بن سالم الوكيلي
الحوار المتمدن-العدد: 8225 - 2025 / 1 / 17 - 18:46
المحور:
كتابات ساخرة
على خشبة مسرح الشرق الأوسط العبثي، حيث تتقاطع الأضواء مع الظلال، تعرض واحدة من أكثر المسرحيات سوداوية في تاريخ الإنسانية. حرب تأبى أن تنتهي، وصراع يتكرر بأوجه مختلفة، بينما الجمهور العالمي يشاهد بلا اكتراث، وكأن الموت الذي يحدث على هذه الخشبة لا يخصه.
وسط هذا الجنون، تبرز أصوات الأمهات، كصرخات خارجة من أعماق الألم. هناك، خلف الخطوط المتشابكة للصراع، تقف أم إسرائيلية تخاطب العالم: "نريد أبناءنا الآن، لم نعد نحتمل الانتظار." كلماتها تحمل في طياتها مأساة حرب تلتهم الجميع، ولا تترك أحدا بمنأى عن نيرانها.
في هذا السيرك الذي لا ينتهي، يتحول البشر إلى قطع شطرنج تتقاذفها الأيدي. الأسرى يعاملون كأرقام تضاف أو تطرح في معادلات سياسية معقدة. مشهد تبادل الأسرى، الذي يفترض أن يكون لحظة إنسانية، يتحول إلى استعراض مسرحي. الزعماء يبتسمون أمام الكاميرات، يتبادلون التحيات، بينما الأمهات، على الجانبين، ينهشهن القلق والانتظار.
في إسرائيل، تقف أمهات الجنود المفقودين، وجوههن مرهقة من الدموع والسهر، يصرخن في وجه الحكومة: "أعيدوا أبناءنا. لا نريد انتصاراتكم الزائفة. لا نريد وعودكم الفارغة. نريدهم أحياء، الآن." وعلى الجانب الآخر، في غزة أو الضفة الغربية، تصرخ أمهات الأسرى الفلسطينيين الصرخة ذاتها، لكن بلغات مختلفة وأوجاع متشابهة.
هنا، تصبح الحرب مسرحية عبثية بامتياز. الجنود يرسلون إلى الجبهات، الأسرى يبادلون كأنهم أوراق ضغط، والمدنيون يسحقون تحت وطأة صراع لا يعرف الرحمة. ومع ذلك، يظهر السلام بين الحين والآخر كطيف خافت، كمبادرة هشة يتبناها بعض الشجعان أو المرهقين من الدمار.
ولكن، حتى في لحظات السلام القصيرة، تبدو الإنسانية وكأنها تتلاشى. المشهد لا يكتمل دون السخرية المريرة: الطائرات تطلق النار باسم "الأمن"، والدبابات تدمر المنازل باسم "الحرية"، بينما الأطفال يقتلون وتغطى جثثهم بأعلام متناحرة.
في خضم هذا العبث، تختزل الأمهات إلى رموز للصبر والمعاناة. صرخاتهن ليست مجرد نداءات فردية، بل هي تجسيد لأزمة عالمية تتجاوز حدود السياسة والجغرافيا. إنهن يذكرننا بأن الحرب ليست مجرد أرقام في تقارير إخبارية، بل هي مأساة حقيقية يعيشها البشر، دقيقة بدقيقة.
لكن، هل يصغي أحد لهذه الصرخات؟ أم أن العالم قد اعتاد على تجاهلها؟
ربما حان الوقت لأن نعيد كتابة النصوص. أن نتوقف عن تكرار المشاهد ذاتها التي حفرت في ذاكرة الأمهات على الجانبين. العالم لا يحتاج مزيدا من الأبطال المزيفين أو الخطابات الرنانة. يحتاج إلى عقول شجاعة تدرك أن السلام ليس خيارا مثاليا، بل هو الخيار الوحيد الذي يمكن أن ينقذ ما تبقى من هذا السيرك.
إلى الأمهات اللواتي يصرخن في وجه العالم: أصواتكن ليست عبثية. الحرب قد تجعل الرجال أصماء، لكنها لا تستطيع أن تسكت نبض الحياة الذي تحملنه. وإلى القادة الذين يديرون هذه المسرحية العبثية: توقفوا عن اللعب بمصائر البشر. الأمهات لم يعدن يحتملن الانتظار، والعالم لم يعد يحتمل هذا العبث.
#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