|
إحدى خوالد: الدكتور -بدر عبد العاطي-
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 8230 - 2025 / 1 / 22 - 12:09
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
Facebook: @NaootOfficial
بعد نشر مقالي: "خالد العناني... صوت مصر الحضاري في اليونسكو" الخميس الماضي، هنا في مساحتي بجريدة "المصري اليوم"، وإشارتي العابرة إلى الدبلوماسي العظيم الدكتور "بدر عبد العاطي"، "وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج"، الذي شرّفني القدرُ بأن أكون شاهدةَ عيان على أحد مواقفة الخالدة أيام بروز أنياب الإرهاب الأسود الذي خلّفه سقوطُ الإخوان عن مصر في ٢٠١٣، وصلتني عديدُ الرسائل والمهاتفات من القراء والشخصيات العامة يطلبون مني سرد تفاصيل الحكاية التي جرت وقائعُها في أبريل ٢٠١٤، وهي مجرد حكاية واحدة من مواقفَ مُشرقة خالدة لا حصر لها، قدّمها للوطن هذا الفارسُ الجسور د. “بدر عبد العاطي" الذي جمعت شخصيتُه بين الدبلوماسية الأكاديمية الرصينة وروح الإنسانية العميقة، فلم يكن وحسب واجهة مصر الرسمية المثقفة في الساحات الدولية، بل صوت مصر الرصين الذي يحمل ثقلَها التاريخي الهائل. خلف حضوره الهادئ، تختبئ شخصيةٌ مهيبة تتمتع برؤية متزنة، قادرة على نسج لغة الحوار والتفاهم بين الثقافات المختلفة للشعوب. عام ٢٠١٤ كرّمني الزمانُ بأن أكون طرفًا صغيرًا في موقفٌ جسور، يرسمُ خطًّا واحدًا من وجه هذا الدبلوماسي المصري الذي حرص طوال تاريخه الممتد لربع القرن، على سلامة المصريين وكرامتهم خارج وطنهم؛ في أشدّ اللحظات عُسرًا وظلامًا وقسوة. نشرتُ تفاصيلَ تلك الواقعة الخالدة في جريدة "المصري اليوم" في مقالين: أحدهما بتاريخ ٧ أبريل ٢٠١٤، بعنوان "النبلاءُ يُنقذون رعايانا في ليبيا"، والآخر بتاريخ ١٧ أغسطس ٢٠١٥، بعنوان "الفارسُ: بدر عبد العاطي"، وأعيد قصّ تلك الخالدةَ اليومَ، نزولا على طلب مَن فاتتهم متابعةُ المقالين، قبل عشر سنوات. يوم ٢٦ مارس ٢٠١٤، أرسل لي مواطنٌ مصري رسالة استغاثة مريرة عن شقيقه "روماني طلعت سامي"، وخمسة من أقربائه يعملون في ليبيا في مجال المعمار. حاولوا العودة إلى مصر بعد تدهور الأحوال واستقواء "داعش" في مدينة "سِرت" الليبية. لكن رحلتهم أُلغيت بعد تفجيرات "مطار طرابلس". وبعد سطو الإرهابيين على أموالهم وهواتفهم وجوازات سفرهم، استحالت عودتهم للوطن جوًّا أو برًّا، وتملك منهم الرعبُ من احتمالية تكرار مذبحة المسيحيين المصريين السبعة التي وقعت في ليبيا في فبراير ٢٠١٤. حكى لي الشقيقُ الهَلِعُ عن أمهاتٍ لا تجف دموعُهن، ينتحبن رعبًا على أبنائهن، وسألني إن كان بوسعي عمل شيء. اتصلتُ فورًا بالسفير د. "بدر عبد العاطي"، وكان وقتئذ يشغلُ منصبَ "المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية”. وبعد دقائق من حديثي معه، هاتفني سفيرُنا المصري لدى ليبيا د. "محمد أبو بكر"، الذي كان يباشر أعماله من القاهرة مؤقتًا، بعد حوادث اختطاف الدبلوماسيين المصريين في ليبيا. دقائقُ أخرى، ووصلتني رسالةٌ جديدة من الشقيق، تخبرني بأن السفارة المصرية في طرابلس قد اتصلت بشقيقه ورفقته، وطلبوا منهم التوجه مباشرة لمطار طرابلس، ليجدوا في انتظارهم مندوبًا من السفارة المصرية لتيسير إجراءات السفر إلى مصر. وظللتُ على قلق مثل أمهات أولئك "الشهداء المُحتملين"، حتى وصلتني الرسالةُ الطيبة الأخيرة التي انتظرتُها بوجلِ الُمترقّبِ وأمله: “أكتبُ لكِ من مطار القاهرة. شقيقي ورفاقه وصولوا بالسلامة إلى أرض الوطن. شكرًا أستاذة فاطمة.” وفي