أياد الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 8223 - 2025 / 1 / 15 - 02:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من المعروف إن ظاهرة الإستعمار ليست بالظاهرة الحديثة , حيث نشأت بداياتها منذ القرن الخامس عشر الميلادي على يد البرتغالين , وكانت الأمبراطوريتان البرتغالية والأسبانية , أول أمبراطوريتين عالميتين أستعماريتين أستعمرتا دول أخرى , أمتدت عبر قارات , وبعد ذلك ظهرت في القرنين السادس عشر والسابع عشر أنكلترا وفرنسا ,وهولندا كأمبراطوريات أستعمارية , أما أمريكا فقد دخلت نادي دول الأستعمار في القرن العشرين .
الأستعمار كما تعرفه الوكيبيديا بأنه ( أخضاع جماعة من الناس لحكم أجنبي , وتسمى البلاد الواقعة تحت الأحتلال , البلاد المستعمرة). من هذا التعريف يتضح من خلاله هدف الأستعمار , وهو هدف يرمي الى أخضاع الدول المستَعمرة , وجعلها مناطق نفوذ لها , وسوقاً مفتوحة لتصريف صناعتها , والأستيلاء على مواردها الطبيعية. وقد سجل التاريخ أن عام 1415م هي نقطة البداية لظاهرة الأستعمار في مدينة سبته المغربية من قِبل البرتغالين.
صحيح كان الهدف الأول للإستعمار هو الأستيلاء على ثروات الأمم الأخرى , ولكن أستجدت مع الزمن أهداف أخرى مضافة للهدف الأول , وهو السعي من خلال الأستعمار, تحسين مركز الدولة المُستعمرة لمركزها الدولي , من خلال الحصول على مركز تنافسي على المراكز المتقدمة على سلم القوى الدولي , ويجعلها أكثر قدرة على التحكم في القرارات الدولية, وتوجيهها لصالحها .
أصناف الأستعمار:
1-الأستعمار القديم :وهو الأستعمار العسكري المباشر , حيث تأتي الدولة المُستعمرة بجيوشها ومعداتها العسكرية , وتهاجم دولة أخرى وتحتلها بقوة السلاح , ومثال ذلك أحتلال بريطانيا للعراق 1914-1917م , وأحتلال فرنسا للجزائر عام 1830م ,وأحتلال أمريكا للعراق 2003م , حيث تقيم هذه الدول قواعد عسكرية لها في هذه الدول , لردع أي حالة ممانعة لوجودها في الدول المستَعمرة.
2-أستعمار غير مباشر : ومن أمثال ذلك هو أستعمار أمريكا للسعودية , وبريطانيا لبعض دول الخليج , وأقامة أستثمارات نفطية , وتجارية لصالح الدولة المُستعمرة.
3-الأستعمار الأستيطاني: وهو يتمثل بأستيلاء دولة على أرض دولة , وأحلال شعب غير شعبها فيه , كما هو حاصل في فلسطين.
