أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - من دفتر اليوميات/ محمود شقير20















المزيد.....


من دفتر اليوميات/ محمود شقير20


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 8225 - 2025 / 1 / 17 - 14:01
المحور: الادب والفن
    


الثلاثاء 17/3/1998

نهار مثير للكآبة، ريح شديدة وغبار يملأ الفضاء، وليس ثمة مطر . سرت في الطريق ذاهبا الى عملي كعادتي كل صباح . وصلت متأخرا ، كان الوزير يغادر مكتبه متجها الى الخليل ، لعقد مؤتمر صحافي بخصوص جريمة قتل العمال الفلسطينيين الثلاثة . التقينا عند باب الوزارة الرئيسي ، تبادلنا تحية الصباح ، ولم يدم ذلك سوى لحظة واحدة .
دخلت مكتبي المطل على المدى الواسع الذاهب نحو البحر ويافا . لكن الغبار يحجب الرؤية هذا الصباح . وكان المكتب باردا . غرقت في دوامة العمل ثم قرأت الصحف . ندمت لأنني لم أتابع مقالات د . محمد جابر الأنصاري حول العرب والسياسة ، فقد قرأت حلقة اليوم المنشورة في صحيفة القدس ، ووجدته يطرح قضية جدية حول الفراغ الصحراوي ودوره في اضعاف تشكل الدولة العربية القادرة على صهر الجماعات المختلفة داخلها في بوتقة سياسية واحدة .
جاء سليمان منصور . تحدثنا قليلا عن معرض أسد عزي الذي أقيم مؤخرا في مركز الواسطي بالقدس. تحدثنا عن قدرة عزي على مفاجأة المتلقي واستفزازه ، ثم سألته عن البنت البلجيكية التي جاءت قبل أسبوع تجري معي حوارا ، فألحت في السؤال عن علاقة وزارة الثقافة بالمؤسسات الثقافية في القدس العربية . كنت أخشى أن تكون مدسوسة من المخابرات الاسرائيلية لجمع معلومات ، لكنه أكد لي أنه لا مجال للشك فيها ، فهو يعرفها ، وقد جاءت لاجراء حوار مشابه معه ، وعلمت منه أنها تعمل موظفة في القنصلية البلجيكية في القدس ، ولا يمكن أن تكون مبعوثة من طرف المخابرات الاسرائيلية التي لا تنقصها المعلومات عن مؤسساتنا ، ثم لم نستبعد في نهاية الأمر أن تكون البنت - التي قمنا في معرض الحديث عنها بالاشادة بجمالها - مجندة في خدمة مخابرات بلادها ، لجمع معلومات قد يجدها الأصدقاء البلجيك ضرورية لمعرفة كيف تسير الأمور لدينا هنا .
في ساعات ما بعد الظهر ، بدأ تساقط المطر ، مما ساعد على تخفيف حدة الغبار الذي لا يطاق . لكن هذا النهار رتيب رتابة لا توصف ، انه نهار ملعون .

الخميس 19 / 3 / 1998
طوال الليلة الماضية سقط الثلج حتى استحالت الجبال والوديان والطرقات والسهول الى بياض كثيف يغمر وجه الأرض . كان علي أن أمضي الى عملي كالمعتاد ، لكن الثلج حال دون ذلك . وشعرت بارتياح لأن هذا الأمر سيتيح لي فرصة القراءة ، كما سيتيح لي فرصة التخفف من الكلام الذي يستثير الحساسية في حنجرتي ، فأبدأ في السعال كلما تكلمت .
وهكذا رحت أقرأ بنهم الجزء الرابع من " قصة الحضارة " لويل ديورانت . غير أنني شعرت بشيء من القنوط . ففي زمن سابق ، لم يحدث أن تساقط الثلج وبقيت محشورا في البيت . كان يطيب لي أن أخرج لتأمل الثلج ، وللمشي عليه ، ولتشكيل كرات من مادته الهشة ، أضغط عليها بين أصابعي حتى تصبح كتلة متراصة ، أقذفها نحو الآخرين من الأصدقاء اللاهين بالثلج ، المغتبطين به ، بالرغم من البرودة الحادة التي تنخر العظام .
هل هو التقدم في العمر ، يفرض منطقه ، ويغير من عادات المرء ! أم هو الاحساس الضاري بقرب انتهاء الرحلة ، وأنه لا بد لي من استثمار كل دقيقة من وقتي للاستزادة من بحر المعرفة الذي لا ينضب !
لكن للثلج بهجته التي لا يصح اهمالها . ومع ذلك فانني لم أخرج لمصافحة الثلج .

