أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة النديم .














المزيد.....

مقامة النديم .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8227 - 2025 / 1 / 19 - 10:44
المحور: الادب والفن
    


مقامة النديم :

سبق وان تم تعريف جلسات صالون الدكتور تحسين طه أفندي ألأسبوعية بأنها لاتعتمد على جدول نقاش معين مسبقا , بل تعتمد على منهجية عصف ألأفكار , واليوم روى لنا زميلنا في الحلقة ثامر كلاز حوارا دار بين المرحوم ثامر مطر مع المدمن على الشراب المعروف المرحوم عيسى والذي يعرفه أهالي بعقوبة بلقب ( ابو العيس ) لكثرة معاقرته الخمرة , وكان قد ترك الشراب أواخر حياته , ولما سأله ثامر : لماذا ترك الشراب ؟ أجابه ( ماكو نديم‎ ) , أجابة استوجبت كتابة هذه المقامة .

المُنادَمة هي مصدر نادَم , ويقال للشخص نديم , ومعناه الشخص المُصاحِب أو المُجالِس على الشراب أو غيره , ويقال أن (المُنادَمة) مقلوبة من المُدَامَنة , لأن الإنسان يُدمن شرب الشراب مع نديمه , وقد ذكر في بعض المعاجم أن ندماء مثل كرماء ونَدَامى , إلا أنه حدث تطور دلالي لكلمة (نديم) فأصبحت تعني المرافقة , والمسامرة بشراب أو بدونه , أو تُشتق كلمة النديم من النّدم , واختلفت الأقوال في شرح سبب نسبتها إلى الندم , ولعل أرجح إحتمال هو لأن النديم شخصٌ تـندم على فرُاقه , لما فيه من صفات ومواهب تجلب لك الأنس والراحة , ولذلك سمي نديما.

كان أول ظهور للمنادمة عند ملوك الفرس , حيث اهتمّوا بتقريب الندماء والجلساء , فجعلوا الندماء على ثلاث طبقات , وكل طبقة كان قُرب مجلسها من الملك على حسب مكانتها الاجتماعية والعلمية , الطبقة الأولى كانت من أبناء الملوك , والثانية من محدثي الملك أهل الشرف والنسب والعلم , والطبقة الثالثة من أهل الهزل والضحك والغناء , وقد كانوا يرون تقريب الندماء من باب علامات كمال الملوك , لذا كانوا يولونهم اهتمامًا شديدًا فيصطحبونهم في حلّهم وترحالهم , من خلال التجارة ووفود العرب التي كانت ترتاد بلاط الفرس والروم , وانتقلت بعض عاداتهم وتقاليدهم إلى الجزيرة العربية , غير أن بعض العرب كانوا على صلة بالبلاط البيزنطي , فامرؤ القيس وقس بن ساعدة نادموا وجالسوا قيصر الروم فيقول امرؤ القيس مفتخرًا: (( ونادَمْتُ قَيصَر في مُلْكه فأَوْجَهَني ورَكِبْتُ البَرِيدَا )) , إلا أنه مع قدوم الإسلام وتحريم الخمر الذي كان أساس وصفة ملازمة للمنادمة , حلّ محل المنادمة المجالسة , واستمرّ هذا الأمر حتى بعد وفاة الرسول وفي عصر الخلفاء الراشدين والعصر الأموي , حيث كان خلطاء الخلفاء يقومون بدور الجلساء والوزراء , فيستشيرهم الخليفة في أمور الدولة وغيرها , ويتحدثون في تعاليم الدين وعلمه , ولعل الاختلاف الواضح الذي حدث في هذه المجالس بعد الإسلام هو بساطتها بعد أن كانت معقّدة في مجالس الملوك السابقين عربًا وغير عرب .

في العصر العباسي تحوّلت المنادمة إلى مهنة لها شروطها وأحكامها , كون مجالس اللهو بطبيعتها كانت مزدهرة ومنتشرة بكثرة في العصر العباسي , فقاموا باتباع نهج الفرس في مجالس الندماء بجعلهم على ثلاث طبقات ورتب محددة , كانت مجالس اللهو والأنس والأدب يحضرها أنواع من الناس مثل الجواري والغلمان للمتع العاطفية , والموسيقيين والعازفين من أجل الطرب , والمهرّجين وغيرهم , أما الندماء فكانوا من أجل الاستمتاع الفكري والنفسي , وهذا كان أعلى رتبة من اللهو والأنس , لذلك كانوا يحظون بأهمية كبيرة واحترام وتقدير, وكانت مطمح المثقفين والأدباء وغايتهم , لم يُعرف عن أبي العباس أول الخلفاء العباسين كثرة المنادمة وحب الشرب , لذا كان يخرج للندماء بدايةً وبعدها احتجب عنهم , لكنه عُرِف عنه أنه لم يترك نديمًا أو مجالسًا إلا وقدّم له أعطية قبل خروجه من عنده , وجاء بعده أبو جعفر المنصور الذي احتجب تمامًا عن الندماء , وحاول المهدي أن يحذو حذوه لكنه لم يلبث أن ظهر لهم , كانت النقلة النوعية في ترف العباسيين في أيام هارون الرشيد بعدما ازدهرت الدولة , فأصبح النديم لأول مرة موظف في البلاط , له راتب خاص به عدا الجوائز والأعطيات التي تُقدَّم له من الخلفاء والأمراء الذين يجالسهم , وبعد هارون الرشيد ازدهرت المنادمة وكثرت في عصر الأمين , الذي كان لا يلقي بالًا بمن ينادمه ويجالسه , ولا يحتجب عن ندمائه.

