بل يدعو إلى فتحها . وكما يقول الشيخ الأكبر " إذا رأيت بابا مغلقا فاعلم أن وراءه أمرافتَعَمَّل في فتحه" (15)
الرائي (ابن عربي الحي ) يرى المرئي (ابن رشد الميت ) إلا أن الحياة ستبقى إلى ما بعد الموت الجسدي، أعني الكتب التي ستفتح والسؤال هنا هو : من سيفتح هذه الأبواب ؟ وبأية وسيلة ؟ وبأية طريقة ؟ وأين؟ ومتى؟
لقد كان ابن رشد هو الجسر الضروري بين الشرق والغرب.عبر ترجماته وقراءاته للفكر اليوناني الذي نحن مدينون له فكريا إلى الآن. ولكن هل كان ضروريا أن يتم الانتقال من المغرب ( مراكش التي تنتمي فكريا للشرف) إلى الغرب الأندلس (المنتمية جعرافيا على الأقل إلى الغرب) ؟ ربما كان هذا هو سبب حسرة الرائي رغم جوابه السابق له ب "لا" .
الجثمان لا ينتقل إلا مصحوبا بالكتب الموازية ، والمقصود هنا التواليف الخاصة بابن رشد. الجثمان لا ينفتح وإنما في القبر يوضع بينما التواليف ستنفتح ولكن غربا لا شرقا ، وحسرة ابن عربي مشروعة في هذه الحالة لكونها ترتبط بهذا لانتقال الهائل للمعرفة وللثقافة الرشدية عامة من الشرق إلى الغرب الذي سيعترف بها بصعوبة في البداية قبل أن يسعى لتجاوزها.
ولكنه انتقال هائل وضروري لولاه لما امتد الفكر الإنساني واستمر إلى ما هو عليه الآن.

1 – 3 الخضر الحاضر دائما.
مداوي الكلوم هذا هو اللفظ الذي يطلقه ابن عربي على الخضر ، والخضر من الاخضرار والاخضرار هو اللون المفضل لدى المسلمين لأنه لباس أهل الجنة. في الباب 15 من الفتوحات المكية التي فتح الله بها على الشيخ الأكبري ، والمعنون ب : في معرفة الأنفاس ومعرفة أقطابها المحققين بها وأسرارهم يقول:
" وكان هذا القطب مداوي الكلوم قد أظهر سر حركة الكون، وأنه لو كان على غير هذا الشكل الذي أوجده الله عليه لم يصح أن يتكون شيء في الوجود الذي تحت حيطته وبين الحكمة الإلهية في ذلك ليرى الألباب علم الله في الأشياء وأنه بكل شيء عليم " (16)
كيف يمكننا القيض على تلابيب هذا الكلام ونحن في حضرة الخيال غارقون، وفي حضرة الرائي الذي يرى ما لا يراه الآخرون ؟ يحدث ذلك في كل الثقافات الروحية العميقة. في كتابه "voir" )إبصار( يتحدث كارلوس كاستانيدا عن معلمه دون خوان ماتيس الذي كان هو الآخر من الرائين المبصرين ، ويورد في إحدى حواراته هذه العلاقة بين النظر والإبصار يختمها بما يلي :
- أنت لا ترى إلا سطح وظاهر الأشياء يقول دون خوان
- هل تقصد أن كل العارفين يستطيعون الإبصار من خلف ما يرونه؟ يرد كاستانيدا
- لا ، لا يتعلق الأمر بهاذا. قلت بأن العارف له اختياراته الشخصية . اختياراتي أنا تهتم بالإبصار والمعرفة لأمور أعمق وأشياء أخرى." (17)
الإبصار سمة العارفين إذن مهما كانت دياناتهم وعقيدتهم أو مذاهبهم . هم أهل تجربة لذلك يرون ما لا يراه الآخرون . وقد يكون لهم مساعدون غير مرئيين أيضا . آخرون لا يُرون بالعين بل بالإبصار. الخضر هو آخَرُ ابن عربي ، ذلك أن الرؤية حجاب ، وكانت الدار حجابا لأنها ظلمة ، والظلمة حجاب" كما يقول الشيخ (18)
هو مداوي الكلوم إذن الذي يقول فيه ابن عربي بعد لقائه الأخير بابن رشد، أو بجثمانه على الأصح : " وكان هذا الشيخ مداوي الكلوم قد أظهر سر حركة الفلك" (19). لكل شيخ مريد، والخضر هو شيخ الشيوخ منذ آدم وموسى إلى ابن عربي وما بعده من الأولياء ما دامت الولاية امتداد بشكل ما للنبوة،. الخضر هو ملازم الأنبياء والأولياء ، فهل هو شخصية حقيقية؟ لا يهم الجواب القطعي ما دمنا هنا في مجال الخيال الخلاق .

