|
-العرض المسرحي عزرائيل وتقنيات المسرح التجريبي: بين الإبداعِ والمغامرة- تجوال فلسفي في رياض المسرح العراقي
كاظم أبو جويدة
الحوار المتمدن-العدد: 8230 - 2025 / 1 / 22 - 18:57
المحور:
الادب والفن
مقالتي النقدية "العرض المسرحي عزرائيل وتقنيات المسرحِ التجريبي: بين الإبداعِ والمغامرة" تجوال فلسفي في رياض المسرح العراقي "عزرائيل" للكاتب مثال غازي والمخرج أسامة السلطان وتمثيل بشرى إسماعيل وجاسم محمد ومجموعة من المبدعين الحالمين الشباب. إنتاج وزارة الثقافة والسياحة والآثار / دائرة السينما والمسرح / الفرقة الوطنية للتمثيل / والذي عرض في مهرجان بغداد المسرحي والذي تم عرضه على خشبة مسرح الرشيد يوم الثلاثاء الموافق ١٧/ ١٢ / ٢٠٢٤ ضمن فعاليات مهرجان بغداد الدولي للمسرح/5 دورة الفنان الراحل الدكتور شفيق المهدي. عنوان العرض... أرى وبيقين نقدي مطلق أن العنوان في عالم والعرض في عالم آخر فقد! مثَّلَ عنوان "عزرائيل" إشكاليةً بحدودٍ معينة في العرض المسرحي، إذ حملَ دلالات مباشرة ارتبطتْ بالخوفِ والموت في الذهن الجمعي، مما دفعَ الكثيرين من المتابعين للنفور من العرض قبل مشاهدته. كما أنَّ العنوانَ لم يكن موفقا ليعكس العمقَ الفلسفيَ والإنسانيَ الذي حملهُ العرضُ في ثناياهُ، فاختزل تجربةً ثريةً في بُعدٍ واحدٍ، في حينِ أنَّ كشفَ تفاصيلِ العرضِ مسبقاً من خلال اسم عزرائيل يفقدُ المسرحيةَ عناصرَ التشويقِ والمفاجأةِ ومتعةَ الاكتشافِ التدريجي لتحولاتِ الشخصياتِ وتطورِ الأحداثِ، وكانَ من الممكنِ اختيارُ عنوانٍ أكثرَ جاذبيةً وغموضاً يحفزُ فضولَ المشاهدِ ويدفعهُ للحضورِ بشغفٍ لاكتشافِ ما يحملهُ العرضُ من رؤىً ودلالاتٍ عميقةٍ. المتن الحكائي للعرض... دارَ العرض المسرحي حول لقاءٍ استثنائيٍ جمعَ بين ممثلةٍ وملكِ الموت عزرائيل في فضاءٍ درامي مزج بين الواقع والخيال. بدأت الحكاية حين ظهرَ عزرائيل لقبض روحِ الممثلة التي كانت تعاني من أمراض العصر، فتحولَ اللقاءُ إلى مواجهةٍ فلسفيةٍ عميقةٍ حول جوهرِ الحياةِ والموت. اتخذت المرأة موقفاً مغايراً في مواجهةِ عزرائيل، فبدلَ الخوفِ والاستسلام، بادرت إلى محاورتهِ وتحديه. سعت جاهدةً لتغييرِ نظرتهِ للحياة، فكشفت له عن مكنوناتِها وقيمتِها وأهميتِها للبشر. استخدمت حكمتَها وذكاءَها في استدراجهِ لفهمِ الطبيعةِ البشريةِ وتعلقِها بالحياة. تطورَ العرضُ عبرَ مشاهدَ متتاليةٍ كشفت عن تحولٍ عميقٍ في شخصيةِ عزرائيل، فبدأَ يكتشفُ جوانبَ خفيةً من الحياةِ لم يرها من قبل. نجحت المرأةُ في انتزاعِ ابتسامةٍ منه، ودفعتهُ للتأملِ في مشاهدِ الحياةِ اليومية، وفتحت أمامَه نافذةً على عالمِ البشرِ وارتباطِهم العميقِ بالحياة. وصلت الحكايةُ إلى ذروتِها حين بدأَ عزرائيل في إدراكِ قيمةِ الحياةِ وأهميتِها للبشر، فتحولَ من منفذٍ صارمٍ للموتِ إلى كائنٍ قادرٍ على فهمِ التعلقِ البشريِ بالحياة. خلقَ هذا التحولُ مفارقةً دراميةً قويةً حين وجدَ نفسَه في موقفٍ لم يألفهُ من قبل. حملَ العرضُ في طياتهِ دلالاتٍ عميقةً عن العلاقةِ بين الحياةِ والموت، وقدرةِ الإنسانِ على مواجهةِ مصيرهِ بشجاعةٍ وحكمة، وإمكانيةِ التواصلِ والفهمِ حتى في أحلكِ الظروف. تحولت الحكايةُ من مجردِ صراعٍ مع الموتِ إلى تأملٍ فلسفيٍ عميقٍ في معنى الوجودِ الإنساني. تفاصيل العرض الدقيقة... جسَّدَ العرض طبيعة الإنسان في غفلته المستمرة عن حقيقة الموت من خلال موقف المرأة التي استنكرتْ وجود عزرائيل لحظة قبض روحها في استراحتها بعد أداء أحد أدوارها ولم تصدقْ هويته كملك للموت. عكسَ هذا الموقف كيف عاشَ الإنسان متجاهلاً حقيقة الموت رغم حتميته. حيث طالعتنا الفنانة القديرة بشرى إسماعيل بدور ممثلة تموت وسط غرفة استراحتها بعد عرض مسرحي ناجح ليتلو ذلك دخول عزرائيل بصحبة أعوانه لختم حكاية موتها وإعلان فنائها. ما جعلني أتمسك بخيار المشاهدة والمتابعة والكتابة من بعد ذلك عن هذا العرض هو هذا الاستهلال العميق الدلالات وخاصة عند حدود دخول الممثل القدير بدور عزرائيل المهيب فقد ظهرَ المدخل الذي ولج منه عزرائيل عرصة الخشبة كفتحة ضبابية غامضة، تغلَّفَت بهالة من الرهبة، ومثَّلَ هذا المدخل برزخاً بين عالمين، فلم يكنْ مجرد باب مادي، بل تحوَّلَ إلى بوابة رمزية فصلَت بين عالمي الأحياء والموتى. تميَّزَ تصميمه المسرحي باستخدام الإضاءة الخافتة والدخان الذي خلقَ جواً موحياً بالعبور إلى العالم الآخر، ورَمزَ إلى اللحظة الفاصلة بين الوجود والعدم. عكسَ تصميمه الضبابي غموض الموت نفسه وعجز البشر عن إدراك ما يقع خلفه، وحين ظهرَ عزرائيل منه، تحوَّلَ الباب إلى ثغرة في نسيج الواقع. فكان يُذكَّر المشاهدين باستمرار بوجود عالم آخر يترقب خلف حدود عالمهم المألوف، وأكَّدَ التباين بين الإضاءة الزرقاء وإضاءة المسرح العامة على الحد الفاصل بين عالمي الحياة والموت. وبعد جدال مزج بين الفلسفة والمحكي اليومي الشعبي مجاله عدم التصديق بواقعية الموت وحضوره بين طرفي الموت المتمثل بعزرائيل والحياة المتمثل بالممثلة صرخ الوجود الملائكي القابض للأرواح بعد نفاذ صبر "أنت مجرد ميتة!" كانت الموسيقى التصويرية في هذا المشهد الحاسم تأتي متناغمة بشكل مؤثر مع قوة العبارة "أنت مجرد ميتة". فالنغمات الحادة المتصاعدة تخترق المشهد لتعمق من وقع الصدمة وتؤكد قسوة الحقيقة. تعمل الموسيقى هنا كسكين حاد يقطع كل خيوط الأمل التي تعلقت بها المرأة، وتؤكد نهاية مرحلة الإنكار والمراوغة. يأتي التصاعد الموسيقي المفاجئ ليضخم من تأثير الكلمات القاسية، فيخلق لحظة مسرحية قوية تجمع بين الكلمة والصوت والصورة. الموسيقى لا تكتفي بأن تكون خلفية صوتية، بل تتحول إلى صوت الموت نفسه، يعلن حضوره بقوة لا تقبل الشك أو المراوغة. هذا التوظيف الذكي للموسيقى التصويرية يحول المشهد من مجرد حوار إلى لحظة درامية كاملة، حيث تتضافر عناصر المسرح كلها لتصنع لحظة من المواجهة المصيرية بين الإنسان وحقيقة موته المحتوم. تعاملتْ المرأة مع عزرائيل بجرأة غير معهودة، وحاولتْ إقناعه بتجربة الحياة وكأنه شخص عادي يمكن تغيير طبيعته. كشفَ هذا السلوك عن عمق الغفلة التي عاشَها الإنسان طوال حياته، فحتى في مواجهة الموت مباشرة، استمرَّ في محاولة التعلق بالحياة وإنكار النهاية المحتومة. مثَّلَ تصرف المرأة مع عزرائيل نموذجاً للإنسان الذي يرفضَ الاعتراف بحقيقة الموت حتى وهو واقفٌ على عتبته، مفضلاً البقاء في غفلته المعتادة ومحاولاً التشبث بالحياة حتى آخر لحظة. أشَّر العرض بذلك لتناقضٍ عميق في الطبيعة البشرية، حيث يعرف الإنسان حتمية الموت لكنه يختار تجاهل هذه الحقيقة والعيش في غفلة عنها، وحتى عندما يواجه الموت وجهاً لوجه، يحاول إنكاره أو التفاوض معه، كما فعلت المرأة مع عزرائيل في محاولتها لإقناعه بتجربة الحياة. وصلَ عزرائيل في نهاية المطاف إلى إقناع المرأة بحقيقة كونه ملك الموت، فبعد محاولاتها المستمرة لإنكار هويته والتشكيك فيها، انجلتْ الحقيقة أمامها بشكل لا يقبل الشك. استخدمَ عزرائيل أسلوباً حكيماً في إقناعها، فلم يفرضْ عليها الحقيقة بعنف، بل كشفَ لها عن طبيعته وقدراته بتدرج وحكمة، وتفهمَ مخاوفها البشرية وترددها في قبول حقيقة الموت. مثَّلَ هذا التحول من الإنكار إلى التسليم لحظة فارقة في المسرحية، حيث انتهتْ مرحلة الغفلة والإنكار، وبدأتْ مرحلة المواجهة الحقيقية مع حتمية الموت. أظهرَ عزرائيل في هذا المشهد جانباً رحيماً من شخصيته، فلم يتعاملْ مع إنكارها بقسوة، بل قادَها برفق نحو قبول الحقيقة التي لا مفر منها، وحوَّلَ اللحظة من مجرد مواجهة مع الموت إلى تجربة عميقة من الفهم والقبول. وظَّفَ العرض التجريب المسرحي بشكل ذكي في معالجة شخصية عزرائيل، فبينما عزرائيل الحقيقي، كقوة إلهية مطلقة، لم يحتجْ لإقناع أحد أو التساهل في تنفيذ مهمته، ظهرَت في العرض المسرحي شخصية مختلفة تماماً تحاورَت وتفاعلَت واقتنعَت. مثَّلَ هذا التحول في شخصية عزرائيل تجريباً مسرحياً جريئاً هدفَ إلى كسر الصورة النمطية المخيفة لملك الموت. قدَّمَ العرض شخصية أكثر إنسانية وقرباً، تحاورَت وشرحَت وتفهمَت مخاوف البشر، مما خلقَ مساحة درامية غنية للتأمل في قضايا الوجود والمصير. حوَّلَ هذا الأسلوب التجريبي المسرحية من مجرد عرض تقليدي عن الموت إلى تجربة فلسفية وإنسانية عميقة، حيث أصبحَ عزرائيل وسيلة لاستكشاف العلاقة المعقدة بين الإنسان والموت. خدمَ التساهل الذي أظهرَه في إقناع المرأة، رغم أنه خالفَ طبيعته الحقيقية، غرضاً درامياً وفتحَ الباب أمام معالجة أعمق لمخاوف الإنسان وتصوراته عن الموت. عمَّقَ العرض بُعده الدرامي من خلال خلق مواجهة صادمة بين المرأة وجثتها المسجاة على السدية المتحركة. تجاوزَت هذه المواجهة المادية مع الموت التصور الذهني إلى الواقع الملموس، فمثَّلَت صدمة حقيقية للمرأة حين رأت جثتها، مُشَكِّلة تحولاً درامياً عميقاً في وعيها. خلقَت حركة الحاملين الأربعة البطيئة والمدروسة، بملابسهم السوداء، وهم يشكلون خلفية تجريبية تتجاوز دور الكومبارس التقليدي إلى عنصر درامي فاعل رغم صمتهم المطبق، إيقاعاً مسرحياً خاصاً عمَّقَ من وقع الصدمة وقسوتها، وحوَّلَتها من مجرد حدث واقعي إلى طقس مسرحي عميق الدلالة. لعبَت الموسيقى دوراً درامياً استثنائياً، فجاءَت في لحظة قدوم الجثة بطيئة وثقيلة، بنغمات منخفضة عميقة شابهَت دقات القلب البطيئة. تناغمَت هذه الموسيقى الطقسية مع حركة حاملي الجثة، وأسَّسَت لطقس جنائزي مهيب. تحوَّلَت الموسيقى في لحظة المواجهة إلى نغمات صادمة عكسَت هول الموقف، وجسَّدَ المزج بين لحظات الصمت المفاجئ والنغمات الحادة حالة الذهول والصدمة. لم تكنْ رؤية المرأة لجثتها كافية لإيقانها بموتها، فالإنسان يمتلكُ قدرة عجيبة على الإنكار حتى في مواجهة الأدلة المادية الصارخة. احتاجَ الإيقان الحقيقي إلى تحول عميق في الوعي والإدراك، وهو ما فسَّرَ استمرار دور عزرائيل في إقناعها حتى بعد رؤية الجثة، فتحوَّلَت المسألة من مجرد إثبات مادي إلى رحلة نفسية وروحية عميقة نحو قبول حقيقة الموت. خلقَ التوظيف الدرامي للموسيقى طبقة إضافية من المعنى، فحوَّلَ المشهد من مجرد مواجهة بصرية إلى تجربة حسية شاملة. جاءَت الموسيقى في لحظة قدوم الجثة بطيئة وثقيلة، بنغمات منخفضة عميقة شابهَت دقات القلب البطيئة، ثم تحوَّلَت في لحظة المواجهة إلى نغمات صادمة عكسَت هول الموقف. أضافَ المزج بين لحظات الصمت المفاجئ والنغمات الحادة بُعداً درامياً