|
مثقفو السلطة والطائفة.... مؤيد ال صوينت نموذجا
قاسم علي فنجان
الحوار المتمدن-العدد: 8231 - 2025 / 1 / 23 - 16:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في بداية مقالته الموسومة "تكوين المثقفين" يتساءل غرامشي: "هل المثقفون فئة اجتماعية مستقلة وقائمة بحد ذاتها، ام ان لدى كل فئة اجتماعية صنف مخصوص بها من المثقفين"؟ وهو يعترف بأن القضية معقدة، لكنه رغم ذلك يستمر بطرح الأسئلة حول "ما هي الحدود القصوى لقبول مصطلح المثقف"؟ "هل يمكن للمرء ان يجد معيارا واحدا لتحديد الطابع المميز لجميع أنشطة المثقفين"؟ ويخلص غرامشي الى نتيجة مهمة جدا هي "أن كل البشر مثقفون، ولكن ليس لكل إنسان وظيفة المثقف في المجتمع".
من خلال هذه الترسيمة بإمكان المرء ان يتحدث عن صيغة مثقفي اليوم، والدكتور مؤيد ال صوينت ليس غنيا عن التعريف، فهو لم يخرج الى العلن "لقاءات، ندوات، حوارات، مقالات" الا منذ فترة قريبة، وكتبه ومقالاته غير مشهورة، أنه أستاذ في الجامعة المستنصرية، قسم اللغة العربية، من أهالي مدينة الثورة-الشيعية حسب تصنيفه-، له عدة كتب منها: "انسجام المعرفة اللغوية... انطولوجيا المعرفة اللغوية...شيعة العراق الرؤى والمسارات"، وله الكثير من المقالات التي ينشرها على صحيفة "المثقف" لأنه "مثقف" منها: "الشيعة والذاكرة والمخيال، الشيعة والبناء الموازي، الشيعة ودلالات التركيب، المجتمع الشيعي واحتكار التمثيل".
ما يدعو المرء للكتابة عن بعض "المثقفين" هو معرفة ان من هذا البعض من يريد ان يطفو على السطح، يريد ان يلفت انتباه السلطة له، يريد ان يكون مستشارا لها او يكون أحد مثقفيها، ومن جهة أخرى فأن هؤلاء البعض من "المثقفين" ومن خلال كتاباتهم ولقاءاتهم وندواتهم انما يصرحون بالدفاع عن طائفتهم الدينية، يريدوا المحافظة على شكل الدولة الحالي "الطائفي"، يطالبون هذه السلطة الطائفية بمراجعة نفسها، انهم ينصبون انفسهم كمتاريس بوجه أي تغيير قد يحصل، بالنتيجة النهائية فهم مستفيدين من شكل النظام الحالي، لأنه يزيد من تميزهم وتمايزهم، يجعلهم "فئة اجتماعية مستقلة قائمة بحد ذاتها".
الشيء الجيد ان كتابات هؤلاء "المثقفين" لا تلقى رواجا، أو انها محصورة جدا بفئات محدودة ومحددة، فهي "نخبوية" جدا، لا يمكن "للعامة" ان تفهمها، فمثلا نقرأ للدكتور مؤيد ما نصه:
"تعتمد فكرة التأطير الدلالي للتوصيفات السوسيو-سياسية على ما تقدمّه اللسانيات من بناءٍ تركيبي للولوج إلى الحقل السياسي العام، لتتخذَ منه تنظيراً وممارسة وأفعال منجزة من دون الالتفات إلى الجذر التوصيفي الذي تمّ ترحيله من حقل اللسانيات إلى الفضاء العام المرتبط بالسياسة والتوصيفات الاجتماعية على نحو وثيق".
