|
روسيا وإيران والتحديات الغربية
كريم المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 8227 - 2025 / 1 / 19 - 13:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قبيل حفل تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب ، بادر الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الإيراني مسعود بزشكيان ، ووسط ضغوط غربية متزايدة ، وفي ظل الغيوم التي تتجمع فوق طهران ، الى التوقيع عل اتفاقية الشراكة الشاملة ، والتي بذل القائمين على إنجازها جهود مضنية ، كي ترى النور في يوم السابع عشر من يناير الجاري ، أجمع عليها المراقبون ، على أنها قادرة على تغيير موازين القوى على الساحة الدولية وتعزيز المواقف الاستراتيجية للبلدين، مما يزيد بشكل كبير من المخاطر بالنسبة للإدارة الأميركية ، خصوصا إذا ما علمنا ، أن مثل هذه الخطوة ، لن تروق لترامب الغرب و حتى للرئيس التركي . وتضمن الشراكة الاستراتيجية بين موسكو وطهران بموجب الاتفاقية ، عدم إبرام صفقات منفصلة مع الغرب من شأنها المساس بمصالح أحد الطرفين ، وعلى وجه الخصوص، أشارت روسيا وبوضوح ، إلى أنها لن تسمح بإعادة فرض العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي على إيران ، بسبب تطوير البرنامج النووي لطهران ، وهنا نذكر أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية ، تتهم إيران بانتهاك الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60% ، وإن هذا يسمح له بالبدء في إنتاج الرؤوس الحربية النووية. وفي الوقت نفسه، من الواضح أن الغرب الجماعي ، يبحث عن جوانب مختلفة يمكن أن تثير تساؤلات حول شفافية التفاعلات بين إيران وروسيا ، وعلى إثر ذلك، وجهت اتهامات لطهران بتزويد موسكو بطائرات بدون طيار هجومية ، تستخدم في ضرب البنية التحتية الأوكرانية ، وفي سبتمبر/أيلول 2024، أفادت وكالات أنباء غربية بإرسال صواريخ باليستية إيرانية حديثة قصيرة المدى من طراز فتح 360 (المعادل الإيراني لصواريخ هيمارز الأميركية) ، وأنظمة الدفاع الصاروخي أرمان إلى الاتحاد الروسي ، وفي أكتوبر/تشرين الأول، اتهمت مصادر أميركية روسيا بتزويد حلفاء إيران، الحوثيين في اليمن، بمعلومات استخباراتية "لشن هجمات على الشحن العالمي". ولعل أحد أهم جوانب العلاقات الثنائية ، هو التعاون الدفاعي ذي المنفعة المتبادلة ، فبالنسبة لإيران، يعد هذا الأمر ذا أهمية خاصة في ضوء تكثيف الإجراءات المناهضة لإيران من جانب "إسرائيل" والولايات المتحدة ، حيث تجد تل أبيب نفسها مضطرة ، إلى تكثيف أنشطتها المناهضة لإيران بسبب نجاحاتها في القتال ضد حلفاء طهران ، فكما بات واضحا ، تم إضعاف جماعتي حماس وحزب الله إلى حد كبير، وانهيار النظام السوري بشار الأسد ، ولهذا السبب تريد إيران الحصول على أسلحة روسية حديثة، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي ومقاتلات سو-35، لصد هجمات جديدة محتملة ، وبعد كل شيء، وكما أظهرت الهجمات الإسرائيلية في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2024، فإن طهران ليست مستعدة للرد الكامل ، وفي السابق، لم تكن إيران قادرة على تعزيز دفاعاتها الجوية في المقام الأول بسبب العقوبات ، لكن الآن، يعتقد عدد من المحللين أن هذه القدرات أصبحت في متناول اليد أكثر بسبب الاتفاق. بدوره، تحدث الجانب الروسي الإيراني مراراً وتكراراً عن الصفقات ، وعلى سبيل المثال، في عام 2023، أكد نائب وزير