|
المسوّرون.. رؤية متقاطعة لمعاناة الإنسان: دراسة مقارنة بين مذكرات صحفي من مخيمات اللجوء ومذكرات رهينة إسرائيلية في قطاع غزة
عصام بن الشيخ
كاتب وباحث سياسي. ناشط حقوقي حر
(Issam Bencheikh)
الحوار المتمدن-العدد: 8225 - 2025 / 1 / 17 - 03:48
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
المسوّرون.. رؤية متقاطعة لمعاناة الإنسان: دراسة مقارنة بين مذكرات صحفي من مخيمات اللجوء ومذكرات رهينة إسرائيلية في قطاع غزة أ د/ عصام بن الشيخ *********************************** مقدمة: عندما تخوض الشعوب المستضعفة حروبها التحريرية ضدّ قوى الاستعمار، غالبا ما تكون مراسلات الصحفيين ومذكرات النخبة والمثقفين، مثل الدبلوماسيين والباحثين والمحامين، وسيلة توثيقية موضوعية وذاتية هامة، تستخدمها الأمم والدول لتدوين جزء من تاريخها، من خلال الاحتفاظ بيوميات المواطنين المدنيّين ضحايا العنف الكولونيالي. لكن في المقابل، تشكّل الرواية المضادة لمواطني القوّة الاستعمارية، شهادات تأكيديّة أو مضادّة لما يكتبه المستضعفون، لتوضيح ما أصاب إنسانيتهم من أمراض سيكولوجيّة ناجمة عن انتمائهم إلى دولة عدوانيّة ظالمة، كانوا هم أوّل ضحايا سياساتها الإجراميّة. تحاول دراستي أن تجد القاسم المشترك في صراع هذه الكتابات، لفكّ قيود (أساليب وأماكن تقييد الحرية)، سواء في حياة المعتقلين والأسرى أو النازحين واللاجئين الفلسطينيين، أو المختطفين الرهائن الإسرائيليين بعد (أحداث 07 أكتوبر 2023) أو المستوطنين المهجّرين من الكيبوتسات، أو المدنيين الإسرائيليين المختبئين في ملاجئ الحماية من صواريخ القسام وحزب الله والحوثيين. سأدرس كيف تؤكّد كتابات الجانبين معا أنّ كلاّ منهما يتقاسم مأساة المعاناة، بسبب وجوده في سجن كبير أو منزل مدمر أو مخبأ ضيق، حماية لإنسانيته المنتهكة، وكيف يتحمّل رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو المسؤولية الكاملة عمّا حدث. سأكتب هذه المقالة للمقارنة بين مذكرات صحفي فلسطيني نازح من قطاع غزة، ومذكرات مختطفين إسرائيليين يوم (07 أكتوبر 2023)، تجري خلفهم دور النشر لحيازة ملكية المادة التي بحوزتهم بعد التحرير. ولكي أبحث عن هذا النوع من المذكرات لجأت إلى الأدب الناتج عن كتابات الرهائن والأسرى والمختطفين، ووجدت نماذج عديدة بضعها سبق له قرون مضت، مثل كتابات ابن عرب شاه (الذي اختطفه المغول من دمشق وتم بيعه وأسره بعيدا عن وطنه)، وأيوب السنغالي (الذي فقد حريته في السنغال وتم بيعه مع العبيد في الأراضي الأمريكية)، وليون الإفريقي (المغربي الذي أختطف في تمبوكتو وتم أسره في إيطاليا)، وميغيل سيرفانتيس (الذي اختطفه البحارة الجزائريون وطلبوا فدية لإعادة تسليمه إلى إسبانيا)، وصولا إلى أدب الأسرى والمعتقلين السياسيين في عصرنا، مثل اعتقال نيلسون مانديلا على يد نظام الفصل العنصري (الأبارتايد) بجنوب إفريقيا، و أسر السيناتور الأمريكي جون ماكاين في فييتنام، أو مذكرات الأسير الفلسطيني القيادي من حركة فتح مروان البرغوثي، أو رمزيات رواية الشهيد يحي السنوار (الشوك والقرنفل). فاجأني أنّ فابيان ساكريست صاحب مقال "حرب التحرير الجزائرية: معسكرات إعادة التجميع أو كيف عملت فرنسا على تفكيك الأرياف الجزائرية"، ممنوع من التوظيف في الجامعات الفرنسية وبقي أستاذا بالتعليم الثانوي، لأنّ أطروحاته البحثية تحاول أن تكشف أسرار المجتمعات المحبوسة (في مراكز تقييد الحرية)، أو ما يمكن تسميتهم بـ: (المسوّرين The Walled Ones / Les Emurées). فقد عرفت الجزائر تأسيس 2392 غزة صغيرة عام 1959، وهي معسكرات إعادة تجميع لتفكيك الأرياف التي تشكّل إسنادا للمجاهدين، لمنع المقاتلين الجزائريين من الاستفادة من دعمهم، تجمعات كشف عنها تقرير روكارد (مارس 1959) والذي فضح موجة سياسة التهجير القسري واسعة النطاق، والتي نجم عنها سجن 02 مليون و35 ألف جزائري، في سجن على الهواء الطلق لمعاقبة مجاهدي منطقة الأوراس بعد اندلاع (ثورة أول نوفمبر 1954)، وهو محاكي تماما لما حدث في قطاع غزة بعد اندلاع أحداث طوفان الأقصى في (07 أكتوبر 2023)، مع فارق أن ف الجزائر قد أستشهد 200 ألف طفل ذلك العام. سعى محافظ ولاية قسنطينة موريس بابون إلى تدمير المجتمع الريفي الذي يساند الثوار، فأسس 1000 قرية بعيدة عن قرى إسناد الثوار، تم إحاطتها بالأسلاك الشائكة، وتديرها إدارة خاصة بالمعسكرات قادمة من المغرب(1)، تطبق رقابة خاصة على مداخل ومخارج المعسكرات، لقي 200 ألف جزائري حتفهم في هذه المعسكرات، وحدث قطع لوتيرة الزراعية لمئات الآلاف من الفلاحين والحد من عمل رعاة المواشي، مما تسبب في مجاعة، كل ذلك لمنع الثوار الجزائريين من الحصول على الموارد. وهو أيضا ما وقع في قطاع غزة، والسبب الرئيسي لتأسيس شبكات الأنفاق. ترتكز إشكالية مقالتي حول الفكرة التالية: كيف تنعكس تجارب الأفراد في مواقف متناقضة جوانب متقاطعة من الألم، والمعاناة؟، وكيف تقدم المذكرات الشخصية (الصحفي من مخيمات اللاجئين والرهينة الإسرائيلية) رؤية إنسانية متقاطعة رغم اختلاف المواقع السياسية والاجتماعية؟ ينطلق الفرش التنظيري من دراسات المعاناة الإنسانية والنزاعات، ومفهوم المذكرات الشخصية بوصفها وسيطاً لنقل التجارب الفردية، إضافة إلى المقاربة ما بعد الكولونيالية في فهم تجارب المستضعفين والمسيطرين، وسأقوم بشرها ضمن متن النصّ. كما أنّ من الطبيعي أن أعتمد ف مثل هذه الظواهر المبحوثة، على المنهج المقارن لتحليل النصوص والسياقات الاجتماعية والسياسية لكلتا المذكرات. المنهج التأويلي: لفهم المشاعر والرموز الثقافية في نصوص المذكرات، وسأقوم بتحليل مذكرات شخصية موثقة، مستعينا بالمنهج السيكولوجي لدراسة أنماط المعاناة في كلا النصين، المعاناة النفسية (الخوف، العزلة، والترقب)، المعاناة الجسدية (الاحتياجات الأساسية والحرمان، المعاناة الاجتماعية (الاغتراب والانعزال عن المجتمع)، وبحث معاني الرموز والصور المشتركة: (وصف الأماكن المغلقة (المخيم مقابل مكان الاحتجاز). العلاقة مع "الآخر" (المستعمر، المسيطر). سرديات الأمل واليأس). يقودني هذا النوع من الأبحاث للتعرّف على الاختلافات الرئيسية بين منظور الضحية والمسيطر (أو المقهور والقوي)، ودور السياق الثقافي في صياغة المعاناة، ودراسة الاختلاف في أهداف السرد (التوثيق مقابل التوعية). وكيف أنّ هذه الاختلافات الجوهرية لا تشكّل مانعا من وجود دلالات التشابه في المعاناة، وهي "رؤية متقاطعة"، تكشف عن مأساة إنسانية مشتركة لكنّها تمنع التقارب الإنساني في الجهة المقابلة!. حيث تسببت التجارب القاسية في التأثير على إدراك كلّ طرف تجاه الآخر بعنف، ولا يزال الفلسطينيّ يعتبر المحتل الصهيونيّ إرهابيّا يهوديّا محتلا، ولا يزال المواطن الصهيونيّ يعتبر الفلسطينيّ إرهابيا متأسلما.
*ــ أولا: الفرش النظري للظاهرة المبحوثة: دراسة لأطروحتي فرانز فانون وإدوارد سعيد *ــ أطروحة فرانز فانون: يعدّ الطبيب النفسي والمفكر الثوري فرانس فانون Frantz Fanon (1925-1961)، واحدا من أبرز الأصوات الفكرية التي تناولت قضايا الاستعمار والتحرر الوطني في القرن العشرين. يُعتبر كتابه "المعذبون في الأرض" The Wretched of the Earth) ، الذي صدر عام 1961، عملاً محورياً في دراسة الكولونيالية وعواقبها على المستعمَرين والمستعمِرين على حد سواء. يقدم فانون نقدا عميقاً وشاملا للاستعمار بوصفه نظاماً قمعياً واستغلالياً، لا يقتصر فقط على الهيمنة السياسية والاقتصادية، بل يمتد إلى تشويه البنية النفسية والثقافية للمجتمعات المستعمَرة. ينطلق فانون من خبرته كطبيب نفسي عالج ضحايا الصدمات النفسية الناتجة عن الاستعمار والحرب، ليكشف عن العلاقة الوثيقة بين العنف الاستعماري والتوترات النفسية والاجتماعية التي يعاني منها الأفراد. يرى فانون أن العنف الاستعماري يولّد عنفاً مضاداً من قبل المستعمَرين، ويعتبر هذا العنف جزءاً ضرورياً من عملية التحرر. بالنسبة له، التحرر لا يمكن أن يتحقق من خلال الحوار أو التفاوض وحده، بل يتطلب تدمير النظام الاستعماري بجميع أركانه. يؤكد فانون أن الاستعمار لا يكتفي بنهب الموارد الاقتصادية، بل يفرض أيضاً نظاماً ثقافياً ونفسياً يجعل المستعمَرين يشعرون بالدونية. لذا، فإن عملية التحرر يجب أن تشمل استعادة الهوية الثقافية وإعادة بناء الذاتية الوطنية. كما يقدّم فانون تحليلاً معمقاً للتأثيرات النفسية للاستعمار على كل من المستعمِر والمستعمَر. فهو يرى أن الاستعمار يدمر الثقة بالنفس لدى الشعوب المستعمَرة، مما يؤدي إلى انقسام داخلي واضطرابات نفسية. كما يشير إلى أن المستعمِر ذاته يعيش حالة من التوتر الناتج عن حاجته المستمرة لتبرير عنفه وهيمنته. يناقش فانون تحديات مرحلة ما بعد الاستقلال، محذراً من خطر تبني النخب الوطنية الجديدة نفس هياكل الاستغلال التي فرضها الاستعمار. ويرى أن الثورة الحقيقية يجب أن تشمل تغييراً جذرياً في البنية الاقتصادية والاجتماعية، وليس مجرد انتقال السلطة من المستعمِر إلى النخب المحلية. يمثل كتاب فرانز فانون بعنوان "المعذبون في الأرض"، شهادة حية على معاناة الشعوب المستعمَرة وكفاحها من أجل الحرية. أثّر هذا الكتاب بشكل كبير في حركات التحرّر الوطنيّ في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، كما أصبح نصاً مرجعياً في الدراسات ما بعد الكولونيالية. ورغم الجدل الذي أثاره بسبب تأييده للعنف الثوري، يبقى عمل فانون من أهم النصوص التي تقدم فهماً عميقاً لتجربة الاستعمار وأثرها على المجتمعات والأفراد. يعّد كتاب "المعذبون في الأرض" نداءً لتفكيك الاستعمار بجميع أشكاله وإعادة بناء المجتمعات على أسس أكثر عدلاً وإنسانية، وهو رسالة لا تزال تجد صدى في سياق العالم المعاصر. وقد لمع نجم فرانز فانون لأنّه انضم لثورة التحرير الجزائرية وكان رئيس تحرير أهمّ جرائد الثورة الجزائرية مثل جريدة المجاهد.