أبتداءاً من المنتصف الثاني للقرن العشرين بدأ يظهر نوع من الأستعمار بمواصفات وأساليب وأدعاءات مختلفة , تتناسب وما حصل من تطور في العالم على المستوى التقني والثقافي , وما طرأ على الشعوب لحالة من الوعي تختلف عن مستويات وعي الأجيال السابقة , وهذا ما جعل الدول الأمبريالية تلبس ثوباً أخر , وتدعي بدعوى مختلفة , تمويهاً , وأخفاءً لبشاعة وجه الأستعمار القديم التي أمقتتهه الشعوب المستَعمرة , ونهضت لمقاومته , وناضلت من أجل التخلص منه, بسبب ماتركه من آثار مدرة , وذكريات مسآوية على الشعوب المغلوبة على أمرها , لذا فقد أستبدلوا الأستعمار العسكري , بالأستعمار الأقتصادي , تحت يافطة الأستثمار , كمحاولة لأخفاء الوجه الكالح , والمكروه للدول المُستعمرة ,ولكن هذا النوع من الأستعمار يقتضي مقدمات له تفتح له أبواب البلد على مصراعيه , ومن هذه المقدمات هو فرض لغة , وثقافة البلد المستعمر , وجزء من هذه الثقافة , هو ثقافة الأستهلاك , وهذه الثقافة هي أيضاً تتطلب مقدمات تهيأ لها فعاليتها , الا وهو تغير المنظومة القيمية للمجتمع , الذي يبيح دخول سلع , وفعاليات تسلية جديدة , كانت غير محبذة , ولا مرغوبة لدى الشعوب المُستَعمرة , بالأضافة الى زرع ثقافة ما يُسمى بأسلوب الرفاهية , وهو بالحقيقة لم ينطبق الأسم على المسمى , بقدر ما يكون هو زيادة نمط الأستهلاك لهذه الشعوب بشكل مفرط , وهو أفراط غير مبرر للمواد المستهلكة , وكذلك أفراط في أستخدام اللهو البريء والغير بريء , وهذا النوع من الثقافة الأستهلاكية يؤدي بلا شك الى أهدار الوقت , الذي يذهب لصالح اللهو , بعيداً عن الجد في مجال العمل وبناء الذات أخلاقياً ووطنياً وعلمياً , وزيادة المشتريات لدى العائلة , مما يسبب ضغطاً كبيراً على رب العائلة من جهة , بالأضافة الى ألهاء الأفراد من أداء مسؤوليات أهم , والتراخي فيها , كما تشجع على شيوع القيم البذيئة والمتميعة , مما تخلق حالة من الهشاشة في النسيج المجتمعي , بسبب بروز ونمو حالة السلوك الفردي , والتمحور حول الذات , بسبب التركيز على محاولة أشباع الرغبات الغير محدودة لدى الإنسان , مما تجعله لا يفكر إلا بنفسه , ولايهمه الا ذاته . هذه الفردية المقيته من صفاتها , هو عدم الأهتمام بالشأن العام , وأهمال المصلحة العامة , ورفعها من جدول أهتمام الإنسان .
أن أزدياد أستهلاك الفرد , يدفع بأتجاه اللهث وراء جمع المال , بأعتباره الوسيلة الوحيدة التي تحقق ما يلبي شهوته بالأستهلاك , ويدفعه الى أتباع جميع الوسائل الممكنة بالحصول عليه , سواء كانت قانونية أو غير قانونية , شريفة , أو غير شريفة , مقبولة , أو غير مقبولة أجتماعياً أو دينياً , فأقتناء المال يكون هو الهدف الأسمى للفرد ,ولأجل الوصول لهذا الهدف مستعد الفرد أن يرفع شعار ( كل شيء يباع ويُشترى في روما) , أي كل شيء مباح مادام يأتي بالمال الوفير , في حين نرى أن الشعوب التي يحمل أفرادها قيم رفيعة , تكون فيها القيم الوطنية والأخلاقية , هي من تتقدم على سواها , وهذا هو من جعل رجال الأستعمار الحديث من يَستَبقونَ الزمن في تدمير قيم وثقافات الشعوب المراد أستعمارها , وتحطيم كل تابواتها التي تحرم التفريط بالقيم الوطنية والثقافية والدينية , لذلك وجهوا فوهات مدافعهم الى تدمير القيم الدينية والوطنية لأنها حجر عثرة في طريق المستعمرين الجدد , لذلك نرى الهجوم الشرس على القيم التي تدعوا الى قيم الأعتدال , والشرف , والشهامة , والوحدة , والمصلحة العامة , والهوية الثقافية , في محاولة لتمزيقها , ليسهل لهم أستعباد الإنسان المسلوب الأرادة , والمستبيح لكل القيم التي كانت تمنحه العزة والشرف والعلو والرفعة , فينهار بفعل أقناعه بأن قيمه قد عفى عليها الزمن , وباتت لا تنسجم وتطور الزمن , ولم تلبي له حاجاته , وينبغي عليه مغادرتها , والأعراض عنها , هو أول الخطوات المهمة بالحصول على الحرية , والدخول الى عالم أكثر رحابة وسعة مما كان يعيشه . أنه عصر الرفاهية , والفردية , والحرية المطلقة , عصر الإنسان الذي يهتم , فقط بالأرض التي هي جنته , وليس الإنسان الذي يضع السماء جزء من أهتماماته , وهو عصر ما قبل الحداثة , وما عليه إلا الأهتمام بما يُدعى بعصر الحداثة , والذي يبشر به الغرب , وهو عصر الديمقراطية الغربية , الذي يمثل نهاية التاريخ بالنسبة لإنسان هذه الأرض , ولا يتحقق ذلك الا بنبذ الإسلام , والتخلص من قيمه , وتشريعاته , وأستبدالها بقيم التنويرالحداثوية , وما بعد الحداثة , وقد قدموا نماذج حاضرة للعيان , خادعة للأبصار , مدغدغة للغرائز ومحركة للرغبات , كما في النموذج الأماراتي العاهر.
