بن سالم الوكيلي
الحوار المتمدن-العدد: 8222 - 2025 / 1 / 14 - 14:49
المحور:
كتابات ساخرة
في بلد تتنافس فيه الأزمات على حصد لقب "الأكثر إلحاحا"، وبينما ينهار التعليم، وتتكدس المستشفيات بالمرضى، وتتحول الطرق إلى فخاخ مميتة، تفاجئنا الدولة بقرارات تبدو وكأنها خرجت من مخيلة كاتب ساخر. أحدث هذه الإبداعات: فرض عطلة السنة الأمازيغية وتشوير الطرق بالأمازيغية. نعم، لأن هذا بالتأكيد هو ما يحتاجه المغاربة الآن!
تخيلوا المشهد: بضعة أشخاص يجلسون في غرفة مغلقة، يتبادلون النظرات والابتسامات، ثم يقررون فجأة أن المغرب بحاجة إلى "إجازة جديدة". قرار يبدو وكأنه نكتة ثقيلة الظل، يفرض على الجميع دون أي استشارة أو نقاش. هل كان أحد يعاني من قلة العطل؟ هل احتج الناس في الشوارع مطالبين بيوم إضافي للراحة؟ الإجابة واضحة، لكن يبدو أن صناع القرار يعيشون في بعد مواز، حيث الأولويات لا علاقة لها بالواقع.
أما التشوير الطرقي بالأمازيغية، فهو قصة أخرى لا تقل عبثية. فجأة، تجد نفسك أمام لوحة تحمل رموزا أقرب إلى الطلاسم منها إلى الكلمات. تمر بسيارتك، تقرأ الحروف – أو تحاول على الأقل – ثم تمضي في حيرة، متسائلا: هل هذا اسم مدينة أم وصفة سحرية؟ المفارقة الساخرة هنا أن التشوير، الذي يفترض أن يرشد الناس، أصبح وسيلة لإرباكهم.
لكن العبث لا يتوقف هنا. في المدارس، يفرض على أبناء الفقراء تعلم اللغة الأمازيغية، بينما تترك المدارس المولوية والخاصة لتعليم الإنجليزية والفرنسية، اللغتين اللتين تفتحان أبواب العالم. يبدو وكأن التعليم تحول إلى تجربة اجتماعية ساخرة: أبناء الشعب يتعلمون "الرموز"، وأبناء النخبة يتعلمون "العلم".
وفي خضم هذا كله، يبرز السؤال الجوهري: لماذا يفرض على المغاربة قرارات لا علاقة لها بحياتهم اليومية؟ هل ستحل عطلة السنة الأمازيغية أزمة البطالة؟ هل ستخفف لوحات التشوير بالأمازيغية من عدد الحوادث؟ هل سيخرج تعلم الأمازيغية أبناء الشعب من دائرة الفقر؟ الإجابة معروفة، لكن يبدو أن أحدا لا يكترث.
المشكلة ليست في الاعتراف بالثقافة الأمازيغية أو الاحتفاء بها، فالتعددية الثقافية جزء من هوية المغرب. المشكلة هي تحويل هذه الثقافة إلى أداة للزينة والديكور السياسي، بدل استثمارها في تحسين حياة الناس. بدلا من التركيز على قضايا الصحة، والتعليم، والبنية التحتية، نغرق في احتفالات رمزية لا تسمن ولا تغني من جوع.
ومع ذلك، وكما تعودنا، لن يبقى أمامنا سوى الضحك. لأن الضحك هو السلاح الوحيد الذي نملكه في مواجهة هذا العبث المنظم. نضحك لأننا نعلم أن الكوميديا السوداء ليست مجرد نوع أدبي، بل واقع نعيشه يوميا، حيث يصبح القرار الرسمي هو النكتة الأكثر تداولا.
#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