أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد علي سليفاني - لا وجه له














المزيد.....

لا وجه له


خالد علي سليفاني
شاعر وكاتب ومترجم

(Khaled Ali Silevani)


الحوار المتمدن-العدد: 8223 - 2025 / 1 / 15 - 14:03
المحور: الادب والفن
    


بعد سهرة حمراء في ليلة سوداء، جلس وحده في غرفة المعيشة الفاخرة، تحت ضوء خافت يتسلل من المصابيح المعلقة على الجدران. كانت الغرفة هادئة، إلا من صوت عقارب الساعة التي تتابع رحلتها بلا مبالاة.
كان يرتدي بذلة إيطالية باهظة الثمن، وربطة عنق أنيقة، وساعة فاخرة تلمع تحت الضوء الخافت. هذا هو الوجه الذي يراه الناس: الشخصية الفذة، حامل الشهادات العليا، العبقري الذي يمن على الكون بوجوده، المحاط بالشهرة والنفوذ. لكن في تلك الليلة، بدأ وجهٌ آخر يتسلل من أعماقه ليحدّق فيه عبر المرآة. اقترب أكثر، وكأنه يبحث عن شيء ما خلف الانعكاس. سأل بصوت خافت:
من أنت؟
أجابت المرآة بصوت داخلي، لكنه كان صدى أفكاره:
- أنا أنت... كما أنت حقًا، لا كما يراك الآخرون.
ابتلع ريقه، ثم عاد بذاكرته إلى الوراء. تذكّر يوم امتحان البكالوريا، حيث كان يجلس في قاعة الامتحان، وأذنه الصغيرة تخفي سماعة بلوتوث مربوطة بهاتف متصل بصديق خارج قاعة الامتحانات يلقنه الإجابات. كانت ضربات قلبه أسرع من قدرته على التفكير آنذاك. لكنه نجح. وابتسم يومها في وجه الجميع وكأنه عبقري زمانه.
ثم عادت به الذكريات إلى أيام الجامعة. تذكر رسالة الماجستير التي اشتراها من إحدى الجامعات التي تبيع الشهادات بلا حياء، ولحظة تقديم الرسالة أمام اللجنة، وهو لم يقرأها سوى في الليلة السابقة. ومع ذلك، حصل على الامتياز. كان يبتسم، لكنه في أعماق روحه كان يعرف أنه محتال ومخادع وسارق.
ثم تدفقت سيول الذكريات، فذهبت به إلى يوم الدكتوراه، عندما دفع ثمنها لكاتب محترف، وسار بين زملائه كأنه عالم زمانه. ابتسم في تلك اللحظة، ابتسامة ماكرة، وهمس لنفسه:
لقد كنت بارعًا في الخداع.
قطع المونولوج الداخلي شعور خانق اجتاح صدره. حاول تبرير غشه، قال بانفعال:
الجميع يفعل ذلك! لو لم أفعل، لما وصلت إلى هنا!
لكن انعكاسه في المرآة لم يقتنع بذلك. بدا وكأن الوجه الآخر يسخر منه وقال مرة أخرى:

لكن هل تستحق هذا المكان؟ هل تستحق أن تُسمى أستاذًا؟
ازدادت أنفاسه سرعة، وبدأت ملامحه تتغير. صار انعكاسه في المرآة مشوهًا. الوجه الذي يراه الآن كان قبيحًا، خاويًا، عيناه مثل فجوتين مظلمتين. أدار ظهره للمرآة في محاولة للهروب، لكنه كان يعلم أن الحقيقة تلاحقه.
اقترب من النافذة، نظر إلى المدينة التي بدت نائمة تحت ضوء القمر. كانت تلك المدينة مليئة بأشخاص خدعهم في يومٍ ما بكلماته المنمقة ووعوده الجوفاء. شعَر للحظة أن الغرفة تحول إلى تابوت، وأن العالم بأسره قد صار مرآة تعكس عيوبه.
لكنه ابتسم مرة أخرى. لم تكن ابتسامة ندم أو اعتراف، بل كانت ابتسامة باردة، قاسية. قال لنفسه بصوت مسموع هذه المرة:
ليس المهم أن أستحق... المهم أن أملك.
عاد إلى مكتبه، وأخذ قلمًا لامعًا من على الطاولة، حيث أمامه مجموعة من الأوراق التي تحتاج توقيعه. قوانين تكرّس الظلم، وتزيد من قوة الطغيان. وقعها جميعًا بخط ثابت، وبدون تفكير.
ثم نهض مرة أخرى، ونظر إلى المرآة. قال بهدوء:
سأبقى هنا، حيث القوة والسلطة. أنا أفضل من جميع هؤلاء الحمقى والأغبياء، وكان يشير بيده نحو النافذة.
ثم توجه نحو المرآة مرة أخرى ليعاتب انعكاسه بقسوة هذه المرة، لكنه لم يعد يرى شيئًا. كانت المرآة، مثل روحه، فارغة تمامًا.



#خالد_علي_سليفاني (هاشتاغ)       Khaled_Ali_Silevani#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاحتفال بين الهروب والتحدي: تساؤلات حول معنى الفرح في ظل ال ...
- دور المهرجانات السينمائية في دعم القضايا القومية والوطنية: د ...
- الأنظمة القمعية تسقط، لكن الفكر القمعي يبقى إرثًا متجذرًا
- سارع إلى تعلم السباكة قبل غيرك: متغيرات قادمة والمستقبل مجهو ...
- فلسفة السرد الروائي: الأخطاء التي تشوّه البنية الأدبية
- التفاهة: نظام بين التافه والأتفه
- بوصلة التيه
- الدكتاتوريات الصغيرة وسياسة الفصل الطبقي في المؤسسات الحكومي ...
- لا تساوم: نحو مجتمع يتبنى القيم الحقيقية
- كوردستان في التاريخ المعاصر: استكشاف الأبعاد السياسية والاجت ...
- قراءة في كتاب سياسة الحكومة العراقية في كوردستان (1975-1991) ...
- خطاب التغيير وزيف الممارسة: المثقف بين النظرية والتطبيق
- النفاق الانتخابي: ظاهرة اجتماعية تزداد تعقيداً مع اقتراب موع ...
- بين بَيْنَيْن بَيْنٌ
- طقوس بناء النصوص
- كذبة نيسان
- شاهد عيان على نوم القمر
- مقامات السليفاني- وعاظ الأمير
- عزم الكردي
- شعب العجائب


المزيد.....




- فنان يثني الملاعق والشوك لصنع تماثيل مبهرة في قطر.. شاهد كيف ...
- أيقونة الأدب اللاتيني.. وفاة أديب نوبل البيروفي ماريو فارغاس ...
- أفلام رعب طول اليوم .. جهز فشارك واستنى الفيلم الجديد على تر ...
- متاحف الكرملين تقيم معرضا لتقاليد المطبخ الصيني
- بفضل الذكاء الاصطناعي.. ملحن يؤلف الموسيقى حتى بعد وفاته!
- مغن أمريكي شهير يتعرض لموقف محرج خلال أول أداء له في مهرجان ...
- لفتة إنسانية لـ-ملكة الإحساس- تثير تفاعلا كبيرا على مواقع ال ...
- «خالي فؤاد التكرلي» في اتحاد الأدباء والكتاب
- بعد سنوات من الغياب.. عميد الأغنية المغربية يعود للمسرح (صور ...
- لقتة إنسانية لـ-ملكة الإحساس- تثير تفاعلا كبيرا على مواقع ال ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد علي سليفاني - لا وجه له