أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ادم عربي - مشكلة الفهم والتفسير في السياسة!















المزيد.....


مشكلة الفهم والتفسير في السياسة!


ادم عربي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8224 - 2025 / 1 / 16 - 18:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بقلم : د . ادم عربي
في عالم القيم والمبادئ، قد يجد الفرد نفسه أمام خيار صعب بين التمسك بمبادئه النبيلة والعمل بما يحقق مصلحة شخصية أو مادية، خصوصاً إذا كانت تلك المصلحة تتعارض بشكل كلي أو جزئي مع التزامه الأخلاقي. أما في عالم المال والأعمال والتجارة، فالأمر مختلف تماماً؛ إذ تتحكم المصالح الشخصية بالمشاركين في هذا المجال، وغالباً ما تُهمَل المبادئ، مهما كانت سامية، إذا لم تصب في مصلحة الأهداف المادية. في هذا السياق، تصبح المصلحة المادية القاعدة التي تُسيَّر وفقها الأمور، فلا شيء يعلو على هذه الأولوية في هذا العالم.

مع انتشار "العولمة"، أصبح عالم السياسة يقترب تدريجياً من عالم المال والأعمال والتجارة، حتى بات التفريق بينهما أمراً بالغ الصعوبة. هذا التشابه المتزايد أدى إلى ارتفاع ملحوظ في مستويات الفساد داخل المجال السياسي، وهو واقع يبدو أكثر وضوحاً إذا ما قارناه بالماضي، حين كان تأثير المبادئ في السياسة أكثر قوة وجلاءً.

الرؤية الموضوعية، أي القدرة على رؤية الأمور كما هي في واقعها الحقيقي وبأحجامها الفعلية، ليست دائماً متاحة أو واضحة في عالم السياسة. ولا شك أنَّ أزمة الرؤية السياسية ترتبط بشكل أساسي بـ"أزمة التفسير والتعليل". فمن البديهي، وهو ما ينبغي ألا نختلف عليه، أن الظواهر والأحداث السياسية يمكن تفسيرها وتعليلها وفقاً لواحد من مبدأين أساسيين لا ثالث لهما: "المبدأ المثالي (الفكري)" و"المبدأ الواقعي".
إذا لم يكن "المبدأ المثالي" قادراً على تفسير وتوضيح الظواهر والأحداث السياسية، لما كان من الممكن لأي من مؤيديه أنْ يبالغ في التأكيد على أهميته إلى درجة القول: "إن الفكر يحكم العالم".

لكننا نختلف، ومن الضروري أن نختلف، في مسألة أكثر أهمية تتعلق بالإجابة على السؤال التالي: "إذا كان كلا المبدأين يصلح لتفسير عالم السياسة، فأيهما يفسر الآخر؟"
أنا ممن يؤمنون بأن "المبدأ الواقعي" هو الذي يفسر "المبدأ المثالي" بأشكاله وصوره المختلفة. ففي نهاية سلسلة "الأسباب المثالية"، يظهر السبب الأخير بوصفه "نتيجة مثالية" مرتبطة بشكل مباشر بـ"سببها الواقعي". الفكر بالفعل يحكم العالم، ولكن ليس بشكل مطلق أو استبدادي؛ بل بحكمٍ مقيَّد بـ"دستور" يمثل الواقع وقوانينه.

لا تظنوا أن ما ذكرتُه هنا مجرد فكرة نظرية أو فلسفية بعيدة عن الواقع والحياة. بل هو مرتبط بهما ارتباطاَ وثيقاَ، حتى وإن بدا لنا في بعض القضايا أنه منفصل عنهما.
إذا سألت أحد المؤمنين بـ"المبدأ المثالي" عن تفسير سبب الحرب، فسيجيبك فوراً ودونَ تردد بأن السبب يكمن في نزعة الشر المتجذرة في الطبيعة البشرية. وبرأيه، لتحقيق السلام وانتشاره، يجب إصلاح نفوس محبي الحروب، وتوعيتهم بمساوئها وشرورها، وتنبيههم إلى عواقبها، بالإضافة إلى غرس "ثقافة السلام" في عقولهم. وكأن الحرب لا تمتلك أسباباً واقعية وموضوعية قد تدفع حتى أكثر الناس تسامحاً، كالكهنة والرهبان، ليصبحوا قادة وأمراء لها!

إذا سألت أحد المؤمنين بالمبدأ المثالي عن سبب فشل الجهود المتكررة لتحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، سيجيبك فوراً وعلى البديهة بأن السبب هو أن الدولة العبرية لا ترغب في السلام. وبرأيه، إذا تمكنا من جعلها ترى في السلام قيمة جذابة وأقنعناها بفوائد مبادرة السلام العربية، فقد تتغير مشاعرها وتميل إليه. لكن الواقع يظهر أنَّ إسرائيل لا تسعى للسلام؛ لأن العرب يعيشون في وضع يجعلهم يطلبونه بتوسل. ولو كانوا أقوياء، لاكتشفوا أن إسرائيل مستعدة للسلام!

إذا سألته عن سبب الانحياز الأمريكي الواضح لإسرائيل ضد العرب والفلسطينيين، سيجيبك فوراً بأن السبب يكمن في تقاعس العرب عن إيصال رسالتهم العادلة للولايات المتحدة. ويرى أنه لو بذل العرب مزيداً من الجهد والوقت لتعريف قادة القوة العظمى بقضيتهم وتثقيفهم حول عدالتها، لساهمت هذه المعرفة في توجيه مواقفهم نحو "الحق" وجعلتهم ينحازون إلى صفنا.