الجمعة 20 / 3 / 1998
أمضيت هذا اليوم في القراءة والكتابة، ولم أغادر البيت. أكملت قراءة "أوراق العمر" للويس عوض، وهي مذكرات وسيرة ذاتية وتأريخ للحركة الوطنية المصرية. الكتاب جيد. عدت إلى نص "ظل آخر للمدينة" وأجريت التصحيحات المطلوبة على الكمبيوتر، وسأظل أراجع هذا النص أربعة أشهر أخرى قبل أن أدفع به إلى المطبعة.
يوم أمس، كنا مجتمعين في مكتب الوزير، وقد نقل لنا خبراً مفاجئاً عن خضوع محمود درويش لعملية جراحية في القلب بأحد مستشفيات باريس. كان الوزير يتابع أخبار محمود أولاً بأول على الهاتف من خلال ليلى شهيد، سفيرة فلسطين في فرنسا (سأهاتف محمود للاطمئنان على صحته).
قبل يومين، تساقط الثلج في معظم أنحاء البلاد، ولم أذهب إلى العمل. قرأت الجزء الرابع من قصة الحضارة (الخاص بالصين). كان الطقس اليوم والبارحة وما قبله شديد البرودة بسبب الثلوج. وقد استأت من شدة البرد في مثل هذا الوقت من السنة.
ذهبت إلى بيت الوالد والوالدة بعد ظهر هذا اليوم. تسامرنا قليلاً وتحدثنا في موضوعات شتى، حديثاً بسيطاً هادئاً. ودعتهما وخرجت عائداً إلى البيت.
في المساء، كتبت قصة قصيرة بعنوان "ضريح". أنا مواظب على الكتابة كل يوم تقريباً، وأعتقد أن نتائج هذه المواظبة ستكون جيدة في المستقبل القريب.

الأحد 22 / 3 / 1998
ذهبت إلى العمل متأخراً. قابلت زكريا محمد أمام مبنى الوزارة. كان متجهاً إلى دار الناشر لمتابعة المخطوطات التي أرسلتها الوزارة للطباعة. أخبرني أن الوزير ياسر عبد ربه سافر فجأة إلى باريس للاطمئنان على صحة محمود درويش، حيث كان وضعه صعباً في الليلة الماضية. تمنينا لمحمود الشفاء العاجل ثم افترقنا.
زارني في مكتبي الدكتور رشدي الأشهب. أحضر معه قصتين مترجمتين لنشرهما في دفاتر ثقافية. سلمته مخطوطة "قضية فلسطين" لهنري كتن، التي قام بترجمتها، وذلك لتدقيقها وإعادتها إلي تمهيداً لطباعتها على نفقة الوزارة. وقد لاحظ أنني أسعل باستمرار، فأخبرته بأنني مصاب بحساسية في الحنجرة منذ ثلاثة أشهر. نصحني بالسفر إلى مصر، لقضاء ثلاثة أسابيع في حلوان، حيث الطقس هناك ملائم لمثل هذه الحالة، ما سوف يساعدني على الشفاء.
وكيل الوزارة يحيى يخلف، لاحظ يوم أمس كذلك ونحن جالسان في مكتبه، أن حالتي الصحية لم تتحسن. نصحني بأخذ إجازة طويلة للراحة. قلت: سأحاول ذلك بعد الانتهاء من العدد 14 من دفاتر ثقافية.
الساعة الآن الواحدة بعد منتصف الليل. سأقرأ حتى الثانية والنصف، وسأوزع قراءتي على رواية "إله الأشياء الصغيرة" و "اعترافات جان جاك روسو".

الجمعة 27 / 3 / 1998
انتهيت من قراءة "اعترافات جان جاك روسو". أسلوب روسو في الاعترافات يتسم بالسرد الشائق، وبالصدق والجرأة في تقديم نفسه للقارئ. كم كان محباً للعزلة وللخمول، و هما في اعتقادي من الصفات الضرورية للكاتب. الترجمة سيئة، مليئة بالأخطاء اللغوية.
عملت على الكمبيوتر مدة ساعتين. دققت عدة صفحات في مخطوطتي "ظل آخر للمدينة". حاولت أن أكتب شيئاً، كتبت نصاً نثرياً هزيلاً. كم أتضايق حينما أحاول الكتابة فأجد نفسي خاوية من الداخل ولا رغبة لدي في الكتابة.
كم أعجبني موقف جان جاك روسو حينما قرر أن يعتزل الكتابة، لقضاء بقية حياته مرتاحاً لا يفعل شيئاً، وكم كان محباً للابتعاد عن الناس بسبب ما تعرض له من دسائس ومؤامرات على أيدي الكثيرين، وبالذات من بعض أصدقائه.
يوم أمس، علمت أن صحة محمود درويش تتحسن، وقد اجتاز مرحلة الخطر، وسوف يغادر غرفة الإنعاش في مستشفى بباريس يوم الأحد القادم. فرحت لهذا الخبر بسبب ما أكنه من تقدير لمحمود. ظهرت في الصحف المحلية خلال الأسبوع الماضي مقالات تتحدث عن محمود وتتمنى له الشفاء، بالذات مقالة ليحيى يخلف وأخرى لحسن خضر. سأنشر خبراً في "دفاتر ثقافية" لتهنئة محمود بالشفاء.
منذ أيام، لم أر الحفيد محمود. أكون منهمكاً في غرفتي أقرأ أو أكتب، فأسمع صوته مشاغباً خارج البيت، لكنه يدخل بعد ذلك إلى بيت أهله دون أن أراه.
الساعة الآن الثانية بعد منتصف الليل.

