أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم ابو جويدة - قراءة نقدية بعنوان (شعرية الألم: تحليل خطاب الجسد وتجليات القمع المؤسساتي) للعرض المسرحي البحريني -المؤسسة- والذي تم تقديمه في مهرجان المسرح العربي الدورة الخامسة عشرة - مسقط - سلطنة عمان - ٢٠٢٥















المزيد.....



قراءة نقدية بعنوان (شعرية الألم: تحليل خطاب الجسد وتجليات القمع المؤسساتي) للعرض المسرحي البحريني -المؤسسة- والذي تم تقديمه في مهرجان المسرح العربي الدورة الخامسة عشرة - مسقط - سلطنة عمان - ٢٠٢٥


كاظم ابو جويدة

الحوار المتمدن-العدد: 8225 - 2025 / 1 / 17 - 03:49
المحور: الادب والفن
    


قراءة نقدية بعنوان (شعرية الألم: تحليل خطاب الجسد وتجليات القمع المؤسساتي)
للعرض المسرحي البحريني "المؤسسة" والذي تم تقديمه في مهرجان المسرح العربي الدورة الخامسة عشرة - مسقط - سلطنة عمان - ٢٠٢٥
بقلم الكاتب : كاظم ابو جويدة
تشظيات العنوان...
وصف جيرارد جينيت أحد أعمدة النقد البنيوي العنوان بـ "عتبة نصية تمارس سلطتها على المتلقي" فهو بوتقة سحرية تصهر العرض المسرحي في قطرة ضوء، وحين تنبثق "المؤسسة" عنواناً لعرض مسرحي، من تأليف الأسباني "أنطونيو بويرو باييخو" وإخراج البحريني "عيسى الصنديد" تتكثف في تلك المؤسسة دراما الوجود في ومضة لغوية.
"المؤسسة" سنبلة دلالية اختزنت في حباتها حصاد المسرح بأكمله، وبذرة معرفية طوت في جيناتها شجرة العرض الباسقة بكل ظلالها وثمارها. فالعنوان هنا مرآة سحرية اختزلت المشهد المسرحي في نقطة ضوء شعت بألف معنى ومعنى.
عنوان "المؤسسة" حمل دلالات عميقة تجاوزت المعنى السطحي للكلمة. فقد مثَّلَ مسرحاً للصراع الإنساني داخل النظام المؤسسي، وطرح إشكاليات العلاقة بين الفرد والسلطة، والصراع بين القيم الإنسانية ومتطلبات النظام المؤسسي. العنوان بسيط لكنه فتح الباب واسعا لمناقشة قضايا معقدة في المجتمع المعاصر.
لغويا انحدرت كلمة "المؤسسة" من الجذر اللغوي (أسس) حيث يشير الأسُّ في المعجم العربي إلى الأصل والأساس والقاعدة التي يُبنى عليها، ويأتي مصدر الفعل أسّس بمعنى البناء والإقامة والتشييد من الأساس، فيما يدل الأساس على القاعدة التي يقوم عليها البناء وترتبط بالكلمة مجموعة من الاشتقاقات المهمة فالمؤسِّس هو من يضع الحجر الأول ويبني القواعد الأساسية ويأتي المؤسَّس كاسم مفعول ليدل على ما تم بناؤه وتأسيسه وفق قواعد معينة، أما المؤسَّسة فهي الاسم المؤنث الذي يشير إلى الكيان المنظم القائم على أسس وقواعد محددة، وقد تطور المعنى الاصطلاحي للكلمة ليشمل الهيكل التنظيمي الرسمي والكيان الاعتباري ذي الأهداف المحددة والبناء الإداري المتكامل، وهكذا نجد أن المعنى اللغوي للكلمة يرتبط ارتباطا وثيقا بمفهوم البناء والتأسيس والرسوخ والنظام مما يجعلها تعبر بدقة عن مفهوم المؤسسة بمعناها المعاصر كبناء تنظيمي متكامل لا يُخترق ولا يبلى. وهو ما تجلى في المسرحية من خلال السجن أو المصح كمؤسسة قمعية تقيد حرية الإنسان وتحد من حركته وفق قواعد صارمة. لتصبح المؤسسة في حياتنا كنسيج متشابك من السجون المعنوية والمادية، حيث يصبح الإنسان محاصراً بما يمكن تسميته "المنظومة المؤسساتية الشاملة".
فالعائلة، كما أشار عالم الاجتماع "بورديو" منذ القدم مارست "عنفاً رمزياً" عبر فرض قيم وسلوكيات محددة، كشف عنها الفهم السوسيولوجي لدور المؤسسة العائلية في صياغة الهوية، حيث عملت كجهاز تطويع مارس سلطته الرمزية في تشكيل المعتقدات والقيم والسلوكيات. وقد تمظهرت هذه السلطة في القيود المؤسساتية المتعددة التي سيطرت على جوانب حياة الفرد منذ الولادة حتى الممات. بينما تعمل الوظيفة الحكومية كآلية لما يسميه المفكر الفرنسي فوكو "الانضباط المؤسساتي". كذلك التقاليد والعلاقات الاجتماعية شكلت هي الآخرى ما يمكن وصفه بـ"السجن الملموس" حيث استدمج الفرد قيوداً ذاتية حدت من حريته الوجودية.
وكما قال الفيلسوف سارتر: "نحن محكومون بالحرية" لكن هذه الحرية تصطدم على الدوام بجدران مؤسساتية حولتها إلى وهم. لِتغدو الحياة نفسها سجناً كبيراً، يتشكل من طبقات متراكبة من الضوابط والقيود الاجتماعية المتداخلة.
بنيوية النص...
مثّلت مسرحية "المؤسسة" نموذجاً فريداً في مسرحنا العربي المعاصر، حيث تقاطعت فيها ثلاثة تيارات مسرحية رئيسية هي التعبيرية والعبث والمسرح السياسي، وشكّلت نسيجاً درامياً متماسكاً خدم جماليات العرض.
تجلى المستوى التعبيري من خلال توظيف عناصر السينوغرافيا والإضاءة، وبرز الجسد كأداة تعبيرية عكست الصراع الداخلي للشخصيات. أما المستوى العبثي فتجسد في تداخل الواقع مع الهلوسات وتشويش الزمكان المسرحي. وظهر المستوى السياسي في فضح آليات القمع المؤسسي والبيروقراطية.
تحقق التكامل بين هذه المستويات من خلال وظيفتين: جمالية تجلت في المزج بين الأساليب المختلفة، وفكرية تمثلت في تعميق النقد السياسي. نجحت المسرحية في خلق توازن بين متطلبات الفن المسرحي وضرورات الرسالة السياسية، مما جعلها نموذجاً متميزاً استحق الدراسة والتحليل.