1 – 4. قبر ابن رشد وقبر ابن عربي.
قبر الكاتب مفتوح دائما على اللانهائي متصوفا كان أم مفكرا. الكتب والتواليف هي قبر الكاتب الحقيقي، ورغم ذلك فهناك دلالة رمزية للمكان . مكان جمع الجثمان . انتقل جثمان ابن رشد من الشرق إلى الغرب، وانتقل جثمان ابن عربي من الغرب إلى المشرق . هما يشتركان في المنشأ ويختلفان في المرقد. فما زال قبر ابن عربي عامرا إلى الآن في دمشق حيث تقام فيه دروس وحلقات للذكر.التاريخ يحفظ الكتب وقد يحفظ القبر أيضا.
هذا عن الصوفي فأين قبر الفيلسوف ؟ لا أحد يجزم بالجواب في اعتقادي، فهل تم تناسيه؟ الأفكار تنتقل بلا حدود أيا كانت صوفية أكبرية أم فلسفية رشدية. الفلسفة والتصوف، أو فلنقل بلسان الحال الذي نحن فيه: بين المتقف والصوفي علاقة يكاد يصعب الفصل بينها منذ نزول الوحي إلى الآن . قد تطغى إحداهما على الأخرى في مراحل معينة من التاريخ إلا أنها علاقة قائمة باستمرار، ومن ثم فخطابات التصوف تمتد وتنحصر تبعا لظروف ترتبط بالحكمة والحكم.

1 – 5 .الحكمة والحكم:
في كتيب ابن عربي " حلية الأبدال" يقول في فصل من فصوله فبل الوصل" الحكم نتيجة الحكمة ، والعلم نتيجة المعرفة، فمن لا حكمة له لا حكم له، ومن لا معرفة له لا علم له. فالحاكم العالم لله قائم ، والحكيم العارف بالله واقف . فالحاكمون العالمون لاميون، والحكماء العارفون بائيون" (20)
هل كان ابن عربي يقصد ابن رشد بكلامه هذا حين كتبه، رغم أنه كتبه بعد وفاة الفيلسوف قاضي قرطبة؟ من الأكيد أن لقاءات القاضي الفقيه الفيلسوف بالمتأمل الباطني كانت لها أهمية كأهمية تأثير وتأثر الغرب بالشرق والعكس.
الحكمة ضالة للمؤمن. هكذا كان يفكر ابن عربي صاحب التجربة. ولكن ما مكانة الحكم؟ وأي حكم يقصد؟ ولماذا ابتدأ به هذا الفصل الهام من حديثه عن الأبدال السبعة؟
في هذا الكتاب يتحدث ابن عربي عن أهم مقامات الصوفية التي هي : الصمت والعزلة والجوع والسهر، وهذه المقامات هي حلية الأبدال السبعة الحامين والحافظين للعالم في كل زمان.خيال خلاق به واجه الفيلسوف وحيرته بين نعم ولا، وهذا الفصل بمثابة تأطير لكلام الشيخ ووجهة نظره في نعم ولا.
الحكمة والحكم وبينهما مفكران كبيران : ابن رشد وابن عربي. كبيران في التاريخ كما في الآتي ، لأنهما يرغبان بقصد أو بدونه إلى مد الجسور بين الثقافات، والسعي لحل التناقض الحاصل بين مختلف أنواع الخطابات الصوفية منها والفكرية، ومن هنا نفهم سبب اضطراب ابن رشد لما واجهه ابن عربي بجواب النفي "لا" والذي سيتحول إلى سؤال مؤرق. فما الذي تبقى من كل هذا حاليا ؟
القبر جامع الشتات . هو المنتهى لا النهاية. وشاهد القبر هو الاسم ، ابن عربي ، ابن رشد. ومفتاح الكلام بينهما هو " نعم" و" لا" أية "نعم "؟ وأية "لا"؟ إنه قول على قول. متعة التحليل الذي نحن فيه هو ما يدفعنا للكلام ، وهكذا تكلم الحكيمان . الاسمان شاهدان على فكر حر متحرر من كل قيد لأن الخيال هو السيد .

