أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد بقوح - الفلسفة ضد مكر التقنية














المزيد.....


الفلسفة ضد مكر التقنية


محمد بقوح

الحوار المتمدن-العدد: 8227 - 2025 / 1 / 19 - 18:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


هل أصبحت التقنية تتويجا للميتافيزيقا، كما قال أحد الفلاسفة، في سياق مختلف؟
يعيش عالمنا راهنا ثورة تقنية غير مسبوقة، شملت واخترقت كل مجالات الحياة. بل، تمكنت حتى من السيطرة على مستويات كبيرة من الحياة الشخصية للأفراد، الشيء الذي يفسر تدخل بعض الدول من أجل تشريع وتقنين كيفية التعامل مع هذه التقنية الجارفة. وباتت أهم ملامحها الكبرى، في أعلى مستوياتها المتطورة، تتجلى في ظاهرة الذكاء الاصطناعي، الذي تجاوزت حدة تأثيره كل التوقعات. لكن، يبدو لنا أن مفهوم الثورة التقنية هنا يستعمل بمعناه السلبي، الذي يعني الإفراط والاحتواء والتشدد والهيمنة، لصالح العقل التقني الطاغي، ضد العقل الفلسفي الذي ما فتئ يفكر، خدمة للمعيش اليومي لفائدة الأفراد والجماعات البشرية، في كل مكان، وفي أي زمان. بمعنى، أن العقل التقني يسعى لفرض الطبقية، في المقابل، يحلم العقل الفلسفي، كما كان يفعل منذ نشأته الأولى، بالعدالة.
لهذا، وانطلاقا من هذا الطرح، لابد من إبراز كيف حدث الانفصال الذي يعيشه عالم اليوم، بين تاريخ علم التقنية، ومسار التفكير الفلسفي، تلك العلاقة المعرفية التي كانت تتسم بمنتهى المحبة والتكامل الوظيفي الحكيم، قديما، باعتبارها علاقة العلم بأداته، كما نلاحظ مثلا بخصوص علاقة الكتابة بالقلم الذي يعتبر شرط تحقق فعل المكتوب. لقد تحولت هذه العلاقة التي كانت منسجمة، مع تطور التقنية عبر التاريخ الحضاري للشعوب، والتي اختارت لنفسها أن تكون غاية، وليس مجرد أداة، إلى علاقة خصومة مع الفلسفة، بل علاقة تضاد وعداوة في العقود الأخيرة، لأنها، وفق فهم ومنطق الفلاسفة للظواهر والتحولات، ساهمت التقنية الراهنة، وبطريقة كبيرة ومؤثرة، في تسريع عملية إضعاف القدرة على التفكير النقدي والعلمي والابداعي، لدى الناشئة والإنسان المعاصر، الوضع الذي استفاد منه الحاكم، و انعكس سلبا، نتيجة لذلك، على الطبيعة الثقافية والمعرفية لهذا الإنسان، من حيث مستواه التعليمي القيمي والأخلاقي والسلوكي. ومن تم، صرنا أمام إنسان فارغ من الفكر. أي، أصبحنا نتخبط هنا في واقع بشري منحط فكريا، مزدهر تقنيا، يتسم بالتيه، وبوضع الأقنعة التي يجد فيها ضالته، لا تهمه سبل النجاح، ويتعايش مع التناقض والتفاهة بشكل صحي غريب، بعيدا عما يسمى عندنا بالمعرفة النظرية، مثل الفلسفة، كعلم يراد به تثقيف وتكوين الذات، وتنوير الموضوع، يؤخذ ويمارس في ذاته، خدمة للإنسان والطبيعة والحياة ككل. أقل ما يمكن أن نصف به هذا الإنسان الفارغ الذي استهوته التقنية، بل أصبح جزءا منها، وامتدادا لها، هو الإنسان الأداة، أو بالأصح، حتى ننسجم مع طرحنا في المقال، الإنسان التقني المُهادن، المهيأ مسبقا، والمستعد دوما وأبدا للتجاوب الإيجابي، مع كل مطالب شيوخ العصر التقني، وأوامر صناع قرار التقنية العالمي، أي سادة العالم التقني، المتواطئون مع الحكام وطغاة المال، والمتلاعبون بالعقول البسيطة، الذين يفكرون بالعقل التقليدي المحافظ، سعيا لفرض هيمنة التقنية الحديثة، بمعناها المفرط المتوحش الذي يستعبد الإنسان، عوض تحريره من مطبات وإكراهات الحياة.
هكذا، تتحول التقنية هنا إلى فخ جعلها العقل الرأسمالي التقني، تلعب دور الجهة الماكرة، ضمن قواعد لعبة البحث عن التوازنات الجديدة، بين أطراف الصراع القائم بين المعرفة الفلسفية، كإحدى تجليات العلم الإنساني، والتقنية الحديثة المتطورة، كإحدى الأوجه الإيديولوجية للزمن الحضاري المعاصر.
ونذكر هنا، أن المدرسة والحقل التعليمي بصفة عامة، من أكبر ضحايا فعل التقنية في المجتمعات التقليدية والمتخلفة، لأن هذه المجتمعات، وبسبب وضعها الثقافي والحضاري الهش، على جميع المستويات، تحتاج أولا وأساسا إلى التنمية الشاملة: الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تراهن على التحكيم الأمثل لنوع من الجرأة السياسية والأخلاقية، وذلك بالعمل على القطع مع أشكال الفساد المتفشية، وتنزيل مشروع الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في التعليم والمجتمع ككل.
هكذا، وبإيجاز شديد، تحتل التقنية وتهيمن، على مجتمع يسوده الفراغ، ويحارب فيه المفكرون والعلماء والفلاسفة، ويهمش فيه التعليم الذي ينظر إليه بسياسة الأداة، وليس كغاية في ذاتها. ليتربع هنا العقل التقني، بأذرعه الهدامة المختلفة، على عرش الممارسة اليومية في وضعنا البشري. فنكون هنا بصدد مكر العقل، بدل محبة الفلسفة، التي تفتخر بكونها تحتل موقع العقل المُقاوم، بممارسة عملها الطبيعي من أجل قيم الإنسان: التفكير النقدي.



