|
الذّكرى السنوية العاشرة لوفاة الكاتب الإشتراكي مايك ماركوسي
الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 8222 - 2025 / 1 / 14 - 16:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مرت عشر سنوات منذ وفاة الكاتب الأمريكي المُقيم في بريطانيا ( من 1971 إلى 2015 ) مايك ماركوسي (Mike Marqusee - وُلد لعائلة ميْسُورة في نيويورك يوم 27/01/1953 وتوفي في لندن يوم 13/01/2015)، الصحافي والكاتب والمناضل الاشتراكي (المُناهض للصهيونية ) والذي تناولت كتاباته مجالات السياسة والثقافة والرّياضة والفنون والموسيقى ( من ضمنها موسيقى الأندلس) وعن حياة بعض المشاهير مثل الملاكم محمد علي فَرَكّزَ على الجوانب السّياسية لنضال الملاكم، وركّز على ظُروف نضال الشباب خلال عقْدَيْ الستينيات والسّبعينيات من القرن العشرين، ضد حرب فيتنام، ومن أجل "الحقوق المدنية"، ونضال السّود من أجل المُساواة في الحقوق، كما كتب عن الفنان بوب ديلان وعن تَحَوُّلِهِ من الموسيقى الشعبية إلى موسيقى الرُّوك ذات الصوت العالي في النصف الثاني من ستينيات القرن العشرين، وكتب عن استحواذ الرأسمالية على الرياضة لتحويلها إلى مورد للرّبح المادّي، ونقَدَ أُسُسَ إنشاء الكيان الصهيوني...
يُعرّف مايك ماركوسي نفسه كيهودي مناهض للصهيونية، ونَشَرَ كتابَيْن يتناولان موضوع اليهودية والصهيونية ( A time to speak out : Independant jewish voices on Israel, Zionism and jewish identity - و - jew If I am not for myself : Journey of an anti-zionist ) كما كتب عن تجربته مع مرض السرطان الذي قتله قبل بلوغ سن الثانية والستين ( The price of experience : Writings on living with cancer ) حيث تم تشخيص سرطان نخاع العظم المتعدد النقائص ( سنة 2007 ) ولكنه استمرّ في الكتابة بعد انقطاع قصير، وتناول في كتابه "ثمن التّجربة" متاجرة الشركات الكُبْرى للأدوية، ودافع عن القطاع العام (هيئة الخدمات الصحية الوطنية" وعن تفاني موظفيها، كما كتب : "كانت الكتابة في حد ذاتها استمرارية ثمينة للحياة قبل السرطان، ولئن سُلبت مني العديد من قدراتي الأخرى، فلا زلت قادراً على الكتابة".
أبّنَتْه صحيفة "ذا غارديان" التي كان يعمل بها عند وفاته، وعرفته في عددها الصادر يوم 15/01/2015 بأنه موسوعة ويتميز ب"الالتزام بالاشتراكية، والإيمان بالطبيعة التحويلية للفن، والأممية الصارمة، وإعطاء الأولوية للصدق الفكري والشخصي دون الاكتراث بالثمن الباهظ الذي دَفَعَهُ"، واهتم مايك ماركوسي بموضوعَيْن أساسِيّيْن هما: سياسة الثقافة الجماهيرية في ظل الرأسمالية، وخاصة الرياضة، و"العلاقة بين إسرائيل والصهيونية والهوية اليهودية".
كان مُدافعًا عن الماركسية طيلة حياته ولكنه لم يَنْتَمِ إلى أي حزب أو مُنظّمة، حتى سنة 1980 حيث انتمى إلى الجناح اليساري لحزب العمال ثم غادره، وكان مُؤسّسًا ومناضلا في ائتلاف "أوقفوا الحرب" واختلف مع مناضلي حزب العمال الاشتراكي.
كتب مع ريتشارد هيفرنان كتابا ينقد سياسة حزب العمال اليمينية بعنوان "الهزيمة من بين فكي النصر" (1992)، كما شارك في إنجاز النشرة اليسارية "لابور بريفينغ"، وأصبح محررها، وكتب مقالات عديدة عن الفنون بأنواعها، من شعر فريدريكو غارسيا لوركا إلى الرّسم والفن التّشكيلي مرورًا بموسيقى الفلامنكو والرّوك، وكان مايك ماركوسي شاعرًا ونشر مجموعتَيْن شعرِيّتَيْن...