2 – امتدادات في الحاضر : عبد الله العروي ومحمد عابد الجابري والقرآن الكريم.

سنشير باقتضاب شديد لأهم الأسئلة التي اهتم بها المثقف العربي بذاته الجمعية انطلاقا من اهتمامه بالتراث وبالأصول الصوفية ممثلة في القرآن الكريم.وذلك من خلال كتاب السنة والإصلاح لعبد الله العروي، والتفسير الواضح للقرآن الكريم حسب ترتيب النزول لمحمد عابد الجابري.

2-1 – عبد الله العروي وكتابنا العزيز.
يؤطر عبد الله العروي كتابه السنة والإصلاح بهذا المدخل: " جاءتني رسالتك في وقت سابق . مرت علي شهور وأنا أبحث عن وسيلة سهلة وواضحة أرتب بها أفكاري، هل أفعل ذلك في شكل اعترافات أم عقيدة أم حوار أم عرض مسلسل؟" .(21)
هي حيلة للجواب عن سؤال الحيرة السابق بين ابن عربي وابن رشد، أوفلنقل إنها امتداد طبيعي له. الأسئلة التي سيطرحها العروي هي محاولة البحث عن مخرج من سؤال الحيرة.
الأفكار التي يسوقها العروي شغلته منذ زمان واستمدت شرعيتها من الراهن الذي أصبح عليه الدين ومعه التدين بالنسبة للمسلمين ولغيرهم. ظاهرة مؤثرة بأشكال مختلفة. ولعل اختيار عنوان" السنة والإصلاح" هو منطلق لمناقشة الأغلبية فكريا ومن ثم سياسيا. الملفت للنظر هنا هو أن صاحب "الأيديلوجية العربية المعاصرة" و"التاريخانية" سيبقى وفيا جزئيا لخطابه السابق ولكن بإرجاعه إلى أسئلة عميقة ترتبط بالأصل أو بما يسميه عبد الله العروي ّ كتابنا العزيز" .
يناقش العروي علاقة المثقف بتاريخه الفكري رابطا بين الفكر وما مورس منه ، ويعمق الأسئلة حول الثقافة بشكل عام وما يتعلق منها بالفلسفة والتاريخ والدين والتصوف. هي أفكار تحتاج إلى أكثر من وقفة ونحن نسوق هنا هذا المؤلف كمثال على هذه العلاقة الحديثة بين المثقف وخطابات التصوف.و نورد بعض آراء عبد الله العروي في كتابه هذا كدليل على هذا الاهتمام .
" ما من قول يصدر عنا إلا ويعبر عن هم ذاتي ، أو بعبارة أدق على قول يقال لا يفهم إلا إذا نسخ في تجربة " (ص: 11 ) ." تبسط قوة الذاكرة على ما سواها من قوة الذهن، تتحكم في الحس وفي التمييز ، وفي المخيلة وفي العقل، لم يعد الإنسان هو الحيوان الناطق أو المفكر بل هو الإنسان الذي يُذَكّر " (ص: 59). التذكير سيتم بواسطة القرآن الكريم الذي يطلق عليه عبد الله العروي لفظ " كتابنا العزيز" . ويورد في كلامه المرموز في كل الكتاب عبارات من هذا القبيل حين يجيب عن أسئلة السائلة الأجنبية عن الثقافة العربية الإسلامية من قبيل :
" الرؤيا دعاء وإجابة
من يدعو ومن يجيب ؟
السيرة المعتمدة لدينا تشجع على طرح السؤال. الحق، الذي يكشف عن ذاته أثناء الرؤيا. هو الداعي والمجيب ، الرائي، والمرئي، الحاضر، الحي، القريب، الولي، إلى آخر الأسماء. هو الحاضر من الأزل، بأمر وبجود
الرؤيا مبادلة ، محاورة ، معاهدة، موالاة ." (ص: 60)
وقبل كل هذا يورد عبد عبد الله العروي هذه الفكرة الهامة في محاورتة المفترضة لسيدة أجنبية تبحث في سؤال الحيرة , سؤال نعم ولا يقول : " حصل أن اقترح أحد الضيوف اسمي على المؤسسة ( مؤسسة أمريكية تقيم للباحثين في جبال الألب الإيطالية مقاما للكتابة بكل الشروط) ... فاقترحت أن أقوم بتجربة ذهنية، وهي أن أذهب إلى ذلك المنعزل ومعي كتاب واحد وأعكف على تأمله طوال ستة أشهر، مستغنيا عن كل الوسائط من شراح ومفسرين ومؤولين، حتى أعرف بالضيط ماذا يبعث ذلك الكتاب في نفسي، في وضعيتي الحالية ، في سني الحالية ، بثقافتي وتجربتي التي مررت بها. والكتاب الذي اقترحته كان بالطبع كتابنا العزيز. فرفض الطلب" (ص: 8 ). أليست هذه دعوة للتأمل الوجداني الصوفي العميق؟

