سقوط النظام البعثي خلف ورائه ما لا تعد من المشاكل والويلات والكوارث الاجتماعية والسياسية وتحطيم البنية التحتية للاقتصاد العراقي وهدر الثروات والامكانات الطائلة للشعب العراقي في شتى الميادين الاجتماعية والسياسية والثقافية.
وبعد إنتهاء الحرب وهيمنة القوات الأمريكية على كافة المدن العراقية زجت جحافل من قواته ذات المهام المختلفة لاجل السيطرة وتحكيم قبضتهم على الثروات الهائلة للشعب العراقي .
ومنذ سقوط النظام , شاعت الفوضى وغياب الادارة وتنامت ظاهرة السلب والنهب وتفشي الرعب والخوف في صفوف المواطنين في اكثر المحافظات والمدن العراقية, بسبب انعدام كل اشكال الادارة والسلطة سواء من قبل ما يسمى بالمعارضة العراقية او من قبل الادارة المحتلة الامريكية . وتتزامن ذلك مع عدم قدرة اولئك من تلبية مطاليب المواطنين.
إلا إنه و إثر تنامي نقمة الجماهير وتصاعد المطاليب والإحتجاجات الشعبية و تحولها إلى ظاهرة يومية في كل المدن العراقية تم إتخاذ بعض الاجراءات من قبل قوات التحالف مثل ابعاد العناصر المجرمة من الجلاوزة البعثيين في الادارة المدنية والحكومية والانتاجية, وطلب مثولهم امام المحاكم المدنية كما تم خلال الفترة المنصرمة إتخاذ جملة من القرارات بغرض تأمين المستلزمات المعيشية الضرورية كالماء والكهرباء والخدمات الصحية وفتح ابواب بعض الدوائر الخدمية وصرف الرواتب من الاموال والمبالغ المجمدة والمصادرة في البنوك والمصارف العراقية.
اما فيما يخص مؤسسة الجيش فقد تم إصدار قراربحل القوات المسلحة العراقية والدوائر الجاسوسية مثل قوى الامن والاستخبارات والمخابرات وتم سحب الشرعية الدولية من مممثلي النظام البعثي, وتم اعتقال الرموز البارزة من المتهمين بصورة غير منظمة, وتم استبدال مؤقت للعناصر غير الحزبية و أزلام النظام السابق في بعض المدن والمحافظات الجنوبية والوسطى من العراق وتم إصدار قرار بحظر حمل و حيازة الاسلحة وجملة اخرى من القرارات و الإجراءات..
إلا إن كردستان العراق لم تشمله التحولات بحكم الظروف المغايرة بعد تحولات آذار 1991 التي نالت من وراءها بشكل غير رسمي استقلاليتها من الناحية الاقتصادية والسياسية والثقافية والإدارية حيث سيطرت الاحزاب الكردية على مقدرات الشعب الكردي و تم تشكيل حكومة اقليم كردستان من قبل الاتحاد الوطني الكردستاني و الحزب الديمقراطي الكردستاني حيث لم يمر إلا عامين حين إندلع صراع مسلح ضار بين الطرفين قتل فيها المئات وتم إقتسام إدارتهم المشتركة في عملية تنافس حزبي ضيق لم تمت بصلة بمصالح الجماهير الكردية .
كما تم بعد انسحاب القوات العراقية تشكيل مليشيات مسلحة تحت الادارة المنقسمة بين الحزبين الكرديين في كل من السليمانية واربيل.
اما في ظل التغييرات التي حصلت مؤخرا في العراق فقد طالت شررها (حكومتا ) الاقليم ايضا وكن بشكل مختلف .. فقد تم اعفاء المجرمين والجلاوزة البعثيين وبدأت الاحزاب الكردية بتوزيع اوراق التزكية و العفو على العناصر المجرمة البعثية المبعثرة في المحافظات العراقية في ظل التنافس الحزبي وإستغلالها في نيل مكاسب حزبية ضيقة هنا و هناك حيث تسللت العناصر البعثية المجرمة الى كردستان العراق وإرتمت في حضن الأحزاب القومية الكردية التي وفرت لها الامن في تحد صارخ لمشاعر جماهير الشعب الكردي . وتصاعدت الاصوات المعارضة بوجه تلك الممارسات التي تقوم بها الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي.
