أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصطفى آني - سوريا بين هاجس التقسيم والرغبة فيه















المزيد.....


سوريا بين هاجس التقسيم والرغبة فيه


مصطفى آني

الحوار المتمدن-العدد: 8229 - 2025 / 1 / 21 - 09:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن التقسيم أصبح بعبعاَ يؤرق السوريين، وكأن تقسيم سوريا يعني نهاية حتمية لهذا العالم الجميل والعادل، حيث يُفترض أن يكون الجميع سواسية أمام القانون،في الحقوق والواجبات حيث كرامة المواطن مصانة بموجب الدستور والقوانين. وعندما يدق مطرقة القاضي، يُفترض أن يكون الجميع كأسنان المشط، من الوزير إلى المواطن العادي! فلنتسائل هل إننا حقًا في هذا الوضع المثالي؟ لتكون فكرة التقسيم أشبه بكابوس يهدد تماسك المجتمع والدولة.
لكن إذا تأملنا في مفهوم الحدود والدول بشكل أعمق، سنجد أن هذه الحدود ليست ثابتة أو أبدية كما يظن الكثيرون. فالتاريخ طويل ومعقد، وقد شهد تحولات كبيرة في الجغرافيا السياسية. العديد من الحدود التي نراها اليوم تم رسمها في فترات حديثة نسبيًا، من خلال اتفاقات دولية، دون أن تكون لها جذور تاريخية عميقة. وسوريا هي المثال الأبرز على ذلك؛ فقد تعاقب عليها العديد من الممالك والدول والإمبراطوريات، وكانت مدنها تابعة لتلك القوى، ثم تم تقسيم المنطقة وأصبحت سوريا دولة مستقلة. لذا، من الغريب أن نسمع أن سوريا "عمرها آلاف السنين"، حيث إن الأرض قديمة ولكن التسمية الحديثة للدولة هي التي تُمثل النقاش.
إن هذه الحدود التي تُعتبر "مقدسة" في بعض العقول هي سوى خطوط رُسمت في زمن الاستعمار والتقسيمات السياسية التي فرضتها القوى الكبرى فلم تكن الحدود التي نراها اليوم نتيجة لهوية ثقافية أو تاريخية مستقرة، بل هي نتيجة لتغيرات سياسية واقتصادية فرضتها القوى العظمى. وهذا يجعل فكرة "قدسية الحدود" قابلة للنقاش ويفتح المجال لفهم أعمق لواقعنا الحالي.
إذاً، فكرة تقسيم سوريا لا تعني بالضرورة نهاية العالم كما يروج البعض. ففي النهاية، يمكن للدول أن تتغير وتتشكل حسب مقتضيات العصر والواقع. ولم تكن سوريا "دولة أزلية" مرتبطة بهوية ثابتة عبر العصور. هي دولة حديثة، مثلها مثل باقي دول المنطقة، مرّت بمراحل تاريخية عديدة وشهدت تحولات كبيرة. وفي الواقع، قد يكون تقسيمها مجرد مرحلة جديدة في رحلة السوريين التي كانت دائمًا تتغير حسب المتغيرات السياسية والجغرافية.
حبذا أن نعي خطورة هذه المرحلة. فعندما قسم الاستعمار الدول، لم تكن شعوبها بالضرورة راضية عن ذلك، لكن مقتضيات المرحلة وضرورة خلق كيانات حديثة فرضت نفسها، وكان من أبرز أسبابها القمع الممنهج الذي كان يُمارس على فئات دون غيرها.
وإن الشعارات التي كان يرددها النظام السابق لم تكن بالضرورة شعارات حقيقية، حيث كان يُسمي نفسه "المحور المقاوم"، بينما كان بحاجة إلى من يدافع عنه. كما كانت شعارات الوحدة والحرية والاشتراكية لا تعكس الواقع، حيث ترك هذا النظام البلد والمواطنين يعانون من الفرقة والضغينة والحقد. والحرية التي لم يذق شعبها طعمها في ظل القمع الوحشي في الزنازين والازقة، والشعار الذي كان يتم ترديده عن الاشتراكية كان يعني الاشتراك في الفقر والعوز وانعدام الأمان والطبقية.
إن هذا النظام العروبي الممانع كان أول من وقع على تسليم لواء إسكندرون للدولة الجارة، في الوقت الذي كان يحمي فيه حدود الجولان، التي تتغنى بها في كتبه وتبكي عليها في بياناته، مدعيًا أنها "محتلة". وعندما رحل هذا النظام الذي جثم على صدور الشعب لعقود، ما زال طيف من الناس يرددون شعاراته التي أصبحت في نظر الكثيرين مجرد كلمات فارغة، لا تعدو كونها مفرقعات صوتية تختفي سريعًا، تمامًا كما اختفى غيره من الحكام والدول. ومع رحيلهم، بقي الشعب بعزيمته ووجوده، لا بأسمائه وشعاراته. كل حاكم يأتي إلى هذا البلد حاملاً مفتاحًا للجنة وآخر للنار، وصكًا لشهادةٍ أيضا. لكن ما إن زال غيمهم وأزهر ربيع الحقيقة، لم نرَ سوى وطن محطم، مشتت الأفكار، مقطّع الوصال. فعاد كل فرد إلى فئته وجماعته، واحتمى بها حيث لا قانون ينصف ولا قوة يردع ليصبح الجميع يخاف من الجميع. حيث كانت دروسهم على مدار أربعة عقود مجرد حقن من الحقد والكراهية، وتضخيم الهوة بين أبناء البلد الواحد، يدفع ثمنها الشعب اليوم مع كل الاسف .
لقد أصبح التقسيم حلاً مفروضًا على الشعب، فكيف يمكننا أن نتعايش مع قاتل أطفال، ثم نسمعه يُلقي علينا مواعظ عن حقوق الحيوان؟ أو كيف نأمن من ذبح رجلاً أخطأ أو عارض فعله، ثم يخطب في الناس عن الجنة والنعيم؟
إن حدود سوريا الآن قد فُرضت على الشعب، حيث مزقت الدول الكبرى البيت الواحد إلى أجزاء متعددة. وبعد مرور مئة عام على ذلك، لم يعد من الصعب عليهم إعادة تقسيم الحدود على أسس مذهبية أو عرقية، وربما تظهر تقسيمات أخرى في المستقبل
حبذا لو نتجنب تمثيل دور البطل الأحمق الذي يصرخ بأن حدود سوريا خط أحمر . فلو كان حقًا حريصًا على ذلك، لكان عليه أن يبدأ بتحرير الجولان، وقبلها تحرير لواء إسكندرون، ليصبح بطلًا حقيقيًا يُقتدى به.
حيث إن هناك العديد من الدول التي تم تقسيمها أولًا، ثم أعيد تقسيمها مرة ثانية، وربما حتى ثالثة. فالسودان، على سبيل المثال، قُسم إلى قسمين، وقد يُعاد تقسيمها في المستقبل، لكن الوضع الآن أصبح أفضل مما كان عليه في السابق. كما انفصلت تيمور الشرقية عن إندونيسيا، وهي الآن في مرحلة البناء والتطور، وكذلك شهدت يوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا تفككًا وتحولات كبيرة ولم تنهار نظام الكون ولم تسقط الشمس من مداره .
في العالم العربي، هناك شعوب تطالب بحقوقها، مثل شعب الصحراء الغربية، الذي رغم الصراع الطويل وغنى المنطقة بالثروات الطبيعية، إلا أن شعبه ما زال يعاني الفقر في مخيمات دول الجوار ولم يحصل على حقوقه بعد.
فهل يتحرر هذا الشعب أفضل أم اننا نتشبث بحدود قديمة رسمتها دول استعمارية ؟
عندما لا نتمتع بالحقوق والواجبات نفسها، وعندما تتفاوت الفرص في العمل والمناصب، فإن ذلك يعني أننا لا نستحق أن نكون أبناء وطن واحد تحيط بنا حدود محددة. فما العيب في أن نكون جيرانًا متحابين، كما هو الحال بين بعض الدول الأوروبية .
علينا أكثر من أي وقت مضى أن نمكث مكان أشخاص يخالفوننا في رأي ويعارض أفعلنا وننظر بعينه لا بعمينا ولا نتهم من يطالب بحقوقه بالنبذ أو الجحود فالمواطن الحر سيأخذ حقه أو سينتزعه، أما أولئك الذين يرددون شعارات الطغاة، فهم مثل النوق التي سيذهب سيدها وتُترك وحدها في عرض الصحراء .
مصطفى آني 21.01.2025الرقة