عمَّقَ من وقع الصدمة وقسوتها. مثَّلَ تغير الإضاءة في لحظة مشاهدة المرأة لجثتها تحولاً درامياً حاسماً. تحوَّلَت الإضاءة من الزرقاء الغامضة عند الباب إلى إضاءة حادة كشفَت كل التفاصيل بوضوح مؤلم. خلقَت تداخلات الضوء وظلاله حالة من "التشريح الضوئي" للمشهد، فتناغمَ هذا التحول الضوئي مع التحول الموسيقي، وجسَّدَ لحظة المصارحة القاسية بين المرأة وحقيقة موتها. شكَّلَت هذه العناصر مجتمعة - الموسيقى والإضاءة والحركة - نسيجاً درامياً متكاملاً نقلَ للمشاهد عمق الصدمة وقسوة المواجهة، وحوَّلَ المشهد من مجرد حدث مسرحي إلى تجربة إنسانية عميقة عن مواجهة الإنسان لحقيقة فنائه. حملَ حوار المرأة مع عزرائيل بُعداً درامياً عميقاً، حين التمسَت منه مهلة للتصديق، فجاءَ طلبها محاولةً أخيرة للالتفاف حول الحقيقة القاسية. تجلَّت في عبارتها "أمهلني بعض الوقت كي أصدق" محاولة يائسة للتشبث بالحياة، أو على الأقل بوهم استمرارها. جاءَ رد عزرائيل "كنتِ مريضة" موجزاً لكنه حملَ في طياته دلالات عميقة، فقد شكَّلَ تذكيراً قاسياً بحتمية المصير. أسَّسَ هذا الرد لمنطق حتمي يربطُ بين المرض والموت، وكأنه أرادَ أن يقولَ: إن المرض كانَ إنذاراً مبكراً بالنهاية المحتومة. أرى أن في رد عزرائيل نظرة جزئية لا تعكس الحقيقة الكاملة. نعم، المرض قد يكون مقدمة للموت، لكنه ليس حتماً مؤدياً إليه. هناك مغالطة منطقية في ربط المرض مباشرة بحتمية الموت، فهذا يتعارض مع عدة حقائق إيمانية وواقعية: لكن قد يعترض المخرج وله كل الحق ليقول أنَّ الضرورة الدرامية تفرض أحياناً مثل هذه المواقف لخدمة البناء المسرحي المتكامل. وفي هذه الحالة، رد عزرائيل يخدم عدة أهداف درامية مهمة: 1- تصعيد الموقف الدرامي الذي أكد على حتمية الموت ورفع من التوتر المسرحي. 2- بناء المنطق الدرامي الذي قدم مبرراً مباشراً وملموساً يسهل على المتلقي استيعابه. 3- تعميق الصراع بخلق مواجهة مباشرة بين إنكار المرأة وحقيقة وضعها. فالمسرح، بطبيعته، يحتاج إلى تكثيف المواقف وتبسيط بعض الحقائق المركبة لخدمة العرض المسرحي. هذا التبسيط الدرامي، وإن كان يتجاوز التعقيد الواقعي للعلاقة بين المرض والموت، إلا أنه يخدم الغرض المسرحي في إيصال الفكرة وتحريك المشاعر. فالمسرح في النهاية فن، والفن قد يضحي أحياناً بالتفاصيل الدقيقة والتعقيدات الواقعية في سبيل خلق أثر درامي قوي ومباشر، وهذا ما نراه في هذا المشهد. تعمَّقَ الصراعُ حين بكَت المرأة قائلةً: "ما كنتُ لأحلمَ بهذا، فكل أحلامي تعلَّقَت بالحياة"، فردَّ عليها كسكينٍ مرَّت على رقبتها: "وماذا عن الموت؟"، فبرَّرَت: "لا وقت للتفكير بالموت ما دمنا نخوضُ غمار الحياة". عكسَ موقفُها نموذجاً لإنسان العصر الحديث الذي غرقَ في سباقٍ محمومٍ مع الزمن، متخذاً من انشغاله بالتفاصيل ذريعةً للهروب من التفكير في نهايته المحتومة. كشفَ هذا عن عجز الإنسان في التوفيق بين وعيه بحتمية الموت وانغماسه في صخب الحياة، وكأن الانشغال بالحياة صارَ وهماً يختبئُ خلفه من حقيقة فنائه. شكَّلَ توظيف الإضاءة لمسةً دراميةً عميقة؛ فقد خلقَ إعتامُها التدريجي مع حديث المرأة تناغماً بصرياً ومعنوياً. جسَّدَ الظلامُ التدريجي مستويين: رمزياً مثَّلَ عمى البصيرة عن حقيقة الموت، ونفسياً خلقَ جواً من الثقل والكآبة مع إدراكها المتأخر. تجلَّت في المشهد سيمفونيةٌ مسرحيةٌ متكاملة، حين سألَت المرأةُ عزرائيل بذهولٍ عمَّن ينتظرُها ولماذا. تضافرَت عناصر العرض في خلقِ لحظةٍ دراميةٍ فائقة التأثير؛ فحين لفظَ عزرائيل كلمة "لدفنكِ"، تحوَّلَت الموسيقى لتعكسَ صدمةَ الإدراك. خلقَ التزامنُ الدقيق بين المؤثرات تجربةً حسيةً شاملة؛ فترجمَت الموسيقى الصدمةَ النفسية إلى لغةٍ صوتية، وجسَّدَت الإضاءةُ التحولَ في الوعي بصرياً، بينما أطلقَت الكلماتُ شرارةَ التحول الدرامي. عكسَ هذا التناغمُ بين عناصر العرض عمقَ التجربة المسرحية، حيث تحوَّلَ الحوارُ من مجرد كلماتٍ إلى تجربةٍ حسيةٍ متكاملة، غمرَت المتلقي في عمقِ اللحظة الدرامية، وكشفَت عن المضامين الإنسانية العميقة في مواجهة الإنسان لحقيقة فنائه. اختيار آلة الكمان تحديداً كردة فعل داخلية لهذا المشهد يمثل لمسة فنية عميقة الدلالة. فالكمان بطبيعته آلة تمتلك قدرة استثنائية على محاكاة الصوت البشري في لحظات حزنه وألمه. نغماته الحزينة تشبه الأنين الإنساني، وكأنه يبكي نيابة عن المرأة صدمة إدراكها لحقيقة موتها. أناته الموسيقية الممتدة تشبه تلك اللحظة الممتدة من الألم حين يدرك الإنسان حقيقة فنائه. صوته المنساب بحزن يترجم ذلك الألم الصامت الذي لا تستطيع الكلمات التعبير عنه. هذا التوظيف الموسيقي يعمل كجسر عاطفي بين المشهد والمتلقي، فنغمات الكمان الحزينة تخترق الحواجز العقلية لتصل مباشرة إلى القلب، محولة المشهد من مجرد موقف درامي إلى تجربة وجدانية عميقة تلامس أعمق مخاوف الإنسان وأحزانه في مواجهة حقيقة الموت. كشفَت كلماتُ المرأة عن حقيقةٍ موجعةٍ في الطبيعة البشرية، حين قالَت: "ماذا لو انتظروني هؤلاء ... غايتهم دفني تحت أقدامهم فقط لتنتهيَ آلامهم؟". عرَّت هذه الكلماتُ واقعاً مؤلماً، حيث تحوَّلَ الإنسانُ بمجرد موته من كائنٍ عزيزٍ إلى عبءٍ ثقيل. مثَّلَ المشهدُ فيما بعد ذروةَ المواجهة بين الإنسان وحقيقة الموت؛ فاتهمَت المرأةُ ملكَ الموت بالقسوة، لكن ردَّه "تحدثتِ بما فيه الكفاية" جاءَ صفعةً أيقظَتها من الغفلة. حملَ ردُّ عزرائيل إدانةً صامتةً لغفلةٍ امتدَّت عمراً كاملاً، وكشفَ أن المشكلةَ لم تكنْ في قلة الوقت، بل في سوء استغلاله. تجلَّت المفارقةُ المؤلمة حين اتهمَت ملكَ الموت بالقسوة، وهي التي أهدرَت عمراً في الانشغال، متناسيةً أن كل لحظةٍ كانَت فرصةً للتأمل والاستعداد. فكشفَ ردُّه الحاسمُ عبثَ محاولتها استدرارَ العطف في لحظةٍ لا تقبلُ التأجيل فقد حان موعد مغادرتها. عكسَ خوفُ المرأةِ من الذهابِ مع ملكِ الموتِ حالةً إنسانيةً عميقة، تجلَّت في تلك اللحظةِ الفاصلة، حين واجهَت النفسُ البشريةُ حقيقةَ نهايتِها المحتومة. كانَ خوفاً متجذراً في أعماقِ الفطرةِ الإنسانية، نبعَ من ذلك المجهولِ المطلقِ الذي لم يعُد منه أحدٌ ليخبرَ عن تفاصيلِه. تشبَّثَت بالحياةِ وقاومَت لحظةَ الانتقالِ رغم حتميتِها، وحاولَت التمسكَ بكلِ ما كانَ مألوفاً ومعروفاً في عالمِها الذي عاشَت فيه. لم يكنِ الخوفُ مجردَ شعورٍ عابر، بل جسَّدَ صراعاً وجودياً عميقاً بين غريزةِ البقاءِ وحتميةِ الفناء. لم يكنْ موقفُها استثنائياً، بل عكسَ موقفَ كلِ إنسانٍ في تلك اللحظةِ المصيرية، حين واجهَ حقيقةَ فنائِه وشعرَ بالرعبِ من الوحدةِ والظلامِ والمجهول. فمهما بلغَ الإنسانُ من قوةٍ وشجاعةٍ في حياتِه، ظلَّ الموتُ ذلك السرَ الغامضَ الذي أثارَ في النفسِ خوفاً فطرياً عميقاً. استمدَّت المرأةُ نفَساً من صمتِ عزرائيل الخفيف، فتدفقَت اعترافاتُها كاشفةً عن مأساةٍ إنسانيةٍ عميقة؛ فعلى خشبةِ المسرحِ تألقَت في كلِّ الأدوار، تنقلَت بين شخصياتٍ متناقضة: أميرةً تارةً وفقيرةً تارةً أخرى، رقصَت مع السعادةِ وبكَت مع الحزن، مثَّلت الحياةَ والموت. لكنَّ المفارقةَ تجلَّت بمرارةٍ حين واجهَت الموتَ الحقيقي؛ فانهارَت كلُّ أقنعتِها المسرحية، وتلاشَت قدرتُها على التمثيل، ولم يبقَ إلا امرأةٌ عاجزةٌ خائفةٌ أمامَ حقيقةٍ لا تقبلُ التمثيل. كشفَت كلماتُها عن مرارةِ نظرةِ المجتمعِ لها كفنانة؛ فقد رآها الناسُ امرأةً متحررةً من القيودِ والضوابط، لكنَّ هذه الحريةَ المزعومةَ لم تمنحْها قوةً أمامَ حقيقةِ الموت. عجزَت المائةُ حياةٍ التي مثَّلتها على الخشبةِ عن إنقاذِها من موتِها الحقيقيِ الوحيد، وخذلَتها كلُّ الأدوارِ التي أتقنَتها، فلم تمنحْها دوراً واحداً للهروبِ من قبضةِ عزرائيل. تجلَّى الألمُ في اعترافِها بخذلانٍ مزدوج: خذلانُ فنِّها الذي لم يُسعفْها، وخذلانُ المقربينَ الذين تركوها وحيدةً في مواجهةِ مصيرِها. وجدَت نفسَها فجأةً عاجزةً عن التواصل، هي التي أتقنَت فنَّ مخاطبةِ الجماهيرِ طوالَ حياتِها، فانكشفَت أدوارُها السابقةُ كظلالٍ زائلةٍ أمامَ حقيقةِ الموتِ الباقية. وفي مشهدِ تجلَّتْ فيه جمالياتٌ عميقةُ الدلالات، طلبَت المرأةُ من عزرائيل عقدَ اتفاقٍ معه: ابتسامةٌ واحدةٌ مقابلَ إذعانِها للرحيل بصحبته. كشفَ هذا الموقفُ عن عمقٍ إنسانيٍ مؤثر؛ فلم تطلبْ في لحظتِها الأخيرةِ مالاً أو جاهاً أو حتى مزيداً من الوقت، بل التمسَت شيئاً بسيطاً وعميقاً: ابتسامةً من ملكِ الموت. حملَ طلبُها مفارقةً مؤثرة؛ فقد حاولَت إضفاءَ لمسةٍ إنسانيةٍ على أقسى لحظاتِ الوجودِ الإنساني، ساعيةً لجسرِ الهوةِ بين عالمِ الأحياءِ وعالمِ الموت. أرادَت أن ترى في وجهِ من سيقبضُ روحَها شيئاً من الرحمةِ والإنسانية، كأنها تقولُ: "حتى الموتُ يمكنُ أن يكونَ أقلَّ وحشةً بابتسامة". كشفَت مساومتُها البسيطةُ عن حكمةٍ عميقة؛ فقد أدركَت حتميةَ الموت، لكنها حاولَت جعلَ رحلتِها الأخيرةِ أقلَّ رهبة. كانَ طلبُها للابتسامةِ محاولةً لخلقِ جسرٍ أخيرٍ من التواصلِ الإنساني قبلَ الانتقالِ إلى العالمِ الآخر، وكأنها همسَت: "إذا كانَ لا بدَّ من الرحيل، فليكنْ برفقةِ ابتسامةٍ تخففُ من وحشةِ الطريق". تجلَّت في المشهدِ المؤثرِ مفارقةٌ عميقة، حين حاولَت المرأةُ تحميلَ ملكِ الموتِ مسؤوليةَ مآسي البشرية. لامَت عزرائيلَ على أرواحٍ فارقَت الحياةَ جوعاً وظلماً وقتلاً، وهو يستل بقايا أرواحهم بمشهد صامت دون منحهم فرصة لشكوى. كشفَت كلماتُها عن ألمٍ عميقٍ تجاهَ مأساةِ وطنِها وشعبِها، حيث غادروا مع الرذاذِ في حروبٍ حمقاء. لكنَّها في لحظةِ المواجهةِ اختارَت الهروبَ من حقيقةِ أن الإنسانَ هو من قتلَ أخاهُ الإنسان، وألقَت باللومِ على من كانَ مجردَ رسولٍ للموت. حاولَت أن تجدَ تفسيراً لهذا الموتِ العبثي، فوجدَت في ملكِ الموتِ هدفاً سهلاً للوم، متجاهلةً أنه لم يكنْ يوماً من أطلقَ الرصاصَ أو صنعَ القنابلَ أو تسببَ في المجاعات. كانَ عزرائيلُ منفذاً لقدرٍ كُتِب، لا صانعاً للموتِ الذي اختارَه البشرُ لأنفسِهم. كشفَ هذا التحولُ في توجيهِ الاتهامِ من القاتلِ الحقيقيِ إلى منفذِ القدرِ عن عجزِ الإنسانِ في مواجهةِ حقيقةِ قسوتِه وأنانيتِه. فقد كانَ من الأسهلِ أن يلومَ قوةً غيبيةً على مآسيه من أن يواجهَ حقيقةَ أنه المسؤولُ الأولُ والأخيرُ عن معظمِ آلامِ البشرية، من الحروبِ إلى المجاعاتِ إلى الظلمِ والقهر. حملَ طلبُها لابتسامةٍ من عزرائيل "بحقِ العراق" مرارةً عميقةً وسخريةً موجعة؛ فكيفَ طُلِبَت الابتسامةُ على وطنٍ احترقَ كلَّ يوم؟ لم تكنْ مجردَ طلبٍ للابتسامة، بل كانَت صرخةَ احتجاجٍ مدويةً على مأساةٍ مستمرة، على وطنٍ عريقٍ تحوَّلَ يوماً بعد يومٍ إلى رماد. في مَعرضِ اعتراضاتِها لخَّصت المرأة من خلال عبارةُ "دونَ وازعٍ من ضمير" عمقَ المأساة، فقد أشارَت إلى انهيارِ كلِّ القيمِ الإنسانيةِ والأخلاقيةِ التي سمحَت باستمرارِ نزيفِ العراق. شهدَ هذا البلدُ الذي كانَ مهدَ الحضاراتِ احتراقاً يومياً في صمتٍ عالميٍ مطبق، كأنَّ معاناةَ شعبٍ بأكملِه أصبحَت مجردَ خبرٍ عابرٍ لم يحركْ ضميرَ العالم. حملَت كلماتُها إدانةً صارخةً ليس فقط لمن أحرقوا العراق، بل لكلِّ من شاهدَ الحريقَ دونَ أن يحركَ ساكناً. استحضرَت صورةَ وطنٍ جريحٍ تألمَ كلَّ يوم، فقدَ أبناءَه وتاريخَه وهويتَه في حريقٍ مستمرٍ لم يبدُ له نهاية، وكأنَّ الموتَ اليوميَ أصبحَ قدراً محتوماً لبلدٍ كانَ يوماً منارةً للحضارةِ والثقافةِ والعلم. أشارَ عزرائيلُ إلى قصةِ الجدِّ الأول، آدمَ الذي اصطفاهُ اللهُ على العالمين، مستحضراً حكايةَ التفاحةِ الأولى. فانبرَت المرأةُ في سخريةٍ مريرة: "تفاحةٌ لا تساوي شيئاً في ميزانِ الوجود!" ردَّ عليها بحكمةِ الملائكة: "تلكَ التفاحةُ التي تستهينينَ بها هي ما أوصلَ بلادَكِ إلى هذا الدمارِ المستطير." لكنَّها واجهَت حكمتَه بمنطقِ المعذَّبين: "لكنهُ طُردَ من الجنةِ، أليسَ في ذلكَ كفايةً من العقاب؟" فأجابَها بجلالِ الحقيقةِ الكونية: "بل ما أرادَ اللهُ لقدسيةِ سمائهِ أن تكونَ ساحةً للقتالِ والظلمِ والطغيان." فهمسَت بمرارةِ الأجيالِ المتعاقبة: "وها نحنُ ندفعُ ثمنَ ذلكَ الخطأِ الأول." وقعَ الكاتبُ، رغمَ محاولتِهِ إضفاءَ عمقٍ فلسفيٍ على الحوار، في فخِّ اجترارِ أفكارٍ مستهلكةٍ حولَ قصةِ التفاحةِ وعلاقتِها بمصائرِ البشر. فقد كانَ حواراً جدلياً عقيماً، دارَ في حلقةٍ مفرغةٍ حولَ ثنائياتٍ تقليدية: الخطيئةِ والعقاب، الذنبِ والمصير، السماءِ والأرض. بدَتِ المفارقةُ التي حاولَ الحوارُ طرحَها بينَ تفاهةِ السببِ (التفاحة) وفداحةِ النتائجِ (دمارُ العالم) مصطنعةً ومتكلفة. كما أنَّ محاولةَ ربطِ معاناةِ العراقِ الحاليةِ بالخطيئةِ الأولى كانَت تبسيطاً مخلاً لقضايا معقدةٍ امتلكَت أسبابَها السياسيةَ والاجتماعيةَ والاقتصاديةَ المباشرة. فقدَ الحوارُ قوتَه بسببِ إصرارِهِ على العودةِ إلى نفسِ النقطةِ المستهلكة: جدليةِ الذنبِ والعقاب. وبدلاً من التركيزِ على المعاناةِ الحقيقيةِ والأسبابِ الواقعيةِ للدمار، لجأَ إلى تفسيراتٍ ميتافيزيقيةٍ تقليديةٍ لم تقدمْ رؤيةً جديدةً أو حلولاً عمليةً للواقعِ المأساوي. تجلَّت الحبكة الدرامية في النص بتشظيات متعددة، حيث بلغَت ذروتها في انقلاب درامي مثير قلبَ موازين القوى، وذلك حينَ أمرَها أخيراً بالذهاب معه قبل فوات الأوان، رفضَت. أُغلقَ الباب لتجاوز الوقت المسموح به إلهياً، فبقيَت تضحكُ على عزرائيل ساخرة إذ نجحَت في استدراجه، وفاتَ عليه الوقت وأفسدَت عليه العودة. لامَ نفسه إذ ما كانَ عليه أن يستسلمَ لهذياناتها. محولة إياه من آمر مطلق إلى سجين في فضاء تظلماتها. حملَت المفارقة عمقاً ساخراً؛ إذ وجدَ ملك الموت نفسه محبوساً في شرك امرأة جاءَ ليقبضَ روحها. وحين اكتشفَ وقوعه في فخها، عادَ إلى النمط التقليدي في اتهام المرأة بالمكر والخديعة، مستحضراً قصة آدم وحواء. قدَّمَ النص نقداً لاذعاً للموروث الذكوري، تجلَّى في ردها الصادم: "كأي رجل عندما يخطئُ يحملُ المرأة تبعة ذلك". هنا، أعادَ النص كتابة الموروث الديني والاجتماعي من منظور نسوي معاصر، مقدماً المرأة ككائن ذكي قادر على قلب الموازين واستخدام سلاح الكلمة والحوار لتغيير مصيرها، حتى في مواجهة ملك الموت نفسه. أرادَ العرض أن يقدمَ رسالة ثورية عميقة: حتى أعظم قوة في الوجود (ملك الموت) أمكنَ أن تقعَ في حبائل المرأة التي صُوِّرَت دائماً كمخلوق ضعيف. حملَت هذه المفارقة الدرامية القوية دلالات عديدة: أولاً، قوَّضَ العرض فكرة السلطة المطلقة، فعزرائيل رغم هيبته وقوته وقعَ أسيراً لذكاء المرأة وحيلتها، مما أكَّدَ أن لا سلطة مطلقة في الوجود مهما بلغَت قوتها. ثانياً، قدَّمَ العرض إعادة تعريف للقوة: فالقوة الحقيقية لم تكنْ في السلطة المطلقة أو القدرة على إنهاء الحياة، بل في الذكاء والقدرة على المناورة والتحكم بمجريات الأمور. ثالثاً، كسرَ العرض الصورة النمطية عن المرأة الضعيفة المستسلمة، ليقدمَ نموذجاً للمرأة القوية القادرة على مواجهة أعتى القوى وتحويل ضعفها الظاهري إلى مصدر قوة. في النهاية، قدَّمَ العرض رسالة تحررية: لم يكنْ شيء مستحيلاً أمام الإرادة والذكاء، حتى لو كانَ التحدي هو ملك الموت نفسه. كانَ انتصاراً للروح الإنسانية المقاومة على القوى التي بدَت مطلقة وحتمية. قدَّمَ العرض إسقاطاً عميقاً وذكياً حين وظَّفَ شخصية عزرائيل كمرآة عاكسة لنقد سلطة المتطرفين دينياً وممارساتهم القمعية. فسقوط عزرائيل في فخ الحوار مع المرأة، وتحوله من قوة مطلقة إلى سجين لكلماتها، كشفَ زيف ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة وبطلان منطق التكفير والترهيب. المفارقة الدرامية