*ــ أطروحة إدوارد سعيد: قدم المفكر الفلسطيني-الأمريكي إدوارد سعيد Edward w. Said (1935-2003)، من خلال كتابه الشهير "الاستشراق" Orientalism، تحليلاً عميقاً لأيديولوجيا الاستعمار وآلياتها الفكرية والثقافية. على الرغم من أن إدوارد سعيد لم يكتب مباشرة عن "حل الاستعمار" بالمعنى التقليدي الذي نجده لدى مفكرين مثل فرانس فانون، إلا أن أطروحته تقدم رؤية فكرية نقدية لكيفية تفكيك الهيمنة الاستعمارية، خصوصاً من خلال إعادة النظر في الأطر الثقافية والمعرفية التي كرسها الاستعمار. يرى إدوارد سعيد أن الاستعمار ليس مجرد نظام اقتصادي أو سياسي، بل هو أيضاً منظومة معرفية وثقافية تستند إلى إنتاج خطاب فكري مهيمن. هذا الخطاب، الذي يتجلى بشكل أساسي في الاستشراق، يصور الشرق (أو المستعمرات) كـ"آخر" مختلف وأدنى مقارنة بالغرب. لذلك، أي عملية لحل الاستعمار يجب أن تبدأ بتفكيك هذا الخطاب الذي يبرر الهيمنة والسيطرة. يركز سعيد على أهمية إعادة بناء الهوية الثقافية للشعوب المستعمَرة، التي شوهها الخطاب الاستعماري. يرى أن الشعوب يجب أن تتبنى سردياتها التاريخية والثقافية الخاصة، بعيداً عن الصورة المشوهة التي فرضها الاستعمار، كخطوة أساسية لاستعادة كرامتها وسيادتها. واحدة من أبرز مساهمات سعيد في تفكيك الاستعمار هي دعوته إلى رفض الثنائيات الثقافية التي فرضها الاستعمار، مثل "الشرق مقابل الغرب" أو "المتحضر مقابل البدائي". يؤكد سعيد على ضرورة الاعتراف بالهويات المتداخلة والمتعددة، مما يتطلب رؤية عالمية أكثر عدلاً وتنوعاً. يشير سعيد إلى أن المؤسسات الأكاديمية، والأدب، والفنون في الغرب لعبت دوراً رئيسياً في بناء الشرعية للاستعمار. بالتالي، فإن حل الاستعمار يتطلب نقداً جذرياً للمعرفة الغربية التي نشأت في ظل الاستعمار، وتأسيس معرفة بديلة قائمة على الحوار والمساواة. بالنسبة لسعيد، القضية الفلسطينية تمثل نموذجاً حياً لاستمرار الهيمنة الاستعمارية في العصر الحديث. يرى أن حل الاستعمار لا يقتصر فقط على إنهاء الاحتلال العسكري، بل يشمل أيضاً إنهاء السرديات الاستعمارية التي تنكر حقوق الفلسطينيين ووجودهم. لذلك، كان سعيد يدعو إلى حل يقوم على العدالة والاعتراف بالحقوق المتساوية لجميع الأطراف. تتمثل أهمية إدوارد سعيد في توسيع نطاق النقاش حول الاستعمار ليشمل البعد الثقافي والمعرفي، مما ساعد على تشكيل ما يُعرف اليوم بـ: "دراسات ما بعد الكولونيالية"Postcolonial Studies أطروحته حول حل الاستعمار تدعو إلى إعادة تشكيل العالم على أسس أكثر عدالة، من خلال تفكيك الأنظمة الفكرية التي دعمت الاستعمار وإعادة بناء السرديات الثقافية والهويات الوطنية للشعوب. ليست أطروحة إدوارد سعيد حول حل الاستعمار ليست مجرد دعوة لتحرير الأرض من السيطرة الاستعمارية، بل هي رؤية شاملة لتحرير العقل والثقافة من هيمنة الخطاب الاستعماري. إنها دعوة للإنسانية لتجاوز موروثات الماضي الاستعماري وبناء عالم أكثر إنصافاً وتعددية.
*ــ توثيق نضال نيلسون مانديلا ومروان البرغوثي في مذكرات الأسر والاعتقال: تبرز تجربة المعتقل الفلسطيني والقيادي البارز في حركة فتح الأسير مروان البرغوثي (ولد عام 1958)، والتي لخصها في كتابه بعنوان: "من داخل السجن: ألف يوم من زنزانة العزل الانفرادي"، أنّ كتابه بمثابة مذكرات تتضمن رسائل سياسية نضالية يكتبها البرغوثي أثناء وجوده في السجن الإسرائيلي، بعد أن تم اعتقاله في عام 2002 بتهم تتعلق بالتحريض والمشاركة في أعمال عنف ضد الاحتلال. يتناول الكتاب يتناول العديد من القضايا الوطنية والسياسية والاجتماعية التي تخص الفلسطينيين وحقوقهم، ويمثل صوتًا متمردًا ومفكرًا ينقل من خلاله مروان البرغوثي تجربته في السجن، وأفكاره حول القضية الفلسطينية، والنضال من أجل الحرية، وكذلك رؤية جديدة لمستقبل فلسطين. الكتاب لا يعد مذكرات شخصية فحسب، بل هو أيضًا محاولة لفهم الواقع الفلسطيني، وتحليل الصراع العربي-الإسرائيلي من منظور قيادي فلسطيني. أبرز المحاور التي يتناولها الكتاب تجربة في السجن، إذ يعرض مروان البرغوثي في هذا الكتاب تفاصيل تجربته في السجون الإسرائيلية، وكيف يتم معاملة الأسرى الفلسطينيين، وكيف يواجهون ظروف السجن القاسية. كما يسلط الضوء على الواقع السياسي والاجتماعي الذي يعيشه الفلسطينيون داخل السجون. وتحدث عن الاعتقال والتعذيب الذي تعرض له، وعن القوة النفسية التي يحتاجها الأسرى لمواجهة هذه الظروف القاسية، وعن كيفيات خوض معركة الإضراب عن الطعام (الأمعاء الخاوية) لتوصيل صوتهم إلى العالم من داخل الأسر. يقدم البرغوثي تحليلًا عميقًا للمشهد الفلسطيني، بما في ذلك الوضع الداخلي لفلسطين وتفاعلات الفصائل الفلسطينية المختلفة، والعلاقات الفلسطينية-الإسرائيلية، وكذلك التأثيرات الخارجية على القضية الفلسطينية. ويناقش تطورات العملية السياسية، بما في ذلك محادثات السلام مع إسرائيل، وفشل المفاوضات، وعواقب الفشل الدبلوماسي على الشعب الفلسطيني. ويطرح مروان البرغوثي رؤيته لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ويركز على أهمية الحقوق الفلسطينية وفي مقدمتها حق العودة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. كما قدم مقترحا عن التوحد الفلسطيني، وشدد على ضرورة تجاوز الخلافات الداخلية بين الفصائل الفلسطينية، وتحدث عن أهمية الانتفاضة كوسيلة للنضال المستمر. يناقش البرغوثي في كتابه تطور القضية الفلسطينية في سياق التغيرات الإقليمية والدولية، خاصةً في ظل التوترات بين الشرق الأوسط والقوى الكبرى، ويعرض رأيه في مواقف بعض الدول العربية من القضية الفلسطينية وأهمية التضامن الدولي لفلسطين. كما يبرز كتاب مروان البرغوثي الجانب الإنساني للأسرى الفلسطينيين، بما في ذلك التضحيات الشخصية والعائلية. يوضح أيضًا كيف يؤثر السجن على حياة الأفراد، وكيف يسعى البرغوثي وأسرته للحفاظ على الروابط الإنسانية والعائلية في ظل الظروف الصعبة. ويشمل الكتاب أيضا شرحا لمفهوم البرغوثي للمقاومة، وكيف يجب أن تكون المقاومة الفلسطينية شاملة ومتكاملة تشمل النضال السياسي والعسكري والشعبي. ويوضح أن المقاومة لا تتوقف على العمليات العسكرية فقط، بل هي أيضا نضال فكري وثقافي لتغيير الواقع. يمثل كتاب مروان البرغوثي رسالة من السجن للشعب الفلسطيني وللشعوب العربية والعالم، ويُعد دعوة للوحدة والعمل المشترك من أجل تحقيق العدالة والحرية للشعب الفلسطيني. يبرز البرغوثي في كتابه أن النضال الفلسطيني يجب أن يستمر بغض النظر عن الظروف، وأن التاريخ الفلسطيني سيكتب بدماء وتضحيات الأبطال مثل الأسرى. كما يحمل الكتاب دعوة للمجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته تجاه القضية الفلسطينية والعمل على إحقاق حقوق الفلسطينيين. يعد هذا الكتاب توثيقًا لفكر مروان البرغوثي وتحليلاته السياسية من داخل السجن، ويقدم فهماً مغايرًا عن الأحداث التي مرت بها القضية الفلسطينية. كما أنّه أسهم في إبراز صوت الأسرى الفلسطينيين والتحديات التي يواجهونها في السجون الإسرائيلية. وكان له صدى مؤثر لدى الرأي العام الفلسطيني، بدعوته إلى ضرورة الوحدة بين الفصائل الفلسطينية لتحقيق الهدف المشترك وهو إقامة دولة فلسطينية مستقلة. وعليه، يُعد كتاب مروان البرغوثي "من داخل السجن" من أهم الأعمال التي تقدم رؤية واضحة ومعمقة للقضية الفلسطينية من منظور أحد أبرز قادة حركة فتح والمقاومة الفلسطينية. ومن اللفات، أنّ مروان البرغوثي وثّق كلّ هذه الأفكار، فيما اكتفى الشهيد يحي السنوار الذي التقى به في الأسر، اكتفى السنوار بتعلّم العبرية، وتكوين نفسه عسكريا، وتطبيق نظامه الأمني داخل المعتقل بالاتصال مع شؤون مدينة غزة، للقضاء على العملاء والجواسيس الذين جنّدهم المحتل. كتب زعيم جنوب إفريقيا الرئيس الراحل نيلسون مانديلا Nelson Mandela (1918 – 2013) مذكراته خلال فترة اعتقاله في السجن، وهي واحدة من أشهر وأهم الكتب التي تناولت حياته ونضاله. الكتاب الذي أُصدر بعنوان "مذكرات من السجن" (بالإنجليزية: Long Walk to Freedom أو The Long Walk to Freedom: The Autobiography of Nelson Mandela) يُعد من أبرز أعماله الأدبية والفكرية. يُعد الكتاب سيرة ذاتية حيث يقدم مانديلا فيه سردًا لحياته، بما في ذلك تجاربه الشخصية، مع التركيز على كفاحه ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. الكتاب يشمل تفاصيل حياته من طفولته ونشأته في قبيلة Thembu، مرورًا بتعليمه في مدينة أليس، ثم دراسته في جامعة فورت هار، وصولًا إلى انخراطه في النضال السياسي ضد نظام الفصل العنصري. يبرز الكتاب بشكل مكثف فترته في السجون، حيث أمضى مانديلا 27 عامًا من عمره في السجون، بعضها في سجن روبين آيلاند، وهي الفترة التي شكلت جزءًا أساسيًا من روايته. الكتاب يغطي تفاصيل الحياة في السجون، وكيف أن مانديلا استطاع أن يظل صامدًا وقويًا رغم الظروف القاسية، وتطرق إلى كيفية مقاومته ومحاولات إسرائيل إفقاده الأمل. يعكس كتاب نلسون مانديلا تطور مواقف مانديلا الفكرية