في المشهد الافتتاحي للعرض، وبانبثاق الإضاءة الكاشفة، تجلت زنزانة المؤسسة كتجسيد مادي للقهر الوجودي، حيث بنى المؤلف باييخو عالمه المسرحي من خلال شخصيات محورية مثلت كل منها بُعداً من أبعاد المأساة الإنسانية مشكلا فضاءاتها الرمزية عبر مجموعة من السجناء والمجانين المقيدين بسلطتها القسرية. وفي هذا الفضاء المغلق، عاش توماس ورفاقه توليو وأسل وماكس ولينو، إضافة إلى السجين المجهول ذي الرقم 21، تجربة وجودية قاسية جسدت صراع الذات مع آليات القمع المؤسساتي.
جسّد توماس نموذجاً للشخصية المأزومة التي تعيش في برزخ بين الواقع والوهم، حيث شكلت هلوساته مع بيرتا هروباً من واقعه القاسي إلى عالم خيالي يمنحه الدفء المفقود. برعت المعالجة الدرامية في تصوير التناقض بين ما يراه توماس وما يدركه زملاؤه، مما خلق مستويين من الحقيقة: حقيقة ذاتية يعيشها البطل، وحقيقة موضوعية يراها الآخرون. وقد شكلت قاعة الزيارات فضاءً مسرحياً موحياً يجمع بين الحضور الوهمي والغياب الحقيقي، حيث تحولت إلى مسرح للصراع بين الذاكرة والواقع. يكشف موقف الزملاء عن عمق المأساة الإنسانية، فهم شهود على تفكك شخصية توماس وانزلاقها التدريجي نحو عالم الهلوسات، وقد تجلى البعد النفسي للشخصية في تلك المفارقة المؤلمة بين إصرار توماس على حقيقة لقاءاته مع بيرتا وإدراك الجميع لوهمية تلك اللقاءات، مما يعكس عمق الصدع النفسي الذي تعيشه الشخصية.
بيرتا حبيبة توماس المتخيلة كانت تمثل، في السياق السيميائي، علامة مزدوجة تجمع بين الحضور الرمزي والغياب الفعلي، مشكلة كرونوتوباً خاصاً يتجاوز حدود الزمكانية السجنية. لتتحول ضمن حميمية البوح إلى "دال عائم" في المخيال الجمعي للسجناء، يتيح لهم ممارسة "المقاومة السردية" عبر استحضار الماضي وإعادة تشكيله. هذا التوظيف الجمعي للهلوسة خلق ما يمكن تسميته "الفضاء الثالث"، حيث تتداخل الذكريات الفردية مع المخيال الجماعي، مشكلة آلية دفاعية ضد القمع المؤسساتي. حيث شكل الحديث عن الحبيبات طقساً اجتماعياً يومياً يخفف من وطأة العزلة الخانقة. وقد عكس هذا السلوك الجمعي حاجة الإنسان الوجودية للتواصل العاطفي في لحظات الألم، متجاوزاً حدود الفردانية نحو فضاء التضامن الإنساني المشترك. وتجسد ذلك أيضا في حكاية توليو وحبيبته المهاجرة للدراسة منذ عشرين عاماً، حيث تحول انتظاره لعودتها وحلم الزواج إلى رمز للمقاومة ضد محو الهوية الإنسانية داخل المؤسسة العقابية، مؤكداً أن الحب في سياقه السوسيولوجي يتجاوز كونه علاقة فردية ليصبح فعل مقاومة جماعية ضد آليات القمع والاستلاب.
يوما بعد آخر تتعمق العزلة لدى السجناء من خلال تحول المؤسسة من سجن إلى مصحة، حيث يصبح الجنون نفسه شكلاً من أشكال المقاومة. فعندما يقول توماس "سأبتسم حين أسقط ميتاً لأن ذلك لن يكون إلا أولوغراما"، يكشف عن وعي عميق بزيف الواقع وقسوته.
تتجلى العزلة المزدوجة في علاقة السجناء بالمكان والآخرين. فالجدران المادية للسجن تفرض عزلة جسدية، بينما يفرض الخوف والشك عزلة نفسية، خاصة مع وجود شخصيات مثل ماكس الذي يتعاون مع السلطة "مقابل شريحة طعام وشراب".
هكذا يصبح السجن/المصحة فضاءً لاستكشاف العلاقة المعقدة بين الذات والآخر، حيث تختار الشخصيات عزلتها كوسيلة للبقاء النفسي، متجاوزة العقاب المادي إلى فضاء متخيل يمنحها هامشاً من الحرية الداخلية، حتى لو كانت هذه الحرية وهماً أو "أولوغراما".
تتحول الوحدة في النص إلى حالة وجودية تتجاوز البعد المكاني، مجسدة مقولة سارتر عن "القلق الوجودي". فالشخصيات تواجه ما أسماه دريدا "الغياب المزدوج": غياب الحرية المادية وغياب التواصل الإنساني الحقيقي، مما يدفعهم إلى خلق عوالم متخيلة كآلية للبقاء النفسي كما في اختلاق وجود هاتف لكنه عاطل عن العمل في عميق ذواتهم الغير مؤمنة بإيجابية هذه المؤسسة.
وفي خضم ذلك، لقي السجين 21 حتفه في ظروف غامضة، أو كما بدا ظاهرياً بسبب الجوع، فنُقل جثمانه المتفسخ بعد ستة أيام من موته كنفايات المراحيض التي شكل منظرها المقزز علامة وجود حقيقي لواقع الزنزانة ونزلائها وقد أبدع المخرج في تواجد نمط سيميائي يحول الأشياء الجامدة الى وعي متحرك ناطق من خلال شبكتين معلقتين في فضاء وهمي لمجموعة من المراحيض القذرة شكلا ومضمونا.
تصاعدت التوترات حول هوية المخبر الخائن في سياق نفسي ووجودي رافق يوميات السجناء والمعتقلين، وتنامى الشك بوجود شخصية اتخذت من التجسس سلوك حماية لها داخل أسوار السجن. وفي نهاية صراع الشك الذي أقلق وجودهم، اكتشفوا أن السجين ماكس كان هو العين الحقيقية للسلطة. وكان الأمر الصادم والمذل، الذي عكس خسة الجواسيس ورخص أثمانهم، أن ماكس تحول إلى عين للسلطة مقابل "شريحة طعام وشراب"، متخلياً عن تضامنه مع رفاقه.
وفي ظل تنامي الخط درامي، ناقشوا إمكانية الهروب عبر نفق قرب المجرى المائي، لكنهم أدركوا صعوبة وخطورة المحاولة. انتهت أحلامهم المسرحية بمشهد مؤثر حين ودع السجين توليو رفاقه قبل نقله إلى مكان آخر لإعدامه، وكان هذا ما توقعه أسيل لكونه الأكثر خبرة وتماسكاً من بقية السجناء. وبإعدام توليو، انتهت حكايته تاركاً وراءه تساؤلات عميقة حول الحرية والجنون والواقع، في عالم قُتل فيه الناس جوعاً لمجرد انتمائهم لعرق غير مرغوب فيه أو لعدم ابتسامهم للسلطة تلك الابتسامة التي فرضها منطق القوة على الشعب.
