|
حب الإنسان في كليته - حالات الحب الثلاث-
عثمان بوتات
الحوار المتمدن-العدد: 8222 - 2025 / 1 / 14 - 21:36
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
مقدمة
أشدو للسعداء، وأنوح للبائسين، وكلٌ يظن أنني له رفيق، ولكن أياً منهم لم يدرك حقيقة ما أنا فيه! لم يكن سري بعيداً عن نواحي، ولكن أين هي الأذن الواعية!.. هكذا تكلم الناي في قصيدة جلال الدين الرومي، أو هكذا مارس الناي عشقه لأصله، ذلك العود المقطوع من شجرة. وما عشقنا إلا عشق لله، نحن الأرواح المقطوعة من أصلها الإلهي. لكن للحب ثلاث حالات، الأولى نبحث فيها عن لحن الناي في مقدمة السنباطي ل " أقبل الليل" كما بحث رامي على لسان أم كلثوم في أول كلمة شعرية " أقبل الليل ". والتانية نشدو وننوح كما فعل الناي فنقول " أقبل الليل" بلحن آخر يعكس دواخلنا هذه المرة. وأما الثالثة فنخاطب فيها الإنسان، بل نحب فيها الإنسان، فنقول " أقبل الليل، يا حبيبي"... لنتكلم عن حب الإنسان إذن. يا لحظ أرض مصر! فما على وشك أن أصيح به، صاحت به أم كلثوم قبلي: أين أنت الآن، بل أين أنا! لكن سأنبئكم بحقيقة تثقل كاهلي الآن، حقيقة من عالم ليس له من وجود بعد: كل سر كوني يبدأ وينتهي في موسيقى " أقبل الليل "، إنها أقصى حد وصل له الإنسان على الإطلاق، إنها مثقلة بزخم الماضي والمستقبل، إنها نقطة البداية والنهاية.
عن الناصح و المعلم
كل ذو سلطة لا يستحق إلا الصفع منكم في كل مرة يتطفل فيها لنصيحتكم. لا ترحبوا بمحاولة الإمساك بأيديكم فإن من يمسكها يستلذ بعدها بملامح العار والخجل على وجوهكم. لكن العجب لو بررتم أنانية كهذه ضدكم! لا مبالاة لتكن أو أكثر.. ليكن حرص متعمد ينوي عكس النصيحة بصرف النظر في صدقها.
لما التفاخر ب” لا تفعل خطئي” إذن ! لنستنطق الناصح: لما الخوف من أن تكرر أخطائك! لما كل هذا الإيمان في طريقك وكأنها الاحتمال الوحيد! أليس مرادك الوحيد الإيمان بك! فلا يهمك العمل بنصيحتك أم لا، ففي جميع الأحوال تغمرك السعادة في الأخير حين تمدح كم كنت صائب. فلتعترف إذن، أنه ليس للغير أهمية بالنسبة لك إلا كوسيلة، إلى غاية ممتعة كهذه. إن أنانيتك ما تجعلك غير جدير بالإيمان. أما النصيحة فلا تعطى، بل تطلب. ليست النصيحة إلا إشارة للطريق أو ل”طريق”.
عادة يظن كبير التجربة أن مصلحة قليل التجربة من قريبه كذا وكذا، دون تفكير منه في حاجة هذا القريب للتجربة المعاشة؛ تلك الخاصة، والمختلفة. إن للآباء مثلا أحلام مميزة: إنه ابني، ذلك النسخة مني التي لا ترتكب أخطائي. “ذلك الشبح الذي يركض أمامك أجمل منك يا أخي؛ فلما لا تمنحه لحمك وعظامك؟ لكنك تخاف وتفر إلى قريبك”1.
يحكى أن (بوذا) تفاجئ بعجوز يعاني خارج القصر، ففقد لحظتها إيمانه في مدعين التفائل في الحياة من الأقرباء. تستمر الحكاية أنه هجر بعدها عائلته وحياة القصر إلى حياة منعزلة في الغابة. فلما صار معلما علم دوكا: الحياة معاناة-أول حقيقة نبيلة. إن (دوكا) ليس حقيقة نتعلمها في قصر، إنما بمراقبة عجوز يعاني - ربما! -.