2- 2 محمد عابد الجابري و فهم القرآن الكريم .

أثارت اجتهادات محمد عابد الجابري في فهم القرآن الكريم وتفسيره انطلاقا من ترتيب النزول عدة انتقادات سلبا وإيجابا. ولعل عودته للأصل الأول للتشريع والاعتقاد هي عودة للروح بعد أن خاض المفكر في قضايا العقل والتراث الفكري والفلسفي مدة طويلة فلم هذه العودة؟
المفكر كائن مشدود لأصل وجذر يزداد تشبثا به كلما امتد به العمر وصقلته التجربة . في الأجزاء الأربعة المكونة من مدخل للقرآن الكريم، ومن تفسير حسب تاريخ النزول يعبر الجابري عن هذه الحاجة لفهم جديد للقرآن الكريم حين يقول :" " فهم القرآن " مهمة مطروحة في كل وقت ومطروحة في كل زمان، والقرآن ليس مجرد كمّ من الصفحات ينتظمنها غلاف "المصحف" ، بل هو نص اجتاز مسار الكون والتكوين خلال مسيرة تجاوزت عشرين سنة " (22). هي حاجة ونداء لا من أجل التوبة إذ لا خطيئة في اجتهاد صادق ولو أخطأ صاحبه. اجتهاد هو بمثابة مساهمة في حل إشكالية تتعلق بعلاقة المثقف بروحه . ومن هذا الجانب يمكننا الربط بين المثقف ووجه من وجوه خطاب التصوف.
يطلق الكاتب المثقف على مكتوبه اسم " الظاهرة القرآنية" ، ويعتبرها معاصرة لنا. هي عودة إذن بالنسبة لصاحب " نحن والتراث" للنبع الأول وللروح . أليست هذه صوفية بشكل من الأشكال؟ ورغم أن الجابري يصرح في المدخل بأن القرآن معاصر لنا ومعاصر لنفسه، فهو لا يخرج عن الأصل رغم ميله الظاهر للربط بين التاريخ واللغة , يقول الجابري : " ونحن نعتقد أنه لا بد من أخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار . فالظاهرة القرآنية، وإن كانت في جوهرها تجربة روحية، نبوة ورسالة. فهي في انتمائها اللغوي والاجتماعي والثقافي ظاهرة عربية، وبالتالي يجب ألا ننتظر منها أن تخرج تماما عن فضاء اللغة العربية، لا على مستوى الإرسال ولا على مستوى التلقي " (23).
يوضح الجابري في الصفحة نفسها كيف أن أحداثا كثيرة تلت صيف 2001، وما حدث قي شتنبر من السنة نفسها جعله يفكر في مدخل للقرآن الكريم ، وهو مدخل أتي لتلبية حاجة ذاتية وموضوعية في الآن نفسه انسجاما مع ما طرحه المفكر في " نحن والتراث " وما تلاه في نقد العقل العربي بأجزائه المتعددة.
إنه البحث عن جواب لسؤال الحيرة " اقرأ"؟ ومحاولة لخلخلة جواب النفي "ما أنا بقارئ" وبين ذلك محاورة نعم ولا. والقرآن الكريم هو النبع الصافي للتأمل في كل فكر وبمختلف الخطابات الصوفية.