ونضوجه الشخصي والسياسي. يوضح كيف قام بمراجعة بعض أفكاره في السجن، خاصة فيما يتعلق باستخدام العنف كوسيلة للنضال السياسي. كما يتحدث عن تطور رؤيته للمصالحة الوطنية بعد خروجه من السجن وكيفية تقديم التسامح والمصالحة بين الأفارقة والبيض. يعدّ كتاب نلسون مانديلا وثيقة تاريخية حيوية لحياة واحدة من أعظم الشخصيات في القرن العشرين. لقد استطاع مانديلا من خلال هذه المذكرات أن يبرز نضاله السياسي ومثابرته، ويعتبر الكتاب مرجعًا للأجيال القادمة لفهم كيفية مقاومة الظلم والتحديات الشديدة، وأهمية الإرادة في تحقيق الحرية والعدالة. كما كان الكتاب مصدرًا هامًا للفهم العميق لنضال مانديلا وطباعه وصبره في كلّ أنحاء العالم. حيث سعت العديد من الأمم والمنظمات في العالم للاستفادة من رؤيته حول التسامح والمصالحة في معالجة الصراعات الداخلية والخارجية. يعدّ كتاب "مذكرات من السجن" من الأعمال الكبرى في الأدب السياسي، ويعكس قوة عزيمة مانديلا وكيف شكلت سنواته الطويلة في السجون الأساس الذي قام عليه مستقبله السياسي بعد إطلاق سراحه، وصولاً إلى رئاسته في جنوب أفريقيا وتحقيق حلمه في الديمقراطية والمساواة. *ــ مناهضة الاستعمار والدكتاتورية في نضال بن نبي والمسيري: كتاب "شاهد على القرن" هو من تأليف مالك بن نبي Malek Bennabi (1905 – 1973)، المفكر والفيلسوف الجزائري، الذي أسهم بشكل كبير في الفكر الإسلامي المعاصر، خاصة فيما يتعلق بتشخيص مشاكل العالم العربي والإسلامي. الكتاب مذكرات شخصية لمالك بن نبي، يتناول فيها تطور الأحداث الوطنية أثناء احتلال فرنسا للجزائر، ويناقش عبره المسائل الكبرى التي مر بها العالم العربي والإسلامي في القرن العشرين، وكيف تأثر بالأحداث التاريخية التي شهدها. يشمل العديد من المحاور والأفكار التي تتعلق بفكر مالك بن نبي ومنهجيته في فهم أسباب تخلف الأمة الإسلامية، وتقديم حلول إصلاحية للنهوض بها. يقدم مالك بن نبي في الكتاب تحليلاً للأحداث السياسية والاجتماعية التي مر بها العالم الإسلامي خلال القرن العشرين، مثل الاستعمار، الحروب العالمية، الاستقلالات، وتأثيرات تلك الأحداث على المجتمعات الإسلامية. يعرض بن نبي كيف أثر الاستعمار الغربي على هوية وثقافة الأمة الإسلامية، وكيف أدى إلى تدمير العديد من مقومات الحضارة الإسلامية. ويشير مالك بن نبي إلى أزمة الفكر الإسلامي في القرن العشرين، التي شهدت تراجعًا في التجديد والابتكار في مواجهة التحديات الحديثة. كما يعبر عن رؤيته حول ضرورة التجديد الفكري والنهوض بالأمة من خلال استعادة عناصر القوة الروحية والثقافية. ويسلط الضوء على التحولات السياسية الكبرى في العالم العربي، من خلال أحداث مثل الاستقلال الوطني وصعود الحركات الإسلامية، مع تحليل نقدي لكيفية تفاعل الأمة الإسلامية مع هذه التحولات. ويشمل الكتاب تحليلاً للمشاكل الاقتصادية، الاجتماعية، والسياسية التي تواجه الأمة الإسلامية، ويقدم بن نبي رؤى نقدية لطرق حل هذه المشكلات عبر تكامل العلم والدين ودمج المعارف الحديثة مع القيم الإسلامية. ويقدم مالك بن نبي رؤيته حول أهمية التعليم كأداة أساسية للنهضة، ويشدد على ضرورة إصلاح النظام التعليمي في العالم العربي والإسلامي ليواكب تطورات العصر. الكتاب هو بمثابة دعوة لإعادة النظر في واقع الأمة الإسلامية والتفكير في كيفية النهوض بها من خلال التفاعل الإيجابي مع معطيات العصر الحديث، مع المحافظة على الهوية الإسلامية. يشدد مالك بن نبي في "شاهد على القرن" على ضرورة إيجاد حلول غير تقليدية للمشاكل التي تواجه الأمة، مستفيدًا من دروس الماضي لتفادي الوقوع في نفس الأخطاء. تعتبر مذكرات "شاهد على القرن" توثيقًا وطنيا هاما لتحليل عميق ورؤية مستقبلية حول كيفية إصلاح الأمة الإسلامية في العصر الحديث، وكان له أثر كبير في تطوير النضال الجزائري ضدّ الاستعمار في ما بعد. وقد لفتني أنّه يتحدث عن دور واقعة إعلان رسّام فرنسيّ اسمه إيتيان دينيه ليسمي نفسه باسم الحاج ناصر الدين دينيه، دور هذه الواقعة في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عام 1930، والتي قاومت الجهل والأمية بإعادة افتتاح الزوايا الدينية، وباشرت عملها تحت شعار "تحرير الأنفس والأرواح يسبق تحرير الأبدان والأوطان". وهو نهج سلفي في التربية، يحاول ترسيخ عقيدة تدافع عن تميّز الهوية الجزائرية عن الاستعمار الغربيّ. هناك أيضا، كتاب "تجربتي الفكرية" هو من تأليف المفكر المصري عبد الوهاب المسيري Abdel Wahab El-Messiri (1938 – 2008) أحد أبرز المفكرين في العالم العربي، الذي قدّم إسهامات كبيرة في مجالات الفكر والفلسفة، والدراسات الثقافية. في هذا الكتاب، يقدم المسيري مذكراته الفكرية التي تسلط الضوء على مسيرته الفكرية والشخصية، وتوثق لتطور أفكاره ورؤيته حول قضايا عديدة تتعلق بالعالم العربي والإسلامي، وكذلك القضايا العالمية الكبرى في القرن العشرين. هذا الكتاب بمثابة شهادة ذاتية لعبد الوهاب المسيري عن تجربته الفكرية والعملية، ويستعرض فيه تطور أفكاره من خلال مراحل مختلفة في حياته، بالإضافة إلى تأثير هذه التجربة في تطور الفكر العربي والإسلامي. يتحدث المسيري عن نشأته المبكرة في مصر وكيف تأثر بالثقافة الغربية في البداية، ثم اكتشافه لفكر الإسلام المعاصر. كما يذكر كيف بدأت رحلته الفكرية في محاولة لفهم الواقع العربي وتقديم رؤى إصلاحية. يصف كيف تأثر بمفكرين غربيين في فترة من فترات حياته، وكيف حاول الاستفادة من منجزات الحضارة الغربية مع الحفاظ على هويته الثقافية والعقائدية الإسلامية. كما يتناول نقده للفكر الغربي وكيف بدأ يشكك في مفاهيم الحداثة والعلمانية. يتطرق إلى تطور مفاهيمه حول الإسلام، وكيف بدأ يولي اهتمامًا خاصًا للهوية الإسلامية في العالم المعاصر، متأثرًا بحركة النهضة الإسلامية والبحث عن البدائل الحضارية. يتناول المسيري في الكتاب نقده للمفاهيم الاستشراقية التي كانت سائدة في العالم الغربي تجاه العالم العربي والإسلامي، وكيف أسهم في تفكيك هذه التصورات النمطية عن العرب والمسلمين. يتحدث المسيري عن تجاربه في العمل الأكاديمي، سواء في مصر أو خلال فترته الطويلة في الولايات المتحدة، وكيف تطورت رؤيته النقدية للمفاهيم الغربية وعلاقتها بالواقع العربي والإسلامي. كما يشير إلى تأثير دراساته في الفكر العربي المعاصر. ويناقش رؤيته حول مفهوم الهوية الإسلامية وكيفية تفاعلها مع العولمة، والضغوط التي يتعرض لها المسلمون في العالم في مواجهة التيارات الغربية. يتناول عبد الوهاب المسيري قضايا اجتماعية وسياسية من خلال تجربته الفكرية. يركز على أهم التحديات التي تواجه العالم العربي والإسلامي في الوقت الراهن، ويتحدث عن كيفية إدارة هذه التحديات مع الحفاظ على القيم الإسلامية. ومن خلال "تجربتي الفكرية"، يسعى عبد الوهاب المسيري إلى تقديم صورة حية وشاملة لرحلة فكرية مليئة بالتحولات، ويبرز فيه قناعته بأن الفكر يجب أن يكون أداة لفهم الواقع وتحقيق الإصلاح في المجتمعات الإسلامية والعربية، وهو يربط بين مسار حياته الفكرية ومسائل الأمة الكبرى. وبهذا أكون قد فصلت هذه الكتابات الموضوعية، عن تلك التي يكتبها العوام، ويوثقون من خلال المشاعر التي يواجهونها أثناء فترات الاعتقال والتعذيب والقهر. *ــــ ثانيا: معضلة فلسطين وسابقاتها: كيف نستفيد من أدب السجون والأسرى والمختطفين أدب اللجوء Asylum Papers literature هو نوع أدبي يتناول تجارب اللجوء والهجرة القسرية، ويعبر عن معاناة اللاجئين الذين أُجبروا على مغادرة أوطانهم نتيجة الحروب أو الاضطهاد أو الكوارث الطبيعية. يركز هذا النوع من الأدب على القضايا الإنسانية والاجتماعية والسياسية المرتبطة باللجوء، ويعكس مشاعر الفقد، والاغتراب، والحنين، والأمل، إضافة إلى صراعات الهوية والانتماء. من سمات أدب اللجوء، أنّه يقدّم معاناة اللاجئين في رحلة الهروب من العنف والاضطهاد، وصعوبات الحياة في المخيمات أو في البلدان المضيفة، صراع الهوية والانتماء الثقافي في البيئات الجديدة، الحنين إلى الوطن المفقود والأمل في العودة، تجارب التمييز والعنصرية التي يواجهها اللاجئون، ويعتبرها الموضوعات الرئيسية للمأساة. وقد لاحظت أنّ هذه الموضوعات لها دو كبير في تسجيل المأساة السورية التي لفتت أنظار العالم إلى ممارسات النظام العلوي المجرم للرئيس السوري الهارب بشار الأسد، مثل رواية "كوما" لسمر يزبك التي تتحدث عن النزوح السوري ومعاناة اللاجئين. يعتمد الأسلوب السردي لأدب اللجوء على السرد الشخصي أو المذكرات، ويقدّم وصفا دقيقا للتفاصيل اليومية والتجارب الإنسانية، ويساعد على توظيف اللغة العاطفية التي تنقل الألم والحنين، ويقوم باستخدام الصور الأدبية التي تعكس المعاناة والآمال بانتهاء سريع لأزمة النزوح واللجوء عبر منع الاقتتال وإقرار السلام ووقف إطلاق النار. يبرز أدب اللجوء صورة إنسانية جديدة عن اللاجئين بعيداً عن الصور النمطية، لأنّه يركز على الأبعاد النفسية والعاطفية لتجربة اللجوء، يُبرز الجانب العالمي للمعاناة الإنسانية المشتركة. ويمكن التأكيد أنّ أدب اللجوء هذا يناقش الأبعاد السياسية للنزاعات والحروب التي تؤدي إلى اللجوء، وينتقد السياسات الدولية تجاه اللاجئين وازدواجية المعايير، ويُبرز أهمية العدالة وحقوق الإنسان في معالجة قضايا اللجوء. يمكن أن نصنّف أنواع أدب اللجوء في الروايات التي تقدم سرداً خيالياً أو واقعياً مستوحى من تجارب اللاجئين. مثال: رواية "موت صغير" لعبد الرحمن منيف التي تعكس حنيناً للوطن رغم اختلاف سياقها. أو الشعر، عندما يعبّر الضحية عن المشاعر المكثفة للاجئين، مثل الحزن والحنين للوطن، والأمل في حياة جديدة. مثال: قصائد محمود درويش التي تركز على المنفى الفلسطيني. وتلحّ عليّ صورة طليقته التي أكّدت أنّ طلقها ليمنحها الحرية في إنجاب الأطفال والدخول في تجربة الأمومة بعيدا عنه، حيث كانت قناعة محمود درويش أنّه لا يريد أن ينجب طفله أو طفلته خارج الوطن، حتى لا يساهم في زيادة أعداد اللاجئين بالخارج. هاك ّأيضا المذكرات والسير الذاتية التي تروي تجارب حقيقية للاجئين، مثل كتابات خالد حسيني "عداء الطائرة الورقية" التي تتناول تجربة اللجوء من أفغانستان. أو المسرحيات التي تعرض قصص اللجوء على خشبة المسرح لتوعية الجمهور بالمأساة الإنسانية لما يسمى بـ: "التغريبة". وهناك أيضا الأدب العالمي المترجم لتجارب اللجوء من مختلف الثقافات، ما يجعل القضية ذات طابع عالمي، ومن أمثلته البارزة: رواية غسان كنفاني "رجال في الشمس" التي تسلط الضوء على معاناة اللاجئين الفلسطينيين ومحاولاتهم الوصول إلى مستقبل أفضل. ورواية خالد حسيني بعنوان "ألف شمس مشرقة" و"عداء الطائرة الورقية" التي تناقش قضايا اللجوء الأفغاني بعد الحروب. ركزت قصائد محمود درويش Mahmoud Darwich (1947-2008)، مثل "جواز السفر" على آثار فقدان الوطن والمنفى الفلسطيني. كما تناول عبد الرحمن منيف ظاهرة النفسي السياسي في رواياته. ويمكن أن نلاحظ أنّه نوع أدبيّ خطير على الأنظمة السياسية، لأنه يلعب دورا كبيرا في توعية المجتمعات حول مأساة اللاجئين وما يواجهونه من صعوبات، وتوثيق تجربتهم الإنسانية ضمن سجل أدبيّ مخصص للأجيال القادمة. يشكل هذا السرد أيضا أداة لبناء التضامن الإنساني مع قضايا النازحين بعيدا عن الهويات القومية أو السياسية، وإعطاء صوت لمن لا صوت لهم، حيث تهمّش وسائل الإعلام قضياهم ولا تنقلها لتصبح على رأس الأجندات الوطنية والدولية. هل يمكن أن نتحدث أيضا عن "أدب للرهائن والأسرىhostage and captive Papers literature"، لنقل تجارب الأفراد الذين مروا بتجربة الأسر أو الاحتجاز كرهائن، وما يمكن أن تقدّمه شهاداتهم الحية من معلومات حول المعاناة الجسدية والنفسية التي يعاني منها الأسرى والرهائن. ترى كم من أسير فلسيطيني ومعتقل سيروي لنا ما حدث له خلال عام كامل من العدوان الصهيوني على قطاع غزة، خاصة حين تم اقتياد رال القطاع عراة على ظهر شاحنات عسكرية، تمهيدا لاعتقالهم وتعذيبهم لأنهم آووا وتبنوا مقاتلي القسام. إذا وثقت تلك الروايات، ستقدّم لنا نافذة عن ضحايا عانوا التعذيب، الجوع، العزلة، والحرمان، والتوتر النفسي والخوف الدائم من المجهول، الاستنطاق والإهانات، وربما الاغتصاب والقتل كما حدث مع الطبيب الشهيد عدنان البرش، أو اختطاف الطبيب حسام أبو صفية من مستشفى كمال عدوان، أو عشرات الشهداء من مستشفى الشفاء والأندونيسي. حسب التجارب السابقة لهذا النوع من الكتابات، هناك دائما نافذة لقوة الإرادة والأمل في النجاة أو التحرر، ووصف التكتيكات التي يستخدمها الأسرى للبقاء على قيد الحياة نفسياً وجسدياً، ويعبروا من خلالها عن تجربتهم في المقاومة والصمود والتكيّف مع أصعب الظروف. وهو نقل جيّد للتجربة الواقعية للأسرى والرهائن إلى الجمهور، لتسليط الضوء على الظروف التي مروا بها، يعتبر توثيقا تاريخيا في حدّ ذاته، يسجل الانتهاكات الإنسانية ويفضح ممارسات الظلم. يساعد هذا النوع من الأدب أيضا على تحليل العلاقة مع "العدو"، وتحليل الديناميكيات المعقدة بين الأسرى أو الرهائن والمحتجزين (سواء كانوا سلطة أو جماعة مسلحة)، يقدّمها أشخاص خاضوا تجربة الأسر، مثل الجنود، الناشطين السياسيين، أو المدنيين، مثل مذكرات نيلسون مانديلا "رحلتي الطويلة نحو الحرية"، أو رواية "1984" لجورج أورويل George Orwell (1903 – 1950) التي تصوّر الأَسر النفسي تحت الأنظمة الاستبدادية. ويعبر الأسرى من خلال الشعر عن مشاعرهم، حيث يصبح الشعر وسيلة للتعبير والمقاومة، مثل قصائد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي. أو قصائد كالتي أدوت بقائلها إلى الاعتقال الدولي كما حدث للشاعر يوسف القرضاوي في لبنان، بعد زيارته للمسجد الأموي في دمشق، وتسليمه للسلطات الإماراتية. هناك رواية "عناق الأشواق" لوليد دقة التي تعكس حياة الأسرى في السجون، ومذكرات جون ماكين John McCain 1936 – 2018) بعنوان "Faith of My Fathers، والذي يحكي فيه عن تجربته كطيار أمريكي وقع أسيراً خلال حرب فيتنام. أوراق أدب المختطفين هو نوع أدبي مختلف يركز على تجربة الاختطاف والاحتجاز القسري، سواء كانت خلفيتها سياسية، دينية، أو اقتصادية. يتميز هذا الأدب بتقديم شهادات أدبية وشخصية عن معاناة المختطفين، وتأثير الاختطاف على حياتهم، ورؤيتهم للعالم بعد التجربة، وسأتناول نماذج منه في روايات الإسرائيليين المحررين من قبل حركة حماس، وتجربتهم في قطاع غزة. ففي نموذج الرهينة المحررة نوعا أغماني، فنّدت هذه المختطفة أنّه قد جرى اغتصابها من قبل مقاتلي القسام، وأكدت ما خلصت إليه براميلا باتن الممثلة الخاصة للأمين العام للعنف الجنسي أثناء الصراعات إن انتهاكات العنف الجنسي المرتبط بالنزاع، أي أنّ مقاتلي القسّام لم يغتصبوا النساء المختطفات. في سياق التاريخ، هناك أمثلة أدبية بارزة تقدم شهادات عن تجربة الاختطاف، منها كتابات ميغيل دي سيرفانتيس، والحسن الوزان (ليون الإفريقي)، وابن عرب شاه، وأيبو السنغالي. لكل من هؤلاء منظور خاص يعكس أبعادًا مختلفة من الاختطاف ومعاناة الإنسان في سياقات زمانية وثقافية متنوعة. كان الكاتب الإسباني الشهير ميغيل دي سيرفانتيس (1547-1616)، مؤلف رواية "دون كيخوته"، قد اختُطف على يد القراصنة الجزائريين عام 1575 أثناء عودته من إيطاليا إلى إسبانيا. قضى خمس سنوات أسيرًا في الجزائر قبل أن يتم تحريره بفدية دفعتها عائلته. أثرت تجربة الأسر بوضوح في أعمال سيرفانتيس، حيث ظهر وصفه للحياة في الأسر في بعض رواياته وقصصه. وفي "الرواية الإسبانية الأسيرة"، يصف تفاصيل الحياة اليومية للأسرى في الجزائر، والمعاناة التي عاشوها تحت الحكم العثماني، ليعكس في كتاباته العلاقة بين المختطفين ومحتجزيهم، بما في ذلك لحظات المقاومة واليأس، لكنه يقدم أيضًا منظورًا إنسانيًا للطرف الآخر (المحتجزين). لذلك، يقدم سيرفانتيس رؤية تعكس الصراعات الثقافية والدينية بين المسيحية والإسلام في منطقة البحر الأبيض المتوسط خلال عصره. الحسن الوزان (1488-1554)، المعروف بلقب "ليون الإفريقي"، كان رحّالة ودبلوماسيًا مغربيًا. اختُطف على يد قراصنة مسيحيين بالقرب من طرابلس عام 1518 –كتابات أخرى تؤكّد أنّه أختطف في تمبوكتو ثم رحّل إلى طرابلس ليبيا-، وأُهدي للبابا ليون العاشر. تحول إلى المسيحية لفترة وأخذ اسم "يوحنا ليون الإفريقي". ألّف الحسن الوزان كتابه الشهير "وصف إفريقيا"، الذي يُعد من أبرز المراجع عن شمال إفريقيا في عصره، ورغم أن الكتاب لا يُركز مباشرة على تجربة اختطافه، إلا أنّ تجربة العيش في أوروبا كمختطف، أجبرته على التكيف مع ثقافة ودين مختلفين كما يظهر بين السطور. يعكس كتابه رؤى متعددة الثقافات، حيث يقف الوزان كشاهد على التفاعلات بين العالمين الإسلامي والمسيحي، ويبرز في كتاباته فهمه العميق للآخر ومحاولته للعب دور الوسيط الثقافي، رغم ظروفه القسرية. كان أحمد بن عرب شاه (1389-1450)، كاتبًا ومؤرخًا عربيًا عاش في فترة غزو تيمورلنك. بعد سقوط دمشق، أُسر ابن عرب شاه واقتيد إلى سمرقند، حيث عاش هناك فترة من حياته. ألف ابن عرب شاه كتابه الشهير "عجائب المقدور في نوائب تيمور"، الذي يُعد أحد أقدم المصادر التي توثق سيرة تيمورلنك. يعكس الكتاب نظرة نقدية حادة تجاه تيمورلنك وغزوه الوحشي لبلاد الشام. وصف في عمله كيف دمر تيمورلنك المجتمعات، وكيف تأثر هو شخصيًا من تجربة الأسر. يمكن اعتبار كتاب إبن عربشاه شهادة أدبية تجمع بين السرد التاريخي والشخصي عن معاناة الأسرى في ظل الاحتلال التيموري، تعكس أيضًا صراع الإنسان مع الاستبداد، وكيفية الحفاظ على الهوية الثقافية في ظل الاحتلال. أيوب سليمان ديالو (حوالي 1700-1800)، المعروف بـ"أيوب السنغالي"، كان مسلمًا من أسرة نبيلة في غرب إفريقيا. تم اختطافه وبيعه كعبد في أمريكا عام 1731. لاحقًا، تم تحريره وعاد إلى وطنه. ظهرت تجربة أيوب السنغالي في السيرة الذاتية التي كُتبت عنه بعنوان "مذكرات أيوب سليمان ديالو" والتي نقلت تجربة العبودية من منظور شخص متعلم ومثقف. في المذكرات، يروي أيوب السنغالي كيف تم أسره وبيعه كعبد، وكيف حافظ على هويته الإسلامية خلال فترة العبودية. ويعكس الأدب الخاص بأيوب تناقضات التجربة الإنسانية، حيث يظهر كيف استطاع أن يحافظ على كرامته وديانته رغم المعاناة. ويمثل هذا الأدب شهادة تاريخية نادرة عن تجارة العبيد، ويُبرز الجانب الإنساني لشخص عاش في ظروف قاسية ولكنه احتفظ بصلابته. وببحث التقاطعات بين النماذج الأربعة لسيرفانتيس وليون الإفريقي، ابن عربشاه وأيوب السنغالي، فجميعهم اختبروا تجربة الأسر أو الاختطاف كواقع قسري غير اختياري أثر بعمق في حياتهم. وكل شخصية عكست في كتاباتها تفاعلها مع ثقافات جديدة ومختلفة نتيجة للاختطاف. - تُظهر كتابات هؤلاء الأربعة، كيف يمكن للإنسان أن يتجاوز صدمة الأسر للتعبير عن رؤى أوسع عن الإنسانية، فرغم الاختطاف والضغط لتغيير الهوية، حافظ هؤلاء على ارتباط قوي بجذورهم الثقافية والدينية، واستطاعوا نقل خبراتهم بين الثقافات، سواء كليًّا أو جزئيًا، ليصبحوا شهودًا على التفاعل بين العوالم المختلفة.