إننا لا نؤهل كمعلمين إلا إذا تطهرنا. إننا لا نكون قادرين على مخاطبة الآخر حقا إلا لو خاطبنا أنفسنا أولا -بجدية-. وكل الذين نقابلهم نعلمهم أو يعلمونا. لكن ليفكر الواحد منا للحظة كم جدير بصفة “المعلم” هذه! (كمربي وصديق وحبيب، الخ) لنقلق حيال طهارتنا للحظة قبل أن نصادق ونحب وننجب: إنها فضيلة الحذر من القذف السريع. إني أتحدث عن الصمت لا الكلام! هل جربنا الصمت والرومانسية يوما! أم كنا دوما في استعداد لتلبية نداء الغريزة!
عن الصديق والعدو
لهذا ليس لي أصدقاء! ولا أقدر من يصفني بالصديق، ولو بنية حسنة. الحقيقة، إنني طالما كنت أمقت صفة الصديق، من سطحيتها الأرسطية إلى عمقها النيتشوي. إن الصداقة قدرنا الحتمي، لكنها علاقة مدنسة، ونحن نعلم حقيقتها منذ القدم. ألم يتحول قتال متوقع بين (غلاوكوس) و(ديوميدس) إلى عناق في قصيدة (الإلياذة) ! فلا شيء أسهل من تحول العدو لصديق، والعكس. إن العدو أفضل صديق والعكس.
إننا مع الصديق والعدو سواء، عراة! - إن هذا مخزي-؛ في تلك الأمور الفكرية، وفي رغباتنا. إننا نطمأن حين نُفهَم ونتشابه مع الآخر من حيث السيئ فينا خاصة. إننا في علاقة مريحة كالصداقة في حاجة للغير، ذلك الشبيه الذي يمدحنا كصديق، ويذمنا كعدو - كذلك نريد أن نطمأن، ونريد أن نفزع! -.
“كل من لا يتستر يثير الاستنكار”2 ماذا نخفي تحت الستار؟ إنه حيواننا المتوحش. ونحن من نخجل من حيواننا فنتستر عنه بمظهر الأخلاقي و العفيف؛ إننا نأله من أنفسنا، ونغذي كبريائها، ونحفز شعورها بالتفوق على كل طبيعي. الحقيقة، أننا جميعا نولد بديكارت صغير بداخلنا ينضج فيصيح: أنا!!
إن شعورا بالخجل لهو ما يرغمنا على التستر في غالب الأحيان، والتعري قلما. فإذا ما أردنا أن نُمسَخ؛ نتلهف لعلاقة صداقة في الغالب، وعداوة قلما. وما كنا لنبحث عن علاقة نُمسَخ فيها لو أحببنا أنفسنا كفاية.
عن الغزلة
انعزلوا لعلكم تحبو-كم إذن! بل صادقو-كم أولا! لكن لتحبو-كم بعدها بما يكفي ودون خجل. فحينها لن يكون الآخر بالنسبة إليكم إلا ك”ثالث" 3.
لا يحتمل حصول فهم وتفهم لذواتكم إلا من خلال عزلتكم - تلك الحيوانية يقصد- فأن تكبحوا جماحها، أم تطلعوا عنانها - الذات- بعدها، يكن أرقى من؛ تستر عنها في أحيان وفي أخرى فضحها. إن” ما بعد” كل عزلة تولد فضيلة خاصة، خلالها يعترف المرء بخبثه، فيرفضه - لا يتستر عليه بفضائل ويمارسه بأخرى-. إن من ذاق كنه العزلة، يقول: لا يعادلها طقس أو ممارسة من شأنها أن تطهر النفس. “ إذا لم تنظف أسنانك قد لا تلاحظ رائحتك الكريهة، بينما الجميع سيلاحظها. فكذلك هو التطهير الداخلي، ربما لن تلاحظ تأثيرك السلبي، لكن الجميع سيلاحظه، على الإنسان أن يسير بوعي شديد " 4 ماذا بعد العزلة وحب الذات إذن ؟ إنه السير، الخروج من العزلة إلى حب الغير.
عن المراتب الثلاث في الحب
الجبل الذي يمارس سحره الطبيعي علينا لا يغدو ساحرا بعد تسلقه! 5. آه! إننا لا نغدو جذابين بالمطلق بعد عزلتنا، بل حتى بالنسبة إلينا لا نغدو كذلك! وما المثير للجذب في أنفسنا وقد نظرنا إليها عن قرب الآن؟ آه! مقدر أن نعاني من فقدان الإحساس! بالجمال! في كل المظاهر، بما فيها مظهر الإنسان. آه! على للإنسان، إننا سنعتاد الحفر بأعماقه كلما استفزنا بجماله وسحره، نية منا في فضحه وتبخيس قيمته: معرفته بما هو عليه- في حد ذاته 6 ك Da- Sein . سنغدو فينومولوجي-ين وهايدغر-يين رغما عنا: لا نرى إلا وجودا-هناك، لاحق على التم-وجود ب الولادة، لكن مرتبط بها أيضا.
