أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليمان - الشمس المعتمة














المزيد.....

الشمس المعتمة


حسين سليمان
كاتب وناقد سوري مقيم في الولايات المتحدة الامريكية


الحوار المتمدن-العدد: 8227 - 2025 / 1 / 19 - 22:49
المحور: الادب والفن
    


-1-

-------------

حرب خفية بين المسلمين والمسيحين، بين الأديان، وعلي أن أتذكر يوم مر بشارعنا بائع جوال، يدفع عربة اطفال، حولّها بجهد لا اتقان فيه الى عربة بيع، أسند لوحا خشبيا في الجزء العلوي منها ووضع فيه حلويات.. شوكلاته.. بزر مسمسمية... كان عجوزا بثياب مهلهة غير مكوية، بنطال بني بهت لونه، وقميص كتان ابيض مبتلا بعرق القيظ، ينظر نحونا بريبة وشك... وبدا على وجهه التعب حين رفع أحدهم صوته قائلا: هذا يهودي..يهودي من حي قدور بيك! وابتعد يبحث في الشارع عن حجارة يحذفها نحوه. ظل مفجوعا صامتا فاجتمع الأولاد الصغار حوله وكادوا ان يقلبوا عليه تلك العربة، ولا أذكر كيف عاد واختفى من الشارع. شعر هؤلاء الأطفال وهم يعودون إلى ألعابهم بالقوة التي كسرها اليهود دون ان يعلقوا بعد ذلك على الموضوع ولن يمر وقت طويل حتى ينسوا الأمر. هؤلاء الصبيان -علي أن أقر- لم يكونوا بريئين رغم أن تحولات في داخلهم يحسنون فعلها، تظهر البراءة على وجوههم وفي السنتهم. كانت هناك نار خامدة في أجزاء من أرواحنا تطل علينا بين وقت وآخر.

كانت براري الحارات الواسعة والبساتين الممتدة المسقية بأمطار "القامشلي"، حقول مزروعة تصل إلى اطراف بلدة "نصيبين" الحدود مع تركيا. نعمة أن تعيش تلك الطفولة في ذاك المكان دون أن تعلم شيئا عن بدايات القهر المولود في تلك الحقبة منذ زمن.
لم تكن هناك سوى كلمة واحدة في البيت تهذر بها الألسن وهي فلسطين وقضية التحرر والفدائيين ثم قبل ذلك بزمن الموقف الوجداني الموحد من العدوان الثلاثي، جمال عبد الناصر الذي فتح في الأرواح بوابة آمل لن يتحقق.
لا أظن أن هذا الكلام كان في بيتنا فقط بل في معظم بيوت سوريا الذين يراقبون عن كثب ما يجري في الأصقاع والتي لن يكون لنا فيها مكان، لا مادي ولا روحي، في المستقبل القريب أو البعيد.

علي في البداية أن أعترف أن الذي جعلني استمر في هذه الحياة الخطأ، هو سلبيتي وإيماني الإنفصالي أن الذي يجري حولي هو محمول على تصنع من الصعب كشفه، وتشويه نفسي جمعي بالأصل لا تأثير فرداني فيه.

أنظر الى تلك الحياة المبنية بالأصل على تراث مسيحي سرياني مع دخولات فاضحة للقوميات الأخرى الصامتة من أرمن وأكراد وأشوريين ثم قبل ذلك العرب الذين كتب لهم ان يكونوا المكون السوري الأكبر على مدى تاريخ طويل بدأه دخول الإسلام الى الشام عن طريق خالد بن الوليد.
أترابي، الأكراد، القليل منهم المسيحين والسريان، الأطفال الصبيان آنذاك، كنت معهم لا أفهم وربما لا يفهمون أيضا هذه التكتلات التي فعلتها القوميات والأديان بنا،
لا أنظر الى قومياتهم وأديانهم إلا أنها إضافة اخرى الى اسمائهم....

كان علي أن أذكر اسماء مثل، جوزفين وكميل وفاتح ورضوان وخلو (خليل) وجمو ثم سينما اخت صديقنا الكردي...هذه الأسماء لا تدل على شيء ولا تفرض عليّ تلك الإنقسامات ربما غير المرئية آنذاك لكن المتجذرة في النفوس المحقونة من محاولات لا تكل من الإيغو الجمعي، التحبب الى أنا متفوقة مستقلة مسورة بدائرة من جهل لا يسمح باختراقها.