*ــ دور الرواية الأدبية: كتب الروائي الجزائري ياسمينة خضرة Yasmina Khadra (ولد عام 1955) في روايته "الصدمة" عن معاناة المواطن الفلسطيني داخل الدولة الإسرائيلية، وكان تخيله لتلك الرواية بسبب الجمود الذي أصاب القضية الفلسطينية، عملا مذهلا ومدهشا. فقبل اندلاع طوفان الأقصى (07 أكتوبر 2023) كانت المادة شحيحة، وحين اندلع الطوفان وقع الروائيون في معضلة خشية سرقة حكايات الناس في فلسطين المحتلة وداخل إسرائيل، أو ما يمكن تسميته أدب الاستعجال. فأدب الاستعجال والتلاص The literature of urgency and adhesion يشير إلى أنماط أو مفاهيم أدبية كُتبت بسرعة أو تحت ضغط زمني أو نجمت عن انفجار مادة واقعية من قضايا الناس وحاجات الجمهور، وهو ما يؤدي إلى إنتاج أعمال تتسم بالعفوية أو عدم الاكتمال، تعبّر عن أزمات أو مواقف طارئة، تتطلب استجابة فورية، مثل أدب الحروب، أو أدب الرسائل التي تحمل طابعًا استعجاليًا. فهنالك كتابات ُنتَج أثناء الحروب أو الأزمات السياسية، مثل رسائل الجنود، والشهادات اليومية التي توثق الحدث في وقته، تمّ استخدامها أدبيا حتى تحمل طابعًا دعائيًا أو أيديولوجيًا، حين تُكتب الأعمال بشكل سريع لنقل رسالة معينة قبل فوات الأوان (مثل الأدب الثوري). هذا النوع من الأدب، يمارس التكثيف عبر تقديم الفكرة بشكل سريع ومباشر، بأسلوب يفتقر إلى العمق الأدبي نتيجة ضغط الوقت، ولأنّه يرتبط وظيفيا بالموقف الذي يُكتب فيه، بدلًا من جودته الجمالية. ويمكن أن ستخدم بعد كتّابه "التلاص" وهو الاقتباس أو السرقة الأدبية عبر النسخ غير الأصيل بين النصوص، باستخدام "النصوص التي تستعير من بعضها البعض، سواء بشكل مشروع أو غير مشروع. وقد ظهر هذا النقاش في الأدب العربي تحت مظلة "التناص" الذي يعني تداخل النصوص وتأثير بعضها على بعض، وهو أمر مشروع وضروري أحيانًا في الإبداع الأدبي. رواية "الصدمة"L Attentat للكاتب الجزائري ياسمينة خضرة (الاسم المستعار لمحمد مولسهول)، قام هذا الروائي بتقديم عمل أدبي جريء وحافل بالتوترات الإنسانية والسياسية، تتناول الرواية معاناة المواطن الفلسطيني داخل الدولة الإسرائيلية من خلال قصة شخصية تمزج بين الحب، الفقد، والانتماء في ظل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، عن قصة جراح فلسطيني بارز يعيش في إسرائيل ويحظى بمكانة اجتماعية مرموقة، نجح في تجاوز الحدود الثقافية والسياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ويعيش حياة مستقرة مهنية وشخصية في تل أبيب مع زوجته، لكن كل شيء ينقلب رأسًا على عقب عندما يتم استدعاؤه إلى المستشفى بعد هجوم انتحاري في مطعم، ليكتشف لاحقًا أن منفذة العملية هي زوجته نفسها. عكست هذه الرواية رمزية الهوية الممزقة التي يعيشها المواطن الفلسطيني في إسرائيل. رغم نجاحه المهني واندماجه الظاهري، يظل بطل الرواية يشعر بالاغتراب عن محيطه الإسرائيلي والفلسطيني على حد سواء. ومن الجيد أنّها طرحت بين يدي الجمهور ليقارنها مع قصص شبيهة مثل قصة الطبيبن الشهيد عدنان البرش والأسير حسام أبو صفية. يعيش الفلسطينيون داخل إسرائيل بين عالمين متضادين، حيث يتم التعامل معهم كغرباء داخل وطنهم الأصلي، وفي الوقت نفسه ينظر إليهم بعين الشك من قبل مجتمعهم الفلسطيني. تكشف رواية ياسمنة خضرة عن التمييز الممنهج الذي يعاني منه الفلسطينيون في إسرائيل، حتى لو كانوا جزء من النظام. لا تتبنى هذه الرواية موقفًا سياسيًا أحادي الجانب، بل تسعى إلى استكشاف معاناة جميع الأطراف في النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي.
*ــ قصة جلعاد شاليط مقابل رواية يحي السنوار: كتبت صحفية صهيونية عن التجربة الشخصية لوالدة الجندي المختطف جلعاد شاليط، وهو مقال تم نشر نصّه في موقع Tabletmag، يعرض تأملات شخصية لميلاني تاكيفمان حول دروس الأمومة التي تعلمتها من أفيفا شاليط، أمّ الجندي الإسرائيلي المختطف جلعاد شاليط، الذي احتجز في غزة من (2006 إلى 2011). تسلط المقالة الضوء على الصراع الداخلي الذي عاشته أفيفا شاليط بين الخضوع للضغوط الاجتماعية والسياسية والقتال من أجل استعادة ابنها.(2) أجبرت تجربة أفيفا كأم على الخروج من منطقة الراحة الخاصة بها، وأن تكون قوية ومتحكّمة. تشير المقالة إلى أن الأمومة في إسرائيل تتسم بتحديات خاصة بسبب الوضع الأمني والحروب المستمرة، حيث يُتوقع من الأمهات أن يكون لديهن قدرة على التحمل والقتال في سبيل أطفالهن. النص يبين كيف أن أفيفا، التي كانت في البداية خجولة وغير عدوانية، تعلمت تدريجياً أن تكون أكثر انفتاحاً على المجتمع وأن ترفع صوتها من أجل ابنها. في النهاية، عندما التقت بابنها بعد إطلاق سراحه، اختارت أن تحتفظ بلحظتها الخاصة بعيداً عن العيون العامة، مما يعكس توازنها بين ما تريده كأم وبين ضغوط المجتمع. من خلال هذه التجربة، يتعلم الكاتب دروساً عن الأمومة، مثل أهمية التكيف مع الظروف والتغلب على التوقعات المجتمعية لصالح الأطفال، وتقبل الصراع الداخلي الذي قد يرافق الأمهات في مسيرتهن. وفي المقبل، هناك رواية السنوار Yahya Sinwar (1962 – 2024)، بعنوان "الشوك والقرنفل"، لم يتح لي التعرف عليها، لكن دارسيها نقلوا لنا الآتي، بأنّها رواية تطرح العديد من القضايا من خلال أسلوب أدبي يمزج بين الرمزية والواقعية، تجسد عمق التجربة الفلسطينية في سياق الاحتلال والسجن والنضال، تستخدم رمزية الشوك والقرنفل: ــ يمثّل الشوك في الرواية الألم والمعاناة التي يمرّ بها الشعب الفلسطيني، سواء بسبب الاحتلال أو صعوبات الحياة تحت القمع والاضطهاد. ــ ويرمز القرنفل إلى الأمل والجمال الذي ينبعث من بين الآلام، حيث يعبر عن الروح القوية التي لا تستسلم، وعن جمال التضحية وحلاوة الحرية المنتظرة. هل نقلت الرواية بالفعل واقع السجون الإسرائيلية التي عاش السنوار جزء كبيرًا من حياته فيها؟، وهل تعرض الرواية جوانب من الحياة اليومية داخل السجون، مثل التعذيب النفسي والجسدي، والعلاقات بين الأسرى، وكيفية مقاومة الأسرى للقمع. يقول بعض نقادها أنّها تقدم فكرة أن النضال الفلسطيني ليست مجرّد نضال سياسيّ وعسكريّ، بل هي أيضًا صراع من أجل البقاء والإنسانية، تقدّم قيما عميقة مثل لإيمان بالعدالة، والصبر، والوفاء للوطن، والتضحية من أجل الأجيال القادمة، وكيف يمكن للإنسان أن يحافظ على كرامته وإنسانيته حتى في أحلك الظروف. ويقول بعض قرائها أنّها مشبعة بروح النضال الوطني، لكنّها تحمل طابعًا دينيًا مميزا، يعكس إيمان الكاتب وقناعاته، والتزامه بقضية تحرير فلسطين من منظور أخلاقي وديني، قدمها كرسالة موجهة إلى الفلسطينيين والعالم، تدعو إلى الصمود والمقاومة رغم صعوبة الظروف، وإلى التمسك بالأمل في الحرية. استخدم الشهيد يحي السنوار في روايته لغة رمزية وتصويرًا أدبيًا مؤثرًا لتوصيل أفكاره، مع الاعتماد على التجربة الشخصية، مما يجعلها قريبة جدًا من واقع الأسرى الفلسطينيين وتجاربهم اليومية، ويبدو أنّ نصّه يفيض بالمشاعر، حيث يمزج بين الحزن والفرح، وبين اليأس والأمل. وبالنظر إلى قيادته لطوفان الأقصى واستشهاده مع نهاياته، فقد عكست هذه الرواية حياته الماضية والمستقبلية. يحيى السنوار ليس معروفاً بأنه مؤلف أدبي أو كاتب متفرغ في مجال الأدب. لكن هناك بعض الكتابات والبيانات التي يمكن أن تكون قد كتبت أو تم نسبها إليه في سياق أعماله السياسية والقيادية. باعتباره قائدا لحركة حماس في غزة، أصدر العديد من التصريحات والبيانات الإعلامية التي تم نشرها من خلال وسائل الإعلام المختلفة، لكن هذه البيانات تُعتبر مواقف سياسية تجاه قضايا مثل الاحتلال، والمقاومة، والمصالحة الفلسطينية. قد تكون بعض هذه الرسائل مكتوبة بخط يده أو بصيغة رسمية من قبل فريقه السياسي. أما المذكرات أو الخطب المكتوبة ضمن الإطار السياسي الخاص بحركة حماس، والتي تتعلق بالاستراتيجية أو الأيديولوجية أو المواقف الداخلية للحركة، فقد يتم تداولها بين الأعضاء في إطار اجتماعات أو فعاليات محددة، وتبقى الشهادات الشفوية مهمة جدا بهذا الخصوص، لنتعرف على نهجه ووصياه.