تَكَشّف الحوار المفصلي بين أسر وتوماس عن البنية العميقة للنص، حين سأل توماس: "أصحيح توليو محكوم عليه بالإعدام؟"، فجاءه الجواب صادماً من السجناء بأنهم جميعاً كانوا محكومين بالموت. وحين طلب توماس من "أسر" التوضيح، انكشفت البنية القمعية للمؤسسة في خطابه النقدي الحاد: "يسألونك إن كنت تنتمي إلى عرق غير مرغوب فيه... لتذبح جوعاً". شكلت تلك اللحظة نقطة تحول في وعي توماس، فتحطمت أوهامه عن بيرتا وزياراتها المتخيلة، وتأسس لديه إدراك جديد لواقعه المأساوي.
تجسد نضج العبثية في "المؤسسة" عبر بنية درامية متصاعدة، تكشفت فيها ثنائيات الوهم/الحقيقة، والمقاومة/الاستسلام، حتى بلغت ذروتها في المشهد المأساوي للإعدام الجماعي الذي جسد هيمنة السلطة المطلقة. وقد تعمقت المفارقة الدرامية في مصير ماكس، ذلك الذي تعاون مع المؤسسة، حين وجد نفسه يسقط في ذات المصير القاتم، ليؤكد عبثية محاولات التكيف مع منظومة القمع.
واختُتمت المسرحية برسالة صارخة تجاوزت البنية السطحية للحدث المسرحي إلى عمق دلالي أكبر: كان الموت هو المصير الحتمي لكل من سقط بين فكي المؤسسة القمعية، حيث تحول الإنسان إلى مجرد رقم في سجلاتها، أمكن محوه دون اعتبار لمحاولاته في المقاومة أو التكيف. وهكذا تشكلت البنية الكلية للنص من تقاطع ثنائيات: الحياة/الموت، الوهم/الحقيقة، المقاومة/الاستسلام، لتؤسس خطاباً نقدياً عميقاً حول طبيعة السلطة وآليات قمعها.
تجلت القدرية والحتمية في المسرحية بشكل واضح من خلال مصائر الشخصيات التي لم تستطع الإفلات من قبضة المؤسسة القمعية رغم اختلاف أساليب مقاومتها. فتوماس الذي اختار الهروب إلى عالم الأوهام والأحلام مع بيرتا، وتوليو الذي تمسك بذكريات حبيبته المهاجرة، وماكس الذي حاول التعايش مع المؤسسة عبر التجسس على رفاقه مقابل امتيازات بسيطة... انتهوا جميعاً إلى ذات المصير القاتم.
غير أنه، ورغم هذه الحتمية القاتمة، اكتسب إعدام وموت السجناء عمقاً فلسفياً من خلال استكشافه لمفهوم الحرية كحالة ذهنية تجاوزت القيود المادية. فتحول الموت مقاومةً أو الإعدام طوعاً إلى لحظة تحرر نهائية، كما تجلى في عبارة "سأبتسم حين أسقط ميتاً"، وكأن الموت أصبح الخلاص الوحيد من سطوة المؤسسة القمعية، محولاً الهزيمة الظاهرية إلى انتصار روحي عميق. هكذا يتحول الموت من حدث نهائي إلى فضاء دلالي مفتوح على التأويل والقراءة المتعددة.
تجسد الصراع الوجودي في محاولات الشخصيات للحفاظ على هويتها في ظل منظومة سعت لطمس الفردية، فأصبحت معركة البقاء معركة خاسرة سلفاً في ظل مؤسسة لم ترحم. وظهرت الحتمية في أن محاولات المقاومة، سواء كانت فردية كما في أحلام توماس، أو جماعية كما في محاولة الهروب عبر النفق، كانت محكومة بالفشل أمام سطوة المؤسسة. حتى السجين 21 الذي مات جوعاً أكد هذه الحتمية، فقد كان الموت مصيراً حتمياً للجميع سواء بالإعدام أو الجوع أو القتل النفسي وهو يردد "ازف لكم خبر موتي".
اكتسبت الزنازين في رؤية توماس بُعداً رمزياً عميقاً، فكانت عبارته التي مثلت منفذ الهروب والخلاص الوحيد بأنه "النفق المرعب المؤدي للحرية". كشفت هذه الاستعارة عن مفارقة وجودية، حيث أصبحت الحرية مرتبطة جدلياً بالموت، متوافقة مع مفهوم "الوجود نحو الموت" عند هايدغر. فلم تكن الحرية عودة للحياة الاجتماعية، بل تحرراً نهائياً عبر الموت.
تحول الموت في هذا السياق إلى خيار وجودي، متجاوزاً كونه نهاية بيولوجية إلى موقف أخلاقي وسياسي. فأصبح الموت "بكرامة" فعل مقاومة أخير، متوافقاً مع مفهوم "الموت الأصيل" الهايدغري، في مواجهة "الموت غير الأصيل" الذي تجسد في خضوع "ماكس" واستسلامه. وقد صنع المخرج مفارقة تجريبية جميلة في جزئية موت ماكس، فبينما مات في النص الأصلي نتيجة جره من قدمه من قبل السجين "لينو" ورميه من الدرابزين، جعله في العرض يموت كبقية رفاقه برصاص السلطة، وكأنه أراد القول إن خدمة السلطة الغاشمة لم تغير من مصير الضحية.
هكذا قدم النص رؤية نقدية عميقة للعلاقة بين السلطة والمقاومة، حيث أصبح الموت الكريم الخيار الوحيد للحفاظ على الكرامة الإنسانية في مواجهة مؤسسة قمعية سعت لتحويل البشر إلى مجرد فئران في تجاربها للهيمنة والسيطرة.
كشف العرض بمختلف عناصره عن جدلية معقدة بين الداخل والخارج، فقد تجلى مفهوم "المجتمع الرقابي" الدولوزي في النص المسرحي من خلال تصوير المجتمع كمنظومة رقابية شاملة تجاوزت جدران السجن. فالخارج "المرفه ظاهرياً" كان في حقيقته سجناً آخر، لكنه "ملون" كما وصفه توماس.
تجسدت ازدواجية المكان (سجن/مصحة) في قول أحد السجناء "حسناً أصبحنا في مستشفى مجاني، لكننا سعداء"، مما كشف عن تحول آليات السيطرة من القمع المباشر إلى أشكال أكثر تعقيداً من الضبط النفسي والاجتماعي. هذا التحول في الوعي والسلوك، خاصة في شخصية "ماكس"، جسد ما أسماه فوكو "تذويت السلطة"، حيث استدمج الفرد آليات المراقبة في ذاته.
لكن هذه السلطة القمعية المتمثلة بزنزانة المؤسسة بدت ساذجة مقارنة بما شهدناه لاحقاً من نسخة متطورة، في العالم ووطننا العربي حيث أصبح الأفراد يمارسون الرقابة على أنفسهم طواعية في "الاستعراض الرقمي الطوعي". تحول "ماكس" العصر الرقمي (الأجهزة الذكية) إلى جامع معلومات أكثر دقة وشمولية، يرسلها مباشرة للسلطة دون الحاجة لامتيازات. وتجلى هذا في إنترنت الأشياء الذي حول البشر إلى مراقبين لأنفسهم، متجاوزين "شريحة الطعام والشراب" التي قبلها ماكس، إلى دفع المال طواعية مقابل إفشاء أسرارهم.
عكسَ هذا التحول "العنف الناعم للتكنولوجيا"، حيث تحولت المراقبة من فعل قسري إلى ممارسة يومية طوعية. فأصبحت السلطة لا تحتاج لدفع "رغيف خبز" مقابل المعلومات، إذ شارك الناس تفاصيل حياتهم مجاناً وبحماس، مجسدين "الطاعة المبهجة" في العصر الرقمي.
الفضاء الزمكاني
تشكل الفضاء الزمكاني كوحدة مغلقة حملت دلالات القمع والسيطرة، حيث تحولت المؤسسة إلى رمز للقهر، والزنزانة إلى فضاء للعزل، والمصحة إلى مكان لطمس الهوية. وقد تجلى هذا التشكيل الكرونوتوبي المركب في العرض عبر تضافر عناصره المختلفة من إضاءة وديكور وأداء، ليشكل فضاءً درامياً عبر عن صراع عميق بين الإنسان والسلطة القمعية.
تداخلت الأزمنة في مشهد الزيارات وفق ما يسميه جيرار جينيت "التزامن السردي المركب"، حيث التقى الماضي بالحاضر في فضاء مسرحي متعدد المستويات. عكست الإضاءة المتغيرة والديكور المتحرك هذا التداخل الكرونولوجي كتجسيد لما أسماه باختين "الكرونوتوب المسرحي"، حيث تحول الفضاء المسرحي إلى حاضنة للزمن المتشظي.
تحركت الشخصيات في مستويات مختلفة عبرت عن تعدد الأزمنة النفسية، محققة ما أسماه آرتو "الفضاء الميتافيزيقي للمسرح"، حيث تجاوز المشهد حدود الزمن الخطي ليؤسس لزمن نفسي متداخل، تجلى هذا بوضوح في حوار توماس الذي شكل نقطة التقاء محورية بين الأزمنة المتعددة"وجدت بيرتا تنتظرني... لم نستطع حتى ملامسة أصابع بعضنا البعض".
برز الزمن النفسي الثقيل في مشاهد الزنزانة، حيث كشفت الحوارات عن معاناة الشخصيات: "لقد انتزع مني فراش سريري، إني أشعر بالبرد"، "أشعر بالجوع... أريد ماء". برز الطعام كعلامة متكررة في العرض، حيث تحول من مجرد حاجة فيزيولوجية إلى رمز للحرمان والقهر المؤسسي. تجسدت هذه الدلالة في مشاهد طلب الطعام المتكررة، كما ارتبط الجوع بشكل مباشر بفكرتي الموت والعقاب، مما أسس لنسق دلالي عميق عكس العلاقة بين السلطة والجسد المقهور. عززت الإضاءة الخافتة والديكور المغلق هذا الإحساس بثقل الزمن وضيق المكان.
تحولت الشخصيات بين حالات نفسية متباينة عكست تأثير المكان عليها. يظهر هذا في تساؤلاتهم المتكررة عن حقيقة جنونهم: "ألسنا نحن المجانين الحقيقيين؟". تتناغم الإضاءة مع هذه التحولات، متغيرة بين الخفوت والقوة لتعكس حالة الشك والتردد.
التمثيل
ارتقى الأداء التمثيلي في العرض إلى مستوى استثنائي من النضج الفني، حيث تشكل ذلك في قدرة الممثلين على تجسيد التحولات النفسية المعقدة لشخصياتهم. فقد تميز الأداء بعمق في فهم الأبعاد النفسية والاجتماعية للشخصيات، مع براعة في توظيف لغة الجسد والصوت لخلق حضور مسرحي مؤثر. ظهر التناغم في الأداء الجماعي من خلال التفاعل العضوي بين الممثلين، مما خلق نسيجاً درامياً متماسكاً.
تألق الممثل في تجسيد شخصية "توماس" عبر اندماج نفسي وعضوي عميق، حيث برع في تجسيد حالة الهذيان والتأرجح بين عالمي الواقع والخيال بمصداقية عالية. وقد تجلى في أدائه تطبيق متقن لمفهوم "الذاكرة الوجدانية" في المسرح النفسي، خاصة في مشاهد استحضار ذكريات بيرتا والتحاور معها.
برزت قدرته الاستثنائية في استدعاء مشاعر حقيقية من تجاربه الذاتية لتجسيد معاناة شخصيته، حيث نجح في خلق حالة مسرحية مركبة، تداخلت فيها مستويات الوعي واللاوعي. فقد تميز أداؤه بالتحولات النفسية الدقيقة، والانتقالات السلسة بين حالات الوعي المختلفة، مستخدماً تقنيات صوتية وجسدية متنوعة عكست عمق الاضطراب النفسي للشخصية.
تجلت هذه البراعة بشكل خاص في مشاهد الحوار مع الطيف، حيث مزج بين الواقعية النفسية العميقة والأبعاد التعبيرية المؤثرة، مما خلق نسيجاً درامياً متماسكاً جمع بين صدق المشاعر وعمق التجسيد، فأضفى على الشخصية بعداً إنسانياً مؤثراً وجعل من هذياناتها شهادة حية على تشظي الذات الإنسانية في مواجهة القهر.
كما برز مؤدي شخصية "توليو" في تطبيقه المتقن لمبدأ "الظروف المعطاة" في المسرح النفسي، حيث تعمق في استيعاب واقع السجين المحكوم عليه بالإعدام بكل أبعاده النفسية والوجودية. فقد نجح في تشكيل الحياة الداخلية للشخصية عبر نسيج دقيق من التفاصيل الأدائية، تجلت في لغة الجسد المشحونة بالدلالات، والأداء الصوتي المتنوع النبرات.
تجسد هذا التميز بشكل خاص في مشاهد التصوير والوداع الأخيرة، حيث عكس الأداء ثقل المصير المحتوم من خلال تركيبة أدائية متقنة، مزجت بين الصمت المعبر، والإيماءات الدقيقة، والتحولات الصوتية العميقة. فنجح في خلق حالة مسرحية استثنائية جمعت بين الواقعية النفسية العميقة والأبعاد التعبيرية المؤثرة، مما أضفى على الشخصية عمقاً إنسانياً مؤثراً، وجعل من لحظات الوداع الأخيرة شهادة حية على قسوة المصير وعمق المأساة الإنسانية..