وأما نيتنا في فضح- إزالة الحجاب؛ إنها حسنة في النهاية، لكن على نحو غير مفهوم! نحن من أحببنا أنفسنا عن قرب، والآن عندما قدر لنا السير والتجول بين الناس، نقول: إما حب عن قرب أوكره صادق - كن عدو لي على الأقل، لكن لا تصادقني، لا تتجرأ وتظن أنك تشبهني، وتفهمني-. نحن لا ننتظر حسن النية من أي كان، فذلك من الحمق! فلن يحيط بنا إلا سوء النية والفهم كذلك. وما نحن بالملتمسين لأي حسن فهم في علاقاتنا. بل حدسنا كان دوما صائب: ميول الغير في أن يُحَب ويرى عن بعد؛ إنه وُلد جميل وجذاب، فكذلك يفضلنا أن نراه، لكننا لسوء حظه عمي لا نرى! إننا نحب الغير-الغير أصيل وهذا يكفيه - بغض النظر على جماله-، نحبه بلا تقدير وحكم منا، بمهما اختلافه؛ لا، لن نهدد سلامه. فلطالما نقلق وجوديا في مواضع كثيرة، لما لا نرتاح أحيانا في حبنا بما م- وجود بغموضه، كما يحب الآباء أبنائهم. وبه يكون مجموع حالات حبنا للإنسان، الحالتين السابقتين: أي إتنان.
وأما في حالات نادرة - ثالثة- نقترب بخطى واثقة في أول لقاء، صدفة أو قدر، نبصر أخيرا؛ فنلتقي روحيا - إننا قلما نلتقي روحيا مع من يناقضنا لزوما من حيث الفكر، أو الجنس، أو معا- حينها يحتم أن نشعر بالاكتمال!... اكتمال يبدو مبتسر، بل مناسب.
عن طبائع المرأة والرجل
إن العلاقة التي لا تتجاوز المنفعة الجسدية، العاطفية، وكذا كل ساحر وجميل وإلهي فينا من ذوق وخُلق وشخصية، العلاقة التي لا تحفَّز بصراع واختلاف من كل جهة نحو اكتمال والتقاء، والتي تصيب بالضجر بعد النشوة الجنسية، وتتزعزع بعد الفكرة الدياليكتيكية الفاشلة؛ نهايتها الذبول والافتراق حتما. الحقيقة، نحن لا نهجر الآخر لأنه تغير - فمن المفروض أن يتغير- بل لأننا لم نتغير معه، والعكس.
حب الرجال كاذب! إنهم لا يعرفون كيف يحبون في الغالب. إن حب الرجل لا يقدر على تجاوز مستوى الصداقة. ولا ترتقي المرأة بالنسبة للرجل على الصديق إلا كلعبة جنسية. إن الرجل لا يسعى سوى لصديقات يسحرون برجولته، إنه يتستر بجمال من نوع خاص لا يجذب إلا المرأة الأكثر أنوثة، أنوثة جندرية 7. وهو لا يحبذ ويستمر إلا مع من تقبله كما يرى نفسه في كل مرحلة. فإذا ما استجابت المرأة لرغبته هذه لوهلة - في سبيل رغبتها هي: الإنجاب- فإنها لن تتحمل غالبا مع الوقت قناع الصديقة، رغم براعتها في الكذب والتظاهر؛ وبهذه الحالة تتحول لزوما لعدوته.
وأما صداقة المرأة، فهيهات! إنها لكذبة مبينة! “إنها ما تزال غير قادرة على الصداقة”8 لدى هي تسخر من الذي يصدق صداقتها، فتقول: يا للمسكين الغير جدير بحبي! - إن شفقة وعطف المرأة الشيطاني لأقذر الرذائل التي ترتكب ضد الرجل- لكنها “لا تعرف سوى الحب”9 والكره؛ لأسباب غريزية تتعلق برغبتها القوية في أن تُستعبد أو تَتسيد. فإذا ما أراد الرجل العادي يوما المجازفة بجنون حبها هذا: فلا ينس السوط! وأما في جميع الحالات الأخرى - حين لا يملك الرجل السوط- يكون لا يملك ما يكفي من “طاقة عدم الانفصال” 10 فليستعد للحقد.