3- القراءة العاشقة والصوفية الجديدة.

- 1-
في القراءة العاشقة سيتم الاتجاه إلى التفاعل بين القارئ والمقروء، بين النص الأول والنص الثاني. لا مجال للقراءة العاشقة بغير صفة التقبل الأول الذي يخلفه النص الأول على ذات القارئ.
فَكِّكْ خيوط القراءة بالتأويل هو مثار فعل الأمر الأول، فعل البدء : "اقرأ" الذي يعني: ادخل معي في القراءة كاتبا، وعاشقا للقراءة. سيقود فعل القراءة في هاته الحالة إلى التوريط في المكتوب. "اقرأ المكتوب" يقول الفعل الأول. اقرأ فقدَرُك أن تكون قارئا ممارسا للقراءة أي عاشقا لها، وبالتالي كاتبا جديدا لمكتوب سيتحول إلى مقروء. هل عليك أن تختار ما ستقرؤه بما أن قراءتك هي كتابة جديدة لمكتوب سابق ؟
يقول الفعل الأول : اقرأ مؤوِّلا على هواك بانزياحك المرتبط بمقروئك كله. مقروء الحياة، ويومي الحياة بتفاصيل تدخل جسدك، وتشكل ما يسمى بالتجربة، ولا يهم مقدار التجربة في هذه الحالة، المهم هو أن تكون تجربة تدخل المكتوب بالحواس وما بعد الحواس. تفكيك يعوض الرمز برمز آخر أساسه التخييل.
تخيل ما ستقرأه شيئا آخر غير هذا المكتوب العيني ( من العين). كن عاشقا له مهما بلغت قوة هذا المكتوب. القراءة العاشقة مجالها الشعر والشعري. يصعب الدخول بغير هذا، فعشق الشعري هو عشق للخيال، للانهائي. افتح مجالا آخر غير المجال المتداول وأنت تقرأ، لأن قراءتك هي قراءة غير القارئ العادي. ما أنا بقارئ يقول لك العاشق وهو يتأمل هذا "المكتوب". لن يقول لك ما أنا بعاشق، لأن العشق صفة ترتبط بموصوفها، بينما القراءة العادية قد تكون قراءة برانية تفكك تركيب الجمل ولا تدخل في الحرف نفسه. العشق في القراءة هو ابن الحرف، أي ابن الكتابة في أصلها.

ـ 2 ـ
ما العلاقة بين القراءة العاشقة والكتابة؟ إذا لم تكن الكتابة تنطلق من عشق فهل يمكن أن تأتي القراءة عاشقة؟
العشق مرض. هكذا صنفه الرازي وابن سينا وغيرهما من كبار العلماء الشعراء. العاشق يحتاج إلى طبيب يداوي جراح الداخل. يدخل العاشق في مرضه بمؤثر آخر. مرض ضروري، وإلا فلا عشق.
العشق حالة يولدها نص. والنص هو آخَرٌ يدخل الذات فيخلخلها ويجعل صاحبها "مسكونا" مهووسا بهذا النص، ولا شيء غيره إلى مرحلة ما، تسير في اللانهائي. إلا أن القارئ في القراءة العاشقة يصاب ببعض الانفراج وهو يفرج عن غمته بهذه القراءة العاشقة، ويبقى فعل الأمر الأول: "اقرأ" هو موجه الكلام في كل قراءة، وهو المفضي إلى الكتابة.
تحتاج القراءة العاشقة إذن إلى كتابة أخرى هي ما يحول صاحبها إلى عاشق، هذا تداخل ضروري يشبه تداخل المؤنث والمذكر، ويشبه حركات اليد وهي تقطر الكلام نقطا وحروفا على الورق أو ما يشبهه من أجل قارئ آخر هناك في اللانهائي يقيم. هذا الكلام من المتخيل بالمتخيل الذي هو ابن الواقع بامتياز، بما أن الخيال هو حلم واقعي لا يتعارض مع الحداثة وما بعدها.

