بن سالم الوكيلي
الحوار المتمدن-العدد: 8228 - 2025 / 1 / 20 - 10:05
المحور:
كتابات ساخرة
في مسرح الشرق الأوسط الكبير، حيث تخلط السياسة بالإنسانية كما يخلط السكر بالملح، تتصدر قضية الأسرى مشهدا يبدو وكأنه مقتبس من مسرحية عبثية. فصفقة تبادل الأسرى الأخيرة بين حماس وإسرائيل، التي تضمنت إطلاق سراح ثلاث أسيرات إسرائيليات، ليست سوى فصل جديد في رواية طويلة تكتبها المصالح السياسية وتروى على حساب المشاعر البشرية.
استقبال الأسيرات في تل أبيب كان أشبه بحفل زفاف مفاجئ: دموع مختلطة بين الفرح والرهبة، وجمهور منقسم بين من يصفق ومن يسأل: "ما هو الثمن؟". عائلات الأسيرات، التي انتظرت طويلا، تلقتهن وكأنهن عائدات من رحلة إلى المريخ، بينما كان المحللون السياسيون يتبادلون النظرات الصامتة التي تقول: "لقد بدأنا العد التنازلي للصفقة التالية".
أما على الجانب الفلسطيني، فلا يختلف المشهد كثيرا، لكنه يحمل نكهة وطنية خاصة. الأسرى الفلسطينيون الذين يعودون إلى ديارهم يستقبلون كأبطال قوميين، وكأنهم عادوا من معركة طاحنة مع التنين نفسه. ومع ذلك، لا تمر هذه اللحظات بدون تداعيات نفسية. فالأسير المحرر يجد نفسه فجأة بطلا في مجتمع لم يعرف سوى شعارات كبيرة، ليكتشف لاحقا أن البطولات لا تدفع الفواتير، وأن العودة إلى الحياة الطبيعية تتطلب مواجهة تحديات جديدة، مثل العثور على وظيفة أو التكيف مع عالم لم يكن يعرف الإنترنت عندما اعتقل.
صفقات تبادل الأسرى، في جوهرها، هي لعبة شطرنج سياسية، ولكن الفرق الوحيد أن القطع ليست من الخشب، بل من لحم ودم. إسرائيل تفرج عن أسرى فلسطينيين تحت ضغط داخلي ودولي، لكنها تفعل ذلك وكأنها تلقي قطعة لحم إلى نمر جائع، متوقعة أن ينشغل النمر بها لبعض الوقت. وفي الجانب الفلسطيني، تعتبر الصفقة انتصارا يضاهي استعادة القدس نفسها، حتى لو كان الثمن مزيدا من التعقيد في المشهد السياسي والأمني.
المفارقة الكبرى أن كل طرف يعتقد أنه الفائز في هذه اللعبة. إسرائيل تعتقد أنها "أظهرت للعالم إنسانيتها"، وحماس ترى في الصفقة "نصرا سياسيا ومقاوما". وفي غضون ذلك، يظل الأسير المحرر، سواء كان إسرائيليا أو فلسطينيا، يحمل على كتفيه عبء التوقعات الهائل الذي لا يمكن لأي شخص عادي تحمله.
إن الحديث عن الأبعاد الإنسانية لهذه الصفقات يذكرنا بأن الإنسانية نفسها أصبحت سلعة يتم المتاجرة بها. تناقش حقوق الأسرى على طاولات المفاوضات وكأنها بنود في عقد تجاري، بينما تترك التفاصيل الأكثر أهمية – مثل التأهيل النفسي والاجتماعي لهؤلاء الأفراد – للزمن والقدر.
في النهاية، تبقى قضية الأسرى أشبه بفيلم طويل ممل، حيث يتكرر السيناريو نفسه: أسر، تبادل، دموع، تصفيق، ثم انتظار للجولة القادمة. ربما آن الأوان للتساؤل: هل يمكن أن يتحول هذا الفيلم إلى شيء أكثر إنسانية؟ أم أن الجميع سيستمرون في لعب أدوارهم بنفس الجدية الساخرة التي يتعاملون بها مع حقوق الإنسان؟
#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