ثالثا: مقارنة كتابات المراسل الصحفي رامي أبو جاموس ومذكرات الرهينتين لدى حماس: في البداية سأجري المقارنة التالية بين مجرمين دمويين هنا بينيامين نتياهو وآرئيل شارون Ariel Sharon (1928 – 2014)، فآخر وصف لبنيامين نتنياهو هو أنّه: "متخصص في حروب "معاقبة الدول الضعيفة"Specializing in "punishing weak states" wars. ، يتعامل بعنف وعنصريه تجاه القوى الأقل قدرة منه، سياساته بـ: (توسيع الاستيطان في الضفة الغربية، وتعزيز الحصار على قطاع غزة، الافراط في استخدام القوة مقارنة بالقدرات الدفاعية المحدودة للفلسطينيين مما أدى إلى معاناة كبيرة للمدنيين، يتعمد إظهار القوة تجاه الجوار سواء كانوا دول أو مجموعات مثل لبنان (حزب الله) وسوريا، يمارس توسعه ضدّ القانون الدولي بحجة مواجهة التمدد الإيراني، يستخدم خطابا شديد اللهجة تجاه دول أو جهات تعارض السياسة الإسرائيلية ويهددها بالعقوبات العسكرية الفورية والردع بالقوة العنيفة). وحين نقارنه بشخصية الدموي أرييل شارون، نجد أنّ مجازر قطاع غزة 2024، لا تقل فداحة عن مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982 في لبنان. كان شارون مهندس سياسة القوة المفرطة ضد الفلسطينيين، وأيّد توسيع المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وهو ما يعني أن نتنياهو نسخة كربونية مكررة من شارون، يرى في القوة العسكرية وسيلة ضرورية لضمان أمن إسرائيل في مواجهة التهديدات المستمرة، ويعتقد أن التفاوض مع الفلسطينيين أمر مستحيل وبلا فائدة، خاصة أن حليفيه بتسلئيل سموتريش وإيتمار بن غفير من اليمين المتطرّف. وهنا وصلت إلى المحطة الأخيرة، وهي تحليل الكتابات الفلسطينية والإسرائيلية التي كتبها ضحايا الحرب في قطاع غزة بعد اندلاع طوفان الأقصى (7 أكتوبر 2023)، وقد وقع اختياري على الصحفي رامي أبو جاموس Rami Abou Jamous الذي كتب مذكراته باللغة الفرنسية، وعلى الرهائن الذين دونوا مذكراتهم بعد تحريرهم من الأسر على يد مقاتلي القسّام في قطاع غزة. 1*ــ الصحفي الفرنكفوني رامي أبو جاموس: في مقالته المنشورة في "أوريان 21" بعنوان "أن تكون صحفيًا وفلسطينيًا"، يسلّط الصحفي الفلسطينيّ رامي أبو جاموس الضوء على التحديات والمخاطر التي يواجهها الصحفيون الفلسطينيون في قطاع غزة أثناء تغطيتهم للأحداث الجارية. يشير أبو جاموس إلى أن الصحفيين المحليين يتحملون مسؤولية نقل الحقيقة في ظل غياب الصحفيين الدوليين، الذين يُمنعون من دخول غزة بسبب القيود الإسرائيلية. يؤكد الكاتب على أهمية الاعتراف بجهود الصحفيين الفلسطينيين الذين يواجهون مخاطر يومية، بما في ذلك التهديدات المباشرة لحياتهم، أثناء محاولتهم نقل الواقع إلى العالم الخارجي. كما يشير إلى أن المجتمع الدولي غالبًا ما يتجاهل أو يقلل من قيمة هذه الجهود، مما يضيف عبئًا إضافيًا على كاهل الصحفيين المحليين. من خلال مقاله، يدعو أبو جاموس إلى الاعتراف بالدور الحيوي الذي يلعبه الصحفيون الفلسطينيون في توثيق الأحداث ونقلها، ويشدد على ضرورة توفير الحماية والدعم لهم في ظل الظروف الصعبة التي يعملون فيها.(3) يساعد الصحفي الفرنسي آلان غاريش (نجل السياسي اليهودي الشيوعي الراحل هنري كوريال) الصحفي رامي أبو جاموس، ليكتب مذكراته في موقع Orient21، وشكلت هذه الرعاية سببا في رعاية صحفي يتقاسم معاناته مع الفرنسيين عبر صفحات موقعه وعبر عدة قنوات الاعلامية فرنسية أخرى. يتحدث آلان غريش عن مسألة اتفاق أكثر من نظام إقليمي حول قطاع غزة على تدمير الحركة الإسلامية التي تتولى إدارة شؤون قطاع غزة لوضع إصبعه على المشكلة، ويذكرني كشفه لواقع الأحداث، بما يكتبه الباحث الفرنسي من أصل مغربي، اليهودي جاكوب كوهين، أو كتابات الصحفي الاستقصائي الفرنسي تيري ميسان، اللذين قدما كشفا عميقا لحقيقة دفاع الغرب ويهود العالم (السيانيم) عن حق الشعب الإسرائيلي الدفاع عن نفسه، وعن أصول عائلة نتنياهو (المتخصص في معاقبة الدول الضعيفة). في مقاله بعنوان "بالنسبة لنا، هو 7 أكتوبر كل يوم"، يسلط رامي أبو جاموس الضوء على معاناة الفلسطينيين في غزة، مشيرًا إلى أن ما عاشه الإسرائيليون في 7 أكتوبر 2023 من صدمات وأحداث مأساوية، هو واقع يعيشه الفلسطينيون يوميًا منذ عام 1948. ويُبرز أبو جاموس كيف أن الفلسطينيين في غزة يعيشون ظروفًا مشابهة لتلك التي عاشها الإسرائيليون في 7 أكتوبر 2023، من حيث العنف والدمار، ولكنهم يواجهونها بشكل مستمر منذ عقود. يشير أبو جاموس إلى أن الفلسطينيين، منذ عام 1948، شهدوا العديد من المجازر والتهجير القسري، مثل مجزرة دير ياسين، مما يجعل معاناتهم مستمرة ومتواصلة. ويناقش التأثير العميق لهذه التجارب على المجتمع الفلسطيني، بما في ذلك الصدمات النفسية والآثار الاجتماعية التي تنتقل عبر الأجيال. ويدعو المجتمع الدولي إلى الاعتراف بمعاناة الفلسطينيين المستمرة والعمل على تحقيق العدالة والحقوق المشروعة لهم. ومن خلال هذا المقال، يسعى رامي أبو جاموس إلى تسليط الضوء على المعاناة المستمرة للشعب الفلسطيني في غزة، مؤكدًا أن ما يعتبره البعض أحداثًا استثنائية، هو جزء من واقع يومي يعيشه الفلسطينيون منذ عقود. في مقالته بعنوان "ما زلت آمل أن نعيد بناء هذا النسيج الاجتماعي"، يشارك رامي أبو جاموس، مؤسس مكتب "غزة بريس"، تجربته الشخصية خلال الحرب الأخيرة في غزة. يصف كيف اضطر هو وعائلته إلى مغادرة شقتهم في مدينة غزة بسبب الضغوط العسكرية، وانتقلوا للعيش في شقة مشتركة مع عائلات أخرى. يُبرز أبو جاموس التحديات اليومية التي يواجهها السكان، مثل نقص الموارد الأساسية، وتدمير البنية التحتية، وتأثير الحرب على الأطفال. كما يعبر عن أمله في إعادة بناء النسيج الاجتماعي في غزة بعد انتهاء الصراع، مؤكدًا على أهمية التضامن المجتمعي في مواجهة الأزمات. في مقاله بعنوان "كما لو أنه لا يمكن أن تكون فلسطينيًا وصحفيًا"، يسلط رامي أبو جاموس الضوء على التحديات التي يواجهها الصحفيون الفلسطينيون في قطاع غزة، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يعيشونها. يصف أبو جاموس كيف أن الصحفيين الفلسطينيين يواجهون صعوبات كبيرة في أداء عملهم، بما في ذلك القيود المفروضة عليهم من قبل السلطات الإسرائيلية، والتهديدات المستمرة، والظروف الأمنية المتقلبة. ويشير أيضا إلى أن الصحفيين في غزة يتعرضون لمخاطر كبيرة، بما في ذلك الاستهداف المباشر من قبل الجيش الإسرائيلي، مما يجعل ممارسة الصحافة في المنطقة أمرًا محفوفًا بالمخاطر. يؤكد أبو جاموس على أهمية التضامن بين الصحفيين الفلسطينيين، والتعاون مع الصحفيين الدوليين، لتوثيق ونقل الحقيقة إلى العالم، رغم التحديات الكبيرة التي يواجهونها. ومن خلال هذا المقال، يسعى رامي أبو جاموس إلى تسليط الضوء على الصعوبات التي يواجهها الصحفيون الفلسطينيون في غزة، مؤكدًا على أهمية التضامن والتعاون في مواجهة التحديات، والعمل المستمر لنقل الحقيقة إلى العالم. يوم السبت (12 أكتوبر 2024) تم منح رامي أبو جاموس "جائزة بايو" للمراسلين الحربيين، عن كتابه "سجل غزة"، الذي ننشره منذ نهاية (فبراير 2024) على موقع الشرق الحادي والعشرين Orient21. قال أصحاب الجائزة أنّها المرة الأولى التي تندلع فيها حرب دون أن يتمكن الصحفيون الدوليون من تغطيتها، حيث تمنعهم إسرائيل من الوصول إلى هذه المنطقة، على الرغم من طول القتال. وقد وقع اختيارهم على الصحفي رامي أبو جاموس كنموذج للصحفي الفلسطيني. قبل سنة ونيف من اندلاع طوفان الأقصى، قتل جيش الدفاع الإسرائيلي الصحفية شيرين أبوعاقلة (1971 – 2022)، وأرسل رسالة للصحفيين الفلسطينيين بأنّهم غير محميين وأنّ من يقتلهم لن يتعرض للمحاكمة والعقاب، لذلك، تم قتل العديد من المراسلين الصحفيين في قطاع غزة بنفس طريقة قتل الصحفية أبو عاقلة.