إلا إن الادارة الامريكية تسعى لفرض إجراءاتها و تطبيقها لتشمل المناطق الكردية ايضا . وتتعارض ذلك مع الوضع القائم في المدن الواقعة تحت سيطرة حزبي الحركة الكردية . وهكذا بدأت السلطة المدنية الامريكية بالبحث عن سبل تنفيذ إجراءتها في كردستان . وتتطلب ذلك تدخل الادارة الامريكية في شؤونهم الادارية والاقتصادية والعسكرية والسياسية حيث يعلم الامريكان بأن الاطراف المذكورة استخدمت سلطتها لأجل مصالح حزبية قبل كل شيء ومن اجل الإستحواذ على الإمكانات و الموارد المالية في المنطقة . و هكذا خطت الإدارة الامريكية خطوتها الاولى بهذا الإتجاه عن طريق إلغاء التعريفات الكمركية التي كانت تطبق جزافا من قبل الادارتين الكرديتين حيث بوسع ذلك حرمان الحزبين من احد مواردهم المالية الهائلة والتي كان لها دورا اساسيا في إرتفاع الاسعار وكونها عبئا ثقيلا على كاهل المواطن الكردي . وفي السياق نفسه يسعى الامريكان إلى تقليص القوى الامنية والمليشيات المسلحة والسيطرة على عملية توزيع الرواتب وتحديد اسعار بعض المواد الأنشائية والسعي لسد طريق تهريب الأموال السائلة الى النظام الاسلامي الايراني وقطع المخصصات والإمتيازات غير الرسمية التي شكلت خلال فترة (1991-2003) احد الاركان الاساسية للبيروقراطية الحزبية و الإدارية و وسيلة في التحكم بحياة المواطن الكردي.
ومن جهة ثانية تصاعدت أصوات الطبقات الكادحة لنيل مطاليبها الاقتصادية والتي كانت احد الميادين الاساسية لنضال الجماهير الكردية الكادحة. و جريا على عادتهم كانت الاحزاب الكردية تتهم القوى الداعية لخوض النضال الجماهيري من اجل مطاليبها المعيشية و توصم الفئات الشعبية المطالبة بتلك الحقوق الاساسية بالطابور الخامس والعمالة وغيرها من الذرائع للتهرب من تلك المطاليب كبح اصوات المطالبين بها والتي تنامت امام ظواهر كالقبول الخاص في الجامعات و التزكيات لتعيين الموظفين والعمال, وتشكيل النقابات الحزبية الصفراء بأسم العمال والموظفين وحظر تشكيل الإتحادات المهنية والجماهيرية والفساد الاداري وتبذير ثروات الشعب وعدم الاستجابة لمطاليب العاطلين عن العمل والفئات الكادحة الاخرى مثل السواق والبقالين وطلبة الجامعات ومواجهتم بالميليشيات الامنية والهراوات وزجهم في السجون بل وحتى القيام بإغتيالهم كما جرى مع نازحي السليمانية حيث تم إغتيال (بكر علي ) احد منظمي التظاهرات التي قام بها نازحي احد الاحياء الشعبية التي كانت سلطات الإتحاد تسعى لرميهم و عوائلهم في الشوارع و طردهم من بقايا الابنية الحكومية المنهارة.
وتنبثق اليوم اوضاع مؤاتية لتطالب ابناء شعبنا بحقوقه المسلوبة والقضاء على تحكم وبيروقراطية الحزبين واحتكارهم السلطة.
وفي هذا السياق تتصاعد الجهود من قبل مختلف الفئات الشعبية، إذ نشر في 1/6/2003 اعلان نداء للاطباء والموظفين في قطاع الصحة في مستشفى السليمانية كما تم تشكيل لجنة تحضيرية لإقامة نقابة مستقلة تدافع عن الحقوق المهنية للمنتسبين.
كما جرت في 9/6/2003 تظاهرة شارك فيها اكثر من 350 شخصا من المتقاعدين في مدينة السليمانية لعدم حصولهم على الرواتب لمدة خمسة اشهر, وكانت سبقتها استعدادات الموظفين في كافة الدوائر الرسمية في كل من السليمانية واربيل وبأحتجاجات لقرار صرف الرواتب من فئة 100 دولار مقابل 1000دينار من الطبعة السويسرية مع العلم بأن الورقة النقدية من فئة 100دولار لايساوي في السوق اكثر من 600 دينارا من الطبعة السويسرية.
لقد زالت كل المبررات للإستماتة في هضم حقوق المواطنين وتبدو الاوضاع مؤاتية الآن للمطالبة بالحقوق المسلوبة و من ضمنها حرية تشكيل النقابات الحقيقية والنضال من اجل تأمين بقية المتطلبات في ميادين السكن والمعيشة والصحة والامورالخدمية. ان الظفر في نيل كل ذلك لا يتم إلا عبر نضال دؤوب ورؤية واضحة وواعية وطلب المساندة الجماهيرية والشعبية من كافة الفئات ذات الصلة بهذه النضالات . كما ينبغي على جماهير الشغيلة المطالبة بالعون والدعم المادي والمعنوي من الحركات اليسارية في العالم و من الاتحادات والنقابات الاشتراكية والتقدمية في آن معا . وبدون العمل بهذه الاتجاه ومحاولة توحيد الصفوف ولم قوانا يتعذر تغيير الاوضاع المزرية التي نمر بها .
كما إن التجارب النضالية في كل من فرنسا والمانيا وايطاليا تثبت إمكانية الإنصار وفرض المطاليب العادلة للطبقات الشعبية عن طريق التضامن ووحدة العمل في مختلف الميادين.