برز في أداء دور "ماكس" تطبيق متميز لمفهوم "الفعل الداخلي" في المسرح النفسي، حيث برزت قدرة الممثل على تجسيد الصراع النفسي المتأجج للشخصية بين واجبها كأداة مراقبة وبين نوازعها الإنسانية، دون اللجوء إلى التعبير المباشر المبتذل. وقد تجسد ذلك بشكل خاص في مشاهد التردد والصمت المشحونة بالدلالات العميقة، حيث برع الممثل في خلق حالة مسرحية مركبة، تداخلت فيها مستويات الأداء بين الواقعي والتجريدي، خاصة في تجسيده لحالة الطفولة البريئة في مشهد ولادته الأولى على خشبة المسرح، مستثمراً تقنيات المسرح داخل المسرح بجماليات عالية.
تجلى هذا التداخل في مستويات الأداء عبر لحظات صمت معبرة، حملت في طياتها صراعاً نفسياً عميقاً، وتحولات داخلية دقيقة، عكست براعة في توظيف تقنيات المسرح النفسي، متجاوزاً الأداء التقليدي إلى فضاء أدائي مركب، جمع بين الواقعية النفسية وجماليات المسرح التجريبي في نسيج درامي متماسك.
توهجت براعة الأداء المسرحي في تجسيد شخصية "بيرتا" من خلال تطبيق متقن لمبدأ "التركيز والانتباه" المستمد من منهج المسرح الواقعي النفسي، حيث نجحت الممثلة في خلق حضور دلالي قوي رغم كون شخصيتها تجلياً خيالياً فحسب. فقد تمكنت، عبر الأداء الحركي الدقيق والمركز، من خلق حالة من التشويش الإدراكي لدى المتلقي، جعلته يتأرجح بين تصديق واقعية الشخصية وكونها مجرد إسقاط هلوسي في ذهن توماس. استخدمت الممثلة جسدها بذكاء لخلق لغة جسدية معبرة، خاصة في مشاهد محاولة لمس توماس عبر الحاجز المتخيل. كما نجحت في تجسيد مشاعر الخوف والقلق على مصير حبيبها عبر بوابة الفأر توماس، مستخدمة تقنيات ستانيسلافسكي في استدعاء المشاعر الحقيقية وتوظيف الذاكرة الانفعالية.
وفي السياق ذاته، قدم بقية الممثلين أداءً استثنائياً، متسلحين بذخيرة أدائية غنية تراوحت بين الصوت المسرحي المتمكن الذي اتسم بالنضج والرخامة، والجسد المطواع الذي تحرك بحرفية عالية وذكاء أدائي، مستجيباً لكل إيماءة وإشارة دلالية بدقة متناهية.
تمظهر هذا الأداء كتطبيق عملي لمفهوم "الجو العام" في المسرح الواقعي، حيث نجح المخرج والممثلون في خلق بنية مسرحية متكاملة عكست الفضاء السجني/العلاجي بكل تفاصيله النفسية والمادية. وقد تعزز هذا التأثير من خلال التناغم العضوي بين الأداء الجمعي للممثلين والعناصر المشهدية الأخرى، من إضاءة درامية موجهة وموسيقى تعبيرية وتشكيل بصري مفاهيمي، مما أسهم في تشكيل نسيج مسرحي متماسك عكس رؤية إخراجية متكاملة.
وأيضا فيما يخص التمثيل بإدارة إخراجية مميزة تجلى في العرض المسرحي توظيف تقنية تقطيع الكلمات كأداة درامية عكست تفكك الوعي لدى السجناء نتيجة القمع والعزلة، ومثلت محاولة جريئة لكسر سلطة اللغة التقليدية مع خلق إيقاع صوتي جسد حالة الاضطراب النفسي للشخصيات. توافقت هذه التقنية مع نظريات كبار المسرحيين، فقد رأى أرتو في تفكيك اللغة وسيلة للوصول إلى جوهر المعاناة الإنسانية، بينما اعتبرها بريخت أداة تغريب أجبرت المتفرج على إعادة النظر في المألوف، في حين رآها غروتوفسكي جزءاً من تعرية المسرح من الزخارف اللغوية.
تجلت في أداء الممثلين لحظات الحشرجة وتمديد الحروف الأخيرة من الكلمات كظاهرة مسرحية عميقة الدلالة، حيث عكست من المنظور النفسي حالة التشظي النفسي والاضطراب العقلي الذي عاشه السجناء. ووفقاً للتحليل النفسي، مثلت صعوبة إخراج الكلمات محاولة الجسد للتعبير عن الصدمة النفسية العميقة.
تماهت هذه التقنية فلسفياً مع مفهوم "مسرح القسوة" لأرتو، حيث أصبح الجسد أداة للتعبير عن المعاناة الإنسانية في أقصى تجلياتها. وتحولت عملية "تقيؤ" الحروف إلى فعل احتجاجي ضد القمع. ومن الناحية الطبية، مثل هذا الأداء محاكاة لأعراض الصدمة الجسدية والنفسية معاً.
تحرك السجناء وتكلموا بطريقة شابهت حركات الموتى السائرين، عاكسين واقعهم المأساوي في السجن حيث عاشوا في حالة وسطى بين الحياة والموت. فقد أنهك الجوع المستمر والتعذيب المتكرر أجسادهم وجعل حركتهم بطيئة ومتثاقلة، كما أفقدت العزلة الطويلة والمعاملة القاسية حيويتهم وجعلت كلامهم متقطعاً ومتعثراً. ظهر هذا جلياً في شخصية السجين رقم واحد وعشرين الذي رقص رقصة الموت وتحدث عن رؤية الشمس في المساء، مما عكس حالة الهذيان والتشوش الذهني التي وصل إليها السجناء.
السينوغرافيا
لعبت السينوغرافيا دوراً محورياً في تشكيل الفضاء المسرحي، حيث عكس التصميم حالة القهر والعزلة التي عاشتها الشخصيات. وظفت المستويات المكانية بذكاء لخلق تراتبية بصرية عكست علاقات القوة والسلطة في العمل.
تجلى النظام السيميوطيقي للموسيقى والمؤثرات الصوتية في العرض كنسق دلالي متعدد المستويات، حيث تشكل المزج بين الصوت الواقعي (الأبواب، الأقفال، قرع الأواني) والموسيقى التعبيرية كخطاب سمعي متجاوز للمألوف. برز هذا التشكيل الصوتي كميتاخطاب يؤسس لجدلية القهر والمقاومة، مجسداً ما يسميه رولان بارت "لذة النص" في تداخل المستويات الدلالية.
تجلت ذروة هذا التشكيل الصوتي في مشهد تخيل توماس للعالم الخارجي، وهو يحاور السجين ذا الرقم 21 حيث تحولت الموسيقى إلى ما يسميه باشلار "الصورة الشعرية المتحركة". خلق هذا المشهد فضاءً صوتياً متعالياً على الواقع المادي للسجن، محققاً ما أسماه آرتو "مسرح القسوة" حيث تحول جسد توماس المتخيل كعصفور إلى علامة سيميائية مركبة جمعت بين الحرية المستحيلة والقهر الواقعي في لحظة جمالية فائقة.