#مصطفى_آني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاتراك وفزاعة الامن القومي
- كردي بلا إنتماء
- إكرام الضيف
- من شعار ساقط إلى إفشال للثورة
- الكورد من سيفر إلى الآن
- برنارد لويس ظالم أم مناصر لمظلوم
- وجهة مجهولة
- لا شيء يشبهني سوى هذا الوطن
- القدس إسلامية
- كوباني تلك البسمة الشاردة
- على كتف كوباني
- حمل الرجل
- آراء مهندسو إعادة إعمار - كوباني
- أصابع الشرف
- ثوريو البارحة يطلقون النار على ثورة اليوم
- كوني لي وطن
- تتهاوى الكردياتية
- قنديل والعرش العظيم
- كوباني عاصمة الخلافة
- أريدك طقساً خامسا


المزيد.....




- أحمد الشرع والرئيس اللبناني الجديد يهنئان ترامب بعد تنصيبه
- سفينة حملت رؤساء أمريكا سيتم إغراقها عن عمد..ما السبب؟
- -سأزور السعودية إذا اشترت بما قيمته 500 مليار دولار-.. شاهد ...
- ماذا قالت الصحف العالمية عن تنصيب ترامب
- صُناع الكِتاب وَ مَهارة بٍناء فَريق العَمل التَطوعي..
- قضية معاذ الكساسبة.. العدالة تطرق الأبواب من جديد
- مشاركة عزاء للرفاق فؤاد ومفيد وزهير حبش
- سعر خرافي لأغلى -كوب- في مصر وغزة كلمة السر
- سوريا تطالب مجلس الأمن الدولي بوقف اعتداءات إسرائيل
- بريطانيا.. اختبار غرسة دماغية لتحسين المزاج


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصطفى آني - سوريا بين هاجس التقسيم والرغبة فيه