الأحد 29/3/1998
هذا المساء ذهبت الى مركز الفن الشعبي لحضور فيلم " كفر قاسم " . لم يكن في الصالة الصغيرة سوى عدد قليل من الرجال والنساء . جلست بجواري امرأة شابة صادفتها عدة مرات أمام مبنى وزارة الثقافة ، ولست أدري هل هي عربية أم أجنبية . ملامحها تشير الى أنها أجنبية ، وهي كما يبدو من العاملات في قطاع المؤسسات غير الحكومية ، ويبدو أنها تعرفني دون أن أعرفها ، اذ حالما تراني مقبلا تبتسم ، أقول لها مرحبا ، تقول مرحبا بصوت خافت ، ثم ينتهي كل شيء .
هذا المساء اتجهت الى باب القاعة ، كانت تقف هناك . ابتسمت ، حييتها كالمعتاد ، دخلت الى القاعة ، كانت هناك حقيبة نسائية فوق مقعدي المفضل في هذه القاعة . فتشت عن مقعد آخر مناسب ، فلما لم أجد عدت الى الجلوس في المقعد المجاور لمقعدي المفضل . توالى دخول الرجال والنساء الى القاعة مع لحظة اقتراب العرض . دخلت المرأة واتجهت الى المقعد حيث الحقيبة . كانت هي التي حجزت المقعد . جلست ولم نتبادل كلمة واحدة ، ثم ابتدأ الفيلم فورا .
انفعلت وأنا أتابع تفاصيل المجزرة التي نفذها الصهاينة ضد أهالي كفر قاسم أثناء العدوان الثلاثي على مصر ، وذهب ضحيتها تسعة وأربعون شخصا ، وقد حاول المخرج برهان علوية أن يجسد المجزرة على الشاشة ، دون أن يتورط في ضجيج الشعارات ، أو في الزعيق الميلودرامي.
انفعلت أكثر حينما ظهر مشهد في نهاية الفيلم ، مقرونا بمقطع من قصيدة محمود درويش " كفر قاسم " : انني مندوب جرح لا يساوم ... علمتني ضربة الجلاد أن أنهض من موتي ثم أمشي وأمشي وأمشي على جرحي وأقاوم . تذكرت أن محمود درويش يغادر اليوم غرفة الانعاش في مستشفى بباريس بعد عملية القلب التي أجريت له هناك قبل عشرة أيام .
كل التمنيات بالشفاء لمندوب الجرح الفلسطيني ولحامل راية الأمل الفلسطيني : محمود درويش .
يتبع...21



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأدب في زمن الحروب والأزمات
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير19
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير18
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير17
- مداخلة أخيرة عن زميلتي الكورية/ محمود شقير
- زميلتي الكورية هان كانغ الفائزة بجائزة نوبل2024 / محمود شقير ...
- زميلتي الكورية الفائزة بجائزة نوبل للآداب2024/محمود شقير4
- زميلتي الكورية التي فازت بجائزة نوبل للآداب2024/محمود شقير3
- زميلتي الكورية القائزة يجائزة نوبل للآداب2024 / محمود شقير/2
- زميلتي الكورية هان كانغ الفائزة بجائزة نوبل للآداب/1
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير16
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير15
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير14
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير13
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير12
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير11
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير10
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير9
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير8
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير7


المزيد.....




- الشاعر والكاتب وفائي ليلا ضيف برنامج حكايتي مع السويد
- بعيدا عن الأفلام.. كاميرون دياز تتحدث عن أفضل فترات حياتها
- عاجل..وفاة الفنان فكري صادق وموعد صلاة الجنازة عليه اليوم
- وفاة الفنان المصري الكبير فكري صادق (صورة)
- وفاة عرّاب السينما الأميركيّة ديفيد لينش
- أغنية -Sigma Boy- الروسية تدخل قائمة Billboard الشهيرة
- فنانة رقمية سعودية تتخيل ما سيبدو عليه العيش داخل كهوف العلا ...
- مصر.. الفنانة نيرمين الفقي ترصد مكافأة مالية لـ-قاتل الكلاب- ...
- صدمة في بوليوود.. فنان هندي شهير يتعرض للطعن أثناء ردعه متسل ...
- الفنان السوري باسم ياخور يتحدث عن موقفه من العودة إلى سوريا ...


المزيد.....

- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - من دفتر اليوميات/ محمود شقير20