إضاءة: رواية -الغريب- لألبير كامو/إشبيليا الجبوري -- ت: من الفرنسية أكد الجبوري

أكد الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 8231 - 2025 / 1 / 23 - 00:14
المحور: الادب والفن
    

مقدمة مبسطة؛
يقدم ألبير كامو(1913-1960) في رواية “الغريب" (1942) عملاً يتميز باقتصاده اللغوي وعمقه الفلسفي. تدور أحداث القصة حول مورسو، الرجل المنعزل واللامبالي عاطفياً، الذي يرتكب بعد وفاة والدته جريمة قتل لا دافع لها على ما يبدو، وينتهي به الأمر إلى الحكم عليه بالإعدام. غالبًا ما ترتبط الرواية بالوجودية، لكن كامو فضل تصنيف فلسفة العبث، وهو مفهوم يستكشف عدم معنى الوجود والبحث البشري عن النظام في عالم غير مبال.

- البنية والأسلوب؛
إن أسلوب السرد في رواية الغريب بسيط، ومباشر، وغير شخصي تقريباً، ويعكس اللامبالاة العاطفية لميورسو. الرواية مكتوبة بضمير المتكلم، وهي مقسمة إلى جزأين: الأول يصف حياة مورسو الروتينية حتى وقوع الجريمة، بينما يركز الثاني على محاكمته وتأملاته في الحياة والموت. يستخدم كامو لغة بسيطة للتعبير عن افتقار بطل الرواية للعاطفة، وهو ما يتناقض بشدة مع خطورة الأحداث التي تقع.

إن الاقتصاد في الكلمات والبرودة السردية الظاهرة هما أداتا كامو لتسليط الضوء على انفصال مورسو عن المعايير الاجتماعية والأعراف الأخلاقية. على مدار النص، نادرًا ما يُظهر البطل مشاعر عميقة، وهو ما يُفسَّر في المحاكمة على أنه فشل أخلاقي من قبل أولئك الذين يدافعون عن القيم التقليدية للمجتمع. وفي نهاية المطاف، يتم استخدام هذا الافتقار إلى العاطفة ضده، ليس فقط في علاقة بالجريمة، ولكن أيضًا بسبب عدم مبالاته بوفاة والدته، وهي حقيقة صدمت المجتمع الممثل في المحكمة.

- العبث؛
إن مفتاح فهم رواية الغريب يكمن في مفهوم العبث، وهو المفهوم المركزي في فلسفة كامو. بالنسبة لكامو، ينشأ العبث من التوتر بين الرغبة الإنسانية في إيجاد معنى للحياة والافتقار إلى أي معنى موضوعي في الكون. يُجسّد مورسو، بقبوله السلبي للعبث، هذه الفلسفة من خلال العيش دون أوهام أو آمال كاذبة. فهو لا يسعى إلى مبررات ميتافيزيقية للحياة، ولا يؤمن بنظام أخلاقي متسامي. ويبلغ هذا القبول للعبث ذروته في موقف اللامبالاة، الذي ينعكس في رد فعله على وفاة والدته وفي عدم شعوره بالندم على جريمة القتل.

في الجزء الثاني من الكتاب، أثناء المحاكمة، يؤدي غياب أي تفسير عقلاني أو عاطفي لأفعاله إلى إحباط المجتمع والنظام القانوني، الذي يعتمد على الروايات المتماسكة والتبريرات الأخلاقية لممارسة الحكم. إن النظام يحتاج إلى النظام والمعنى، لكن مورسو لا يقدم أيًا منهما. ويرفض التظاهر بالندم أو تبني الأعراف الاجتماعية المتمثلة في الحزن والشعور بالذنب، وبالتالي يتحدى توقعات المجتمع.

- تحليل شخصية مورسو؛
غالبًا ما يُنظر إلى مورسو على أنه "الأجنبي" ليس فقط لأنه أجنبي فعليًا (شخص مهمش)، ولكن أيضًا بسبب اغترابه النفسي والعاطفي. إنه منفصل عن قيم المجتمع: الأخلاق والدين والتواصل العاطفي. لا يشعر بأي حزن على وفاة والدته، ويقبل عرض الزواج من ماري دون إظهار أي عاطفة حقيقية، ويقتل عربيًا دون سبب واضح. يشير الهيكل السردي لكامو نفسه إلى أنه في عالم مورسو العبثي، تكون الأفعال خالية من المعنى المتسامي، مما يربك المجتمع الذي يحاول فرض نظام أخلاقي صارم على كل شيء.

ويتجلى رفضه لتبني وجهة نظر دينية أو أخلاقية لإدانته بشكل خاص في مواجهته مع القسيس. في هذه المرحلة، يرفض مورسو فكرة الحياة الآخرة، ويتبنى فكرة أن الحياة، التي تفتقر إلى المعنى النهائي، يجب أن تعاش دون أوهام. وبالتالي، يحتضن البطل العبث والموت بنفس اللامبالاة التي عاش بها حياته. وفي النهاية، يجد السلام في إدراك لامبالاة الكون وحريته في مواجهة الموت الوشيك.

- التأمل الفلسفي؛
في حين أن العديد من النقاد يعتبرون "الغريب" مثالاً كلاسيكياً للوجودية، فمن الأهمية بمكان أن نفهم أن كامو ينأى بنفسه عن التفسير الوجودي البحت. وعلى الرغم من أنه يشترك في موضوعات وجودية، مثل الحرية الفردية والمواجهة مع العدم، فإن كامو لا يدعو إلى نفس التصميم الذي دعا إليه شخصيات مثل جان بول سارتر، الذي آمن بالاستجابة النشطة للعبث. ومن ناحية أخرى، رأى كامو أن قبول العبث ورفض البحث عن حلول متعالية هو الاستجابة الصادقة الوحيدة للحالة الإنسانية.

الموت، بالنسبة لكامو، هو الحدث النهائي الذي يكشف عبثية الحياة. إن مواجهة مورسو لموته في نهاية الكتاب لا تقوده إلى الإلهام أو التوبة، بل إلى قبول هادئ لحقيقة مفادها أن الحياة خالية من المعنى في جوهرها. وبدلاً من البحث عن الراحة في رواية دينية أو أخلاقية، فإنه يختار الحرية التي تأتي من الاعتراف بأنه لا يوجد معنى نهائي للوجود.

- الخلاصة؛
وأخير. أن ما يمكن إستخلاصه. هو أن كتاب "الغريب" عمل يستكشف الاغتراب والحرية والحالة الإنسانية في مواجهة العبث بطريقة مثقفة وعميقة. من خلال مورسو، يتحدى كامو الأعراف الأخلاقية والاجتماعية بينما يدعو القراء إلى التأمل في الطبيعة الحقيقية للحياة في عالم لا معنى له. لا تقدم الرواية إجابات سهلة، بل تطالب القراء بدلاً من ذلك بمواجهة حقائق الوجود القاسية بصدق فكري.

من خلال وضع الفرد في مواجهة المجتمع والكون غير المبال، يجبرنا كامو على مواجهة أسئلة حول ما يعنيه أن تكون إنسانًا وكيف ينبغي لنا أن نعيش في عالم خالٍ من المعنى المطلق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Copyright © akka2024
المكان والتاريخ: طوكيـو ـ 01/22/25
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة).

#أكد_الجبوري (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات