أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حازم كويي - وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تجعلك مريضاً عقلياً. الرأسمالية أيضاً.















المزيد.....


وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تجعلك مريضاً عقلياً. الرأسمالية أيضاً.


حازم كويي

الحوار المتمدن-العدد: 8230 - 2025 / 1 / 22 - 14:00
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


رولاند بولسن*
ترجمة: حازم كويي


يلقي العديد من علماء النفس اللوم على الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي في زيادة الأمراض العقلية. ومن خلاله، فإنهم يتجاهلون عقوداً من التدهور الاقتصادي وإتساع فجوة التفاوت.
بفضل الكتب الأكثر مبيعاً لعالمة النفس يان توينغ وعالم النفس جوناثان هايدت، أصبح ما كان مثيراً للجدل ذات يوم معروفاً شائعاً: لقد تدهورت الصحة العقلية، وخاصة بين الشباب في العديد من البلدان الغربية. والدليل على هذا الاتجاه مُقنع ويمكن رؤيته في إستخدام الأدوية والتشخيص ونتائج المسح.
وفي الولايات المتحدة، أرتفعت معدلات الانتحار بنسبة 35% خلال العقدين الماضيين. وفي الوقت نفسه، أنخفضت نسبة الأشخاص الذين يصنفون صحتهم العقلية بأنها "ممتازة" من 43% إلى 31%. وفي عام 2024. 43% من البالغين عبروا عن شعورهم بالقلق أكثر من العام السابق، وبارتفاع من 37% عام 2023 و32% عام 2022.
وينبغي لهذه الاتجاهات المثيرة للقلق أن تدفع إلى إجراء تحليل إجتماعي مُكثف، ولكن التركيز ــ سواءاً على المستوى الأكاديمي أو في الخطاب العام ــ أصبح يَضيق على نحو متزايد ليقتصر على ظاهرة واحدة: إنتشار وسائل الإعلام الاجتماعية. فقد ساهم كل من توينغ وهايدت في هذا المنظور والتبرير الخاص، ليس أقلها في كتبهما "طفلي، هاتفه الذكي" و"أنا وجيل الخوف". وكان لهذه الحجة بالفعل تأثيرات ملموسة: فقد فرضت العديد من الدول الأوروبية حظراً على الهواتف الذكية في المدارس. وهذا الأخير ليس بالضرورة أمراً سيئاً، ولكن لا بد من إنتقاده لأنه يبالغ في تبسيط المناقشة حول الصحة العقلية ــ والتقليل من شأن الأبعاد السياسية للمشكلة.
لقد نجح خبراء مثل توينغ وهايدت إلى حد كبير في إختزال الأزمة الصحية في نقاش حول مُتغير واحد. ينبغي أن يُنظر إلى الجدل الدائر حول وسائل التواصل الاجتماعي على أنه أحد أعراض أزمة أعمق بكثير في تقاليد العلاج والنماذج التفسيرية السائدة في الطب وعلم النفس السريري. لفهم سبب حدوث ذلك، يجدر بنا إلقاء نظرة على الرؤى النبيلة التي كان يحملها متخصصوا الصحة العقلية منذ وقت ليس ببعيد.

"يبدو أن التحول النموذجي ضروري"
عند مناقشة حجج هايدت وتوينغ، ظل هناك إقتباس واحد يتبادر إلى ذهني. كتب ستيفن هايمان، مدير المعهد الوطني الأمريكي للصحة العقلية من عام 1996 إلى عام 2001، في مجلة(Scientific American )عام 2003 (العام الذي اكتمل فيه مشروع الجينوم البشري) عن المستقبل المشرق الذي يبدو أنه ينتظرنا: » من خلال الجمع بين التصوير العصبي والدراسات الجينية حيث يمكن للأطباء تحويل التشخيص النفسي بعيداً عن التحقق من الأعراض في قوائم المراجعة ونحو الاختبارات الطبية الموضوعية. يمكن للاختبارات الجينية للمرضى أن تكشف من هو الأكثر عُرضة للإصابة باضطراب مثل الفصام أو الاكتئاب. يمكن للأطباء بعد ذلك إستخدام التصوير العصبي على المرضى المُعرضين لخطر كبير لتحديد ما إذا كان المرض قد حدث بالفعل.
وعلى الرغم من إنفاق موارد كبيرة لتحقيق هذه الرؤية، فإن المستقبل الذي تصوره هايمان يبدو غير مرجح في الوقت الحالي. ما يسمى "مشكلة الوراثة المفقودة" "مشكلة الوراثة غير المبررة" أن تحديد "جينات القابلية للتأثر" المقابلة أصعب بكثير مما توقعه أنصار مشروع الجينوم البشري في السابق. وهذا يعني: أننا لا نزال بعيدين عن القدرة على تشخيص حتى إضطراب عقلي واحد باستخدام التصوير العصبي.
وبدلاً من ذلك، حدث شئ آخر: تدهورت الصحة العقلية بشكل كبير، وقد أدى هذا التراجع إلى التشكيك في العديد من النماذج التفسيرية السائدة سابقاً، خاصة فيما يتعلق بأبحاث الدماغ وعلم الوراثة.
إذا بدأنا من إفتراض أن الاختلالات الكيميائية في الدماغ هي المسؤولة عن الأمراض العقلية، فإن السؤال هو، مع تزايد تأثر الناس بها، ما الذي يسبب هذه الاختلالات حالياً؟ علاوة على ذلك، إذا أخذنا في الاعتبار أن الأمر يستغرق عادة آلاف السنين حتى يتغير التجمع الجيني لمجموعات سكانية ما، فيتعين علينا أن نسأل أيضاً: لماذا تدهورت الصحة العقلية إلى هذا الحد في السنوات الأخيرة في حين ظل الاستعداد الوراثي على حاله؟ تشير هذه الأسئلة إلى وجود قوى أخرى تعمل خارج الجمجمة وجدران الخلايا.
كما أدى إدراك تدهور الصحة العقلية العامة إلى زعزعة الافتراضات الأساسية للثقافة العلاجية،أي الافتراض بأن حل مشاكلنا النفسية يكمن في التدخلات العلاجية النفسية. واحد من كل ثمانية بالغين في الولايات المتحدة يتناول حالياً مضادات الاكتئاب. وقد سعى واحد من كل خمسة إلى الحصول على علاج نفسي مؤخراً، ومنذ عام 2002، زاد عدد الأشخاص الذين يتلقون العلاج بنحو 15 مليون شخص. ومع ذلك، يبدو من الواضح أن هذا العدد المُتزايد من الأشخاص الذين يتلقون العلاج لا يكفي للحد من الانتشار الحالي للأمراض العقلية.
في الوقت نفسه، أسفرت التحليلات المكثفة لفعالية العلاج النفسي على مدى العقد الماضي عن نتائج متواضعة بشكل مدهش: باختصار، تُظهر معظم الدراسات أن حوالي نصف الأشخاص الذين خضعوا للعلاج النفسي يستفيدون منه، في حين أن حوالي خمسة في المائة تعرضوا الى مشاكل أسوأ. يؤكد التحليل الذي أجراه عالم النفس بيم كويجبرز هذا التقدير لعلاج الاكتئاب. ووجدت دراسته أن حوالي ثلث المرضى فقط تحسنوا إلى درجة أنهم لم يعودوا مُصنفين على أنهم مكتئبون. ونظراً لارتفاع معدلات تكرار الإصابة بالاكتئاب، فهذا يعني أن الشخص الذي يعاني من الاكتئاب سيحتاج إلى البحث عن الكثير من العلاج.
وفي تحليل آخر شمل ما مجموعهُ 650 ألف مريض مصاب بمرض عقلي، لخص جون يوانيديس وزملاؤه نتائجهم على النحو التالي: "بعد أكثر من نصف قرن من الأبحاث، تم إجراء الآلاف من [التجارب المُعاشة ذات الشواهد] والملايين من الموارد المستثمرة. ويبدو أن أحجام تأثير العلاجات النفسية والعلاجات الدوائية للاضطرابات النفسية محدودة، ومن الواضح أن الباحثين لا يفترضون أن هذا سيتغير. ولذلك يستنتجون: "يبدو أن التحول النموذجي في البحث ضروري".
لا يوجد تطور في السنوات العشر الماضية
قد تكون بداية مثل هذا التحول النموذجي هي قيام علماء النفس بتحويل تحليلاتهم "إلى الخارج"، إذا جاز التعبير - من الأعمال الداخلية للفرد إلى العلاقات التي تشكل المجتمع. ومع ذلك، فإن النظريات الأكثر شعبية حتى الآن تلتزم بالمنطق التدخلي المُميز للثقافة العلاجية. لكن الأهم من ذلك هو أن الحُجج الحالية تُعاني من عدة عيوب منهجية.
يستفيد توينغ وهايدت بشكل كبير من الرسومات التي توضح الاتجاهات في الاكتئاب والقلق والانتحار وما إلى ذلك. وتُظهِر جميع هذه المنحنيات زيادة بعد عام 2012 ــ وهي النقطة التي يسميها هايدت "التجديد العظيم للأسلاك"، عندما شقت وسائل التواصل الاجتماعي طريقها إلى الهواتف الذكية. تعرضت منهجيته لانتقادات متكررة بسبب مزج الارتباط والسببية (وهو الانتقاد الذي يحاول هايدت توضيحه في كتابه "جيل القلق"). ومع ذلك، في رأيي، هناك مشكلة منهجية أكبر بكثير تتمثل في الميل إلى إستخلاص إستنتاجات واسعة النطاق ومن المفترض أنها عامة خلال فترات زمنية قصيرة نسبياً.
تبدأ رسومات هايدت عادةً في حوالي عام 2002 وتنتهي في حوالي عام 2018. لذا فهي تقدم فقط 16 عاماً من البيانات التي يمكن بعد ذلك إستخلاص التعميمات منها. في حين أن العديد من الرسوم البيانية التي يقدمها تظهر بالفعل زيادة حادة في مشاكل الصحة العقلية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، إلا أن هذه الفترة الزمنية المحدودة يمكن أن تكون مُضللة. على سبيل المثال، عندما سلطت هايدت الضوء على الزيادة الكبيرة في الضائقة النفسية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بين المراهقين في بلدان الشمال الأوروبي، فإن الانطباع هو أنه لم يحدث شئ جدير بالملاحظة من قبل. هنا الإطار الزمني الضيق يشوه الصورة العامة.
في الواقع، قامت وكالة الصحة العامة السويدية بإجراء استطلاع للرأي بين الشباب حول صحتهم العقلية منذ عام 1986. اتضح أن نسبة الأشخاص الذين يشعرون بالحزن كل يوم تقريباً آخذة في الارتفاع بشكل مستمر منذ الثمانينيات.