#محمد_بقوح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدرسة الريادة بالمغرب، أفقا للتفكير
- سدي فارس.. ذلك الوجع في زمن النسيان
- التجربة التشكيلية عند الفنان المغربي عبد الكبير ربيع
- عن السياسة التعليمية بالمغرب
- انتفاضة الأساتذة بالمغرب
- الكانطيات 2
- كانطيات : كانط ومحكمة العقل (1)
- فلسفة الإنفصال ضد سلطة الاتصال (نسق التعليم نموذجا)
- مسألة الملك والأخلاق والكتابة عند عبد الرحمن بن خلدون
- الفلسفة ضد حراس الميتافيزيقا
- الدولوزية - من أجل فكر فلسفي مقاوم (2)
- الدولوزية - من أجل فكر فلسفي مقاوم
- سعيد ناشيد: محنة الفكر المضاد في المغرب
- الفلسفة والحق في العيش المشترك
- كورونا كمنعطف للتفكير الفلسفي
- رهان العلاقة بين التربوي والإداري في المغرب
- الإرتقاء بالفعل القرائي عند المتعلم في السلك الإبتدائي
- نيتشه راقصا على جليد جثامين المدينة
- سوس ماسة في القرن التاسع عشر من خلال كتاب: أخبار ابراهيم الم ...
- كورونيات (9)


المزيد.....




- خوفا من -انتقام- ترامب.. بايدن يصدر أوامر عفو بحق ميلي وفاوت ...
- شاهد.. المليارديران إيلون ماسك وجيف بيزوس يتبادلان أطراف الح ...
- -بفضل جهوده-.. تيك توك تشيد بترامب بعد عودة المنصة لمستخدميه ...
- أولا بأول.. مراسم تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة ...
- المغرب يرفع ميزانية الدفاع إلى 13 مليار يورو بما يعادل 10 با ...
- ما تداعيات موافقة مجلس النواب المصري على مراقبة الاتصالات؟
- ليلة دون قصف ولاخوف.. الفلسطينيون يتنفسون الصعداء مع بدء سير ...
- الرفيق رشيد حموني يطالب بالتحقق من معطيات تتعلق بتدبير شراكة ...
- جنود الحظ العاثر
- ما أهم ما يميز تنصيب دونالد ترامب؟


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد بقوح - الفلسفة ضد مكر التقنية