|
الذكورية والنسوية: صراع بين الرجعية والتقدمية
إسلام أشرف عطية
(Eslam Ashraf Attia)
الحوار المتمدن-العدد: 8224 - 2025 / 1 / 16 - 10:01
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
يُعتبر خطاب الحركة النسوية خطابًا مبنيًا على أسس علمية وفلسفية، مما يجعل كلمة "نسوية" تعبر عن الدفاع ليس فقط عن حقوق النساء، بل عن حقوق الإنسان بشكل عام. في المقابل، فإن خطاب الحركات الذكورية التي ظهرت مؤخرًا كرد فعل على نجاحات الحركة النسوية يفتقر إلى الأسس العلمية ويُعد خطابًا رجعيًا مبني على الإيمان بالخرافات والأساطير. لذا، أصبحت كلمة "ذكورية" تمثل الجهل والانفصال عن الواقع. فمثلاً يروج الذكوريين لفوائد تعدد الزوجات، مدعين أن التعدد يعود بالنفع على المرأة والمجتمع والبشرية. ويدعمون حجتهم بالعديد من الإحصائيات الغير دقيقة والنظريات الزائفة، مثل الادعاء بأن عدد النساء يفوق عدد الرجال، بينما تشير الأرقام الحقيقية إلى عكس ذلك. إن هذه الادعاءات تُظهر عدم اهتمام المنتمين للحركات الذكورية بالتحقق من الحقائق المتاحة. أو الجهل بالأرقام والأدلة العلمية. إن التعدد، في جوهره، يُعتبر فكرة غير إنسانية، حيث إنها فكرة مخالفة لطبيعة الرجل السوي الباحث عن الحب والاستقرار. ولا يراعي التعدد مشاعر المرأه. في المقابل، يُظهر الزواج الأحادي مزايا عديدة تجعله النموذج الأفضل للزواج حتي لو نظرنا له من وجهة نظر مادية وليست روحية، سنجد أن الزواج الأحادي يوفر بيئة مستقرة نفسياً وعاطفياً للزوجين والأطفال. كما أن وجود شريك جنسي واحد دائم يساهم في منع انتشار الأمراض المنتقلة جنسياً. لذلك يعتبر الزواج الأحادي أفضل إستثمار يقوم به الإنسان في العلاقات الإنسانية. وفي النصوص القديمة، تُعد نصوص الزواج المسيحية تعبير عظيم عن الفطرة البشرية، فقد تم التعبير عن مفهوم الزواج بطريقة نبيلة في الكتاب المقدس في هذا النص: "ولكن من بداية الخليقة، ذكرًا وأنثى خلقهما الله. من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه، ويلتصق بامرأته، ويكون الاثنان جسدًا واحدًا. إذًا ليسا بعد اثنين، بل جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان." (مرقس 10: 6-9). ويؤكد بعض العلماء ان البشرية قد عرفت الزواج الأحادي في عصور ما قبل التاريخ. يُعتبر ترويج الذكوريين لفوائد التعدد دليل على جهلهم ليس فقط بالحقائق العلمية بل بالطبيعة البشرية
تدل خطابات الذكوريين علي غرور ساذج ونقص فادح. وهذا ما يؤدي بهم لفهم مشوه للعالم والعلاقات الإنسانية. يعتقد بعض الذكوريين أن العالم قد خُلق لتحقيق رغبات الذكر واحتياجاته، دون أي اعتبار لمشاعر الأنثى أو احتياجاتها. وإن الرجل ينبغي أن يكون في مركز السيطرة ويتمتع بسلطة مطلقة لا نقاش فيها والنساء ما هم إلا أدوات تستخدم لتلبية احتياجات الرجل وهو ما يجرد المرأة من إنسانيتها.
يُعتبر الضعف، أو بالأحرى، الخوف من الظهور بمظهر الضعف، من أهم الدوافع النفسية الكامنة وراء الفكر الذكوري التقليدي. هذا الخوف يدفع "الذكوري المُتدهور" إلى تبني حلول مُختلة في التعامل مع المشكلات. فبدلاً من محاسبة المُتحرش، يُلقي باللوم على المرأة الضحية، مُحمّلاً إياها المسؤولية. والأغرب من ذلك، بدلاً من أن يضطلع بدوره "الرجولي" الحقيقي في حماية المرأة وتوفير بيئة آمنة لها، يلجأ إلى أساليب قمعية تُقيّد حريتها وتُخفيها عن الأنظار، واهماً أن هذا السلوك يُجسّد القوة والحماية. لكن في الواقع، هذا السلوك القمعي ما هو إلا انعكاس صارخ للخوف من فقدان السيطرة أو الظهور بمظهر الضعف، الأمر الذي يُبرهن على هشاشة هذا النوع من الذكورية، ويكشف عن بنيته النفسية القائمة على الخوف والتسلط.