ـ 3 ـ
قراءة عاشقة وكتابة معشوقة، وكاتب قراءة قبل هذا، فهل هناك بدايات بما أنه لا نهاية للقراءة العاشقة الممتدة في اللانهائي؟
البداية نقطة، في ظلمة ظلمانية "تعيش". في منطقة ما من الذات والكون وشجرته. بداية لا أحد يعرف شرارتها الأولى بالضبط . نقطة داخل ظلمتها تتربع وتنتظر مثيرا أو مهيجا. الدخول للبداية، أو البحث عن البدايات هي غاية من غايات القراءة العاشقة.
قد تكون أصعب نقطة في القراءة هي هذه البداية. من أين أبدأ؟ يقول القارئ، تشتتٌ ذهني أمام مكتوب مدهش بشكل من الأشكال. الدهشة هي ما يثير القارئ ليدخل في هذا العشق، وقد تأتي البداية لوحدها. فحين يحصل العشق تأتي الكتابة العاشقة، أعني القراءة العاشقة.

ـ 4 ـ
هل يمكن أن أكتب عن نص إذا لم أحقق معه حدا أدنى من التواصل؟ تواصل بشكل ما، هو ما قد يحقق لي الدخول في حرف من حروفه لتحقيق العشق.
بداية العشق تأتي من مقروء آخر. هذا ما نسميه "بالصوفية الجديدة". صوفية لا تراتبية فيها، لدرجة قد تنقلب فيها الأدوار بين الشيخ والمريد، فيتحول الشيخ مريدا والمريد شيخا. أثناء القراءة العاشقة يتم ذلك. نماذج كثيرة حصلت في التاريخ : قراءة هايدجر لهولدرلين. قراءة كارلوس كاستانيدا لدون خوان ماتوس. قراءة المعري للمتنبي. قراءة لفيناس لمارتان بوبر وبول كلين. قراءة أدونيس للمتنبي، وقراءات رولان بارت للعشق والعشاق من خلال أفلاطون ونيتشه وغوتيه وجاك لاكان وأعمال المتصوفة بطريقته المتفردة .
قراءة ليس من الضروري أن يكون النص المقروء فيها معروفا. ليس من الضروري أن يكون صاحب النص كاتبا أو شاعرا معروفا. العشق هو مقياس القراءة لا النص ولا صاحب النص. سيموت النص ويموت صاحب النص، وقد يموت المتلقي كذلك. وفي هذه الحالة ما يتبقى هو العشق. العشق وحده من سيوجه القراءة. ولكن كيف تأتي مسألة البداية ؟ بداية العشق.