في تحول أقوى الملائكة من آمر إلى سجين أمام حوار امرأة، عرَّت ممارسات القوى المتطرفة التي تدَّعي امتلاك حق تحديد مصائر الناس وإصدار صكوك الغفران أو الحرمان. فطلب الابتسامة من عزرائيل تحوَّلَ إلى دعوة ضمنية لتخلي القوى الدينية المتشددة عن جبروتها والعودة إلى جوهر الدين الإنساني الرحيم. نجحَ هذا التوظيف الفني الذكي لشخصية عزرائيل في تقديم نقد عميق وآمن في آن واحد، كاشفاً تهافت منطق التسلط الديني دون الوقوع في فخ المواجهة المباشرة، وداعياً إلى تحرير الخطاب الديني من قبضة المتطرفين وإعادته إلى روحه السمحة الأصيلة. سألَت المرأة عزرائيلاً: "هل لديك خيارات أخرى تتعامل بها مع البشر غير الموت؟" فقالَ لها: "مثل ماذا؟" فأجابَت: "مثلاً أن تميتَني سعادة أو عشقاً... ربما أنا بحاجة لألف عام من الحياة لأعثرَ على السعادة التي أريد." كشفَ هذا الحوار عن عمق فلسفي استثنائي تجاوزَ فكرة الموت كنهاية حتمية إلى البحث عن معنى أعمق للحياة والموت معاً. فقد مثَّلَ اقتراح الموت سعادة أو عشقاً محاولة إنسانية عميقة لتحويل النهاية الحتمية إلى خيار جمالي، وتحويل لحظة الفناء إلى لحظة اكتمال. كما كشفَ طلب الألف عام للعثور على السعادة المنشودة عن مفارقة عميقة: فالإنسان في مواجهة الموت لم يطلبْ الخلود، بل طلبَ الوقت الكافي للعثور على معنى لوجوده. كانَت صرخة إنسانية عميقة قالَت إن قيمة الحياة ليست في طولها، بل في عمق السعادة التي يمكن أن تحققَها. قدَّمَ هذا الحوار تحدياً فلسفياً لفكرة الموت نفسها: هل كانَ الموت مجرد نهاية جسدية، أم أمكنَ أن يكونَ تتويجاً لرحلة البحث عن السعادة والمعنى؟ وهل أمكنَ لملك الموت نفسه أن يتحولَ من منفذ للنهاية الحتمية إلى شريك في البحث عن معنى أعمق للوجود؟ رقصَت الممثلة مع عزرائيل في مشهدٍ عميق الدلالة، حين سألَها عن مكان الحياة، فأشارَت إلى الخارج حيث التواصل الإنساني الحقيقي، في إسقاطٍ على عزلة العصر التكنولوجي. دارَ بينهما حوارٌ فلسفي عن الحياة والخوف منها؛ فأكَّدَ أنه لا يعرفُها، فدعتْه لاكتشافها، ثم دفعَت به ليشهدَ جمال حياة الناس في معرض دفاعها عن يقين فلسفي أنه يسلب الناس شيئا جميلا ومهما منهم وبشكل متغطرس. لِيتحول هذا المشهد إلى درس في معنى الحياة، حيث نجحت المرأة في تحويل ملك الموت من منفذ للنهايات إلى متأمل في جمال الحياة وقيمتها. وفي أثناء الرقصة فجرت حقيقة يجب الوقوف عندها كثيرا وهي دفاعها عن حواء حيث قدم المشهد قراءة تنويرية جديدة للقصة القديمة، فحواء لم تخطئ بل أرادت لآدم حياة حقيقية كاملة بكل تناقضاتها. هذا التأويل يعيد الاعتبار للمرأة ويكشف عن دورها في منح الحياة معناها العميق. هذا التحول العميق يتوج بطلبها الأخير: أن يبتسم وهو يقبض الأرواح، في إشارة إلى إمكانية تحويل حتى أقسى اللحظات إلى فرصة للتعاطف الإنساني. أخيرا وصل حوارهما الراقص قمة النضج بصرختها ضد العزلة التكنولوجية التي مثَّلت نقداً عميقاً لواقعنا المعاصر، حيث فقد التواصل الإنساني حرارته المباشرة لصالح العلاقات الافتراضية. المسرح هنا يستعيد دوره الأصيل في جمع الناس وخلق مساحة للتواصل الحقيقي. في النهاية، تحول المشهد إلى احتفاء بالحياة بكل تناقضاتها وألمها وجمالها، وأصبحت مهمة عزرائيل نفسها جزءاً من هذا الجمال المعقد، حيث يمكن حتى للموت أن يبتسم تقديراً لقيمة الحياة التي يأخذها. هذا التكامل الفني حول العرض من مجرد حوار عن الموت إلى تجربة حسية متكاملة نقلت المشاهد من موقع المتفرج إلى موقع المشارك في الصدمة والإدراك، وهو ما مثل قمة النجاح في التوظيف الدرامي للعناصر المسرحية. النص... برز الكاتب في تقديم بناء درامي محكم يتناول فكرة فلسفية عميقة حول الصراع بين الحياة والموت. استطاع أن يخلق صراعاً مركباً يتجاوز المواجهة المباشرة بين المرأة وعزرائيل إلى رحلة اكتشاف عميقة لمعنى الحياة وقيمتها. جاء الحوار متدفقاً بسلاسة، يجمع بين العمق الفلسفي والتعبير الإنساني المباشر. نجح في خلق توازن دقيق بين الشاعرية والواقعية، مما أضفى على النص حيوية خاصة. نجح في تجنب الوعظ المباشر، مقدماً أفكاره من خلال مواقف درامية مؤثرة وحوار متدفق يحترم ذكاء المتلقي. الإخراج ... تميزَ المخرج الرائع "أسامة السلطان" برؤية تجريبية جريئة وعميقة تجلَّت في قدرته على المزج بين المستويات المختلفة للعرض المسرحي. فقد قدَّمَ بمعية الكاتب مثال غازي وبقية العناصر المسرحية معالجة مبتكرة جمعَت بين الجرأة الفكرية والجمال الفني، متجاوزاً الأساليب التقليدية في المسرح. ظهرَت براعته التجريبية في عدة مستويات: في معالجة الشخصيات: نجحَ في تحويل شخصية عزرائيل من رمز ديني جامد إلى شخصية درامية مركبة قابلة للتحول والتطور، مع الحفاظ على عمقها الرمزي. في توظيف الجسد: استخدمَ الرقص والحركة كلغة تعبيرية موازية للحوار، محولاً المشاهد إلى لوحات بصرية حملَت دلالات عميقة. في بناء الحوار: قدَّمَ حواراً فلسفياً عميقاً ناقشَ قضايا الوجود والحياة والموت، دون أن يسقطَ في فخ المباشرة أو الخطابية. في المعالجة الدرامية: نجحَ في تقديم نقد اجتماعي وسياسي من خلال الرمز والإسقاط، محولاً العرض إلى مساحة للتفكير والتأمل. ما ميزَ تجريبيته