*الأستراتيجية الجديدة :
لاشك إن العالم يتحول بأضطراد , وهذه هي سنّة الحياة , وأنسجاماً مع التغيرات , بادر الأستعمار الى تغير جلده , فقد أخذ طرقاً أخرى للتعبير عن نفسه , تكيفاً مع التغيرات التي طرأت على العالم , فهو كالحرباء يتلون بطريقة تتلائم والبيئة الجديدة التي يحل بها , ويركز على طريقة لاتثير مشاعر الشعوب , بل يتبع أسلوب يجعل الحكام والشعوب هي من تدعوه أليها , وتقدم له التسهيلات , والعروض الجذابة من أجل القدوم والأستثمار في بلدانها , وهذا لا يتحقق , إلا بعد أن فعلت الدول الأستعمارية الأفاعيل في بلدان وحكومات هذه الشعوب , حيث خططت لأجل ذلك الآتي :
أولاً : خلق الصراعات البينية داخل الوطن الواحد , وهذا العامل يمكن تفعيلة من خلال أثارة النزاعات الطائفية والقومية , والدينية , وكذلك بين البلدان فيما بينها وخاصة المتجاورة , ومثال ذلك ماحدث في العراق بين السنة والشيعة , وبين العرب والأكراد , وكذلك الأقليات والطوائف الأخرى , مما أدى الى حالة من الأقتتال الطائفي , ونحن العراقيون قد عانينا من ذلك , وكلنا يتذكر أحتلال داعش لثلث مساحة العراق عام 2014م من خلال أرض سوريا الى الموصل , وبمساعدة عدة دول غربية وأخرى أقليمية تأتمر بأمر الأولى , وكانت نتائج ذلك هو تدمير بنية العراق الصناعية والزراعية وأضعاف العراق أقتصادياً . هذا الأمر قاد العراق أضطراراً الى أتباع سياسة الأستثمار الأجنبي في كل القطاعات , وخاصة القطاع النفطي , الذي أممه العراق في سبعينات القرن الماضي , أما الآن فالعراق يرحب بكل الشركات العالمية بالقدوم له والأستثمار على أراضيه , وهذا هو المطلوب , والمرغوب من قِبل الغرب , بأعتباره شكل من أشكال الأستعمار , ولكن بثوب جديد .
ثانياً: خلق الصراعات الحدودية بين دول الجوار , لتكون سبب لدخول الحرب بين بلدين متجاورين , وبالتالي أضعافهم أقتصادياً وعسكرياً , لأجل أجبارهم على طلب الأستثمار الأجبي في بلادهم تحت ضغط تلبية الحاجات الملحة لشعوبهم , وهذا ما يعطي فرص أستثمارية كبيرة للدول الأستعمارية والتي حركت هذه الصراعات , بأن يُطلب منها الأستثمار الصناعي والتجاري والزراعي على أرضي هذه الدول المتحاربة .