يُجاهر مايك ماركوسي بإلحاده، وكان يصف نفسه بأنه "يهودي منزوع الجذور"، وتناول في كتابه "إذا لم أكن لنفسي" (2008)، تاريخ عائلته ونظريته السياسية وقراءته الدقيقة للنصوص الدينية الكنسية، وَفَصَلَ بين اليهودية والدّولة الصّهيونية، وندّد باستحواذ الدولة الصهيونية على الديانة اليهودية والحديث باسم يهود العالم، بتواطؤ من الدّول الإمبريالية، كما انتقد بعض الباحثين "اليسارِيِّين" الذين هَجَرُوا العمل السياسي – لأنه عمل يومي مُرْهِق لا يمتلك بريق العمل الأكاديمي - واكتفوا بنَشْر "الثقافة الأكاديمية" والتّدريس في مؤسّسات التّعليم العالي ( مقالة بعنوان "التّجْدِيدات" نَشرتها مجلة "اليسار الجديد" – نيو لفت ريفيو )
كتب مايك ماركوسي كثيرًا عن الرياضة وعن العلاقة بين الرأسمالية والرياضة المُعاصرة – في زمن النيوليبرالية- التي سمّاها "الرياضة التّجارية" التي أصبحت رَمْزًا للأيديولوجية النيوليبرالية، لأنها تُركّزُ على تعزيز التنافس والنّجاح الفَرْدِي، وإهمال التاريخ الشعبي للرياضة وتعميم الإحتراف، بدافع رأسمالي يرمي إلى تعظيم الأرباح وهيمنة شركات المراهنات الرياضية التي تشتري الذّمم وتتلاعب بالنتائج من أجل ضمان العائد على استثماراتها، واستثمار الشّركات الرّاعية التي حوّلت هدف المنافسات الرياضية إلى إقصاء المنافس أو الاستحواذ عليه، كما يحصل في أي مجال اقتصادي، وأشار مايك ماركوسي وديف زيرين إلى التحولات التي تمت ملاحظتها بمناسبة كأس العالم لكرة القدم سنة 2014 في البرازيل حيث زادت المُراقبة والقَمْع ضدّ المتظاهرين من أجل زيادة الرواتب وحياة أفضل وضدّ الإخلاء القَسْرِي للقاطنين بالأحياء الشعبية، فضلا عن "الإنفاق الهائل على المرافق الزائدة عن الحاجة والنهب المؤسسي للأموال العامة"، ويُؤَكِّدُ ماركوسي "إن الحاجة إلى منظور سياسي لعالم الرياضة أصبحت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى لأن لدى الاتحاد الدولي لكرة القدم وشركائه من الشركات مصلحة راسخة في تعزيز الرؤية النيوليبرالية لرياضة كرة القدم"
ذكر مايك ماركوسي في بعض كتاباته إنه لما كان مراهقًا، واجه ردود فعل عنيفة من أُسْرته لأنه كان يُدافع عن "توسيع حركة الحقوق المدنية الأمريكية، المناهضة للعنصرية، لتشمل الشعب الفلسطيني المُضْطَهَد"، وكان آخر كتاب نشره ماركوسي خلال حياته ( إذا لم أَكُن لنفسي: رحْلة يهودي مناهض للصهيونية ) يمزج بين التاريخ العائلي والتحليل السياسي، فهو يتناول بالتحليل "العلاقة بين إسرائيل والهوية اليهودية"، وتناولَ بالشّرح "سبب ارتباط العديد من اليهود في أوروبا وأميركا الشمالية ارتباطًا قويًا ( بالدّولة الصهيونية) دون تردد"، وهو من القلائل الذين تناولوا تأسيس دولة الكيان الصهيوني من خلال التهجير العنيف للشعب الفلسطيني، من النكبة إلى الانتفاضة الثانية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كما وجّه نقدًا لاذعًا لرجال الدّين ( اليهود أو المسيحيين) الذين يدعمون ممارسات الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني ( يذكر ماركوسي إن الفلاحة في فلسطين كانت مزدهرة قبل وصول المستعمرين الصهاينة خلال القرن التاسع عشر)، وضدّ الشعوب العربية ( لبنان 2006 على سبيل المثال )، ويرفض أن يتحدث رجال الدّين اليهود أو الكيان الصهيوني الإستعماري العنصري باسم اليهود، لأنهم "يزعمون إن لليهود امتيازات خاصة حُرم منها آخرون: امتياز غزو واحتلال أراض الشعوب الأخرى، وحرمان الآخرين من حقوقهم الإنسانية الأساسية. أما بالنسبة لي فعندما تتعرض أي مجموعة من البشر للاضطهاد والظلم، فلابد وأن يتضامن معها جميع البشر..."