وكانت الزيادة في إضطرابات النوم أيضاً إتجاهاً طويل الأمد. في حين أن الارتفاع الحاد في مشاكل النوم وإنخفاض الحالة المزاجية بين الفتيات في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين يمكن تفسيره بسهولة على أنه دليل على وجود روابط لانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، فمن الواضح أن هذا جزء من إتجاه أوسع نشأ منذ عقود.



هنا مطلوب مزيد من التحليل. وبغض النظر عن البلد الذي ننظر إليه، نجد أن هناك زيادات مماثلة في مشاكل الصحة العقلية على مدى فترات زمنية أطول: فالنرويج تعكس النمط الموجود في السويد، كما تم توثيق التدهور الجذري في الصحة العقلية للشباب منذ فترة طويلة في المملكة المتحدة. وفقاً لدراسة أجراها الطب النفسي، زاد إنتشار الأمراض العقلية طويلة الأمد بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 4 إلى 24 عاماً بشكل كبير بين عامي 1995 و2014. وفي إنكلترا زاد معدل الانتشار ستة أضعاف، بينما تضاعف في اسكتلندا خلال أحد عشر عاماً.
وفي الولايات المتحدة، لاحظ توينغ نفسه الزيادة طويلة المدى في مشاكل الصحة العقلية. في عام 2011، لوحظ أن "جميع الأدلة المتاحة تقريباً تشير إلى زيادة حادة في القلق والاكتئاب ومشاكل الصحة العقلية بين الشباب الغربي أوائل القرن العشرين وأوائل التسعينيات". وفي وقت مبكر من عام 2000، شُكك في أن "الطفل الأمريكي العادي في الثمانينيات كان يعاني من القلق أكثر من المرضى النفسيين في مرحلة الطفولة في الخمسينيات".
المرض العقلي والتطور الرأسمالي
تعتبر هذه الاعتبارات على مدى فترات زمنية أطول مهمة لأنها تكشف عن إتجاه سلبي لا يقتصر على الظواهر الفردية والمعزولة والجديدة نسبياً مثل وسائل التواصل الاجتماعي. سبق أن قدم توينغ وهايدت أشكالاً مختلفة من "التشخيص الزمني" الاجتماعي لشرح ما قد يحدث. لاحظ توينغ "ثقافة نرجسية" لفترة طويلة، بينما رأى هايدت المشكلة في حقيقة أن الهوس العام بالسلامة يُضعف الشباب ويجعلهم حساسين بشكل مفرط. وفي كلتا الحالتين، يبدو أن أساس المشاكل النفسية هو ما يلخصه هايدت بـ "النوايا الطيبة والأفكار السيئة" (العنوان الفرعي لكتابه "تدليل العقل الأمريكي"). ولذلك فإن الأسباب هي سوء التربية أو سوء فهمها وما يسمى باليقظة. ومثل هذا التحليل ليس محايداً من الناحية السياسية.
ومن المثير للاهتمام أن كلاً من توينغ وهايدت يسعيان إلى تجاهل العوامل الاقتصادية أو التقليل من أهميتها. في كتابه "جيل الخوف"، يفعل هايدت ذلك من خلال الاستشهاد بانخفاض البطالة في الولايات المتحدة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بعد الأزمة المالية: ففي نهاية المطاف، إذا كان لدى المزيد من الناس وظائف، فإن العوامل الاقتصادية لا يمكنها تفسير التدهور في الصحة العقلية، أليس كذلك؟ وبطبيعة الحال، هذا ليس نهجاً دقيقاً للغاية. بل إننا نعلم بالفعل أن فترات الركود من الممكن أن تستمر في التأثير على الفئات المحرومة لفترة طويلة بعد خروجها من إحصاءات البطالة للدولة. علاوة على ذلك، تستمر فجوة التفاوت في الاتساع في جميع أنحاء العالم ــ وهناك أدلة تشير إلى أن عدم المساواة مؤشر قوي لتدهور الصحة العقلية، والذي يتفاقم بسبب تزايد القلق بشأن المكانة.
ومن الصعب حل مثل هذه المشاكل الاقتصادية من خلال التدخلات العلاجية أو القرارات السياسية الفردية. وهي تتطلب إصلاحات هيكلية وتحليلات لاحتياجات المجتمع ككل.
ويتجلى عدم الرغبة في التعامل مع المعاناة الناجمة بشكل منهجي أيضاً عندما تناول توينغ وهايدت نفور الشباب من المخاطرة. قد يكونون على حق في النظر إلى سلوكيات معينة من الجيل Z - إستهلاك أقل للكحول، وعدد أقل من المعارك الجسدية، وعدد أقل من حالات الحمل غير المخطط لها - كعلامات على القلق المتزايد. ومع ذلك، فإن عملهم يتجاهل تماماً الأدبيات الاجتماعية الواسعة حول كيفية التركيز المتزايد ليس على الأفراد فحسب، بل أيضاً على الدول والعلوم بأكملها للوقاية من المخاطر. في الواقع، هذا مجال بحثي أستمر في التوسع منذ أن صاغ أولريش بيك مصطلح "مجتمع المخاطر" قبل 40 عاماً تقريباً.