يقول أبو نُواس في النديم الذي يرتاح إليه ويفضّله : (( ولي نَديمٌ ماجِدٌ لا أرتَضي عنهُ بديلاً كائناً مَنْ كانا , أخو فُكاهاتٍ متَى حاضَرتَهُ في مَجلِسٍ وَجَدتَهُ بُستانا , حُلوُ الحديثِ وإن غنّاكَ لمْ تَجِدْهُ في ألحانِهِ لَحّانا , لا يَعرِفُ الهَمَّ فَتىً يَعرِفُهُ ولا تَرى نَديمَهُ نَدْمانا )) , ولعل أفضل اختصار لمؤهلات النديم ماذكره أبو النُواس بأنه المشارك في مجلس الشراب , ويخلص إلى أن المرء يُنسب إلى نديمه , فإن كان النديم كريماً شهماً نبيلاً نُسِبَ مًنادِمه إلى هذه الصفات الحميدة , وإن كان النديم طائشاً سيئ العِشرة نُسِبَ مُنادِمُه إلى سوء العشرة , حيث يقول : (( تَعَلّلْ بِالمُدامِ مَعَ النَديمِ فَفيهِ الرَوحُ مِنْ كُرَبِ الهُمومِ , ولا تجْعَلْ نّديمَكَ في شَرابٍ سَخيفَ العَقلِ أو دَنِسَ الأديمِ , وإنّ المَرءَ يَصحَبَ كُلَّ جيلٍ ويُنْسَبُ في المُدامِ إلى النَديمِ )) , وإلى ذلك يذهب الشاعر العباسي محمد بن عبد الرحمن العَطَوي , حيث يقول إن المُدام أو الشراب يطيب مع النديم الطيّب المعشر ويسوء المزاج مع نديم سيّئ الخُلق : (( طِيبُ النَديمِ يَفوقُ طِيبَ الراحِ ويَحُثُّ شارِبَها على الأقداحِ , تَصفو الزُجاجةُ بِالنَديمِ إذا صَفا ويًكَدِّرُ النَدْمانُ صَفْوَ الراحِ )) .

صباح الزهيري .



#صباح_حزمي_الزهيري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المقامة العجلية .
- مقامة سجن الحب .
- مقامة التشبيه الراكب .
- مقامة اللحية .
- مقامة الغناء بالهمس .
- مقامة القهوة والحب .
- مقامة دمشق .
- مقامة نجمة الصبح .
- مقامة الأنكار .
- مقامة لغة العشاق .
- مقامة الصليب .
- مقامة الغصن المكسور .
- مقامة أرتقوا فالقاع مزدحم .
- مقامة العادات الشرقية .
- مقامة الثمن الباهظ .
- مقامة التوبة .
- مقامة ولادة .
- مقامة 2025 .
- مقامة محطة الأستراحة .
- مقامة الصبر .


المزيد.....




- الكويت ولبنان يمنعان عرض فيلم لـ-ديزني- تشارك فيه ممثلة إسرا ...
- بوتين يتحدث باللغة الألمانية مع ألماني انتقل إلى روسيا بموجب ...
- مئات الكتّاب الإسرائيليين يهاجمون نتنياهو ويطلبون وقف الحرب ...
- فنان مصري يعرض عملا على رئيس فرنسا
- من مايكل جاكسون إلى مادونا.. أبرز 8 أفلام سيرة ذاتية منتظرة ...
- إطلالة محمد رمضان في مهرجان -كوتشيلا- الموسيقي تلفت الأنظار ...
- الفنانة البريطانية ستيفنسون: لن أتوقف عن التظاهر لأجل غزة
- رحيل الكاتب البيروفي الشهير ماريو فارغاس يوسا
- جورجينا صديقة رونالدو تستعرض مجوهراتها مع وشم دعاء باللغة ال ...
- مأساة آثار السودان.. حين عجز الملك تهارقا عن حماية منزله بمل ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة النديم .