مؤتمر أقامته نقابةُ الصحفيين المصريين في تلك الأيام الصعبة، أعلن د. “بدر" رقم هاتفه على الملأ لكي يتواصل معه أيُّ مصري مأزوم يتعذر عليه الوصول إلى سفاراتنا بالخارج! وفي أوائل ٢٠١٥ استأجرت الخارجيةُ المصرية أماكنَ على طائرات وسفن أمريكية وروسية لاستعادة المصريين المحتجزين في اليمن مع بداية حرب "عاصفة الحزم" ضد الحوثيين. هكذا يكون المسؤولُ "المسؤولُ" الذي يعرفُ أن أرواح بني الوطن أمانةٌ ثقيلة، يُسألُ عنها أمام الله وأمام ضميره. تلك واحدةٌ من مئات الخوالد التي قدّمها الدكتور "بدر عبد العاطي" لمصر والمصريين، والتي لا يحدث مثلها إلا في دول تحترم قيمة الإنسان، وتكتبُ على جواز سفر أبنائها: “جيشُ الدولة وأساطيلُها يتحركان من أجل هذا المواطن.” ساعاتٌ قليلة فصلت بين استغاثة مواطن يتهيأ للقب "شقيق الشهيد"، ورسالة فرحة تقول: “شقيقي وصل سالمًا إلى أرض الوطن.” والحقُّ أن التاريخَ المشرّف والمشرقَ للدبلوماسي النبيل "بدر عبد العاطي" لا يستوعبه مجلّدٌ ثقيلٌ، مُوشّاةٌ سطورُه بالنور، منذ بدأ مسيرته الدبلوماسية عام ١٩٩١، مُلحقًا في الخارجية المصرية، ثم مديرًا لشؤون فلسطين عام ٢٠٠٧، ثم شؤون أوروبا عام ٢٠١٢، ثم المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية عام ٢٠١٣، ثم سفيرنا المصري في ألمانيا ٢٠١٥ ٢٠١٩، ثم سفيرًا فوق العادة في بلجيكا ٢٠٢١٢٠٢٤، ثم وزيرًا للخارجية المصرية والهجرة من يوليو ٢٠٢٤، ليكون خيرَ خلفٍ لخير سلفٍ لسابقه العظيم الدكتور "سامح شكري"، الدبلوماسي الفذّ. شكرًا لكل مسؤول محترم يؤدي واجبه بتحضّر ونبالة، من أجل خدمة مصر وأبنائها في الداخل والخارج.
***
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
“خالد العناني- … صوتُ مصرَ الحضاريُّ في اليونسكو
-
“مكرم هارون-… واحدٌ من النبلاء
-
صلاح دياب: -إيجي لاند- الفرعونية
-
عيد الميلاد المجيد … مِحرابٌ ومَذبح
-
سنة حلوة بالحب… شكرًا ستّ -عفاف-
-
كسّارة البندق … عصا -نادر عباسي-
-
قلوبُنا أخبرتنا …. ميري كريسماس
-
أُهدي جائزتي …. إلى جريدتي
-
لم أتسبّبْ في دموعِ إنسان!
-
أنصتوا… الملائكة تغنّي …. في مسرح النيل
-
سارقو الثورات والثروات
-
“الملحد-… مغالطة: “الكتابُ يُقرأ من عنوانه-!!!!
-
إشراقة -الأكسجين- في صالون -وسيم السيسي-
-
خيال … -صلاح دياب-
-
-نجم- … في قاعة -إيوارت-
-
-دولة الأوبرا- … منارةُ البهاء
-
المحبة التي لا تسقط … في -أروم-
-
كتابايَ الجديدان … و حدوتةُ الحاج -مدبولي- (١)
-
حدوتةُ الحاج -مدبولي- (٢)
-
-غيَّروا وجه التاريخ-… بينهم المصريان: “نجيب ونوال-
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية:غزة انتصرت والمقاومة ستبقى وما حدث شبي
...
-
النجباء تشيد بالقيادة الشجاعة لقائد الثورة الاسلامية في دعم
...
-
الجهاد الاسلامي: عملية الطعن بتل أبيب تضامن عربي وإسلامي مع
...
-
بزشكيان: وضعنا تطوير العلاقات مع الدول الجارة والاسلامية على
...
-
سيف الإسلام القذافي يجدد اتهاماته لنيكولا ساركوزي في قضية تم
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق: نبارك للشعب الفلسطيني و-أصابعن
...
-
نتنياهو: هذه خطوة اخرى لتحقيق هدفنا بتعزيز الامن في -يهودا و
...
-
سموتريتش: بعد غزة ولبنان بدأنا بتغيير العقيدة الامنية في -يه
...
-
الجهاد الاسلامي: عملية الجدار الحديدي بالضفة حلقة بسلسلة الا
...
-
الجهاد الاسلامي: ندعو ابناء شعبنا بالضفة للتصدي بكل الوسائل
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|