لهذا لا أقدركم كأصدقاء! بل لم أعد أحتملكم كأصدقاء! وأنا الذي اقتربت بما يكفي للحكم عليكم رجالا أم نساء كنتم؛ فهذه هي طبائعكم الحيوانية التي تتسترون عنها بفضائل حبكم الرومنسي، والزواج! إذن الله يجعل ربي يطليكم بيه.
عن الشريك
أصدقائي! عذرا على خداعكم، وعلى صدقي الفكري نحوكم. لكن، إذا ما كان لأخلاقكم فائدة لحسن حظكم، إنها في حالتكم؛ أنتم تمنعون فناء جنسكم.
في الأخير، لا يحتمل أن يستمر الإنسان دون أن يتستر بأخلاقيات الحب ويظهر بمظهر المخلص والوفي، تلك السمات الإلهية والمظاهر الثقافية. بينما داخلكم ما زال يعيش فيه حيوان خائن، تظهر أنيابه في الفرصة الأولى - بحوار أو بجنس- مع، ربما، علاقة قذرة كالصداقة! وأما الغيرة، فماهي إلا شعور يعبر عن مرضكم وخبثكم بقدر مرض وخبث شريككم: الحقيقة، أنتم لا تَغيرون لأنكم تحبون شريككم، إنما لأنكم لا تثقون بأنفسكم لو أتيحت لكم الفرصة للخيانة، فلا تثقون فيه إذن لأنكم لا تثقون في أنفسكم.
إن بنياتكم السيئة وبعدم معرفتكم لأنفسكم لن تتمكنوا أبدا من فهم تصرفات ومشاعر شركائكم. وما الآخر سوى مرآتكم. فما دمتم لستم شجعان بما يكفي لمواجهة أنفسكم فأنتم دوما ضحية للآخر من زاوية رؤيتكم.
عن الإنجاب
ليكن السابق مشكلة لكم وحدكم، بكم عنفها المخفي بأعماق أرواحكم، لكن أرجوكم أن لا تنجبوا!! إلا وأنتم معافون. أراهن على أنه عبر التاريخ كان كل جيل من الآباء يحتقر جيل أبناءه ويمجد جيل أجداده. أ هكذا تعتقدون دوما كآباء؟ أن حال الإنسان دوما في تدهور! لكن لتقولوا لي، من أنجب هذه الأجيال المتدهورة إذا لم تكن أجيالكم الذهبية!؟
إنكم لا تمنحون لأبنائكم سوى العنف نتيجة لحربكم كأزواج، فماذا تتوقعون من الأجيال القادمة؟ السلام؟ الحب؟ فلتستحقوا الشعور بالذنب إذن، أو أقسى! فلتعيشوا الحرب والكره بينكم، ولتعبروا عن مكبوتكم. لكن كفى تظاهرا بمظهر الفيلسوف، العالم، والفقيه، كفى ثرثرة وكأنه بالفعل سلام الإنسانية مهم بالنسبة لكم. وإن للحرب أسباب بيولوجية، لا إنها دينة، وإن سيكولوجية الخائن، وإن المرأة، وإن التنشئة الاجتماعية، بلا بلا بلا... كم تثيرون الاشمئزاز بمظهركم هذا! إني لا أثق إلا في نية الفنان: فإنه وحده بينكم يظن في الحب خلاص الإنسانية. 11 أشعر أن لا شيء حقا فنّي أكثر من حب الناس، تماما كشعور (فان غوخ).
لا تحبوا أبنائكم! إنهم في غير حاجة لحبكم بعد أن أنجبتموهم، بل في حاجة لأن تحبون أنفسكم، وبعدها بعضكم؛ إن حبا بينكم هو ما يجب أن تطمحون إليه.
هل يحتمل أن يعيش الإنسان الحب والسلام بعد أن عاش الكره والحرب! لا ليس القرد الذي نعرفه - لا ليس الإنسان الذي نعرفه؛ لكنه إنسان أعلى-ما فوق. إن "الإنسان شيء لابد من تجاوزه". 12
عن تجربة شخصية
يقال، من يقع في حب الزهور لا الجذور، لا يعرف ماذا يفعل في الخريف! ورسالتي الآن هي لشخص بعينه. أنا وهو نلتقي في السماء، أقصد في الأعلى-ما فوق، وهذا التجاوز منا لكل إنساني متغير كالفصول، لكل حي ومقدر، للحياة في حد ذاتها: ما قد نعبر عنه باللقاء الروحي! هل تذكر كم مرة وجدنا أنفسنا نسلك طريق لا تؤدي إلى أين! لكن كنا مؤمنين حد الحمق في ما فوق؛ في أن قدر السماء يؤدي بنا لأينٍ ما.