أو:
"يجري استعمال الدلالات بقصدٍ معاكس لاستعمالها التداولي الذي يرتبط بإدخال المقام مرتكزاً أساسياً للتوظيف المعرفي الذي يحاولُ حصرَ المعاني وفق ضوابط مُحدِّدة بعيدا عن الذاتية والاستعمال المخاتل، هذا الاستعمال الذي لا يُصرّح بغايته الحقيقية في علْمنةِ مفهوم المقدّس ونقله من حقل إلى حقلٍ آخر مع الاحتفاظ بحمولاته الدلالية وتوظيفها في الفضاء الدنيوي العام والسياسي على نحوٍ خاص".
وهذه اللغة هي السائدة في كتابات بعض "المثقفين، فهم يريدون المحافظة على تميزهم وفصلهم عن باقي المجتمع، ودقيق جدا ما يقوله انجلز فأن "المخارج اللفظية تشكل آخر أسلحة البورجوازية"، انه يتعمد صياغة هذه العبارات في مقالاته، لكيلا يستطيع أحد ان يقف على معناها أو ما يريده صاحبها، رغم هشاشة منطقها الذي يحكمها.
ان أمثال هؤلاء "المثقفين" يريدون ان يكونوا معاصرين في الكتابة، فيفترضون انهم "خواص" لهذه المرحلة، وعلى حد تعبير غرامشي ف "المرء الذي يعتبر نفسه خاصا ومميزا لأنه "معاصر" ليس سوى موضوع استهزاء"، وهو يذكر حكاية البرجوازي الفرنس الصغير الذي طبع كلمة "معاصر" على بطاقة الزيارة التي تحمل اسمه، ويبدو ان صاحبنا كان يعتقد بانه لا يساوي شيئا، ثم اكتشف ذات يوم انه شيء ما، انه "معاصر".
يكتب الدكتور مؤيد ما نصه:
"فمطالبة السيستاني ب (دولة مدنية) تحتكم إلى القوانين والدستور في العراق كانت من أبرز المؤشرات إلى حجم تلك التحديات، وهي أشارة نادرة وشجاعة لا يمكن تصور صدورها من غير السيستاني، بل لا يمكن توقع صدورها حتى من خلفاءه".
هل يتصور أحد كيف يفكر "المثقف" بأن يكون له حصة من الكعكة؟ والا ما معنى ان السيستاني طالب بدولة مدنية؟ متى كان ذلك؟ هل من وثيقة او بيان او خطبة؟ ترى من كتب الدستور الطائفي الظلامي التقسيمي او أشرف عليه او شكل لجنته؟ اليس هو السيستاني؛ من افتى بوجوب انتخاب قائمتي "555، 169" الطائفيتين البغيضتين، من شكل الميليشيات بصورة رسمية؟ "دولة مدنية" يقودها السيستاني، ومفصلة على قد مفاهيمهم، وقد توجت هذه "الدولة المدنية السيستانية" بتعديل قانون الأحوال الشخصية، الذي يجوّز الزواج بالصغيرات دون التسع سنوات، وهللويا يا دكتور مؤيد.
المشكلة ان الدكتور مؤيد ومن لف لفه من شلة "المثقفين" يكاد يجزم المرء بأنهم لا يعرفون مفهوم "الدولة"، الذي هو احد اعقد المفاهيم السياسية، فهو يردد في اللقاءات بأن الدولة تتكون من المؤسسات والنخب، انتهى، في تزييف تام وكامل لحقيقة مفهوم الدولة.
بيار بورديو، عالم الاجتماع الفرنسي، القى محاضرات لمدة ثلاث سنوات 1989-1992 في "الكوليج دو فرانس" فقط عن الدولة، وقد قال في بداية محاضراته انه لم يستخدم مفردة الدولة الى ان نضجت أفكاره عنها في وقت متأخر جدا من حياته، هذه المحاضرات جمعها طلبته في كتاب ضخم جدا، ورغم انه اتبع المنهج الفيبري في بحوثه عن الدولة، الا ان المنهج الماركسي كان حاضرا في ثنايا محاضراته؛ اما "مثقفي-نا" الاشاوس، فأنهم لا يبخلون ابدا بترديد المفاهيم دون دراية او علم، وهيجل كان يقول "والحق انه ما من مفهوم أسيء إليه في الأزمنة الحديثة مثل الإساءة إلى المفهوم نفسه".