ثالثاً: بعد كل مرحلة حرب , وحصار أقتصادي تفرضه الدول الكبرى , يعيش الشعب بحالة من البؤس الأقتصادي , والأنهاك النفسي , وفي هذه الحالة تراه يتطلع كحالة تعويضية الى أشباع كل ما حُرم منه مادياً ونفسياً , فتراه يندفع بحالة من الشره الى اقتناء كل ما حُرم منه , على مستوى الغذاء , والمواد الكمالية والترفيهية , ويكون أندفاعه بمساعدة الأعلان التجاري المخطط له من قِبل هذه الدول , أندفاع جنوني , لأنها شعوب عانت ماعانت من الحرمان والفقر الشديد في سالف الأيام , وإن هذا العامل هو من أخطر العوامل التي يُعول عليه بعملية التغير التي يرعاها الغرب على شعوبنا العربية والإسلامية , وهو عامل أستفحال , وأيصال الشعوب الى درجة الأدمان الأستهلاكي , فأنة حينئذ يفقد السيطرة على نفسه , وتسهل عملية تغيره بالأتجاه الذي يبغيه المُستعمر , فيكون المجتمع جاهز ولين العريكة في تدمير منظومته الأخلاقية , وبطريقة أنسيابية لا تثير الشكوك , بل يعتبر المجتمع إن مايعيشه هو تعبير عن حالة من الرفاهية , ولون من ألوان السعادة , فحينئذ يسقط في مصيدة الترويض القيمي , وهنا يبدأ التخدير , وقيام عملية الأحلال والأبدال لهوية الشعوب الدينية والثقافية , ويتحقق الأستلاب بكل وجوهه , وهنا تستسلم الشعوب بأعتبارها شعوب مقهورة , وعندما تصل الى هذه الدرجة من التخدير والأستلاب تجري عليها كل ماهو مخطط له من قبل المراكز المشرفة على هذه التحول , فتتغير حدود , وجغرافيات , ويُمسخ تاريخ , وتُستلب هويات ثقافية ودينية , ولعله تُباد مجاميع بشرية , وأخرى تُستخدم لخدمة غيرها , وبالتالي بعد حين من التخدير والترويض , تفلس هذه الشعوب من الرفاهية المزعومة , وتفلس من كل مقومات وجودها السابقة , التي كانت تجعلها في مصاف شعوب العالم , وحينئذ تخرج هذه الشعوب من التاريخ , وتكون من الشعوب الغابرة , كما حصل لأقوام هود وصالح , والهنود الحمر في الأمريكيتين , والشعوب الأصلية في أستراليا ونيوزلندا .
من مظاهر أسلحة النمط الأستهلاكي :
هناك تجارب أقامها النظام الأمبريالي في عدة أماكن من العالم , غرضه أبراز نموذج رأسمالي مقابل نموذج أشتراكي يُراد هزيمته , ولكن بطريقة غير عنفيه , وهي طريقة أتخذتها الأنظمة الرأسمالية كأحد أدوات الحرب الناعمة , فكانت تجربة بناء ألمانيا الغربية , بعد أنتهاء الحرب العالمية الأولى , مقابل تجربة ألمانيا الشرقية , وعاصمتها برلين الشرقية , ذات التجربة الأشتراكية , فقد أثارت التجربة الغربية في نفوس الشعب الألماني في ألمانيا الشرقية كل أشواق ونزعات الإنسان المتطلع للحرية , والعيش بالرفاهية التي تلبي طموحات ورغبات , وأمالي النفس البشرية , بكل مشارب الحياة المادية والنفسية , حتى تحولت ألمانيا الغربية الى هدف يطمح بالوصول له , بل حلم كل الشعب الألماني الشرقي , فهي بالنسبة لهم أرض الأحلام , ولايمكن نكران فشل النموذج الشرقي بأقامة دولة تحترم حقوق الإنسان , وأخفقت كذلك بتوفير وسائل العيش الرغيد لرعاياها , مما ساهم بزيادة نزوع الألمان الشرقيين نحو ألمانيا الغربية , وأعتبروها المنقذ الوحيد لهم من جحيم النظام الأشتراكي الشرقي , وفعلاً أندفع سكان برلين الشرقية في لحظة تاريخية 9 نوفبر عام 1989م , وأهدموا جدار برلين , ورموا بأنفسهم نحو برلين الغربية , وسقطت حينها ألمانيا الشرقية بنظامها الأشتراكي , وكانت أول تجربة ينهار بها نظام بطريقة الحرب الباردة , بسلاح النمط الأستهلاكي, وهناك تجربة أخرى حدثت بأقصى الشرق , وهي تجربة هونغ كونغ , حيث بُني نموذج أستهلاكي رأسمالي مقابل تجربة