إن سر لقاء كهذا، يتحقق فيه تحليل كارل يونغ حول "تحول المادتين معا": هو ما سميته بالحب التحتي (من تحت) إن جاز التعبير، أي ليس من أعلى. إنه اللقاء الذي يحفز إلى لقاء الأعلى. إنه لقاء في الأسفل وفي الجذور.
أما شخصيتك، وشخصيتي، فقد جاءتا بعالم الوسط (الغابة). ونحن مجرد شجرتين قد تقترب أغصانها، قد تقترب أوراقها، قد.. دون حد من الاحتمالات في عالم الغابة. إننا في عالم الغابة عرضة لعواصف مختلفة وغير متوقعة. وأما في عالم الأسفل فنروى بماء واحد. و في عالم الأعلى تحركنا إرادة واحدة.
وأنا لست قوي بما يكفي في عالم الغابة، أقصد حيث ترعرعت، ذلك عيبي! فما دمت أقترب لأرضي فأنا أبتعد روحيا منك. وربما تختلف عني هنا ولن تفهم ما يصدر مني من تصرفات لا واعية، لكن هذا غير مهم، فلستَ مطالب بتشخيصي، أنا المطالب بتشخيصي. لكن المهم جدا: يجب أن تتفهمني. كما أتفهم رد فعلك دون فهمه.
إذن، "أبغضك روحيا" رسالة خاصة لي ولا لأحد غيري. في الأخير، إني لا أستحق إلا بغض صادق، يلوعني بالقدر نفسه إلى حب صادق يسقي جذوري، فأحيا من جديد من تحت هذه الغابة التي لا أستطيع الشفاء فيها لحد الآن. إني لم أقدر من قبل أية رسالة كما قدرت رسالتك! لدى فكل الامتنان.
لكن أرجوا المعذرة! الرسالة الثانية " ابتعد على العوام " -بغض النظر عن نبرتها التي تبدوا كنبرة ناصح!- إنها في موضوعيتها لا تهمني ولو بقدر ذرة. وأنا الأدرى بكم بعدي على العوام. إنهم لا ينظرون إلا للسطح مني. إنني مُقَنَّع على الدوام، واعتدت تشخيص الدور المسرحي، اعتدت التهريج، بل اعتدت ممارسة الخداع! (بيني وبينك). لكنها قد تكون رسالة لك، في الغالب هي لك، لقد خاطبت نفسك من خلالي فحسب، فلا داعي لأن أقلق، لكنك أدرى بماذا كنت تقصد! فلتقلق إذن.
في النهاية، دعنا لوهلة نقدّر هذه الرموز الكونية التي تتوجه إلينا، وتحولنا بعدها لمستوى آخر! أنظر كيف نتفاعل معها ونستجيب! أليس هذا من شيم ال " أعلى". إن هذا مستوى يصعب بلوغه. لكن لتقل لي لما نستمر - وأقصد نفسي خاصة- في مشاركة " الآخر " ما نراه من فوق الجبل، من " عن قرب "! لما نستدعي رفقاء لنا فنخرب عليهم منظر الجبل من بعيد! أليس هذا خطر؟ لكن المضحك -وأقصدك خاصة-، لما نتفاجأ من تقدير الآخر للحظاتنا! ومن تقديره لجدارة نفسه بمشاركتنا!
الآن، إذا ما كان لتأملي (تأمل "ما بعد" البغض الروحي) فائدة؛ فإن فائدته في أن نراجع علاقاتنا بحرص من الآن، فلننتقي كلماتنا وتقديرنا بدقة. والأهم، فلنفكر في الآخر بحدس؛ في كم العلو الذي يستحق منا، وأقصد بذلك أن لا نفكر فيه بجدية. وأما الحب، فلا يقلق حيال هذا، نحن نحبه في العمق.
عن نور الحدس وظلمة التجربة
ولأن ليس سهلا فهم دم غريب 13 لم أشاركك كلماتي كرسالة خاصة، لقد فضلتها كرسالة لعامة نخبة، فلا أحد غير النخبة بمقدوره فهم دم غريب. وبصفتي الغريب، فلا أحبذ النظر لكلماتي إلا كتجربة معاشة، لا كحكمة، ولا كدراسة نظرية. إنني لا أتكلم عن الحب إلا لأنني أعيش الحب فعليا. إنني أتكلم بقلب حدسي، وواثق من سهام كلماتي. ولأني أعيش الحب، الإنسان صار يبدو لي كمحفز للحب لا أكثر، بمقدوري التخلي عليه في أي محطة. لكني أحب الإنسان في كليته، وكل علاقاتي هي علاقات حب فقط، بجميع حالاتها الثلاث.
