|
مستقبل سوريا بين التشاركية الديمقراطية والاحادية الدكتاتورية
أحمد شيخو
كاتب وباحث سياسي
(Ahmed Shekho)
الحوار المتمدن-العدد: 8227 - 2025 / 1 / 19 - 02:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد 8 ديسمبر/كانون الأول، ودخول سوريا إلى مرحلة جديدة، نحاول في هذا المقال قراءة المشهد السوري في ظل التحديات الكبيرة وعدم الوضوح الكامل ومحاولة بعض الدول فرض الوصاية، ولنتوقع المستقبل السوري مع طرح الحلول الممكنة. سقط النظام السابق كدولة وحكم ولكن مازالت ذهنيته العنصرية وثقافته الأحادية وأثاره وتداعياته باقية، وهذه تحتاج إلى جهود كبيرة لتجاوز تلك التداعيات والأثار، إضافة إلى أن طبيعة المشهد السوري منذ حوالي شهر ليست مريحة ومطمئنة لكثير من السوريين ولدول الجوار والعالم. يمتاز الشعب السوري بتنوع التكوينات الاجتماعية ووجود تعدد لغوي وأثني وديني ومذهبي، كباقي دول المنطقة وهذه الخاصية التي تعتبر قوة وثراء لسوريا، مع الأسف حاول النظام السابق الأحادي القوموي، عبر ممارسة سياسة فرق-تسد جعل التنوع والاختلاف الطبيعي وسيلة للصراع والفتنة لتحقيق هيمنته وحكمه، ومع محاولة السوريين بناء سورية الجديدة، لا بد أن يكون هناك تركيز لهذا البعد التاريخي والثقافي والشعبي الذي سيعطي لسورية الجديدة قوة ورافعة أصيلة لتحقيق الأمن والاستقرار عبر بناء نظام تشاركي ديمقراطي يحقق فعالية وحضور كافة المكونات والأطياف السورية في عملية البناء الديمقراطي والأعمار التشاركي، أما تكرار سياسة اللون الواحد ومحاولة الاستفراد والاستئسار كما تظهر بعض ملامحه من دمشق فلن يحقق للسوريين مطالبهم في الحرية والديمقراطية والعدالة. يظل استقلال القرار السوري والبدء بحوار وطني سوري من دون تأجيل من أولويات المرحلة الانتقالية الحالية وبملكية سورية خالصة من دون إملاءات خارجية، وخاصة هناك دول تستغل الوضع السوري الحالي وتحاول تعزيز نفوذها وفرض الوصاية على القرار والدولة والجغرافية السورية وعلى رأسهم تركيا الي باعتقادنا تمثل أحد الأخطار الكبيرة على سوريا، وهي التي مازالت تهاجم وتحرض على الفتنة والحرب البينية وتعمل كل شيء لاستمرار القتال والصراع بين السوريين، لتنفذ أجندتها البعيدة عن أولويات السوريين في الاستقرار والأمن والبناء وإعادة الإعمار وتحقيق التنمية الاقتصادية وبناء سوريا الجديدة، في الوقت الذي يجب أن يتوقف الحرب في سوريا بشكل كامل وأن تبدأ مرحلة التصالح والتسامح الوطني السوري بين مختلف الأفرقاء في سوريا. يظل خطر داعش المتزايد بعد سقوط النظام وتمدده وسيطرته على بعض الأسلحة في وسط سوريا بعد الأوضاع الأخيرة من أهم المواضع والتحديات التي يجب التعامل معها بشكل جدي أكثر من السابق، ولا يمكن لأي مرحلة أو ترتيب جديد مطلوب سواء بناء المؤسسات السيادية أو الحوار الوطني أو الدستور أو شكل وطبيعة الدولة أن تتقدم إلا بعد أن يأخذ هذا الخطر بعين الاعتبار، لأنه يمكن أن يغير المعادلة بشكل كلي، وهنا تظهر أهمية: 1- قوات سوريا الديمقراطية واستمرارها في عملها في مكافحة الإرهاب فهي القوة الوحيدة الموثوقة في سوريا لمكافحة الإرهاب ولها شرعية مع التحالف الدولي، ويمكن أن تكون نواة جيش سوريا المستقبل لطبيعتها ووجود كل المكونات السورية فيها ودفاعها وحمايتها لكل أبناء سوريا، وعليه لا بد أن تتوقف هجمات تركيا ومرتزقتها لكي تركز في عملها الأساسي وحماية شمال وشرق سوريا ضمن منظومة الأمن والدفاع السورية الوطنية. 2- منظومة الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا، التي قدمت نموذجاً سورياً رائداً في محاربة الإرهاب ومازالت وكذلك نموذجاً للأخوة والتعايش بين العرب والكرد ومختلف المكونات السورية وتجربةً في مقاومة الاحتلال والحفاظ على وحدة وسيادة سوريا، عبر تقديم حوالي 14 ألف شهيد وحوالي 30 ألف جريح من خيرات أبناء وبناء سوريا ومازالت تقدم يومياً أمام الإرهاب والاحتلال.
