أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بهجت العبيدي البيبة - العقل الديني واستغلال الكوارث: بين الادعاء والحقيقة














المزيد.....


العقل الديني واستغلال الكوارث: بين الادعاء والحقيقة


بهجت العبيدي البيبة

الحوار المتمدن-العدد: 8223 - 2025 / 1 / 15 - 19:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في خضم الأزمات الكبرى والكوارث الطبيعية، تبرز ظاهرة مثيرة للاهتمام متمثلة في العقل الديني، والذي يسعى جاهداً لاستنطاق الأحداث الطارئة كأدلة تدعم صحة معتقد أو تفوق دين على آخر. إن هذه الظاهرة التي تتكرر مع كل فاجعة تلامس الإنسانية، لا تعكس فقط طبيعة العقل الديني، بل تكشف أيضاً عن الحمولة النفسية والإيحاءات المرتبطة بالكرامة الإنسانية والإيمان. كما تكشف أيضاً عن العمق النفسي للإنسان، بما يحمله من توق للمعنى ورغبة في تأكيد كرامته وسط دوامات الألم والفقد.

تتجسد هذه الدينامية بشكل واضح في حرائق كاليفورنيا، حين تم تداول قصص متعددة حول بيت لم تُلحق به النيران، مما رُدَّ بشكل قاطع على أنه مُقام لقراءة القرآن. بينما لم يكن بعيداً عن الأذهان كيف دُعمت هذه الروايات بصور لكنيسة ظلت قائمة وسط الخراب، مما يولّد شعوراً بتفوق الاعتقاد المسيحي أيضاً. إلا أن هذه الظواهر ليست مجرد مصادفات عابرة، بل فتحت المجال لتدخلات ذهنية متخصصة في استغلال الدين لكسب نقاط في مشهد إنساني يتسم بالصراع وجودياً بين المعتقدات.

ونشاهد هذه العقلية تتفاقم مع كل كارثة، كما حدث مع تسونامي 2004، حيث انتشر حديث حول تمثال للسيدة العذراء الذي لم يتأثر بالدمار المحيط، وقد اعتبره الكثيرون دليلاً على صحة عقيدتهم. أما في أعقاب الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، فلقد انتشرت إشاعات تفيد بأن بعض المساجد لم تتعرض لأية ضرر، مما أُعتبر معجزة إلهية برهنت على حُسن الحظ أو محبة الله لمؤمني هذه الأماكن. في هذه السياقات المأساوية، يظهر الدين أداة تكثف الشكوك وتعزّز الخوف من الفقدان، وهي تعبيرات رقيقة عن عقل ديني يشعر بالحاجة إلى القوة والتأكيد.

وفي تحليل هذه الظواهر، يتوجب علينا العودة قليلاً إلى طبيعة العقل الديني نفسه. هل جميع المتدينين يمتلكون هذه الرغبة الملحة لإثبات صحة معتقداتهم من خلال المعجزات والقصص المبالغ فيها؟ في الواقع، أسس هذه العقلية تعود إلى القلق الدائم بشأن حضور الدين في عالم سريع التغير. إن الاستناد إلى الأحداث الكارثية لإثبات حقيقة معينة ليس سوى استجابة لعدم اليقين الذي يعيشه الكثيرون، والبحث عن موطئ قدم قوي وسط الفوضى والانكسار.

إن العمل على تسخير الكوارث لتعزيز موقف معين تعكس اليأس في بعض الأحيان، فالأفراد الذين لا يرتاحون لعقيدتهم غالباً ما يكشفون عن قلق فكري ينم عن الحاجة لحماية نصوصهم من الانكسار تحت وطأة الأحداث المحيطة بهم، محاولين بذلك الاستحواذ على روايات مُرضية. ومع ازدياد الأزمات، تتصاعد الحاجة إلى تفسيرات أكثر وضوحاً ودعماً لتثبيت الطمأنينة في قلوب الأتباع. إن هذا الجانب يتعرض للتحدي والمساءلة عندما تصبح الحقيقة المريرة للكوارث مجالاً لتضارب الأيديولوجيات.