إن النور من بعيد هو ما يحفزنا لممارسة الحدس، وإن الظلام من قريب هو ما نعيشه. وبين حدس وتجربة نوجد لنستجيب، لنتعلم ونؤمن بقوتنا. إنه بمقدورنا جميعا أن نستجيب للروحي. فلست أنا وأنت في الأخير، بأرقى من الآخر في هذه القدرة، إني مؤمن في قدرة الإنسان، لهذا بدأت كلماتي بتحذير: لا ترحبوا بمن ينصحكم! إنه يهين قدرتكم على الاستجابة، ويضعفها، بل تعلموا فن الصفع!
لكن لتفرقوا رغم ذلك، بين من ينصحكم ومن يعلمكم، " عندما يكون الطالب جاهزا يظهر المعلم، لكن عندما يكون الطالب جاهزا حقا يختفي المعلم " هكذا تكلمت الحكمة الطاوية.
مصادر:
1. هكذا تكلم زرادشت، عن محبة القريب، نيتشه ص 124 2. هكذا تكلم زرادشت، عن الصديق، نيتشه ص 116 3. هكذا تكلم ررادشت، عن الصديق، نيتشه ص 115 4. سادغورو، معلم هندوسي 5. العلم المرح، نيتشه، ص 61 6. دازاين، مفهوم أنطلوجي، أنظر [ الكينونة والزمان ] لمارتن هيدغر 7. مفهوم للحركة النسوية، أنظر [ الجنس الاخر ] لسيمون دي بوفوار 8. هكذا تكلم زرادشت، عن الصديق، نيتشه، ص 117 9. هكذا تكلم زرادشت، عن الصديق، نيتشه، ص 117 10. هكذا تكلم زرادشت، عن المرأة شابة وعجوزا، نيتشه، ص 132 11. في الحب، عثمان بوتات، الحوار المتمدن 12. عبارة تتكرر في أغلب صفحات كتاب [ هكذا تكلم زرادشت ]، تشير لمفهوم الانسان الأعلى 13. هكذا تكلم زرادشت، عن القراءة والكتابة، نيتشه، ص 85
#عثمان_بوتات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في الحب
-
مرآة الأوهام ( تأويل لفيلم الماتريكس)
-
محاولة تطفل على علم الجمال
-
نعم للحياة
-
محاكمة الفلسفة وأشباه الحكماء
-
المرأة والحب وأشياء أخرى
-
تساؤل حول مشروع سلام بالعصر الحديث
-
العلاقات الآلية
-
رسالة إلى نيتشه والإنسان
-
الفن - اللغة التي يفهمها الكل والبعض ولا أحد -
-
نقد السلوك الأخلاقي وإزالة المفاهيم الدخيلة للفضيلة
-
تساؤلات حول الوجود الإنساني
-
تعدد مفاهيم الحب بين اللاشعوري والإختياري
-
العنصرية الإنسانية
-
الواقع بأذهاننا
-
سيكولوجية المجتمع بين للتناقض والتناغم
المزيد.....
-
حماس تعلن مقتل 4 من مقاتليها بغارات إسرائيلية في الضفة الغرب
...
-
-5 شبان يمارسون التأمل-.. مقطع فيديو قد يفك لغز حرائق كاليفو
...
-
-أيها الدموي.. يا وزير الإبادة- هكذا قاطعت سيدتان خطاب أنتون
...
-
سفن -أسطول الظل- تتحدى العقوبات الغربية وتحافظ على تدفق الأم
...
-
عرض نتنياهو لا يُفوّت.. ما هو ثمن بقاء سموتريتش في الحكومة و
...
-
زيلينسكي يزور بولندا لحل قضية استخراج رفات بولنديين قتلوا عل
...
-
أردوغان يطالب إسرائيل بالانسحاب من أراض احتلتها ويتحدث عن أك
...
-
فيتسو سيحضر احتفالات 80 عاما على النصر في موسكو على رأس وفد
...
-
رئيس بردنيستروفيه: روسيا ستزود بلادنا بالغاز كمساعدات إنساني
...
-
تقرير يتحدث عن شروط مصر لتطبيع العلاقات مع سوريا الجديدة
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|