ـ 5 ـ
القراءة العاشقة اختيار دقيق للمعشوق يتم انطلاقا من العشق ونوعيته، أي انطلاقا من مقروء سابق على النص. توجيه النص من طرف القارئ سيحدث خلخلة في أجهزة التلقي. وإذن فأنت ستختار ما تعشقه أو ما ستعشقه، فكيف سيتم هذا الاختيار بعيدا عن أضواء النص، وكاتب النص، وأجهزة الإعلام التي تدفع بالنص وصاحبه لجهتي القبول التام أو الرفض التام؟
ـ أعْتق هذا النص، هل نستطيع قول هذه الجملة ؟ اعتقني أيها الكاتب القارئ.
مشكلة القراءة العاشقة هي أنها كتابة توريط. توريط في الكتابة بشكل من الأشكال. أتلقى النص. تحدث لي خلخلة توجهني جهة جديدة غير مألوفة، فأوجه أنا قراءتي نحو كتابة غير مألوفة في دنيا الناس أيضا. تأويل، انزياح، معنى معنى.
ـ 6 ـ
ما هو محل القراءة العاشقة ؟ إذا كان محل العشق هو القلب، والقلب هو عضو الرغبة "ينفتح القلب ويخون ، ومثلما هو ممسوك ومفتون في حقل المخيلة أمام العالم وما عسى أن يفعل الآخر برغبتي" هو ذلك الخلق الذي تتجمع فيه سائر حركات القلب و"مشاكل" القلب جميعها ". هذا ما عبر عنه رولان بارت، وهو قارئ متجانس في رأينا سواء بالبنيوية أو بدونها (24).
جملة أو كلمة قد تثيرني وأنا في مواجهة ورقة أو مرآة، أليست الورقة كما الكتابة شكل من أشكال المرآة؟
أستجمع فراغي. أمارس المحو على كتابتي وأنا أقرأ بعشق.
أضيف ، أحول الاتجاه وأشطح مع الآخرين بالقلب
فهل للقراءة العاشقة أدوات ؟ الأذن ؟ هذا ما يتبادر للذهن. ولكن العين حاضرة بقوة، ومعها يتسلح القارئ بأدوات أخرى أهمها الذاكرة التي ترتبط بالقلب برباط وثيق هو ما يولّد العشق. ولكنها ترتبط بالنسيان أيضا بما أن "الكتابة هي تجربة النسيان" (25). وبما لأننا لا نكتب بالذاكر بل بالنسيان" (26).
أهم أدوات القراءة العاشقة هي كل المناهج النقدية وكل الاتجاهات الفكرية معصّرة في قلب القارئ العاشق وفكره، ليعيد للنص بهجته ولألأته ورقرقته وحتى قبحه. قراءة بقراءات أخرى كانت، هي ما سيضيء النص ويضفي عليه طعم اللذة والتوريط في اللذة. الرغبة في القراءة هي ما يوصل إلى الرغبة في الكتابة. كتابة على كتابة. نص على نص انطلاقا من نصوص غائبة حاضرة.
لا كتابة بلا مقروء سابق ولكن الأساسي هنا هو الرغبة في محاورة النص وكاتبه مع كل الهوامش الممكنة.

ـ 7 ـ
هل من الضروري أن أكون في حالة عشق وتواصل عشق تام لكي أمارس عشقي مكتوبا على النص أو كاتبه ؟ ليس ضروريا، لا بد من بعض التباعد لأن الدخول للنص هو دخول ذاتي اختياري ينشأ عن رغبة، ولا قراءة ولا كتابة بلا رغبة، والرغبة هي العشق هنا.
تم الاهتمام بصاحب النص سابقا في المناهج القديمة، ثم تَمَّ التركيز على النص، ثم على متلقي النص فهل سيتم الاهتمام بالحالة ؟ أعني الحالة التي يوجد عليها القارئ وهو يواجه نصا ما دون إغفال صاحب النص ولا النص نفسه. حالة العشق هي الدافع الأول للكتابة وهي المحرك والمنتج والمتمم، ولنتذكر رولان بارت وجاك لاكان ومحي الدين بن عربي وعبد الله العروي وطه عبد الرحمان وغيرهم .
العاشق لا يهمه الآخر بقدر ما تهمه ذاته. ذاته هي الأساس. لم يبال جميل بموقف بثينة منه. ولم يبال قيس بموقف ليلى ولا بأهل ليلى ولا بمجتمع ليلى، بحيث لو أنه نال ما طلبه لما كان عاشقا حقيقيا ولانتهى في مرحلته ولم يبق خالدا للتاريخ , ولذا فالقراءة العاشقة هي قراءة تجربة ذاتية تضفي على المعشوق بعدا ينطلق من تجربة خاصة جديدة لم يقلها النص الأول، ولا يستطيع كائن آخر غير كاتب القراءة العاشقة أن يقول ما قاله. أليست هذه صوفية جديدة تمجد حالة العشق قبل المعشوق؟

**
الهوامش:
1) محمد عابد الجابري ، مدخل للقرآن الكريم ،در النشر المغربية ، ط:1ا، ص: 71
2) عبد الله العروي ، السنة والإصلاح ، المركز الثقافي العربي ، ط: 1، 2008. ص: 35.
3) محمد عابد الجابري ، نقد العقل العربي ، المركز الثقافي العربي، ط: 1، 1986.
4) الفتوحات المكية ، الجزء 1 ، دار الفكر بيروت، 1994، الطبعة 1، ص: 387 – 388.
5) نصر حامد أبو زيد، هكذا تكلم ابن عربي ، الهيئة العامة المصرية للكتاب،، 22002، ص: 98.
6) محمد المصباحي، نعم ولا، الفكر المنفتح عند ابن عربي، الدار العربية للعلوم ناشرون، ومنشورات الاختلاف،ط:1، 2012 ،ص، 34 وما بعدها.
7) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره" رواه البخاري
8) ابن عربي ـ مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية، تحقيق سعيد عبد الفتاح ، دار الكتب العلمية ، 2005، ص: 84.
9) في الحديث عن أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، قال : كنت خلف النبي صلي الله عليه وسلم يوما ، فقال : يا غلام ! إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ،واعلم أن الأمة لو اجتمعت علي أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا علي أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. رفعت الأقلام وجفت الصحف (رواه الترمذي.)
10) ابن عربي ، مشاهد الأسرا ر القدسية، ص: 84 .
11) الفتوحات المكية ، المجلد :1، ص: : 314.
12) ندوة ابن رشد، الطبيب والفقيه والفيلسوف،، مطبوعات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية ( أعمال ندوة) 1995 ، ص: 524
13) هنري كوربان، الخيال الخلاق في تصور ابن عربي، ترجمة ، فريد الزاهي، مرسم ، 2006. ص: 46.
14) لعبد الوهاب المؤدب ديوان يحمل عنوانا دالا هو قبر ابن عربي، وهو من المثقفين المحدثين الذين يسعون لمد الجسور بين المثقف والخطاب الصوفي
15) الرسائل ، دار صادر ، بيروت، ط: 1 ،1997 ، ص : 303.
16) الفتوحات المكية ، المجلد 1 ، ص : 388.
17)- Carlos Castanida, Voir des enseignements d’un sorcier yagui Galimard folios :204 p 21-22
18) ابن عربي ، الرسائل : ص، 320.
19) الفتوحات المكية ، المجلد 1 ، ص : 388.
20) ا بن عربي، حلية الأبدال ، دار المحبة، دار آية تحقيق عبد الرحيم ما رديني، ط: 1 ، 2003 ، ص: 37.
21) السنة والإصلاح ، ص: 5.
22) فهم القرآن الكريم ، التفسير الواضح حسب ترتيب النزول، القسم الأول ، مركز دراسات الوحدة العربية، ط:3، 2010، ص:10.
23) مدخل إلى القرآن الكريم ، ص 20.
24) رولان بارت ، شذرات من خطاب العشق ، ترجمة علي نجيب إبراهيم، المنظمة العربية للترجمة، ط:1، 2012، ص: 95....
25) برنار نويل، كتاب النسيان، ، ترجمة محمد بنيس، دار توبقال، 2013، ص: 34
26) نفسه ، ص: 24.



#أحمد_العمراوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التّرجمة والخيانة المزدوجة، الرّغبة والتحويل
- -مكافحة الإرهاب- همّ مشترك يجمع المغرب بالإمارات


المزيد.....




- السعودية.. منظمة تكشف بلاغا أمنيا قرب ميناء رأس تنورة مع سفي ...
- صحفية فلسطينية مُفرج عنها تروي لـCNN ما تعرضت له في السجون ا ...
- تشرشل: -سأعود إلى رشدي في الصباح وستظلين قبيحة إلى الأبد-!
- إلى ماذا تسعى إسرائيل من خلال عملياتها في الضفة الغربية؟
- عاصفة شتوية نادرة تجلب الثلوج إلى جنوب الولايات المتحدة وتثي ...
- ملياردير أمريكي يتعهد بتمويل وكالة المناخ الأممية بعد انسحاب ...
- روبوت الدردشة التابع لـ-ميتا- يفشل بإعلان ترامب رئيسا للولاي ...
- شويغو: الناتو يعزز إمكانياته قرب حدود الدولة الاتحادية لروسي ...
- مع اقتراب انتهاء المهلة.. الجيش الإسرائيلي سيحافظ على انتشار ...
- عقب إطلاق -ستارغيت-.. ترامب يوقع أمرا تنفيذيا جديدا بشأن الذ ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أحمد العمراوي - المثقف وخطابات التصوف بين -نعم- و-لا-: سؤال الحيرة وجواب النفي