الجميع كان طيبا يحمل الحنان الحذر - هذا الحذر جاء من احداث مازال أصحابها يذكرونها بلوعة - وتجاوز المعتقدات في محاولة أن يلائموا بين تلك الأخاديد والتشققات عبر التاريخ ليكون المسيحيون مرة مسلمين والمسلمون مرة مسيحين والأكراد عربا ثم العرب أكراد...
كان الناس في ذلك الوقت يقفون وجها لوجه أمام أراض ممتدة غير معمرة بعد، لا هدم فيها ولا أنقاض – بور - لم تلمسها يد. إذ ترى إليها فإنك ترى الى ذلك الصفاء الذي يقحم النفس ويرسم فيها خلود المسافات المتوافقة عن عالم يتدافع إلى إنسجام أكثر مما كان في داخله من حقيقة تباين واختلاف.

من باب آخر، ذاك الواقع إن أنظر إليه الآن فإنني ألتفت إلى إشارات مرت علي دون أن انتبه - فما كان يحدث في البيوت في الداخل لن يبقى مكتوما عليه بل يخرج مرغما إلى الشارع عن طريق الاولاد.
نعرات يحملها الصبيان مختلفي الأديان والقوميات بين بعضهم البعض، بينما كانت سيرة وأفعال جمال عبد الناصر حاضرة في بيتنا كانت في المقابل سيرة وأفعال مصطفى البرازاني حاضرة في بيوت الأكراد، مع أن هذا الحضور لم يفك العرى بيننا نحن أبناء الحارة ما زلنا نحمل بين بعضنا بعضا الحب والود.

عند انصرافنا من المدرسة ظهر قادما من بعيد قسيس المدينة، كان أحيانا الصبيان المسيحيون يستوقفونه كي يقبلوا يده وينالوا بركاته، حين بدا قادما من بعيد بجبة سوداء موشاة عند النهايات ببياض ناصع قال زميلي جمو (جمال) وهو يبتسم ابتسامة خبيثة: تعال نقترب منه وحين يقدم لنا يده لتقبيلها نبصق فيها ثم نهرب. لم آخذ ما قاله على محمل الجد، كنت صامتا انظر الى وجه القسيس وهو يقترب، بهرتني ملامحه السمحة وابتسامته الحانية وانتظرت شيئا ما يحدث، شجاعة من طرف وملاحة من طرف آخر. كانت القوة الروحية التي مرت بنا أكبر من نذالة جمو الذي لف ذراعه بذراعي وخفض عينه وابتلت روحه بالخيبة.

نحن الذين نعيش هذا العالم المادي نغفل في كثير من المرات القوة الروحية التي نحيا بها، عند ذلك تنشأ الفوضى ويعم النشاز في أداة الكون التي تعزف نوع الحياة التي نحياها. حين مضى القسيس لم يجرؤ جمو على مخاطبتي الى وقت والسبب ليس الخير الذي فيّ والشر الذي فيه، كان هناك شر فيّ أيضا ليس بسبب سوء التربية بل بسبب جينات الزمن والعذاب المركب الذي سببته طبيعة الصبيان المتنوعين الخارجين عن الطاعة، شعر أنه هزم وهو الصبي القوي في الحارة.



#حسين_سليمان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سبب اختفاء انسان النياندرتال
- منبع الحب - وجه الوحي (3)
- منبع الحب، وجه الوحي - 2
- الحب والحرية ، وجه الوحي -1
- المقام العراقي
- شاعرتان كرديتان تكتبان بالعربية وتشتركان بمجموعة شعرية واحدة
- كتابة ميت ينظر بعينه ويكتب بقلبه
- زمان حلب - تحية الى روح مصطفى العقاد
- بعين التكنولوجيا إلى الأدب العربي المعاصر:( -حسن مطلك- جبران ...
- ردا على المنظمة العربية للدفاع عن حرية الصحافة والتعبير
- معنى الظلام
- النبي اليهودي شبتاي صبي
- البـقرة الضــائــعة قراءة في قصيدة -ولا أجنّ- للشاعر والسياس ...


المزيد.....




- الكويت ولبنان يمنعان عرض فيلم لـ-ديزني- تشارك فيه ممثلة إسرا ...
- بوتين يتحدث باللغة الألمانية مع ألماني انتقل إلى روسيا بموجب ...
- مئات الكتّاب الإسرائيليين يهاجمون نتنياهو ويطلبون وقف الحرب ...
- فنان مصري يعرض عملا على رئيس فرنسا
- من مايكل جاكسون إلى مادونا.. أبرز 8 أفلام سيرة ذاتية منتظرة ...
- إطلالة محمد رمضان في مهرجان -كوتشيلا- الموسيقي تلفت الأنظار ...
- الفنانة البريطانية ستيفنسون: لن أتوقف عن التظاهر لأجل غزة
- رحيل الكاتب البيروفي الشهير ماريو فارغاس يوسا
- جورجينا صديقة رونالدو تستعرض مجوهراتها مع وشم دعاء باللغة ال ...
- مأساة آثار السودان.. حين عجز الملك تهارقا عن حماية منزله بمل ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليمان - الشمس المعتمة