أنها لم تكنْ تجريباً من أجل التجريب، بل كانَت بحثاً عميقاً عن أشكال تعبيرية جديدة قادرة على حمل رؤية فكرية وفلسفية عميقة. فالشكل المسرحي عنده خدمَ المضمون وعمَّقَه، ولم يكنْ مجرد استعراض لقدرات فنية. يمكننا القول بثقة أن المخرج أسامة السلطان نجحَ في تقديم تجربة مسرحية متكاملة جمعَت بين الجرأة الفكرية والجمال الفني، وأسسَت لمسرح عربي معاصر قادر على مناقشة القضايا العميقة بأدوات فنية مبتكرة. استخدمَ المخرج الصمت بذكاء كعنصر درامي فعال، وأتاحَ مساحات للتعبير الحركي والجسدي. تميزَت معالجته للشخصيات بالعمق، إذ قدَّمَ شخصية المرأة بأبعاد إنسانية جمعَت بين الشجاعة والحكمة، بينما منحَ عزرائيل قابلية للتحول جعلَت منه شخصية درامية مثيرة. نجحَ في المزج بين المستويات المختلفة للحدث الدرامي، فتعايشَ الواقعي مع الفانتازي في نسيج متماسك، واستخدمَ عناصر الكوميديا بذكاء لتخفيف حدة الموضوع الفلسفي. قدَّمَ في النهاية رؤية إنسانية متوازنة حوَّلَت الصراع الظاهري إلى رحلة اكتشاف عميقة لمعنى الوجود. التمثيل ... بشرى إسماعيل قدَّمَت الممثلة القديرة بشرى إسماعيل في هذا العرض أداءً مثَّلَ نقطة تحول في المسرح العربي المعاصر، إذ نجحَت في المزج بين المدارس المسرحية المختلفة. تجلَّى التأثير البريختي في خلق مسافة نقدية مع الشخصية، واستخدمَت منهج ستانيسلافسكي في عمق التكوين النفسي، كما برزَ تأثير مايرخولد في توظيف الجسد كأداة تعبيرية. حوَّلَت تجربتها الحياتية وخلفيتها الكوميدية إلى أدوات درامية قوية، فاستثمرَت خبرتها في توقيت الكوميديا لخدمة المشاهد الدرامية. تنقلَت بمرونة بين المشاعر المختلفة، وخلقَت تدرجات دقيقة جعلَت التحولات تبدو طبيعية ومبررة درامياً. مثَّلَ أداؤها نموذجاً فريداً لتحويل النضج الفني من عبء العمر إلى رصيد إبداعي ثري، وقدَّمَت درساً في كيفية تحويل الخبرة إلى طاقة متجددة على خشبة المسرح، مما شكَّلَ خطوة مهمة في تطور المسرح العربي المعاصر. جاسم محمد... قدَّمَ الممثل القدير جاسم محمد أداءً استثنائياً جمعَ بين القوة المادية والعمق الدرامي، فخلقَ حضوراً مسرحياً مهيباً يليقُ بشخصية ملك الموت. وظَّفَ قدراته الجسدية بشكل مدروس، فجاءَت حركاته مزيجاً من القوة والدقة، كما استخدمَ صوته كعنصر حاسم في بناء الشخصية، إذ نجحَ في خلق نبرة جمعَت بين السلطة والغموض. تميزَ أداؤه بقدرته على رسم التحول الدرامي للشخصية، فمن خلال تفاعله مع الممثلة، بدأَ عزرائيل يكتشفُ جوانب جديدة من الحياة. جسَّدَ لحظات الاكتشاف والدهشة بانتقالات عاطفية مدروسة من الصرامة إلى الفضول، ومن السلطة إلى التعاطف، حتى جاءَت ابتسامته في نهاية العرض تتويجاً لهذا التحول. نجحَ في خلق توازن دقيق بين قوة الشخصية وقابليتها للتحول، فلم يفقدْ عزرائيل هيبته حتى في لحظات اكتشافه للحياة، لكنه اكتسبَ بُعداً إنسانياً عميقاً، مقدماً نموذجاً للأداء المسرحي المتكامل الذي حوَّلَ الشخصية الأسطورية إلى كائن درامي حي. مجموعة الشباب الأربعة كخلفية درامية... أضافَ صمتهم المطبق وحركاتهم المدروسة بعداً درامياً عميقاً للمسرحية، حيث جسَّدوا رمزية الموت وقوته الصامتة. عززَت ملابسهم السوداء الإحساس بالرهبة والغموض الذي أحاطَ بشخصية عزرائيل وعمله. شكَّلوا عنصراً حيوياً في نسيج العرض المسرحي، متجاوزين الدور التقليدي للمجموعة المساندة. تميزَ حضورهم بقدرة استثنائية على خلق تشكيلات حركية معبرة عكسَت نبض الحياة وتعقيداتها، محولين أجسادهم إلى أدوات تعبيرية نطقَت بلغة درامية عميقة. برزَ أداؤهم في خلق توازن مسرحي دقيق مع الشخصيتين الرئيسيتين، فكانوا بمثابة الجسر الذي ربطَ بين عالم عزرائيل وعالم البشر. نجحوا في تجسيد صور الحياة اليومية، مقدمين تعليقاً بصرياً ثرياً على الصراع الدرامي. تميزَت حركتهم المسرحية بدقة التوقيت وعمق التعبير، فلم تكنْ مجرد تشكيلات جمالية، بل حملَت دلالات درامية عميقة. أضافَ حضورهم عمقاً للصراع بين الحياة والموت، فكانوا تجسيداً حياً للحياة التي دافعَت عنها الممثلة في مواجهة عزرائيل. قدَّمَ أداؤهم المحترف نموذجاً للمجموعة المسرحية القادرة على المشاركة في صناعة المعنى المسرحي، متجاوزين دور الخلفية الصامتة إلى مستوى المشاركة الفاعلة في بناء العرض وتشكيل دلالاته العميقة. السينوغرافيا وعناصرها المختلفة... تميزَت سينوغرافيا العرض بتكامل عناصرها في خلق فضاء مسرحي جمعَ بين الواقعي والفانتازي. نجحَ المزج بين الإضاءة الموحية والموسيقى المعبرة في خلق تأثير نفسي عميق، إذ تحولَت الإضاءة تدريجياً من درجات باردة إلى دافئة مع تطور الأحداث، خاصة في لحظات اكتشاف عزرائيل للحياة. لعبَت الموسيقى دوراً محورياً في تشكيل المناخ النفسي للعرض، إذ بدأَت بإيقاعات عميقة موحية بالرهبة، ثم تحولَت إلى نغمات أكثر إنسانية. خلقَ المزج بين الموسيقى الشرقية والغربية نسيجاً صوتياً عكسَ عمق الصراع بين الحياة والموت. تجلَّت براعة التصميم السينوغرافي في توظيف عناصر ديكورية محدودة حملَت دلالات درامية وفلسفية عميقة. فقد شكَّلَ الفضاء المسرحي منظومة سيميائية متكاملة، حيث وُظِّفَت المرآة ذات الوجهين في الجانب الأيسر كعنصر بصري يجسِّدُ ازدواجية الوجود الإنساني وثنائية الحياة والموت. قابلَ هذا العنصر في الجانب الأيمن أريكة حمراء مثَّلَت رمزية الحياة بملذاتها وإغراءاتها، حيث عكسَ لونها الأحمر نبض الحياة وحيويتها. خلقَ هذا التقابل المكاني والرمزي توتراً درامياً عميقاً، إذ جسَّدَ الصراع الوجودي بين عالمين: عالم الفناء الذي تمثله المرآة، وعالم البقاء الذي تجسده الأريكة. أما المدخل المتوسط، بهالته الزرقاء الضبابية فقد شكَّلَ نقطة التقاء محورية بين هذين العالمين، حيث مثَّلَ برزخاً دلالياً يعبره عزرائيل، ليصبح بذلك جسراً بين الحقيقة والوهم، بين اليقين والشك، بين الموت والحياة. هذا التوظيف الذكي للفضاء المسرحي حوَّلَ الديكور من مجرد خلفية بصرية إلى عنصر درامي فاعل في تشكيل المعنى وتعميق الدلالة. قد يعتقد البعض ممن شاهد العرض أن اختيار تقديم عزرائيل في بدلة رجل أنيق هو قرار إشكالي يحمل وجهين متناقضين: من جانب، يمكن اعتباره محاولة جريئة لتحديث الخطاب المسرحي وتقريبه من المتلقي المعاصر. البدلة الأنيقة تخلق جسراً بين العالمين: عالم القدسية وعالم الواقع اليومي. هذا التحديث يمكن أن يساعد المشاهد على التفاعل مع الشخصية بشكل أكثر مباشرة، خاصة في سياق حواري جدلي. لكن من جانب آخر، هذا التغريب في المظهر قد يمس بقدسية الشخصية وهيبتها التي عُرفت بها تاريخياً. الصورة التقليدية لعزرائيل باللحية الطويلة والملابس البيضاء التاريخية تحمل دلالات روحانية وقدسية راسخة في الوعي الجمعي، وتغييرها قد يؤدي إلى إضعاف تأثير الشخصية وقوتها الرمزية. الخطورة تكمن في أن هذا التحديث قد يتحول إلى تغريب مفتعل يؤثر على مصداقية العمل ككل. فعزرائيل ليس مجرد شخصية درامية يمكن تحديثها بحرية، بل هو رمز ديني له قدسيته وهيبته في الوعي الجمعي. لذا فإن محاولة "عصرنته" قد تأتي على حساب عمق الرمز وقوته. ربما كان من الأجدى البحث عن حل وسط يحافظ على هيبة الشخصية وقدسيتها مع تقديمها بشكل يتناسب مع العصر، دون الوقوع في فخ التغريب المفرط الذي قد يضعف من تأثير العمل وعمقه الروحي والفكري. لكن ولإيماني بوعي المخرج أسامة السلطان ولاشتغالاته التجريبية أرى أن الصورة التقليدية للملائكة هي في الأساس نتاج تخيل بشري تراكم عبر العصور، وليست حقيقة ثابتة أو موثقة. فكما تخيل الأقدمون الملائكة بشكل يتناسب مع عصرهم وثقافتهم، يحق للمعاصرين تقديم تصور جديد يتناسب مع رؤيتهم وعصرهم. قدَّمَت البدلة الأنيقة في هذا السياق رمزية عميقة ومتعددة الأبعاد، فمثَّلَت السلطة والهيبة في العصر الحديث، وخلقَت مفارقة درامية بين المظهر العصري والدور الأزلي لعزرائيل، كما سهَّلَت على المتلقي فهم وتقبل الشخصية في سياق معاصر. وجاءَ هذا الاختيار ذكياً من الناحية العملية المسرحية، حيث منحَ الممثل حرية الحركة الضرورية للأداء المسرحي، وسهَّلَ التواصل المباشر مع الجمهور، وخدمَ الحوار الجدلي المعاصر الذي دارَ في المسرحية. لم يقللْ هذا التحديث في المظهر من قدسية الشخصية أو عمقها الرمزي، بل أضافَ إليها بعداً جديداً تناسبَ مع طبيعة العرض المسرحي وجمهوره المعاصر، فالرمزية الحقيقية لم تكنْ في الشكل الخارجي بل في جوهر الشخصية ودورها وتأثيرها في الأحداث. الختام ... شكَّلَ عرض "عزرائيل" نقلة نوعية في المسرح العربي المعاصر، إذ قدَّمَ معالجة فنية عميقة لموضوع وجودي شائك. نجحَ العرض في كسر النمطية التقليدية في تناول شخصية ملك الموت، وقدَّمَ رؤية إنسانية مركبة تجاوزَت الطرح المباشر إلى فضاءات فلسفية أرحب. تضافرَت عناصر العرض من إخراج وتمثيل وسينوغرافيا في خلق حالة مسرحية متكاملة، مزجَت بين جماليات المسرح المعاصر وعمق الطرح الفكري. تجلَّت براعة المخرج في قدرته على تحويل النص إلى تجربة بصرية وحسية غنية، فيما قدَّمَ الممثلون أداءً استثنائياً عكسَ نضجاً فنياً عميقاً. حققَ العرض معادلة صعبة بين المتعة الفنية والعمق الفكري، وأثبتَ أن المسرح العربي قادر على تقديم رؤى إبداعية تواكبُ تطور المسرح العالمي مع الحفاظ على هويته الخاصة. لقد تركَ هذا العمل بصمة مميزة في المشهد المسرحي، وفتحَ آفاقاً جديدة في معالجة المواضيع الوجودية والفلسفية على خشبة المسرح.
#كاظم_أبو_جويدة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الميتافورا المركبة في مسرحية (وين رايحين؟) الحافلة المعطلة و
...
المزيد.....
-
بعد نجاح فيلم -الدشاش- جماهيريا.. هل نجح محمد سعد في استعادة
...
-
الدين مادة أساسية بمدارس مصر.. ما وجه الاعتراض؟
-
بعد ساعتين بالظبط هتشوف العظمة”.. مسلسل عثمان 178 الحلقة الج
...
-
المترجم جنغيز عبد الواحد ”فرض رسوم لخدمة الترجمة قد يؤدي إلى
...
-
الأدب السوري مترجمًا.. كيف شوّهت -سياسات الهوية- السردية الس
...
-
أحزاب تيدو تريد من المولودين في الخارج دفع رسوم الترجمة بأنف
...
-
تركي آل الشيخ يعلن عن حدث مهم بتاريخ صناعة السينما في السعود
...
-
دار الأنام اللبنانية تصدر كتاباً جديداً للدكتور زهير ياسين ش
...
-
مصر.. حارس مصري يرتكب جريمة مروعة في معهد للسينما
-
الأنبار.. خطاطون وفنانون يشكون الإهمال وقلة الدعم
المزيد.....
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
المزيد.....
|