تكاملت الإضاءة مع التصميم السينوغرافي في خلق جو نفسي موحٍ، حيث لعب التلاعب بالضوء والظلام دوراً سيميائياً في تجسيد الصراع بين الوعي واللاوعي، وبين الحقيقة والوهم، خاصة في مشاهد الهلوسة ولحظات المواجهة مع الحقيقة.
مثلت قراءة البقعتين الرماديتين المتعاكستين في السقف رمزاً عميقاً لثنائية المراقبة المزدوجة التي عاشها السجناء السياسيون. جسدت البقعة الأولى عين الله الصامتة التي شهدت معاناتهم دون تدخل مباشر لإنقاذهم، مما خلق أزمة إيمانية عميقة لدى السجناء في علاقتهم مع القدر والعدالة الإلهية.
في المقابل، جسدت البقعة الثانية عين السلطة القمعية التي راقبت بقسوة وتلذذت بتعذيبهم وإذلالهم كشكل من أشكال الانتقام السياسي والتنكيل بالمعارضين. أصبحت المفارقة بين البقعتين تجسيداً للصراع بين السماء والأرض وبين العدل والظلم، حيث وقف السجناء في منطقة وسطى بين مراقبتين: مراقبة إلهية صامتة ومراقبة سلطوية قامعة، مما عمق إحساسهم بالعجز والوحدة في مواجهة منظومة القمع المزدوجة.
تحول الفضاء المسرحي في مشاهد حضور الحارس او الطبيب اللذين مثلا الوجه القبيح للمؤسسة، حيث سُلطت الإضاءة القوية على منطقة وسط المسرح، بينما ظلت الأطراف معتمة، مما خلق توتراً درامياً عكس سطوة السلطة. لتتحرك الشخصيات في هذا الفضاء بإيقاع متوتر، كشف عن ثقل الزمن النفسي وضغط المكان.
برزت براعة المخرج في استخدام البقع الضوئية المركزة (Spot Light) لعزل الشخصيات في لحظات المونولوج الداخلي، خاصة في مشاهد توليو الأخيرة، حيث خلقت الإضاءة فضاءً نفسياً يعكس حالة الاغتراب والوحدة. كما تم توظيف الظلال بشكل رمزي لتجسيد ثنائية الحرية والسجن، حيث كانت الظلال المتحركة على جدران السجن تشكل امتداداً بصرياً لمعاناة السجناء.
تشكل الفضاء السيميائي للعرض عبر ثنائيات دلالية متقابلة، حيث مثل السجن/المصحة العلامة المركزية التي اختزلت مفهوم القمع المؤسسي. تجلت هذه العلامة في تفاصيل المكان وعناصره: الزنزانة، القضبان، الجدران العالية، الهاتف المعطل - وكلها شكلت علامات أحالت إلى معنى الحصار والعزل.
تم استخدام عناصر ديكورية محدودة لكنها موحية، تحولت معها الزنزانة إلى فضاء ميتاتياتري يتجاوز حدود الواقع المادي. وقد ساهم التوظيف الذكي للإضاءة في خلق تحولات درامية في الفضاء المسرحي، حيث تحول المكان من زنزانة واقعية إلى فضاء متخيل يعكس الحالة النفسية المضطربة للشخصيات.
يتجلى في سينوغرافيا العرض توظيف ذكي لخزان المياه المقسم إلى جزأين كعنصر ديكوري رئيسي، حيث يحمل هذا التقسيم دلالات درامية عميقة. فالخزان يرمز إلى فضاء السجن المغلق والمقيد، كما أن تقسيمه إلى جزأين يعكس ثنائية الواقع/الخيال التي يعيشها السجناء. يرتبط هذا العنصر السينوغرافي بشكل مباشر مع النص الدرامي، خاصة في إشارات الشخصيات المتكررة إلى المرحاض والفضاء المحدود. كما يشكل الخزان نقطة تحول درامية في المشهد حين يتحدث السجناء عن إمكانية الهروب عبر "النفق المرعب"، مما يجعل من هذا العنصر الديكوري محوراً أساسياً في تطور الأحداث وتصاعد الصراع الدرامي.
برزت "البطانية" الخاصة بالسجين ذي الرقم واحد وعشرين في العرض المسرحي كعنصر درامي متحول اكتسب دلالات متعددة مع تطور الأحداث. فحين صرخ السجين ذو الرقم 21 في البداية قائلاً: "لقد انتزع مني فراش سريري، إني أشعر بالبرد"، تحولت البطانية من مجرد قطعة قماش تقي من البرد إلى رمز عميق للحرمان والقهر الذي عاشه السجناء.
أصبحت البطانية عبر مشاهد العرض أداة درامية كشفت عن قسوة السلطة وممارساتها القمعية، حيث مثل انتزاعها من السجين شكلاً من أشكال العقاب والإذلال. ثم تطورت دلالتها لتصبح معادلاً موضوعياً للكرامة الإنسانية المسلوبة، وبلغت ذروتها الدرامية في مشهد موت توليو، حيث تحول غياب البطانية إلى رمز للموت البطيء في برد الزنزانة.
خلق هذيان السجين ذي الرقم واحد وعشرين عن الدفء والشمس، رغم فقدانه للبطانية، مفارقة درامية مؤثرة جسدت الصراع بين واقع السجن القاسي وأحلام الحرية الدافئة التي راودت السجناء. تحولت البطانية في النهاية إلى شاهد صامت على تدهور الإنسانية داخل جدران السجن، حيث أصبح الدفء امتيازاً مُنح وسُحب كأداة للسيطرة والقهر. غدت البطانية بذلك رمزاً للصراع بين إرادة البقاء وقوى القمع التي سعت لكسر هذه الإرادة عبر أبسط تفاصيل الحياة اليومية في السجن.
الرؤية الإخراجية
نجح المخرج عيسى الصنديد في تقديم إعداد حافظ على جوهر النص الأصلي مع إضافة أبعاد عكست الواقع العربي المعاصر، إذ حول النص من قضية إنسانية عامة إلى صرخة ضد القمع في العالم العربي. تحول العرض إلى "سياسة جمالية" جعلت من الفن أداة للمقاومة وكشف آليات القمع، متجاوزاً المفهوم التقليدي للمسرح السياسي إلى "الفن النقدي" الذي كشف تناقضات الواقع وفضح آلياته القمعية.