الدفاع الإيراني الجنرال مهدي فرحي حصول الجمهورية الإسلامية ، على مروحيات هجومية روسية من طراز مي-28، ومقاتلات سو-35، وطائرات تدريب قتالية ياك-130 ، وفي سياق تدهور العلاقات بين طهران وموسكو مع الغرب، من المتوقع أن يتعزز التعاون العسكري الإيراني الروسي، وهو ما يسهله إبرام شراكتهما الاستراتيجية ، ومن المؤكد أن الوثيقة المتعلقة بالشراكة الاستراتيجية مفيدة أيضاً لموسكو ، وتشير بعض الأدلة إلى أن طهران ستصبح ثالث أكبر مستورد للأسلحة الروسية بعد الهند والصين في عام 2024 ، ومن المهم الإشارة إلى أنه حتى قبل توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة، أكد وزير خارجية الجمهورية عباس عراقجي ، أن الاتفاقية لا تتضمن تشكيل تحالف عسكري. كما إن توقيع الاتفاق قبل ثلاثة أيام من تولي دونالد ترامب منصبه رئيساً للولايات المتحدة له دلالة خاصة ، ومن الواضح أنه مناهض بشدة لإيران، بل إنه يفكر حتى في إمكانية توجيه ضربة لإيران ، لمنعها من تطوير الأسلحة النووية ، ونعتقد أن موسكو، من خلال توقيع الاتفاق مع طهران قبل المفاوضات الأميركية الروسية المتوقعة بشأن أوكرانيا، تضمن بشكل إضافي أنها لن "تضحي" بالمصالح الإيرانية. ولن يكون إبرام اتفاقية الشراكة الاستراتيجية، اللحظة الأكثر متعة بالنسبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أيضًا، وهكذا، ونتيجة للنجاحات التي حققتها أنقرة مؤخراً في سوريا وحليفتها الوثيقة باكو في صراعاتها الأخيرة مع يريفان، أصبحت تركيا أقوى بشكل ملحوظ، وقد أدى ذلك إلى خلق بعض التهديدات لمصالح إيران وروسيا في منطقة القوقاز والشرق الأوسط، وإن الاتفاق يسمح لهما بالاعتماد على استعادة توازن القوى ومنع توسع تركيا من البحر الأسود إلى بحر قزوين. إن الاقتصاد الإيراني الذي يمر بوضع صعب بالفعل (خاصة بسبب العقوبات الغربية) قد شهد أوقاتاً صعبة جديدة في الأشهر الأخيرة ، وارتفع معدل التضخم بشكل ملحوظ، وخلال الأشهر الخمسة الماضية انخفض سعر صرف العملة الوطنية الإيرانية بشكل حاد وبنحو الثلث تقريبا ، ومن المؤكد أن هذا يساهم في التراجع (المزمن على ما يبدو) في القدرة الشرائية وتدهور مستوى معيشة ملايين الإيرانيين العاديين ، بالإضافة إلى ذلك النقص المتزايد في الكهرباء والغاز، وهو السبب في حدوث انقطاعات متكررة بشكل متزايد في إمدادات موارد الطاقة للمباني السكنية والشركات ، وتتمثل عواقب ذلك في عمليات إغلاق منتظمة، وهو ما ينعكس على المؤشرات الاقتصادية للدولة، ومن ثم على مستوى معيشة الإيرانيين ، وبشكل عام، وبناء على المعايير القائمة للشراكة الروسية الإيرانية ، فإن توقيع الاتفاقية يضفي الشرعية على مستوى التعاون الذي تم تحقيقه سابقا بين البلدين ، ويبسط تنفيذه في المستقبل ومن المؤكد أن التنفيذ الكامل لكافة الخطط في ظل الظروف الحالية ليس واضحا ، وتولي الوثيقة اهتماما خاصا للاقتصاد، ولا سيما لقطاع الطاقة ، ولذلك ، تخطط القيادة الإيرانية لحلها، بما في ذلك على حساب موسكو ، حيث تتوقع طهران أن إمدادات الغاز من الاتحاد الروسي سوف تضمن أمنها في مجال الطاقة وتحول ايران إلى مركز للغاز. علاوة على ذلك، تعتزم الأطراف تنفيذ مشروع بالغ الأهمية وهو إنشاء ممر النقل بين الشمال والجنوب ، وبفضلها، تأمل إيران في تعزيز أهميتها كواحدة من الدول الرئيسية لنقل البضائع والخدمات بين بلدان الاتحاد الاقتصادي الأوراسي وجنوب آسيا ، ومن ثم ستحصل روسيا الاتحادية على