|
زيارة دمشق وتناقضات العدالة
خالد الياس رفو
الحوار المتمدن-العدد: 8228 - 2025 / 1 / 20 - 20:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بحسب بيان صادر عن مكتب "المدعي العام" لمحكمة الجنائية الدولية، السيد "كريم أحمد خان"، جاء فيه أنه سافر إلى دمشق بدعوة رسمية من الحكومة الانتقالية السورية (حكومة الجولاني) ليطلع على الآلية وكيفية تقديم الدعم لجهود السلطة السورية الجديدة في محاسبة الجرائم المرتكبة في البلاد.
وأضاف البيان أن "المدعي العام" ممتن للمناقشات المفتوحة والبناءة مع الإدارة الجديدة خلال زيارته في دمشق.
السيد "كريم أحمد خان" هو محامٍ بريطاني مختص في القانون الجنائي الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وهو يشغل حاليًا منصب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية. كما شغل سابقًا منصب الأمين العام المساعد للأمم المتحدة، وكان المستشار الخاص ورئيس فريق التحقيق "يونيتاد" التابع للأمم المتحدة، الذي عمل على جمع الأدلة حول الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش في سوريا والعراق.
من بين توصيات فريق التحقيق "يونيتاد" الذي ترأسه السيد "كريم خان"، تم الإشارة إلى أن ما تعرض له الأيزيديون في سوريا والعراق جراء الغزو في 3 آب/أغسطس 2014، أثناء حكم تنظيم داعش، يعد جريمة إبادة جماعية.
من الجدير بالذكر أن المدعو "أوس الموصلي" (والي الموصل)، أو "أبو محمد الجولاني" (قائد جبهة النصرة)، أو "أحمد الشرع" (قائد تحرير الشام)، هو الآن رئيس الإدارة الجديدة في سوريا.
"أبو محمد الجولاني" كان في الماضي أحد قادة تنظيم "القاعدة" مع الزرقاوي في العراق، وكان مسؤولًا عن تفجيرات القرى الإيزيدية في جنوب سنجار عام 2007. كما شارك مع "داعش" بعد مبايعة "أبو بكر البغدادي" في إبادة الإيزيديين في سنجار عام 2014. الآن، يصافح المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية باعتباره رئيس الإدارة السورية.
من حقنا نحن المواطنين أن نتساءل: سيادة المدعي العام، كما نعلم جميعًا، تم استقبالك في دمشق من قبل "إرهابي عالمي" مطلوب للعدالة بتهمة الإرهاب من قبل العديد من الدول، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية. الغريب أنه تحول بقدرة قادر إلى رئيس الإدارة الجديدة في سوريا وأصبح يُنظر إليه كحامي العدالة الدولية...؟!
السؤال هو: هل ناقش "كريم خان" مع الموصلي، الجولاني، أو الشرع، عن الآلية التي يمكن أن تقدمها محكمة الجنايات الدولية لمحاكمتهم على الجرائم التي ارتكبها هو وجماعته في العراق وسوريا؟ وهل تم التطرق إلى كيفية تسليمهم ومعاونيهم إلى المحكمة الدولية لمحاكمتهم عن الجرائم الإرهابية التي ارتكبوها ضد المدنيين الأبرياء؟
أم أن "السيد خان" جاء ليطمئن الجولاني بأنه سيكون في مأمن من أي محاكمة، سواء دولية أو محلية، لأنه يطبق كل ما تم تلقينه به على أكمل وجه؟
العدالة أم السياسة؟ عندما تتواجد العدالة مع الإرهاب على طاولة واحدة، تصبح الحقوق غائبة ولا وجود لها، وهذا يولّد الكثير من الأسئلة والعديد من إشارات الاستفهام. لا شك أن العدالة الدولية بحاجة إلى استقلالية تامة عن الأبعاد السياسية التي قد تؤثر على قراراتها. وفي هذا السياق، يجب أن نتساءل عن مدى تأثير السياسة الدولية على عمل المحكمة الجنائية الدولية. هل هي بالفعل قادرة على اتخاذ قرارات قانونية نزيهة، أم أن لها تأثيرات خارجية تفرض عليها التعامل مع بعض القضايا بشكل يختلف عن غيرها؟
"أبو محمد الجولاني" لم يكن يومًا مجرد قائد في تنظيم عسكري، بل كان جزءًا من سلسلة من التنظيمات الإرهابية الأكثر وحشية، بداية من "القاعدة" ثم "داعش"، وصولًا إلى "هيئة تحرير الشام". تاريخ الجولاني الإرهابي مليء بالجرائم التي لم تُحاسب بعد.
هذا يقودنا إلى السؤال الكبير: هل العدالة الدولية فعلاً معنية بمحاسبة المجرمين، أم أن السياسة الدولية هي التي تتحكم في مصير القضايا الكبرى؟ هل حقًا يمكننا الوثوق في قدرة المحكمة الجنائية الدولية على محاسبة كل من تلطخت يديه بدماء الأبرياء في ظل هذه التداخلات؟
يبدو أن الغرب، بما فيهم أمريكا، يرغب في "أسلمة الشرق الأوسط"، بمعنى أنهم قد يفضلون تسليم المنطقة لمنظمات إسلاموية راديكالية "إرهابية"، تحديدًا "السنية" منها، لتفريغ بلادهم من العناصر الراديكالية. خير دليل على ذلك هو ترك أفغانستان تحت سيطرة طالبان، والآن نجد أن سوريا تُسلم لجبهة تحرير الشام. قد يتكرر الأمر في دول أخرى في المنطقة.
قد يكون ما خفي من أمور السياسة أعظم وأعمق مما نتصور. كنا نتمنى أن نرى جميع من تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء من مسؤولين ومجرمين يمثلون أمام العدالة، لكن يبدو أن مصالح القوى العظمى هي التي تتحكم في مسار الأحداث.
#خالد_الياس_رفو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قانون الإبادة الجماعية الإيزيدية - خطوة ضرورية لتحقيق العدال
...
-
الجولاني بين ماضيه الدموي و الحاضر المنفتح ...
-
سقوط حلب .. أم عودة دولة الخلافة ؟
المزيد.....
-
مصادر لـCNN: ترامب يعتزم العفو عن المدانين بجرائم غير عنيفة
...
-
نيبينزيا: اتفاق وقف إطلاق النار في غزة خطوة نحو سلام مستدام
...
-
فتحي غراس…حكم بالسجن للمعارض الجزائري وزوجته مسعودة شبالة
-
ترامب يُعيد تيك توك إلى الحياة في أمريكا مؤقتًا رغم تأييده ل
...
-
كيف سيضع ترامب حدا للحروب في العالم؟
-
ترامب يصبح الرئيس الـ 47 للولايات المتحدة الأمريكية.. 4 سنوا
...
-
مفاجآت ترامب في خطاب التنصيب
-
-سترحلون ونحن سنبقى-.. اتفاق وقف النار بغزة وصور الهزيمة وال
...
-
موقع البيت الأبيض يعلن -عودة أمريكا- بعد أداء ترامب يمين تنص
...
-
خلال خطاب تنصيبه.. ترامب ينتقد بايدن بينما كان يقف وراءه
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|