تميز الإخراج في مسرحية "المؤسسة" بتوظيف السينوغرافيا المينيمالية التي جسدت قسوة المؤسسة والسجن عبر ديكور بسيط اعتمد على المستويات المتعددة والفراغات المحدودة حيث وظف المخرج الفضاء المسرحي بشكل خلق ثنائية واضحة بين الداخل والخارج من خلال تقسيم خشبة المسرح إلى مناطق متباينة عكست التوتر بين عالم السجن وعالم الحرية وقد برز هذا التوظيف في مشاهد زيارات "بيرتا" والهلوسة حيث تداخل الواقع مع الخيال في تكوينات جسدية عبرت عن القمع والاضطهاد فيما استخدم الرقص كلغة تعبيرية جسدت رغبة السجناء في التحرر والانعتاق من القيود المفروضة عليهم وقد اعتمد المخرج على أسلوب المسرح الملحمي في معالجة القضايا السياسية والاجتماعية موظفاً تقنيات التغريب البريختي لكسر الإيهام وخلق مسافة نقدية أتاحت للمتلقي التفكير في القضايا المطروحة فظهر ذلك جلياً في مشاهد هلوسة توماس حيث تداخل الواقع مع الخيال في معالجة إخراجية مركبة وتميز الأداء التمثيلي بالتنوع الديناميكي بين الواقعية والتعبيرية معتمداً على الأداء الجسدي كلغة مسرحية وازت الحوار حيث وظف الممثلون أصواتهم كأداة درامية عبرت عن القمع النفسي والضغط المؤسسي وقد بنى المخرج إيقاعاً درامياً متصاعداً تناسب مع تصاعد الأحداث خالقاً توترات درامية من خلال التناوب بين المشاهد الواقعية ومشاهد الهلوسة مستخدماً الصمت كعنصر درامي فعال عمق الإحساس بالعزلة والقهر وقد وظف العناصر التقنية بشكل متناغم فجاءت الإضاءة لتخلق مناطق نفسية متباينة عكست الحالات المختلفة للشخصيات فيما ساهمت المؤثرات الصوتية في تعميق الإحساس بالقمع والعزلة وتناغمت الموسيقى مع الحالات النفسية للشخصيات لتعمق أبعادها الدرامية وقد قدم المخرج رؤية نقدية عميقة للمؤسسات القمعية من خلال توظيف تقنيات المسرح السياسي معالجاً القضايا الإنسانية عبر الواقعية النفسية وموظفاً الرمزية في تناول العلاقة المعقدة بين السلطة والفرد فجاءت المسرحية متكاملة العناصر عبرت عن عمق التجربة الإنسانية في مواجهة القمع المؤسسي.
مثابات مركزية
جسدت رقصة السجين رقم واحد وعشرين قبل موته عمقاً درامياً متعدد الدلالات، حيث شكلت في جوهرها تحدياً صارخاً للموت من خلال اختياره مواجهة نهايته راقصاً بدلاً من الاستسلام لها. مثلت لحظة تحرر أخيرة من قيود السجن والجسد المنهك، وهو ما عبر عنه بقوله: "أزف لكم خبراً مفرحاً، إني أموت".
تداخلت في هذه الرقصة حالة الهذيان والجنون، حيث تحدث عن رؤية الشمس والضحك في المساء، مما كشف عن اختلاط الواقع بالخيال في وعيه المضطرب. تحولت رقصته إلى احتفال بالخلاص من المعاناة والألم، فأصبح الموت في نظره نهاية مرجوة لجوعه وآلامه المستمرة.
حملت هذه الرقصة في طياتها رمزية سياسية عميقة تجلت في اختياره الموت واقفاً راقصاً، رافضاً الركوع والخضوع للجوع والقمع. أصبحت حركات جسده المتمردة خطاباً سياسياً صامتاً أدان الظلم واحتفى بالحرية حتى في لحظة الموت الأخيرة، ليتحول جسده الراقص إلى أيقونة للمقاومة والرفض والتحدي في مواجهة آلة القمع والموت.
برز البعد البريختي في المشهد من خلال "تغريب" فعل الموت، حيث تحول الحدث المأساوي إلى احتفال كسر أفق توقع المتلقي. تحولت الرقصة إلى خطاب سياسي صامت أدان القمع والظلم، مستخدمةً الجسد كنص موازٍ قال ما لم تستطع الكلمات قوله.
وظف المخرج عناصر المسرح التعبيري في تشكيل المشهد، حيث تحولت الإضاءة والموسيقى والحركة إلى عناصر تشكيلية خلقت فضاءً سريالياً عكس الحالة النفسية المضطربة للشخصية. تحولت الزنزانة إلى فضاء ميتاتياتري تجاوز حدود الواقع المادي ليصبح مسرحاً للصراع بين الحرية والقمع، وقد نجح المخرج في توظيف تقنيات البيوميكانيك لمايرخولد في تجسيد هذا الصراع الوجودي عبر لغة الجسد المتمردة.
مثل طلب السجين رقم 21 الماء وهو على فراش الموت، لحظة إنسانية مؤلمة حينما حاول توماس مساعدته بتقديم الماء رد عليه بأنه "فات الأوان". حملت هذه العبارة دلالات عميقة حيث كان السجين قد وصل إلى مرحلة لا رجعة فيها من الضعف والإنهاك بسبب التعذيب والحرمان من الماء والطعام. لم تعنِ عبارة "فات الأوان" فقط أنه تجاوز مرحلة إمكانية إنقاذه بالماء، بل أشارت أيضاً إلى يأسه الكامل من الحياة وإدراكه أن الموت قد أصبح حتمياً.
أكد هذا التفسير الحوار الذي دار بين السجناء بعد موته، حيث تساءلوا عن مدة موته واكتشفوا أنه كان يتحدث ويطلب الطعام قبل موته مباشرة، لكن لم يسمعه أحد سوى توماس، مما جعل محاولة توماس إنقاذه بالماء محاولة متأخرة جداً لم تعد تجدي نفعاً.
كمنت المأساة العميقة في موت السجين رقم 21 في أنه لم يمت بطلق ناري أو تحت التعذيب المباشر، بل مات موتاً بطيئاً ذليلاً بسبب الجوع. كان هذا النوع من الموت أقسى وأشد وحشية لأنه جرد الإنسان من إنسانيته تدريجياً وحوله إلى مجرد جسد تلاشى يوماً بعد يوم. مارست السلطة قتلاً غير مباشر عبر تجويع السجناء وحرمانهم من أبسط مقومات الحياة، فلم تظهر أيديها ملطخة بالدماء، وانسحب هذا على المواطن خارج أسوار هذه الحفرة.
في الحقيقة، مارست السلطة القتل البطيء الذي فقد فيه السجين قواه تدريجياً حتى وصل إلى نقطة اللاعودة، كما حدث مع السجين 21 الذي وصل به الجوع إلى درجة لم يعد معها الطعام أو الماء قادرين على إنقاذه. فعندما قال "فات الأوان"، كان يدرك أن جسده قد استسلم نهائياً لموت أبطأ وأقسى من رصاصة سريعة.