طرحت جريدة النداء اللبنانية والصادرة عام 1979، مجموعة أسئلة على أساتذة كبار في الفلسفة "موسى وهبي، معن زيادة، الهام منصور، مهدي عامل" الذي دار حوار بينهم حول "ما هي العلاقة بين البحث العلمي واللغة؟ وهل ان الباحث هو الذي يطرح على اللغة مشكلة بحثه، ام ان اللغة هي التي تطرح على الباحث مشكلته؟ رغم عمق الحوار الذي دار بينهم، ورغم انهم ابقوا الحوار مفتوحا، لكن ما قاله مهدي عامل كان ملفتا جدا، فهو يقول:
"لا يكتب كاتب الا في إطار نظام فكري محدد يتحرك فيه فكره"؛ وهذه العبارة الدقيقة جدا ممكن ان ترينا الطريق الذي يكتب فيه "مثقفي-نا"، ولا يمكن ان يكون الدكتور مؤيد استثناء منهم، فكتاباته تحدد الإطار الفكري الذي يشتغل عليه، انه الفكر الطائفي، ولسنا هنا بمعرض المطالبة منه ان يتخلى عن طائفيته، ولكن فقط ان لا يكون بوقا لها او للسلطة.
#قاسم_علي_فنجان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مجرد ذكريات
-
النقابات العمالية و(الأوبلوموفية)
-
(المرأة والحرب)
-
بين جوليان أسانج واليكسي نافالني
-
دروس في الاخلاق الليبرالية.. مقتل طفلين
-
تساؤلات حول بعثة وفد المثقفين الى تونس
-
حول ذكرى التاسع من نيسان
-
عشرون عاما من البؤس - قطار الديموقراطية الأمريكي
-
ستون عاما من الاجرام الثامن من شباط وقطار الليبرالية الامريك
...
-
التمايز في اللغة او رسم الحدود بين المذكر والمؤنث
-
(الڨيروس الليبرالي)
-
(حق الشعوب الجيدة التنظيم في الحرب)
-
عبد اللطيف الراوي و (الفكر الاشتراكي في الادب العراقي)
-
مخاطر ازمة.... ومخاطر حرب
-
بصدد مؤتمر (الفلسفة والعيش المشترك) بحث قاسم جمعة نموذجا
-
الثامن من شباط و (الحقد الأسود)
-
توني بلير وانحطاط المثقفين
-
هل صحيح ان العنوان خاطئ؟ خواطر مستاء
-
المتحذلقون
-
(أهمية ان يكون الانسان جادا)1
المزيد.....
-
رغم الاعتراضات.. مجلس النواب العراقي يقر قانون الأحوال الشخص
...
-
أعضاء حلف الناتو مطالبون بزيادة الإنفاق الدفاعي
-
الحرب في أوكرانيا: ما هي خطة ترامب لإنهاء النزاع؟
-
وزير الخارجية السعودي في بيروت.. أول زيارة لمسؤول سعودي رفيع
...
-
أسرار المتعاونين مع النازيين في هولندا.. حقائق صادمة تتكشف ب
...
-
سقوط النظام ينعش آمال لاجئي الزعتري بالعودة إلى سوريا
-
لافروف وفيدان يبحثان هاتفيا العلاقات الثنائية والأزمة الأوكر
...
-
الخارجية الروسية: بعض تصرفات إدارة بايدن ليست أخطاء بل جرائم
...
-
زاخاروفا تصف تصريحات زيلينسكي في دافوس بأنها -هوس المخدرات-
...
-
ميزات جديدة في-واتس آب-
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|