وعليه يمكن ووفق قراءة المشهد السوري الحالي وطبيعة سوريا أن نتوقع بعض السناريوهات في الأشهر والسنوات القادمة: السيناريو الأول: بناء جمهورية تشاركية ديمقراطية، سوريا للجميع من دون التفرد أو تكرار تجربة الدكتاتورية واللون الواحد، يتم فيها الاعتراف بخصوية المكونات وإدارتهم وحمايتهم لمناطقهم ومجتمعاتهم ضمن الدولة السورية الواحدة، وبالطبع هذا ما يتمناه السوريين الأحرار ويتوافق مع مبادئ الثورة السورية في الحرية والديمقراطية والعدالة والكرامة، يحقق الاستقرار والأمان لسوريا ومحيطها، وهذه ممكنة عبر نظام لامركزي ديمقراطي تعددي يصون وحدة سوريا وسيادتها ويحقق لجميع السوريين إحساسهم وانتمائهم للوطن السوري الواحد. السناريو الثاني: دولة اللون الواحد، وتجربة الدولة القومية الأحادية وبلبوس إسلاموي متشدد وإخواني وذكوري، يبتعد عن قيم وتقاليد الشعب السوري، ويتجاوز المبادئ الوطنية واستقلالية القرار السوري ومشاركة المرأة والشباب، وتكون سوريا غير مستقرة ومهددة لمحيطها وتكويناتها الاجتماعية المختلفة، ومحققة لأجندات وأولويات غير سورية، وهذه تكون عبر الإصرار على المركزية الشديدة ومحاولة أسلمة الدولة والمجتمع السوري البعيد أصلاً عن التشدد والذي يحتوي الكثير من الألوان الدينية والمذهبية والقومية.