ويرى توينغ وهايدت أن النفور من المخاطرة المذكورأعلاه هو في المقام الأول نتيجة للتعليم "حسن النية ولكن سيئ التنفيذ". ومن ناحية أخرى، أثبت بيك وأتباعه لبعض الوقت أن هذا النفور من المخاطرة هو نتيجة منطقية للانعكاسية الحديثة والعقلانية العلمية.
إن تقليص المشكلة إلى سوء التربية للوالدين يجب أن يكون مستحيلاً الآن نظراً لثروة البحوث الاجتماعية - وخاصة بفضل العمل الأخير لهارتموت روزا، الذي يصف كيف ينشأ ما يسمى "مجالات الخطر" أو "مناطق الخطر" من قوى تكنولوجية وأقتصادية عميقة. نتيجة التغييرات المؤسساتية. وفي جوهره، يعكس النفور من المخاطرة الحالية وصراعاً بين المؤسسات العضوية و"نخبة الخبراء" المتنامية، وهو الصراع الذي أنتقده إيفان إيليتش وآخرون في سبعينيات القرن العشرين.
عندما ننظر إلى "الاتجاهات الكبرى" العالمية الأخرى التي تم تسليط الضوء عليها مؤخراً في مجلة ( Lancet) للطب النفسي لتفسير التدهور في الصحة العقلية للشباب - وتحديداً إرتفاع الديون وتغير المناخ والوظائف وفرص العمل غير الآمنة - يصبح من الواضح بسرعة كيف ترتبط قضية الرفاهية العقلية بالمجال السياسي. . وهذا شئ يجب أن نأخذه في الاعتبار قبل طرح متغيرات جديدة في المناقشة في دورة دائمة من ماذا عن. وكما حذر هربرت ماركوز ذات يوم، فإن النزعة التشغيلية، التي تقلل المفاهيم القائمة على الخبرة مثل الاغتراب إلى سلسلة من المتغيرات القابلة للقياس، تعمل على تعزيز العقلانية التكنولوجية التي تخنق النقد الاجتماعي الراديكالي.
أحد الأسباب وراء عدم قدرة العلوم الاجتماعية حتى الآن على تقديم إجابات محددة لأسباب تدهور الصحة العقلية هو أن كل المشاكل الاجتماعية ــ بما في ذلك، تلك التي لم يُحددها علم الاجتماع بعد ــ تُخلفُ تأثيراً على صحتنا العقلية. وبفحص أكثر دقة، قد يكون من الغريب أيضاً أن نفترض أي شئ آخر: فتفسير المرض العقلي كنتيجة لعدد قليل من المتغيرات يتبع منطقاً تكنوقراطياً يحجب رؤية المجتمع ويحرم السياسة نفسها من معناها وقوتها الإبداعية. وقد يتساءل المرء أيضاً: إذا كان لا يعتقد أن القضايا السياسية تشكل رفاهيتنا، فلماذا ينبغي لنا أن نهتم بها على الإطلاق؟
إنه إنجاز كبير بأن يتم التقليل من أهمية الأزمة المستمرة بهذه الطريقة كما فعل العديد من علماء النفس، في حين أن رد الفعل الأكثر وضوحاً سيكون إلقاء نظرة فاحصة على الرأسمالية الحالية. ولم يعد من الممكن أن نُزعم الآن(كما فعل المفكران المفضلان لدى بيل غيتس، ستيفن بينكر وهانز روزلينك منذ فترة طويلة) أن الرأسمالية هي قصة نجاح أبدية.
وتُظهِر الدراسة الاستقصائية العالمية للصحة العقلية ــ وهي الدراسة الوبائية الأكثر شمولاً على مستوى العالم في مجال الصحة العقلية، والتي يتولى تنسيقها منظمة الصحة العالمية وأجريت في ثلاثين دولة حتى الآن ــ أن المشاكل النفسية تكون أيضاً أكثر حدة في المناطق حيث الأشكال الأكثر تطوراً من الرأسمالية. ويمكن رؤية نمط ثابت لـ 17 من أصل 18 مشكلة تتعلق بالصحة العقلية: هناك انتشار أعلى بكثير في البلدان ذات الدخل المرتفع مقارنة بالبلدان المنخفضة الدخل أو البلدان ذات الدخل المتوسط المنخفض. هذا الاختلاف الصارخ (الذي، بالمناسبة، لا يمكن تفسيره من خلال الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي منذ إجراء الدراسات الاستقصائية بين عامي 2001 و 2011) يتناقض بشكل صارخ مع الاتجاهات في الصحة البدنية / اللياقة البدنية ويثير بالتأكيد تساؤلات حول القيمة المستدامة للاقتصاد اللامحدود. النمو.
إن الميل، حتى بين اليساريين، إلى تفسير مثل هذه النتائج بالقول أن هناك تحسناً في الكشف والتشخيص ليس كافياً. تم تصميم المسوحات وطرق لقياس مدى الانتشار بشكل مُستقل عن ممارسة الطب النفسي. إن المعاناة النفسية ليست ثابتة ومنفصلة عن التاريخ والتطور: إنها في تزايد. وهذا يتطلب إهتمامنا.


