أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ادم عربي - الحرب والأخلاق!














المزيد.....


الحرب والأخلاق!


ادم عربي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8231 - 2025 / 1 / 23 - 16:44
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بقلم : د . ادم عربي

لا يزال المجتمع البشري، في قيمه الأخلاقية والحضارية والإنسانية، وفي أنظمته وتشريعاته، بعيداً عن الوصول إلى مرحلة تمنع قتل النفس البشرية بشكل قاطع رغم تطوره الحضاري ، وربما لنْ يبلغ هذه المرحلة مطلقاً ، فتاريخ البشرية يظهر بوضوح أنَّ القتل، بمعنى إنهاء الإنسان لحياة غيره، ظل أداة ضرورية لتحقيق التطور الاجتماعي والثقافي. على مر العصور، عمل الإنسان على إعادة صياغة المفاهيم الأخلاقية والقانونية والفلسفية المتعلقة بظاهرة القتل أوْ التطوير الأخلاقي والقانوني والفلسفي للقتل ، لدرجة أنَّ بعض أشكال القتل أصبحت تُقدَّم في بعض الثقافات كأفعال تعكس قيماً عليا من الأخلاق والإنسانية والسمو الأخلاقي، وحتى الفكر.

هل يُعتبر قتل الإنسان لأخيه الإنسان جائزاً أم محرماً؟ مشروعاً أمْ غير مشروع؟ فضيلة أم جريمة؟ هناك من يطرح هذا السؤال كما لو كان يشبه التساؤل: "هل المطر نافع أم ضار؟" ومن الواضح أنَّ الإجابة تعتمد على الظروف: المطر يمكن أنْ يكون نافعاً في ظروف معينة وضاراً في أخرى. بناءً على هذا المنطق، يرون أنَّ الأهم هو تحديد متى يصبح القتل فعلاً يحمل الخير، ومتى يتحول إلى شر. ووفقاً لهذا التفكير، صاغ البشر منظومات أخلاقية تناسب احتياجاتهم، لتبرير أعمال القتل في سياقات محددة.

الحرب أثارتْ جدلاً واسعاً لمْ يُحسم بعد حول الموقف الأخلاقي تجاهها ، ومع ذلك، استطاع هذا الجدل أنْ يقود إلى توافق نسبي بشأن بعض القضايا، حيث اتفق أغلب الأطراف تقريباً على أنَّ "الدفاع عن النفس" يُعتبر حقاً مشروعاً. لكن هذا الإجماع سرعان ما يتلاشى عند محاولة تطبيقه على مواقف حقيقية تدخل ضمن إطار هذا "الحق المشروع". على سبيل المثال، قد يقوم مجرم أو سارق بقتل شخص أثناء محاولته الدفاع عن نفسه، أو قد يكون المدافع عن نفسه شخصاً ارتكب جرائم جسيمة، مما يثير التساؤل عما إذا كان جديراً بالحياة.

لا يمكن للحق في الدفاع عن النفس أنْ يحتفظ بمعناه الكامل إذا اعتُبرت بعض تبعات ممارسته جرائم يُحاسَب مرتكبها عليها، حتى وإنْ كان في سياق الدفاع عن حياته ، ففي كثير من الأحيان، قد يجد المدافع عن نفسه نفسه مضطراً لارتكاب فعل القتل، مما يضع هذا الحق في موضع تساؤل.
من الواضح أنَّ العديد من الأشخاص يرون أنَّ أفعال القتل التي يرتكبونها، والتي نصنفها نحن كـجرائم، هي في نظرهم ممارسة لحق مشروع في الدفاع عن النفس. فالقاتل، في العموم، لا يُقدم على القتل لذاته، بلْ بدافع حماية نفسه، وهو ما قد يختلط عليه أحياناً فلا يميز بوضوح بين الدفاع عن وجوده وبين حماية مصالحه وامتيازاته الشخصية.

من هنا يمكننا أنْ نستنتج أنَّ المصالح الواقعية وحدها هي التي تشكّل رؤيتنا الأخلاقية تجاه فعل القتل. فالقتل يصبح مقبولاً ومشروعاً، بلْ ويمجَّد، عندما يخدم تلك المصالح الواقعية والمادية ، التي قد تتطلب أحياناً تغليفها بغلاف من القيم الأخلاقية والإنسانية، أوْ تغطيتها بشعارات الديمقراطية والمبادئ الأيديولوجية. إضافة إلى ذلك، قد تستدعي تلك المصالح تسليحها بدوافع عاطفية أو عصبية. ومن ثم، فإنَّ الشخص الذي تتطلب مصلحتنا قتله، نحرص على صياغة صورة أخلاقية أوْ أيديولوجية له تجعل من قتله أمراً مُبرَّراً ومحموداً، بلْ يستحق القاتل عليه التقدير والمكافأة!