قَدّم مايك ماركوسي مُساهمات قَيِّمَة في مجال الفكر الإشتراكي والثقافة والرياضة والفنون، وخسرنا كعرب وفلسطينيين أحد أهم مُعارضي الكيان الصهيوني في بريطانيا والولايات المتحدة، ونفتقده خلال هذه الفترة التي أصبح فيها خلط معاداة السامية بدعم حقوق الإنسان الفلسطينية أحد الأسلحة الإيديولوجية الرئيسية المستخدمة ضد اليسار، وضدّ شباب الجامعات والمناضلين من أجل حقوق الإنسان وحُرّيّة التّعبير، ومن أجل المُساواة بين البشر، ونفتقده في زمن الدّعم الإمبريالي ( والرّجعي العربي) المُطلق لإبادة الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني...
لهذه الأسباب نذكُرُ مايك ماركوسي في الذّكرى العاشرة لوفاته
#الطاهر_المعز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التمويل الأمريكي بَوّابة الإنقلابات -الخشنة- أو -النّاعمة-
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد السّادس بعد المائة، بتاريخ الح
...
-
نماذج من الخلاف بين تَقَدُّمِيِّي -المركز- و -المُحيط-
-
بَعْضُ تداعيات انهيار النظام في سوريا
-
صناعة الرّقائق والحرب التكنولوجية والإيديولوجية
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الخامس بعد المائة، بتاريخ الرا
...
-
اليمن في مُخطّط -الشّرق الأوسط الكبير-
-
أوروبا- زيادة الإنفاق العسكري وتمويل احتلال فلسطين
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الرَّابَع بعد المائة، بتاريخ ا
...
-
سوريا في خِضَمّ الصّراعات الدّولية *
-
قناة بَنَما نموذج من -الإستعمار الجديد-
-
ألمانيا مِرْآة لوضع الإتحاد الأوروبي
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثالث بعد المائة، بتاريخ الوا
...
-
سوريا ضمن مًخَطّط -الفَوْضى الخَلاَّقَة- أو -الشرق الأوسط ال
...
-
تونس 17 كانون الأول/ديسمبر 2010 – 2024
-
سوريا - من الأهداف الخَفِيّة للولايات المتحدة
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثاني بعد المائة، بتاريخ الرّ
...
-
عيِّنات من الديمقراطية الأمريكية
-
سوريا بعد انهيار النّظام – من المُستفيد وأية آفاق ؟
-
سوريا في ظل الصراعات الدّولية
المزيد.....
-
المكسيك... مقتل 5 أشخاص في مواجهات بين منظمات إجرامية
-
أنصار الرئيس البوليفي السابق إيفو مورالس يشتبكون مع الشرطة ق
...
-
بوشكوف: ترامب يهدف إلى إنهاء العمليات العسكرية بين روسيا وأو
...
-
-بلومبرغ-: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض عقوبات جديدة على -أسطو
...
-
المدعي العام في واشنطن: العفو عن مقتحمي الكابيتول لن يلغي سج
...
-
مرسيليا وموناكو يودعان كأس فرنسا بعد خسارتهما بركلات الترجيح
...
-
كيف يوظف المستبدون الوطنية والخيانة؟
-
وزير إسرائيلي يوضح موقف حكومته تجاه اتفاق وقف إطلاق النار في
...
-
العراق وبريطانيا يتفقان على حزمة تجارية تصل قيمتها إلى 15 مل
...
-
روسيا تحذر.. وقف السيل التركي هدف أمريكي
المزيد.....
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
المزيد.....
|