يدّعي الذكوريين أنه لا وجود لمفهوم الصداقة بين الرجل والمرأة، وأن أي تفاعل بينهما، سواء في العمل أو الدراسة، سيتحول حتمًا إلى علاقة جنسية. هذا الاعتقاد يحمل في طياته فكرة أن الرجل يفتقر إلى المعايير والمشاعر، وأنه مستعد لممارسة الجنس مع أي امرأة لمجرد أنها أنثى، حتى وإن لم تكن جذابة. هذا المفهوم يسئ إلى الرجال مثلما يسئ الي النساء، حيث يصور الرجل ككائن لا يستطيع التحكم في تصرفاته. من وجهة نظر هؤلاء، الحل يكمن في تقييد حرية المرأة، حيث يُعتقد أنه إذا أُتيحت لها الفرصة للتفاعل مع رجال آخرين، ستخون زوجها بلا شك. وبالتالي، ومن وجهة نظرهم يُفضل العيش مع امرأة لا يمكن الوثوق بها بالكامل، لكنها محجوزة عن الآخرين، بدلاً من العيش مع امرأة يُمكنها اختيار شريكها بحرية ولكنها تختار البقاء مع من تحب. إن هذه الأفكار الرجعية لا تساهم في بناء علاقات صحية بين الجنسين، بل تساهم في خلق جو من الشك وعدم الثقة.
عمل المرأة
يدعي "الذكوريين" أن عودة المرأة إلى المنزل ستحل مشكلات مجتمعية كبرى مثل البطالة وتأخر الزواج وتدني الأجور. هذا الاعتقاد يعكس فهماً ضيقاً لدور المرأة في المجتمع واقتصاديات العصر الحديث. فالمرأة هي نصف المجتمع، وهي أيضًا شريك أساسي في التنمية الإقتصادية. إن تحميل المرأة مسؤولية هذه المشكلات هو تحويل للأنظار عن الأسباب الحقيقية وراءها، مثل السياسات الاقتصادية الخاطئة وعدم وجود فرص عمل كافية للجميع. في عصرنا الحالي، يعتبر الاعتقاد بأن حياة المرأة المثلى هي الاعتماد على الرجل، وأنها ستجد شريكاً يتكفل بها بمجرد رفضها للعمل، اعتقاداً ساذجاً يعكس عدم فهم لطبيعة العلاقات الإنسانية وتقلباتها. فالحياة ليست مضمونة، وقد يتخلى الرجل عن المرأة في أي لحظة. لذا، من الضروري أن تدرك المرأة أهمية استقلالها المالي وقدرتها على اتخاذ قراراتها الخاصة، بدلاً من الاعتماد على الآخرين لضمان مستقبلها.
في النهاية الخطاب الذكوري مبني على افتراضات ساذجة لا يمكن أن تصدر إلا من مراهق لم يكتمل نموه، وعلى الرغم من ذلك تُعتبر هذه الافتراضات حقائق لا جدال فيها عند الذكوريين. يجب على كل رجل مكتمل الرجولة أن يرفض هذا الخطاب الذي يسعى إلى تقويض مكانة المرأة في المجتمع، لأنه في جوهره يهين الرجل أيضًا. ولذلك يجب أن يكون الرجال حلفاء للنساء في سعيهن نحو الحرية. لإن دعم حقوق المرأة يعني أيضًا تعزيز حقوق الرجال.
#إسلام_أشرف_عطية (هاشتاغ)
Eslam_Ashraf_Attia#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محاكاة بلا جوهر: مفهوم الببغائية في العلاقات الإنسانية
-
الكراهية: الوباء الذي يهدد مستقبل البشرية
-
الجمال الاصطناعي والذكاء المزيف: الوجه القبيح للتكنولوجيا
-
الطغاة المتنكرون: الخطر الحقيقي الذي يهدد عالمنا
-
الحرب على الحياة: الحكومات الثيوقراطية والعداء للطبيعة
-
نيتشه و تشومسكي: ثورة ضد التعليم التقليدي
-
حثالة بالوراثة وحثالة بالثقافة: ايهما اشد خطورة على المجتمع؟
-
نيتشه: عبقرية فلسفية هزت أركان الفكر الإنساني
-
حرب غزة: أسباب وتداعيات الصراع والطريق إلى السلام
-
متخصصة فى الصحة النفسية تروج لأفكار رجعية
-
مهسا أمينى: رمز الاحتجاجات الإيرانية
المزيد.....
-
معاناة النساء الليبيات في مجتمع محافظ... الهروب كملاذ محفوف
...
-
الدفاع المدني بغزة: استشهاد 20 طفلا و25 امرأة منذ إعلان التو
...
-
“أدخلي بسرعة وسجلي” التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت 20
...
-
“سجلي الان” رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت 2025
...
-
كشف سر انفصال غوارديولا عن زوجته بعد 30 عاما من الزواج
-
احدث تردد قناة وناسة 2025 على النايل سات وعربسات لاغاني وانا
...
-
ما حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في رمضان 2025؟ الحكومة ال
...
-
بشرى سارة للنساء في الجزائر خطوات التسجيل في منحة المرأة الم
...
-
نص الاتفاق: تبييض سجون الاحتلال من كل النساء والاطفال تحت 19
...
-
حماس: المرحلة الاولى تشمل الافراج عن كل النساء والاطفال بسجو
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|