أشتراكية صينية , ولكنها فشلت أمام التجربة الصينية بسبب أنتهاء مدة أستئجار منطقة هونغ كونغ البالغة 99 عام , التي أجرتها بريطانيا من الصين آنذاك , بالأضافة الى الأسلوب المرن الذي مارسه النظام الصيني , حيث أتبعت النظام المختلط في الأقتصاد , المتمثل بالأنتفتاح على العالم , والسماح بالملكية الشخصية , مما أفشلت المحاولة الغربية بأستدراج الشعب الصيني للأنخراط مع العالم الغربي بشكل كلي , حيث طوروا تجربتهم الأشتراكية , وتخلوا من بعض مفاصلها , وأحتفظوا لنفسهم بنظام خاص بهم له تجربة وخصوصية صينية , بدأوا بها ينافسون النظام الرأسمالي نفسه في قعر داره , والذي باتت الصين به اليوم تنافس أقوى أقتصاديات العالم الغربي , المتمثل في الأقتصاد الأمريكي , لكن الأستعمار الغربي لايمكن أن يغفل أغنى منطقة نفطية بالعالم , وأهم مناطق العالم جغرافياً , والمتمثلة بمنطقة الشرق الأوسط . منطقة هي الأهم بالعالم بالنسبة للغرب عامة , وأمريكا خاصة , لأنها تمثل مصدر الطاقة الأهم بالعالم , لذا فهي محل أهتمام الغرب برمته , والمكان الذي يجب أن تنصب كل الجهود لأحتواءه , وهي الأولى بأقامة النموذج الأستهلاكي الذي أستدرج الفرد الألماني الشرقي , الذي عاش تقريباً نفس الظروف الأقتصادية والسياسية لشعوب بلدان الشرق الأوسط , وخاصة البلدان ذات الأنظمة الأشتراكية كمصر عبد الناصر , وسوريا الأسد وعراق صدام حسين , فعمد الغرب الى بناء نماذج أستهلاكية في دويلات صغيرة المساحة والسكان , وهي من تصلح أكثر من غيرها لهكذا تجارب بأعتبار صغر المساحة , وقلة عدد السكان , حيث يمكن تمويلها بسهولة , وتحقيق النموذج المظلوب بسهولة , وأقصر زمن , وهي مناطق هادئة سياسياً , وذات سكان ذو طبيعة هادئة , وفقيرة جداً , خاصة قبل أكتشاف النفط , وليس فيها زراعة ولا صناعة , مما يجعلها بعد أكتشاف النفط من أسهل المناطق لأقامة نماذج دول ذات طابع أستهلاكي , يمكن تقديمها كنماذج تنافسية بمقابل دول ذات طابع ثوري كالنظام في أيران والعراق وسوريا , وليبيا , وأنظمة لم تنال رضى أمريكا والغرب كمصر والجزائر وغيرها , فزرعوا لهم دُبي وأخواتها من دول خليجية , وأن كانت بمستويات مختلفة , كنموذج لدولة الأستهلاك والرفاهية ذات النمط الغربي , وعملوا على بناء دولة الحلم , التي تتوفر بها كل وسائل الرفاهية , وكل مايُثير الغرائز الإنسانية ويستهويها , فأنهالت عليها الأستثمارات من العالم الغربي , حتى حولوها الى نموذج باهروفريد للترفيه , والتسوق , والتجارة , لتكون مدينة الأغراء الأولى في العالم , والتي يُشَد لها الرحال من كل العالم للتنعم بمزاياها الترفيهية والجمالية , هذا النموذج الذي سحر , وخلب ألباب شعوب المنطقة , أغرى بعض الدول , ومنها المملكة العربية السعودية من ركوب الموجة , حتى ذهبوا الى أبعد مما ذهبت إليه الأمارات العربية , فعينت المملكة السعودية وزير للترفيه المدعو تركي بن الشيخ , والذي أحدث هزة كبيرة في الوسط السعودي بما أقدم عليه من أدخال كل وسائل الترفيه التي كانت محضورة في المملكة السعودية , بأعتبارها بلد الحرمين الشريفين , بل ذهبت المملكة الى ماهو أكثر جرئة وذلك في البدأ ببناء مدينة (نيوم) التي يُطلق عليها مدينة الأحلام , وحتى أن أسم هذه المدينة (نيوم) سُمي باللغة العبرية , والتي تعني القوة , وهناك من يطلق عليها مدينة الخيال , ومن الملاحظ , والذي يثير الشك والتسائل أنها تقع بالشمال الغربي من المملكة السعودية , بالقرب من إسرائيل , , وهي ستكون نموذج للتطبيع بين المملكة السعودية وإسرائيل .