رولاند بولسن* هو أستاذ مشارك في علم الاجتماع بجامعة لوند ومؤلف العديد من الكتب، بما في ذلك الكتاب الذي نُشر مؤخراً بعنوان "لماذا نقلق: شرح إجتماعي".



#حازم_كويي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحزب كقوة خلاقة
- مشروع الصين الجميلة
- روح غرامشي
- التقشف كمقدمة للفاشية
- عندما كانت الأرض كرة ثلجية
- هل يلوح في الأفق سباق تسلح جديد؟
- ماركس وكوهي سايتو والصدع الأيضي (الجزء الثاني)
- تحول هائل نحو اليمين في الولايات المتحدة
- ماركس وكوهي سايتو والصدع الأيضي(الجزء الأول)
- اليساريون ووسائل الأتصال الأجتماعي
- ماذا تعني الأشتراكية وكيف يمكن بالضبط أن تتحقق؟الجزء الثالث
- ماذا تعني الأشتراكية وكيف يمكن بالضبط أن تتحقق؟ الجزء الثاني
- ماذا تعني الأشتراكية وكيف يمكن بالضبط أن تتحقق؟
- ماهي الأشتراكية؟ لماذا يجب علينا التغلب على الرأسمالية؟
- زعيم الحزب الشيوعي الإيطالي تولياتي يحذرالحزب الشيوعي السوفي ...
- هل للكون من نهاية؟
- حين يهاجر الأنسان عنوة بسبب المناخ.
- العلم والتغير المناخي مثار جدال
- من الغبار ولِدَت الأرض
- هل لدى كمالا هاريس بديل عن سياسة دونالد ترامب الخارجية؟


المزيد.....




- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- اتساع الفجوة بين الجنسين.. كيف تغيرت أجساد الرجال والنساء خل ...
- م.م.ن.ص// الكيان الصهيوني وأمريكا وحلف شمال الأطلسي والاتحا ...
- ليبراسيون: الليبراليون الفرنسيون يغادرون جماعيا منصة -إكس- ب ...
- الشيوعي العراقي: قوى المحاصصة تكرس عزلتها بتشريع القوانين ال ...
- احتجاجات عاملات وعمال سيكوم-سيكوميك مكناس تتواصل
- صمود غزة وتضحياتها دفاعًا عن فلسطين هو الذي أوقف حرب الإبادة ...
- زعيم الاشتراكيين في ألمانيا: أوروبا قادرة على مواكبة الولايا ...
- موسكو.. الذكرى 101 لوفاة فلاديمير لينين
- فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب يدعو لجنة القطاعات الإن ...


المزيد.....

- الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور ... / فرانسوا فيركامن
- التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني ... / خورخي مارتن
- آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة / آلان وودز
- اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر. ... / بندر نوري
- نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد / حامد فضل الله
- الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل / آدم بوث
- الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها ... / غازي الصوراني
- الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟ / محمد حسام
- طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و ... / شادي الشماوي
- النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا ... / حسام عامر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حازم كويي - وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تجعلك مريضاً عقلياً. الرأسمالية أيضاً.