*ــ مذكرات الرهائن الإسرائيليين المحرّرين: سأعتمد في منهجي الآن على نقل ما جاء في النصّ كما هو، حتى لا أقوم بتكذيب رواية هؤلاء المحررين، ثم سأردّ بالتحليل. أولا: تجربة موران ستيلا ياناي Moran Stella YanaiM واحدة من الأسرى الإسرائيليين الذين تم أسرهم من قبل حركة حماس خلال النزاع. تم احتجازها لعدة أيام في ظروف قاسية حيث تعرضت للتعذيب النفسي والجسدي. رغم المعاناة الشديدة، أظهرت موران قدرة على التحمل والمقاومة النفسية. تم إطلاق سراحها بعد فترة من الأسر، وتعد تجربتها جزءً من سرد أكبر لمأساة أسرى الحرب في النزاعات الحديثة.(4) في هذا النص، تروي موران ستيلا ياناي، التي كانت مختطفة من قبل حماس في غزة لمدة 54 يومًا، تجربتها المؤلمة. تسرد الأحداث التي بدأت في مهرجان نوفا، حيث تعرضت للاختطاف بعد الهجوم. تشير إلى محاولات الهروب، ثم الأسر، والمعاملة القاسية. كما تذكر رمزية الحرف الذي نُحت على يدها، وتعاملت مع الإرهابيين، وذكريات القلادة التي قدمتها كرشوة للحرية. تروي موران ستيلا ياناي تجاربها خلال فترة أسرها في غزة، موضحة كيف كانت تتعرض للتهديد والترهيب من قبل الخاطفين، وكيف كانت تعاملهم معها بطرق استراتيجية مثل اللعب بالأوراق. تتحدث عن العلاقة التي نشأت مع رهائن آخرين مثل نوعا أرغماني، وكيف كانت تتعامل مع القيود المفروضة عليها، من بينها منعها من العيش بحرية أو حتى التعبير عن مشاعرها. كما تذكر مشاعرها المؤلمة من العزلة والجوع أثناء الأسر. تروي موران ستيلا ياناي معاناتها في الأسر، حيث كانت تقترب من الموت جسديًا لكنها استمدت قوتها من الأغنية التي كانت تُبث من راديو الأسر. تتحدث عن لحظات من المقاومة الداخلية والتعافي النفسي، وفي نفس الوقت، توضح معاناتها العاطفية والإحساس بالهزيمة. تتذكر لحظات الفراق والانتظار، معبرة عن شعور بالعجز إزاء ما يمر به أسرى آخرون، وتختتم بأملها في العودة إلى حياتها الطبيعية وتوقف معاناتها. ثانيا: تجربة عميت سوسانا Amit Soussana: في 7 أكتوبر 2023، تعرضت المحامية الإسرائيلية عمّيت سوسانا، البالغة من العمر 40 عامًا، للاختطاف من قبل عناصر حماس أثناء هجومهم على كيبوتس كفار عزة. خلال فترة احتجازها التي استمرت 55 يومًا في غزة، عانت سوسانا من اعتداءات جسدية ونفسية، بما في ذلك التعذيب والاعتداء الجنسي. في شهادتها أمام مجلس الأمن الدولي في (23 أكتوبر 2024)، كشفت سوسانا عن تفاصيل معاناتها، مشيرة إلى أنها كانت محتجزة بمفردها، مقيدة بسلاسل حديدية، وتعرضت لاعتداء جنسي من قبل أحد خاطفيها. كما أشارت إلى تعرضها للتعذيب الجسدي، بما في ذلك التعليق رأسًا على عقب والضرب المستمر. بعد إطلاق سراحها، شاركت سوسانا في جهود لزيادة الوعي حول معاناة الرهائن الآخرين الذين لا يزالون في الأسر، مؤكدة التزامها بالعمل على تحريرهم. تُعد شهادتها العلنية من بين الأولى التي تكشف عن الانتهاكات الجنسية التي تعرض لها الرهائن على يد عناصر حماس، مما يسلط الضوء على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تحدث في سياقات النزاعات المسلحة. أميت سوسانا هي مواطنة إسرائيلية تبلغ من العمر 40 عامًا، اختُطِفت في السابع من أكتوبر 2023 من كيبوتس كفار عزة خلال الهجوم الذي شنته حركة حماس على إسرائيل. خلال فترة احتجازها التي استمرت 55 يومًا، وفقًا لتصريحاتها. تُعتبر سوسانا أول امرأة إسرائيلية تتحدث علنًا عن تعرضها لمثل هذه الاعتداءات خلال فترة احتجازها لدى حماس. بعد الإفراج عنها، شاركت سوسانا تجربتها في مقابلات إعلامية، حيث وصفت الظروف القاسية التي مرت بها، بما في ذلك الاعتداءات الجسدية والنفسية. كما تحدثت عن محاولات خاطفيها لإجبارها على ممارسة أفعال جنسية تحت تهديد السلاح. تجدر الإشارة إلى أن هذه التصريحات أثارت جدلاً واسعًا، حيث نفت حركة حماس هذه الادعاءات، معتبرة إياها جزءًا من "البروباغندا الزائفة". كما أنّ براميلا باتن Pramila Patten الممثلة الخاصة للأمين العام للعنف الجنسي أثناء الصراعاتSpecial Representative of the Secretary-General on Sexual Violence in Conflict Sexual violence violations أكّدت أنّه لا توجد أدلة على وقوع اعتداءات جنسية على الرهائن المحررين من قبل حركة حماس. تقول سوسانا أنّه في مرحلة معينة من الاختطاف، تم نقل أميت عبر عدة سيارات إلى غزة، حيث تعرضت لإهانات إضافية وجرح جسدي شديد نتيجة القيود التي كانت مربوطة بها. وفي النهاية، تم نقلها إلى مكان آخر في غزة حيث استمر احتجازها لمدة 55 يومًا قبل الإفراج عنها. تحدثت سوسانا في سردها عن مقتل جارها أفياد إدري، وعن استمرار اختطاف جارها دورون شتاينبريشر وعن لقائها بالرهينة الفرنسية ميا شيم. ينتهي النص مع تفاصيل عن الخروج من الأسر، حيث يتم إنقاذها من قبل الجيش الإسرائيلي بعد العديد من المحاولات التي كانت تبدو غير ممكنة، لتكتشف أخيرًا أنها أصبحت حرة بعد معاناة طويلة. من خلال هذه الرواية، تعكس أميت التحديات النفسية والجسدية التي مرت بها، وكذلك الأمل الذي لا يزال موجودًا حتى في أحلك الظروف، وتتعهد بعد التحرير أنها ستكرس حياتها للعمل الخيري بعد أن اكتشفت قيمة الحياة بسبب فترة الاختطاف.(6) ثالثا: اختطاف إيريس حاييم: النص الذي كتبه صاحب المقال يتناول قصة إيريس حاييم، وهي أم فقدت ابنها يوتام خلال الحرب في غزة. يوتام اختطفه مقاتلو حماس في (7 أكتوبر 2023)، وفيما بعد قُتل بطريق الخطأ من قبل الجنود الإسرائيليين في (15 ديسمبر 2023). بالرغم من الحزن والألم الذي مرّت به، اختارت إيريس أن تظل إيجابية، وأن ترى في الأحداث تحديات وفرصًا للنمو الروحي والإنساني. بعد معرفتها بمقتل يوتام، رفضت إلقاء اللوم على الجنود الإسرائيليين الذين قتلوه بالخطأ، بل قامت بمواساتهم، مؤكدة أنهم ليسوا مسؤولين عن الحادث، بل حماس هي المسؤولة عن هذا الوضع. وأدت كلماتها ومواقفها الإنسانية إلى تأثير كبير في المجتمع الإسرائيلي، وأصبحت رمزًا للروح الإيجابية، وألهمت الكثيرين. إيريس تواصل نشر رسالة الوحدة والتفاؤل وسط الحروب والصراعات في إسرائيل، مؤكدة على أهمية أن يظل الناس يركزون على الحب والإخاء بدلًا من التفرقة. وتستخدم تجربتها الشخصية كأداة للتحفيز على المضي قدمًا والتمسك بالأمل، مشيرة إلى أن يوتام عاش أيامه الأخيرة بحرية، وهو ما يراه مصدر إلهام لها في معالجة المأساة. الرسالة الأساسية التي تحملها القصة هي أن الشخص يمكن أن يختار كيف يواجه التحديات والصعاب في الحياة. إيريس حاييم اختارت أن تكون "بطلًا" في قصتها بدلاً من أن تكون ضحية، ولقد نجحت في إلهام الكثيرين بفكرها الإيجابي وأسلوبها في الحياة.(7) رابعا: مقتل رون شيمر: كتبت ماغالي دروسكوفيتش مصورة صحفية من الأرجنتين، تركز على قصص حقوق الإنسان، الشباب، والصحة، وتستكشف مواضيع الصدمة والمرونة. كتبت مقالا عن سيغاليت شيمر ومحاولتها التعايش مع فقدان ابنها رون، الذي قُتل في هجوم على مهرجان نوفا الموسيقي في (7 أكتوبر 2023). المقال يُسلط الضوء على الألم العميق الذي تعانيه الأمهات الثكالى في إسرائيل بعد فقدان أبنائهن في هجمات إرهابية، وكيف يحاولن التعايش مع هذا الفقدان والبحث عن معنى في حياتهن بعد المأساة..(8) نشأ رون شيمر في مدينة اللد بإسرائيل كابن أكبر لعائلته، بعد خدمته العسكرية كنائب قائد سرية في كتيبة شرطة المعابر، يخطط لبدء دراسته في مجال التكنولوجيا الحيوية في أكتوبر 2024، كان يحافظ على تواصل يومي مع عائلته، ويشاركهم طقوس السبت عبر تطبيق زووم. خلال حضوره مهرجان نوفا الموسيقي مع أصدقائه، اقتحم مقاتلو حماس من غزة المهرجان، بعد هروبه، اتصل بوالدته ليطمئنها بأنه بخير وفي طريقه للمنزل. عندما لاحظ غياب اثنين من أصدقائه المقربين، دان وعُمر، عاد للبحث عنهما، وخلال ذلك ساعد فتاة كانت تعاني من نوبة هلع. بعد العثور على أصدقائه، لجأوا إلى ملجأ حافلات عند تقاطع غاما، هاجمهم مقتلو حماس بقنابل يدوية، حمى رون أصدقاءه بجسده، مما أدى إلى إصابتهم جميعًا، نجا عُمر، بينما دان توفي لاحقًا متأثرًا بجراحه. أما رون، ورغم إصابته، واجه مقاتلي حماس ولم يعد، وبعد أسبوع، عثرت عليه القوات الإسرائيلية متوفيًا على بُعد 50 مترًا من الملجأ، وكان واحدًا من 364 شخصًا قُتلوا في المهرجان. كانت سيغاليت دائمًا تطلب من ابنها العودة بسرعة إلى المنزل، معتقدة أن الأمان يكمن هناك، تتساءل أحيانًا عما كان سيحدث لو لم يعد إلى إسرائيل، لكنها تشعر بالامتنان لحدوث ذلك في وطنه وبين أحبائه، وفي مارس 2024، تابعت الكاتبة سيغاليت خلال زيارتها لقبر ابنها، ومشاركتها في احتجاجات بتل أبيب، واجتماعات مع أمهات فقدن أبناءهن في الهجوم. الأمهاتاللاتي