بالأضافة الى أنشاء دول كنماذج للنمط الأستهلاكي , كمحاور جذب , ونماذج خادعة تحاول أن تجذب أنظار شعوب المنطقة , التي جُوعت , وحُرمت , وأُضطهدت لفترة طويلة , أعتبر الغرب أنها اللحظة الحاسمة لبناء هذه النماذج الأستهلاكية , التي ستحدث صدمة نفسية لهم , تنتهي بتخليهم عن الكثير من قيمهم الثورية , والأخلاقية والدينية , ويراجعوا ماهم عليه من موروث ثقافي , وبمساعدة بعض عرابي الثقافة الجديدة من أبناء المنطقة , وبأسماء معروفة مدنية ودينية , ليزينوا لهم الأنخراط بطريقة الحياة الجديدة , على غرار مايجري في دُبي , وهذا مانلاحظه فيما يجري في بغداد وبقية مدن العراق من توجه نحو تقليد النموذج الأماراتي والقطري في أنشاء المرافق الترفيهية , ولكن قد تكون التجربة العراقية ممكن السيطرة والتحكم بها , لأسباب معروفه , ليس هنا مورد ذكرها, ولكن نلمس هنا تجربة قامت بها إسرائيل على نفس المنوال , في المناطق المحتلة في الجولان مع أبناء الدروز التي أحتلت مناطقهم إسرائيل عام 1967م , حيث طبقت عليهم هذا النموذج لغرض أغرائهم بالبقاء مع إسرائيل وتفضيلها على الألتحاق بالبلد الأم سوريا , وقد أكد ذلك أحد رؤساء بلدية أحد مدن الجولان في مقابلة تلفزيونية , وهو أحد أبناء الدروز , عندما سألته مقدمة البرنامج , ماذا تفضل البقاء مع إسرائيل , أم الرجوع الى البلد الأم سوريا , لكنه قال وبضرس قاطع , نحن نفضل البقاء مع إسرائيل , فقد قدمت لنا طريقة أفضل للرفاهية , وها هي اليوم إسرائيل أحتلت جزء آخر من الجولان , وتحاول ضمها لها , وأتباع نفس الأسلوب الذي أستعملته مع أبناء الطائفة الدرزية ممن سبقوهم بالأحتلال , وهكذا يقضموا الأرض , وبرضى أبناءها , مما يكسبهم صفة قانونية دولية , تحت شعار حق تقرير المصير للأقليات القومية والدينية . طبعاً الخطورة في مثل هذا النوع من الأحتلال ,أنه مخدر وقتي , وبعد أن تُبلع الأرض وتصبح جزء لايتجزء من أرض إسرائيل يبدأ التحلل من ألتزام إسرائيل بتوفير شروط الرفاهية لهذه الأقليات , ولكن بعد أن تصادر الأرض , سوف لا يُعبأ بصراخ هؤلاء المغرر بهم , مهما علت صراخاتهم , وأرتفع عويلهم على مصادرة أرضهم , التي تساهلوا بتسليمها لعدوهم تحت وهم الرفاهية الخادع . وهكذا أصبح أسلوب الترفيه من قِبل الدول الأستعمارية , للدول المستَعمرة , كحصان طروادة , تحقق من خلاله هيمنتها على هذه الشعوب التي ذهبت ضحية معادلة , مفادُها ؛ تجويع , وحرمان, وأضطهاد ترفيه مزيف أحتلال .
#أياد_الزهيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