ضمان الوصول إلى الأسواق الدولية، وهو أمر مهم بشكل خاص في سياق العقوبات الغربية ، ومن المؤكد أن احتمال إنشاء ممر نقل بين الشمال والجنوب ، يشكل مصدر قلق بالنسبة للولايات المتحدة وأقمارها الصناعية ، وفي الغرب، هناك قلق بشأن إعادة التوجيه العام لحركة البضائع عبر مثل هذه القنوات البديلة. الاتفاقية الجديدة تشير الى عزم موسكو وطهران ونيتهما مواجهة التحديات الغربية المشتركة ، حيث يلعب النفوذ الأميركي في منطقة بحر قزوين ، وعدم الاستقرار السياسي في غرب آسيا دوراً خاصاً هنا ، علاوة على ذلك، هناك حاجة إلى مزيد من التقارب الثنائي ، في ضوء تشديد العقوبات الغربية على إيران وروسيا ، وتهدف الاتفاقية إلى تعزيز التعاون في سياق القيود والدعم المتبادل في المحافل الدولية، ومنع الأعمال العدائية من قبل دول ثالثة. وتتفق الآراء على إن التعاون الاستراتيجي المتنامي بين الدولتين ، يعد مؤشرا على الحقائق الجيوسياسية الجديدة التي تنشأ في سياق التحديات العالمية ، وبعبارة أخرى، يقولون إن هذه الشراكة يمكن استخدامها بشكل نشط ، كأداة لمواجهة الضغوط الخارجية ، التي تزيد من المخاوف بشأن الاستقرار والأمن المستقبلي في المنطقة ، وإن الاتفاق الجديد بين روسيا وإيران ، يعكس المخاوف القائمة لدى الجانبين ورغبتهما في استخدام الشراكة الاستراتيجية ، لمواجهة التهديدات الخارجية ، ومن المتوقع أن تشكل الأحداث المقبلة وتهديد الولايات المتحدة ، بفرض عقوبات جديدة حافزاً لتطوير العلاقات بين موسكو وطهران، وتغيير تأثيرهما على الساحة الدولية ككل.
#كريم_المظفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا يرفض الغرب سيناريو تحويل أوكرانيا الى - إسرائيل أوروبي
...
-
أردوغان يخون بوتين مجددا !!
-
صاروخ - أوريشنيك - ورسائل روسيا القوية
-
لماذا اتصل شولتز ببوتين؟
-
هل يتمكن ترامب من قمع التمرد الأوروبي ضده ؟
-
إشارات بوتين المهمة للرئيس الجديد القديم ترامب
-
رسائل قمة بريكس الى الغرب
-
روسيا والإمارات والشراكة الاستراتيجية المهمة
-
زيلينسكي و زالوجني وجهان لعملة واحدة
-
أمريكا وروسيا والصين وسباق الشراكات الاستراتيجية
-
اجتماع رامشتاين ذهب مع ريح ميلتون
-
الأمم المتحدة هي أداة للاستعمار الجديد
-
لماذا يريد شولتس الاتصال ببوتين ؟
-
روسيا تحذر الغرب بتعديل عقيدتها النووية
-
الانتصار الروسي في أوكرانيا وتغير مجلس الأمن
-
بوتين يعيد دفة العلاقات مع منغوليا
-
لوحات في ذكرى - عبوسي -
-
هل تنقذ كورسك - المهرج - زيلينسكي؟
-
أوكرانيا والتملق الى الصين
-
هل يهدد رحيل بايدن بأزمة حزبية أم انقسام في البلاد؟
المزيد.....
-
خوفا من -انتقام- ترامب.. بايدن يصدر أوامر عفو بحق ميلي وفاوت
...
-
شاهد.. المليارديران إيلون ماسك وجيف بيزوس يتبادلان أطراف الح
...
-
-بفضل جهوده-.. تيك توك تشيد بترامب بعد عودة المنصة لمستخدميه
...
-
أولا بأول.. مراسم تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة
...
-
المغرب يرفع ميزانية الدفاع إلى 13 مليار يورو بما يعادل 10 با
...
-
ما تداعيات موافقة مجلس النواب المصري على مراقبة الاتصالات؟
-
ليلة دون قصف ولاخوف.. الفلسطينيون يتنفسون الصعداء مع بدء سير
...
-
الرفيق رشيد حموني يطالب بالتحقق من معطيات تتعلق بتدبير شراكة
...
-
جنود الحظ العاثر
-
ما أهم ما يميز تنصيب دونالد ترامب؟
المزيد.....
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
المزيد.....
|