إذا سألته عن سبب ظاهرة "الإرهاب الإسلامي"، فسيجيبك فوراً بأنَّها تعود إلى النصوص الدينية والنفوس البشرية، مدعياً أن جذورها تكمن في دين المسلمين، وآيات القرآن، ومناهجهم الدراسية. وبناءً على ذلك، يرى أن الحل يكمن في خوض "حرب الأفكار"، التي دعا إليها رامسفيلد، من خلال تعديل المناهج الدراسية في المدارس الإسلامية لتجفيف منابع هذا "الإرهاب" المزعوم من النصوص والنفوس، وتحفيز المسلمين على النظر إلى الولايات المتحدة بإيجابية. والجدير بالذكر أنَّ الولايات المتحدة، وفق هذا الرأي، لم تفعل ما يجعل المسلمين يعاملونها كعدو، بلْ كانت لهم حليفاً أثناء الحرب في أفغانستان ضد السوفيت والشيوعية والملحدين ، بلْ ساهمت بكلّ قوة في نشر ثقافة الجهاد .

إذا سألته عن سبب غزو الولايات المتحدة للعراق واحتلاله، سيجيبك على الفور بأنَّ السبب يكمن في أن "الصليب" قرر عبر ممثليه (إدارة الرئيس بوش) استئناف الحرب الصليبية ضد الهلال، معتبراً أن النفط ليس هو السبب، لأنَّه أمر دنيوي تافه وحقير. فهل يمكن مقارنة الأمور الدنيوية بالأمور الدينية السامية؟
في عالم السياسة، نلاحظ دائماً أنَّ هناك من له مصلحة حقيقية في نشر الأوهام وتوجيه الأبصار نحو تفسير الأحداث والظواهر السياسية من خلال المبدأ المثالي. هذا المبدأ، كما أثبتت التجارب السياسية، لا يناسب إلّا النساء والعبيد، أي أولئك الذين يعيشون في واقع ضيق الأفق مفروض عليهم.

أما أصحاب السلطة السياسية الذين تطبَّعوا بطباع التُّجار وأخلاقهم، فإنَّهم بعيدون عن هذا المبدأ، بلْ هم في حاجة ماسة إلى التفكير والعمل وفقاً للمبدأ الواقعي، الذي يفرض عليهم أن يتصرفوا بما يتوافق مع مصالحهم الواقعية، التي غالباً ما تكون مادية واقتصادية. ويجب عليهم أيضاً إقناع العامة بصواب المبدأ المثالي، لأنَّه المبدأ الذي يسمح لهم بالتحدث عن معادلات غير منطقية مثل "1+1=قط"، لكن مصالحهم الواقعية المتمثلة بالمصالح المادية والاقتصادية في المقام الأول تُلْزِمهم بالصواب من قبيل "1+1=2"، وتلزمهم الخطأ من قبيل "1+1=3".
إذا لم نفهم هذه الحقائق بشكل جيد، فلنْ نتمكن أبداً من تفسير الوضع السياسي لصاحبها، سواء كان في صعود أو هبوط، مدّ أو جزر، تقدم أو تراجع، مبدئية أو براغماتية، اعتدال أو تطرف.



#ادم_عربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خُمرُ المَعابِد!
- هل نستحق الديموقراطية؟
- قرصة برغوث!
- في المنظمات اللاحكومية!
- هطل الثلج!
- بعض من فلسفة التاريخ !
- انهيار النجم على نفسه!
- حرب القضاء على الوجود العربي!
- الصين وما أدراك ما الصين!
- تعالي!
- على خاصرة الريح!
- اللِيبِرَالِيَّةُ فِي بِلَادِنَا مَيِّتَةٌ، بَينَمَا اللِيبِ ...
- أحاورُ الأفعى!
- هل الإنسان مسيّر أم مخيّر؟
- الأعمى!
- ماذا يحدث في سوريا؟ ولماذا الآن؟
- في الثورة السورية !
- تناقضات الذات!
- تعارض النتائج مع التوقعات!
- الفسادُ الطبيُّ!


المزيد.....




- قطاع غزة : ماذا عن مرحلة اليوم التالي في القطاع ؟
- قطر -الوسيط الأكثر خبرة بالمنطقة- سلكت طريقا شائكا لإبرام ال ...
- -الملكية- الأردنية تُعلن عودة رحلاتها الأسبوعية إلى دمشق -دو ...
- محمد بن زايد يستقبل السيسي وهذا ما بحثاه بشأن غزة ولبنان وسو ...
- بلينكن: إدارة ترامب لعبت دورا -مهما جدا- بمفاوضات وقف إطلاق ...
- غزة.. متى يأتي ربع الساعة الأخير؟
- غارات في غزة تسبق تصديق إسرائيل على اتفاق وقف إطلاق النار
- الناتو يعتزم إجراء أكثر من 100 مناورة عسكرية خلال عام 2025
- واشنطن: زيادة عدد الرؤوس النووية لن تشكل رادعا لروسيا والصين ...
- واشنطن تفرض عقوبات على قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرها ...


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ادم عربي - مشكلة الفهم والتفسير في السياسة!