لم يعرفن بعضهن سابقًا، يجتمعن بانتظام لتشارك الألم والبحث عن معنى بعد فقدان أبنائهن، بعد ستة أشهر من الهجوم، لا تزال العديد من العائلات تشعر بالتخلي وعدم الدعم من قبل الحكومة. بمقارنة القصص الأربع، نتأكد أنّ مقتل 1200 مواطن إسرائيلي من المستوطنات المتاخمة للحدود، يؤكّد وجود عجز امنيّ من الجانب الصهيوني عن حماية المواطنين على تخوم غزة. وأنّ سهولة اختراق الحدود تمّ باستخدام الطائرات التي تعتبر وسيلة جديدة لاختراق الحدود. نوعية هذه الشهادات مدنية مفعمة بالأم والحزن، لذلك، من الصعب أن نجد مقالات أخرى تشرح مشاعر ألم العائلتين اللتين ينتمي إليهما جنرالان تم اختطافهما من قبل مقاتلي القسام، إضافة إلى المسؤول الأمني عن الكيبوتسات (المستوطنات) الحدودية. ما نتأكد منه في بعض القصص أنّها منافية تماما لما تؤكده مقررة الأمم المتحدة حول الاعتداءات الجنسية، والتي تؤكّد براءة مقاتلي القسام من أي اعتداء جنسي ونقصد به الاغتصاب. لكن بمقارنة أسلوب الصهاينة، نجد أنّ هذا النوع من المنشورات مخصص للحصول على دعم غربيّ واسع، ومساندة إنسانية ضدّ ما يسمى إرهاب حركة حماس. والمفاجىء، هو شهادة لعفا أرغماني، التي قالت أنّه كانت تلعب الورق وتخرج للأسواق في غزة مع مقاتلي القسام، وهو ما يؤكّد أنّه يمكن تقسيم الرهائن إلى صادقين وكاذبين، شجعان وضحايا للهستيريا والرعب، محررون موضوعيون و كاذبون يسمحون لبعض الكتاب بالافتراء على ألسنتهم، لذلك، فندت أرغماتي ما ورد في الإعلام الصهيوني على لسانها. اكتفيت بتقديم المذكرات المكتوبة المدونة حرفيا وليست الشهادات المرئية المصورة، لأتجنب استخدام المنهج الفيديولوجي حين أقوم بتفريغ مقابلات الرهائن المحررين الذين قاموا بتصوير حوارات تلفزية مسجلة. كما تجنبت سرد ما دونة المراسلون الصحفية من تغريدات على منصة X (توتير) لأنّ بعضها غير موضوعي ويستخدم الذاتيو ومشاهد الفيديو بكثرة. وكخلاصة، عانى الإسرائيليون وعانى الفلسطينيون، لكن معاناة الفلسطينيين أفدح كالعادة، وقد وقفت كل الدول الغربية ومعها الدول العربية المطبعة، إلى جانب الكيان الصهيوني، وستبقى المذكرات التي دونت معاناة الفلسطينيين والإسرائيليين قابلة للتمحيص مع مرور الوقت، لتدوين وتوثيق دروسها، ومن أهم إيجابيات ما وقع في هذه الأزمة الإنسانية هو إعادة القضية الفلسطينية على جدول القضايا الأممية والدولية والعالمية، وتأكيد المحكمة الجنائية الدولية على مسؤولية قادة الكيان الصهيوني حيال جرائم الإبادة البشرية التي وقعت في قطاع غزة. تعرض الفلسطينيون في قطاع غزة لكلّ أشكال الهمجية الصهيونية وتحت أنظار العالم الذي يشاهد عاجزا فشل الأمم المتحدة في ردع الكين الصهيوني، المذبحة "كارناج/ Carnage"، الخروج والتهجير والنكبة اكزودوس/ Exodos، القتل بالتجويع "هولودومور/ Holodomore"، والإبادة "Democide". ولا يزال الغرب يولي أهمية لقضية أوكرانيا وسينتقل الأمريكيون بانتخاب دونالد ترامب إلى التركيز على الصراع مع روسيا والصين، وتهميش منطقتنا. فما هو مستقبل الدولة الفلسطينية التي دافع عنها قطاع غزة طوال سنة ونصف من النضال والصبر؟
******************************** الملاحق والمراجع: ( )ــ فابيان ساكريست، "حرب التحرير الجزائرية: معسكرات إعادة التجميع، أو كيف عملت فرنسا على تفكيك الأرياف الجزائرية"، (05 تموز/يوليو 2022)، موقع أوريان 21، الرابط الإلكتروني: ≤https://orientxxi.info/magazine/article5749≥; (2)- Melanie Takefman, " Lessons From the Mother of a Kidnapped Soldier: What I learned about maternal love from Aviva Shalit, whose son Gilad was held prisoner in Gaza for five years", Tabletmag, (May 11, 2018), Stable URL: ≤https://www.tabletmag.com/sections/community/articles/illustrated-hostage-diary-amit-soussana≥; (3)- Rami Abou Jamous, "Pour nous, c est tous les jours le 7 octobre ", orientxxi, (May 11, 2018), Stable URL: ≤https://orientxxi.info/dossiers-et-series/pour-nous-c-est-tous-les-jours-le-7-octobre,7666≥; (4)- Rachel Shalev, "The Illustrated Hostage Diary of Moran Stella Yanai: She was held captive by Hamas in Gaza for 54 days. Now released, she tells her story.", Tabletmag, (May 15, 2024), Stable URL: ≤https://www.tabletmag.com/sections/community/articles/illustrated-hostage-diary-moran-stella-yanai≥; (5)- Rachel Shalev, "The Illustrated Hostage Diary of Amit Soussana: Released qfter 55 days in captivity in Gaza, she tells the story of her beatings, torture, and sexual assault", Tabletmag, (September 23, 2024), Stable URL: ≤https://www.tabletmag.com/sections/community/articles/illustrated-hostage-diary-amit-soussana≥; (6)- Rachel Shalev, "The Illustrated Hostage Diary of Amit Soussana: Released qfter 55 days in captivity in Gaza, she tells the story of her beatings, torture, and sexual assault", Tabletmag, (September 23, 2024), Stable URL: ≤https://www.tabletmag.com/sections/community/articles/illustrated-hostage-diary-amit-soussana≥; (7)- Hillel Kuttler, " Five Days of Freedom: Iris Haim’s son Yotam was taken hostage in Gaza and later accidentally killed by Israeli soldiers. Yet despite it all, she has become a national symbol of positivity", Tabletmag, (October 02, 2024), Stable URL: ≤https://www.tabletmag.com/sections/community/articles/illustrated-hostage-diary-amit-soussana≥; (8)- Magali Druscovich, " Now You Are in Heaven, and the Only Thing Left Is Pain: How Sigalit Shemer tries to cope with the loss of her son Ron, who was killed at the Nova music festival on Oct. 7", Tabletmag, (April 12, 2024), Stable URL: ≤https://www.tabletmag.com/sections/community/articles/illustrated-hostage-diary-amit-soussana≥;
#عصام_بن_الشيخ (هاشتاغ)
Issam_Bencheikh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قذارة الحملة المغرائيلية الفرنسية.. هاشتاغ انقلابي مثير للشف
...
-
تمزيق شبكة النفوذ الإقليميّ الروسيّ: كيف نقل الغرب الجماعيّ
...
-
برق الشرق العظيم... مأساة كبرى للأمة الفارسية
-
حوار دانيال استولين مع دولة الرئيس اليمني عبد العزيز بن حبتو
...
-
رجل اقتصاد لا يقرأ الفنجان.. ويقرأ اليمن صفحة بصفحة: حول سيا
...
-
تقديم موعد الرئاسيات الجزائرية.. خطوة استباقية لحسم الجدل
-
الضمير اليساري ليهود الجزائر: قصبة العاصمة من بيبي لوموكو إل
...
-
الذين يرفضون التعامل مع هنيّة، سيتعاملون مع السنوار وأبو عبي
...
-
ثورة المزارعين واحتجاج سائقي الجرارات: المجتمع الأوروبي مجتم
...
-
مشكلة أنصار قاضي إحسان مع الرئيس هواري بومدين.. تفاصيل الحيا
...
-
موقف إيمانويل تود Emmanuel Todd حول هزيمة الغرب LA Défaite d
...
-
اختلال الميغا-إمبريالية في عصر الذكاء الاصطناعيّ AI: قراءة ل
...
-
النكبة 2.0 في (نرد) حرب غزة: دراسة لآراء الشيربا بيب إسكوبار
...
-
-أنفاق غزة-.. حرب المساحات الجوفية: هل تنجح حماس في كسر الجم
...
-
فرحين لمنظر الدبابة: الحجج الذرائعية لتقبل الجماهير الإنقلاب
...
-
خطة جاك أتالي لاستخدام فناني الRap والPop والHiphop ضد أوليا
...
-
استخدام جاك أتالي لمغني الRap ضد أولياء مراهقي الضواحي..
-
المسرح حوت... يا تاكله، يا ياكلك-: حول الفنان المسرحي الكويت
...
-
السياسة وانترنت الأشياء: متى يمكن لجيلنا تأسيس حزب سياسي شبا
...
-
نائل.. والمعذبون في الأرض
المزيد.....
-
قبل 3 أيام من تنصيب ترامب.. ما قد لا تعلمه عن المعاهدة الجدي
...
-
تحليل.. ماذا يعني اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حقًا؟
-
فوضى بحكومة نتنياهو.. إليكم ما نعلم عن الانقسامات والتهديدات
...
-
-الخيار واضح جدًا-.. جدعون ليفي يبيّن لـCNN سبب اعتقاده بأن
...
-
بيربوك: ألمانيا وأوروبا تستعدان لمواجهة ترامب مستفيدة من دفا
...
-
الحوثيون يرحبون باتفاق وقف إطلاق النار في غزة ويتعهدون بوقف
...
-
تأثير سلبي لحمام البخار والساونا على الرجال
-
مقتل سائق وإصابة 19 سائحا روسيّا بحادث مروري في سريلانكا (في
...
-
تواصل الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة رغم اتفاق وقف إطلاق ا
...
-
ميقاتي بحضور ماكرون: هناك وعود بإنهاء الخروقات الإسرائيلية م
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|