بحوار مجنون جمع توماس مع توليو في لحظة تجل بمخيال باتافيزيقي وعمق درامي كشف عن حالة نفسية معقدة عاشها السجناء حيث تشبثوا بتفاصيل لوحة فنية كمحاولة للهروب من واقعهم القاسي ويظهر التشوش في تحديد هوية الرسام بين تيربورج وفيرمير كانعكاس مباشر لحالة الاضطراب الذهني والنفسي الذي يعيشه السجناء في عزلتهم حءيث تتحول الثريا الذهبية في اللوحة إلى رمز للضوء والحرية التي يفتقدونها في ظلمة السجن بينما مثلت الخريطة القديمة بتجاعيدها في خلفية اللوحة عالمهم الخارجي الذي أصبح ذكرى باهتة ومشوشة في أذهانهم وكشف تركيزهم الشديد على التفاصيل الفنية الدقيقة عن محاولتهم اليائسة للحفاظ على صلتهم بالثقافة والفن والجمال كوسيلة للبقاء على قيد الحياة النفسية وسط ظروف السجن القاسية فتتحول النقاش حول اللوحة إلى هروب مؤقت من واقعهم المظلم ليصبح الاختلاف حول هوية الرسام تعبيرا عن حالة فقدان اليقين التي سيطرت على وعيهم في ظل العزلة والحرمان ليتحول المشهد كله إلى محاولة لخلق عالم مواز جمالي داخل جدران السجن يحاولون من خلاله استعادة إنسانيتهم المسلوبة عبر التشبث بتفاصيل الفن والجمال حتى في أحلك الظروف وأكثرها قسوة
تغلغل المخرج في قلب توماس، حيث مثل دخول بيرتا للسجن في لحظة صفاء بزي مختلف عن زي السجن الذي اعتادت أن تأتيه به، وبنفس رقم بدلته (72)، تجسيداً مسرحياً لأحلام وتخيلات توماس المكبوتة التي رمزت لرغبته في رؤيتها خارج سياق السجن وواقعه القاسي. جسدت الحركات التعبيرية بينهما مشاعر الحب والشوق المكبوتة، أما البقعة الحمراء النازلة من السقف فحملت رمزاً مزدوجاً دل على ليلة الزفاف وفض البكارة، وفي نفس الوقت أشار إلى دموية الواقع الذي عاشه. جاء صراخ الطفل الوليد كتجسيد لحلمه بالأبوة والاستمرارية، وأصبح أداء ماكس لدور الطفل في خطواته الأولى استكمالاً لهذا الحلم المستحيل في ظل واقع السجن. مثل المشهد كله هروباً نفسياً وتعويضاً خيالياً عن حياة طبيعية حُرم منها توماس بسبب سجنه.
برز كصفعة قوية لأحلام توماس وتخيلاته أداء ماكس التعبيري كطفل يحبو، ثم ظهر موت السجين المريض كنقيض درامي صارخ لمشهد زواج توماس المتخيل من بيرتا وحلمه بإنجاب طفل. قالت المسرحية له بلغة قاسية إن نهايته لم تكن زواجاً وإنجاباً بل موتاً بطيئاً كما مات السجين رقم 21. أصبحت رقصة ماكس كطفل يحبو بمثابة محاكاة ساخرة لحلم الأبوة الذي راود توماس، حيث تحول الطفل المتخيل في أحلامه إلى رقصة موت تعبيرية انتهت بموت حقيقي.
مثّل موت السجين المريض رقم 21 إسقاطاً مستقبلياً لمصير توماس نفسه، فالمشهد برمته حطم الوهم الجميل الذي عاش فيه وواجهه بحقيقة مصيره المحتوم في السجن.
انبثقت من عبارة توليو الأخيرة قبل خروجه مع الحارس "أفق من أحلامك يا توماس، إنه خطأ أن نحلم" دلالة عميقة ومأساوية. قالها توليو (السجين 81) لتوماس قبل نقله للإعدام، فقد حاول تنبيه توماس إلى خطورة الاستغراق في الأحلام والأوهام داخل السجن لأنه علم أن مصيرهم جميعاً كان الموت، وأن أحلام توماس عن بيرتا والزواج والحياة الطبيعية لم تكن سوى هروب من واقع قاسٍ لا مفر منه. أراد توليو، الذي واجه الإعدام، أن يوقظ صديقه من أوهامه قبل أن يغادر ليواجه مصيره المحتوم، وكأنه قال له إن الأحلام في السجن كانت خطيئة لأنها جعلت الواقع أكثر قسوة عندما اصطدموا به.
إسقاطات العرض
تجلت إسقاطات مسرحية "المؤسسة" كنسق سيميائي متعدد المستويات عكس جدلية الفرد والمؤسسة. تجسدت البيروقراطية المؤسسية ك"قفص حديدي" حول الإنسان فيه إلى مجرد رقم، وتعمقت المأساة حين فقدت الشخصيات هويتها الفردية لصالح "محاكاة الواقع". تشكل العرض كوجود سيميائي متكامل، تضافرت فيه العلامات المختلفة لخلق دلالات عميقة حول علاقة الإنسان بالسلطة. برز البناء الدرامي المحكم عبر التوتر المتصاعد والمونولوج الداخلي الذي كشف العوالم النفسية للشخصيات.
في الختام طرح العرض سؤالاً فلسفياً محورياً: من كان المجنون الحقيقي؟ من رفض الواقع القمعي وهرب إلى عالم الوهم، أم من قبل هذا الواقع وتعايش معه؟.
المصادر...
1- كتاب "خطاب الحكاية" جيرارد جينيت
2- كتاب "العنف الرمزي" بورديو
3- كتاب "الوجود والعدم" سارتر
4- كتاب "الكينونة والزمان" هايدغر
5- كتاب "مجتمع المراقبة دولوز
6- كتاب "المراقبة والمعاقبة" ميشيل فوكو
7- كتاب "أشكال الزمان والمكان في الرواية" ميخائيل باختين
8- كتاب "إعداد الممثل" قسطنطين ستانيسلافسكي
9- كتاب "لذة النص" رولان بارت



#كاظم_ابو_جويدة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقالة نقدية للعرض المسرحي جنون الحمائم تأليف واخراج د.عواطف ...


المزيد.....




- فنانة رقمية سعودية تتخيل ما سيبدو عليه العيش داخل كهوف العلا ...
- مصر.. الفنانة نيرمين الفقي ترصد مكافأة مالية لـ-قاتل الكلاب- ...
- صدمة في بوليوود.. فنان هندي شهير يتعرض للطعن أثناء ردعه متسل ...
- الفنان السوري باسم ياخور يتحدث عن موقفه من العودة إلى سوريا ...
- الموت يفجع الوسط الثقافي والأدبي في الخليج
- بطل -ضيعة ضايعة- و-الخربة- يتحدث عن موقفه من العودة إلى سوري ...
- دعاء وأمل وترقب.. تفاعل الفنانين مع وقف إطلاق النار في غزة
- تمتع بعالم الثقافة.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك على جميع ا ...
- الفنان العراقي أحمد وحيد لـ-ترندينغ-: -طموحي الوصول إلى الجم ...
- الممثل الهندي سيف علي خان ينجو من الموت بعد طعنه عدة مرات في ...


المزيد.....

- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم ابو جويدة - قراءة نقدية بعنوان (شعرية الألم: تحليل خطاب الجسد وتجليات القمع المؤسساتي) للعرض المسرحي البحريني -المؤسسة- والذي تم تقديمه في مهرجان المسرح العربي الدورة الخامسة عشرة - مسقط - سلطنة عمان - ٢٠٢٥