في ميدان السياسة، حيث تُعتبر الحرب الأداة الأكثر فاعلية لتغيير الواقع، يصعب على الإنسان تمييز الأسباب الحقيقية الكامنة وراءها ، فعادةً ما تُغلف هذه الأسباب برداء أيديولوجي يحجبها عن الإدراك الواضح، سواء بالعقل أوْ بالبصيرة. وعندما يُطرح السؤال عن دوافع الحرب، تُقدَّم إجابات سطحية وواهية، تلبي رغبات الجماهير التي تميل بفعل العصبيات أوْ التلاعب الأيديولوجي إلى تجاهل الحقائق. أما من يحاول الكشف عن الأسباب الواقعية للحرب، فقد يُنظر إليه على أنَّه بعيد عن المنطق أو فاقد للحكمة.

الحرب ليست سوى القتل في سياق سياسي، إنها عملية قتل الأفراد بهدف تحقيق هدف سياسي ، والسياسة في جوهرها، هي أولاً وأخيراً متعلقة بـ "المصالح الاقتصادية"، التي تُترجم إلى أهداف سياسية ، لتحقيق هذه الأهداف، يمكن إما اللجوء إلى الإقناع عبر الدبلوماسية، أوْ الانزلاق إلى الإكراه من خلال الحرب. وقد أوضح كلاوزفيتس العلاقة بين الحرب والسياسة، مشيراً إلى أنَّه من أجل الوصول إلى الهدف السياسي ، نبدأ أولاً بمحاولة الإقناع ، أي إقناع الخصم بضرورة تلبية مطالبنا ، فإذا تحقق ذلك، تكون الدبلوماسية قد نجحت ، أما إذا استمر في العناد ورفض التعاون، فلا خيار سوى الانتقال من الإقناع إلى الإكراه ، وبالتالي اللجوء إلى الحرب.
إنَّ الفشل الدبلوماسي هو ما يدفع ويفاقم الحاجة إلى القتل السياسي ، أوْ الحرب. ومن هذا المنطلق، يمكن اعتبار السياسة بمثابة فن إلحاق الضرر الجماعي بالبشر، أوْ القتل الجماعي للبشر.



#ادم_عربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القمر والنار!
- حرب البترودولار!
- مشكلة الفهم والتفسير في السياسة!
- خُمرُ المَعابِد!
- هل نستحق الديموقراطية؟
- قرصة برغوث!
- في المنظمات اللاحكومية!
- هطل الثلج!
- بعض من فلسفة التاريخ !
- انهيار النجم على نفسه!
- حرب القضاء على الوجود العربي!
- الصين وما أدراك ما الصين!
- تعالي!
- على خاصرة الريح!
- اللِيبِرَالِيَّةُ فِي بِلَادِنَا مَيِّتَةٌ، بَينَمَا اللِيبِ ...
- أحاورُ الأفعى!
- هل الإنسان مسيّر أم مخيّر؟
- الأعمى!
- ماذا يحدث في سوريا؟ ولماذا الآن؟
- في الثورة السورية !


المزيد.....




- استئناف حركة الطيران بعد توقف دام لـ13 عاما.. انطلاق أول رحل ...
- دمشق تحدد شروط دخول المواطنين اللبنانيين إلى سوريا
- مصر: الهجوم على السفن في البحر الأحمر لم يعد مقبولا
- مجلس الشيوخ الأمريكي يؤيد ترشيح -صقر الحرب- وزيرا للدفاع (صو ...
- مصر.. نشر نص الإعلان المشترك مع الصومال للتعاون السياسي والع ...
- ترامب: بوتين أبدى استعدادا للقائي في أقرب وقت ممكن
- خبراء: نتنياهو لن يصطدم بترامب وقد ينفذ اتفاق غزة مقابل التط ...
- ترامب يوقع أمرا برفع السرية عن ملفات اغتيال جون كيندي ومارتن ...
- مصر.. الداخلية تعلن مقتل 10 أشخاص بتشكيل عصابي حاولوا جلب كم ...
- لماذا دعا ترامب السعودية لخفض أسعار النفط؟


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ادم عربي - الحرب والأخلاق!