لكن علينا التذكير دائماً بأن هذه المحن يجب أن تمنح لنا الفرصة لنبني أواصر جديدة من التضامن الإنساني. فالكوارث، بدل أن تكون ساحة تنافس ديني، ينبغي أن تُعزز تواصل الخير والمحبة بين الأفراد مهما كانت خلفياتهم الروحية. إن الإيمان الحقيقي يجب أن يبرز في ممارساتنا اليومية وخياراتنا في المساعدة، وليس في فبركات تظهر في وقت الأزمات؛ فالصورة التي نرسمها لأنفسنا من خلال ردود أفعالنا تجاه محن الآخرين تعكس جوهر الإنسانية التي نسعى لحمايتها.

ومن هنا تظهر أهمية الخطاب الإنساني الجامع، الذي يُقيم القيم المشتركة من خلال دعم العلاقات أو إعادة بناء الجسور، فالتجارب المؤلمة يجب أن تكون محفزًا لتطهير النفوس والتآزر وليس لتحويل الدين إلى ميدان للصراعات. إننا نستطيع أن نتجاوز المحن ونظهر روح الرحمة، لتتجلى القيم الحقيقية للدين، إظهار العطاء، والمحبة، والتآزر الإنساني. وعندما نتعلم أن نواجه الألم سوياً، سنكون قادرين على إحداث تغيير فعلي في عالم يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى رسائل التسامح والوئام.



#بهجت_العبيدي_البيبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجدي يعقوب: أيقونة الإنسانية والعلم في مسار نحو نوبل وجامعة ...
- الأسرى في ظلال الكهف: رحلة العقل من القيود إلى النور
- العقل المسلم بين تأكيد القناعات الذاتية والوقوع في فخ الأخبا ...
- العقل العربي بين الشماتة والكوارث: قراءة في الانهزام الحضاري
- أصداء الرعب: كيف تتحطم الأمم تحت وطأة الديكتاتورية
- العرب والمسلمون بين أسطورة الماضي وسراب الحاضر
- الإنسان المغترب: قراءة في فكر إريك فروم وأبعاد الاغتراب في ا ...
- انتظار الحلول الغيبية: هروب من الواقع أم أمل زائف؟
- ما الذي يدفع العقول المتعلمة إلى رفض العلم لصالح الوهم؟
- احترام الأديان والتعايش السلمي: رؤية نقدية لسلوكيات تسيء للإ ...
- سوريا على مفترق طرق: تساؤلات حول انهيار الجيش وتحديات المرحل ...
- فرحة بمرض نتنياهو أم هروب من مواجهة الواقع؟
- الثورة الإدراكية: قفزة الإنسان العاقل نحو السيادة على الأرض
- حوار حول مستقبل سوريا: بين التفاؤل والتشاؤم
- محمد صلاح: رمز سلام يتحدى التعصب
- الحروف الفينيقيّة: الثورة الصامتة التي غيّرت مجرى التاريخ
- الرشدية اللاتينية: بذور النهضة الأوروبية وخسارة العالم الإسل ...
- التنوير العربي: رحلة متواصلة نحو العقلانية والعلم
- العقل السحري بين الشرق والغرب: تأملات في عقول الجماهير والمد ...
- ألمانيا في محنة: بين جراح الإرهاب وصوت الضمير


المزيد.....




- “ماما جابت بيبي”.. تحديث تردد قناة طيور الجنة 2025 الجديد عل ...
- تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 على الأقمار الصناعية بجودة ...
- -السياحة والآثار- الأردنية تنظم معرضا بعنوان -الأردن: فجر ال ...
- خطيب المسجد الأقصى يحذر: كل المؤامرات الحالية تستهدف تسليم ا ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 على النايل ...
- أ ف ب: حماس والجهاد الاسلامي وافقتا على اتفاق وقف اطلاق النا ...
- صبري: مؤامرات تهدف إلى تسليم الأقصى لليهود
- بعد أيام من كارثة -وليمة الدم-.. إعلام سوري يوضح حقيقة إغلاق ...
- مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى
- أمسية علمية متخصصة حول زراعة الأسنان في سلفيت


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بهجت العبيدي البيبة - العقل الديني واستغلال الكوارث: بين الادعاء والحقيقة