وبين هذين السيناريويين أو الاحتماليين تتعدد الأشكال العديدة المحتملة والمتوقعة، منها: 1- أن يذهب سوريا إلى حرب فصائلية وقومية ومناطقية ومذهبية كما بعض دول المنطقة، تزداد فيه تدخل التقسيم الفعلي وتدخل الدول الإقليمية والعالمية، في الوقت الذي يحتاج سوريا إلى تحقيق الوحدة وبناء المؤسسات السيادية وتأمين الاستقرار والحفاظ على السيادة ووحدة سوريا شعباً وأرضاً. 2- أن تصبح سوريا الولاية 82 للدولة التركية التي تحاول تنفيذ مشروع العثمانية الجديدة والسيطرة على سوريا وابتلاعها وتتريكها، وأن تحقق الوصاية والانتداب على سوريا وأن تعزز وجودها واحتلالها، بدل انسحابها واحترام إرادة السوريين. 3- أن يتوقف الحرب كلياً في سوريا ويكون هناك حوار وطني سوري ومرحلة للتصالح والتسامح السوري ورجوع كل السوريين لبيوتهم وعلى رأسهم أهل عفرين ورأس العين وتل أبيض. وأن يذهب السوريين للتوافق على دستور وشكل وطبيعة سوريا الجديدة يتم عبره الحوار والانتخابات وبمساعدة الأشقاء العرب والمجتمع الدولي وفق آليات تراعي كل الخصوصية والمكونات السورية. وعليه، فسوريا بين التشاركية الديمقراطية والأحادية الدكتاتورية وهي تمر اليوم في مرحلة مفصلية ومصيرية، وهي المرحلة الانتقالية التي بدأت بعد 8 ديسمبر/كانون الأول، ولكن تذهب سوريا إلى بر الأمان، يجب تتضافر جهود كل السوريين الوطنيين وبمختلف ألوانهم، وأن يكون الحوار ووحدة سوريا هي الركائز العليا، مقتنعين ومركزين على أن شكل الدولة وطبيعة النظام والدستور يجب أن يكون تشاركياً ديمقراطياً، مستنداً للرافعة العربية وليس خاضعاً لأية وصاية أو انتداب من أي دولة كانت فالسوريين بعد كل هذا العناء والحرب والمعاناة والتضحيات يستحقون حياة أفضل وأن يعيشوا بكرامة وحرية.
#أحمد_شيخو (هاشتاغ)
Ahmed_Shekho#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المنطقة بين القومويين والإسلامويين: هل من طريق ثالث؟
-
سوريا بين الأمس واليوم إلى أين؟
-
تفاعلات المشهد السوري بعد 8 ديسمبر
-
إرادة الحرية وعقليّة الإبادة
-
تصاعد التوتر في المنطقة وإشكاليات الحل
-
صراعات الهيمنة.. مستقبل الشرق الأوسط بين الإرفاق والحل
-
من مانديلا لأوجلان نضالات الشعوب المحقة
-
التوسع التركي في العراق وسوريا
-
أزمة الدولة القومية في الشرق الأوسط
-
الاستقرار بين أخوة/أخوات الشعوب ومصالح الدول والسلطويات
-
قفزة 15 آب .. 40 عاماً من الدفاع المشروع أمام الإبادة الجماع
...
-
السلطات التركية.. دعم التنظيمات المتطرفة واحتضان الإرهاب
-
تركيا.. الاحتلال والإلحاق
-
المنطقة بين مصالح شعوبها ومشاريع الهيمنة والنهب
-
افتراءات الدولة والسلطات التركيّة وكذبها عن الانفصال والإرها
...
-
الأمن الإقليمي بين احتياجات الشعوب ومصالح الدول ومراكز الهيم
...
-
شهداؤنا الخالدون في قلعة شقيف.. مقتضيات المهام الثورية وقيمن
...
-
نحو الحركة الدولية لحرية القائد أوجلان
-
صراعات الهيمنة والنهب في الشرق الأوسط
-
نوروز..فلسفة المقاومة والحرية وربيع الشعوب والطبيعة
المزيد.....
-
اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.. ما الذي حدث في اللحظات الأخير
...
-
الجيش الإسرائيلي يقصف شمال قطاع غزة ووسطه بالمدفعية والطائرا
...
-
مئات المحتجين يقتحمون محكمة كورية جنوبية بعد قرار تمديد حبس
...
-
عقوبات على حميدتي والبرهان.. إلى ماذا تهدف أميركا في السودان
...
-
عاجل| عناصر من أجهزة الأمن الفلسطينية ينتشرون في عدة مناطق ب
...
-
-تيك توك- يتوقف عن العمل في الولايات المتحدة
-
قبل بدء الاتفاق.. غارات جوية وقصف إسرائيلي على مناطق في غزة
...
-
ترامب يصل إلى واشنطن مع بدء احتفالات تنصيبه
-
فيديو.. موظفون يجرّون طائرة ركاب عملاقة بأيديهم العارية
-
الرئيس الأوكراني يعلن تنفيذ إجراءات ضد -الخونة-
المزيد.....
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
المزيد.....
|