أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - صيغة السرد والمضمون -ال...هو/ القاروط/أيوب- في رواية -الكوانتوم-















المزيد.....


صيغة السرد والمضمون -ال...هو/ القاروط/أيوب- في رواية -الكوانتوم-


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 8222 - 2025 / 1 / 14 - 08:08
المحور: الادب والفن
    


الرواية بمجملها جاءت بصيغة أنا السارد، أنا المتكلم، فكل الشخصيات تحدثت عن نفسها، وكما رأينا آنفا حتى (كوهين) تحدث عن نفسه، ولم يتدخل في حدثيه أحد، لكن هنا شخصية "ال هو/القاروط/أيوب" الذي تحدث بصيغة تداعي ضمير المخاطب، المتحدث يكلم نفسه، مما يشير إلى أنه يعاني نفسيا، أو أن عليه ضغوط هائلة جعلته يفقد اتزانه، وإذا ما توقفنا عند المساحة/الفصول التي تحدث فيها ل"ال هو/أيوب/القاروط" سنجدها المساحة عادية كباقي الشخصيات، لكن في آخر حديث له تحدث القاروط ست عشرة صفحة، وهو من أطول الفصول له في الرواية، وهذا الفصل جاء بصيغة أنا السارد، بمعنى أن "القاروط" أصبحا سويا/طبيعيا، يتحدث كباقي الشخصيات، وإذا علمنا أنه تحرر من التأتأة وشفي منها، نصل إلى أن صيغة السرد أوصلت للمتلقي سوية الشخصية المتحدثة.
قبل الدخول إلى شخصية "أيوب/القاروط ال هو" نتوقف عند الاسم الثلاثي، تاريخيا عندما كان يصل الشخص إلى الملوكيةـ إلى مكانة رفيعة يغير اسمه، أو يضيف عليه كان لقب، مثلا "أيوب" يصبح "الحاج أيوب، الملك أيوب" في الرواية تم التعامل معه على أنه "ال هو" وهذا يقودنا إلى علو شأنه، فذروة العظمة عندما تخاطب الشخص ب "هو" التي تعني البعيد والقريب في الوقت ذاته "هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم".
إذن السارد تعامل مع "أيوب" كشخص مختار، يحمل داخلة شيئا مهما، من هنا عرف روائيا ب "ال...هو"

اجتماعيا يطلق لقب "القاروط" على الصغير، وعلى الفقير، وعلى اليتيم، وعلى مقطوع الأهل، وهذا ما يجعل الاسم ملائم تماما لطبيعة الشخصية في المجتمع الروائي.
ثقافيا، دينيا يعطي اسم "أيوب" معنى الصبر، الجلد، القدرة على التحمل، والثبات على الإيمان، على أن هناك خلاص قادم، مهما أشتد البأس وعظم.
من هنا يمكننا القول إن الاسم "ال ...هو، القاروط، أيوب" كان موفقا لأنه يعطي صورة عن طبيعة الشخصية المتناولة روائيا، اجتماعيا، دينيا.
يعرفنا " ال ...هو، القاروط، أيوب" على تاريخه، وأصله، وفصله وكيف أجبر "عباس الحراسيس" والده على الزواج من "خولة" التي أنجبت "سليمان" الذي لا يشبه "القاروط" بعد سبعة شهور، وهنا يتضح حقيقة ما جرى بين "الحراسيس" وبين أمه "خولة" وكيف خضع والده صاغرا لطلب سيدة.
يتعرض "أيوب/القاروط" لمرض، بعد أن تاه في منجم النحاس، يحمله أبوه على الحمار من بئر السبع إلى القدس للعلاج، لكن طول الطريق والصحراء جعلت حالته أكثر سوء، ليستفيق من غيبوبته ويجد نفسه يتأتأة.
وهنا تدخل (الفانتازيا) من خلال "هند" المستشرقة لتقول له "أنك منذور لشيء لا تدري ماذا يكون" ص61، هذا النبوءة تتكرر في أكثر من موضع في الرواية، مما جعلها إشراقة مستقبلية "للقراوط" ولدور استثنائي سيقوم به.
بعد موت "روبن هود" يتعرض "القاروط" للاعتقال والاستجواب من قبل الاحتلال مما زاد من مأساته في الكلام، فقد عُذب بطريقة قاسية: "كانوا يضربونك حتى يغمى عليك، ثم تفيق على دلو الماء وهو يسكب على رأسك... ويعلقونك من قدميك، ويزرعون الكهرباء في خصيتيك وأنت تصرخ...يقتادونك إلى غرف التعذيب، كنت تشعر أن التعذيب أهون من الظلام...كان أقسى عذاب مارسوه معك...أن يزجوا بك بين ستين رجلا وأكثر، في مكان واحد، وأنت الذي لا يطيق العيش مع أحد من البشر" ص122-124، في هذا المشهد يؤكد "أيوب" تماثل واقعه/حالته مع معنى اسمه "أيوب/القاروط" فحياته بمجملها مآسي، وعذب، وقهر، وظلم، وضياع، وفقر، وعدم استقرار، وفي هذا المقطع يكشف طبيعته النفسية وما يضايقه، فهو لا يحب الظلام ويخافه، وأيضا لا يحب الاختلاط مع الناس، بمعنى أنه يحب الوحدة، وهذا يشير أما إلى حالة مرضية، أو إلى تميزه وانفراده عن الآخرين.
النساء كان بارقة الأمل "للقاروط" فهن من وضعن الضوء أمامه ليعبر الظلام ويصل بأمان إلى الكمال: "كانت نجمة أول من زرع فكرة النبوة فيك، قالت لك: ما دمت قد قطعت الصحراء وحيدا ونجوت، ما دام المرض لم يأكل روحك، فهذا يعني أنك منذور لشيء ما، عليك أن تبحث عنه، وتعرف ماذا يكون، وأنت صدقتها، ثم جاءت هند لتؤكد لك أنك مختلف عن البشر، وفيك شيء غامض عليك أن تبحث عنه حتى تجده، وأنك منذور لشيء غامض لا يعرفه أحد" ص153، نلاحظ تكرار طرح النبوة، المستقبل المشرق، من اكثر من امرأة، وهذا ما يجعل المتلقي يستمر في متابعة أحداث الرواية وشخصياتها لمعرفة كيف سيتحول الضعيف/المريض/الفقير إلى شخص صاحب شأن ومكانة، فهل يمكننا أخذ تكرار فكرة الاستشراق كوسيلة جذب للقارئ، أم أنها جزء أصيل وحيوي في أحداث الرواية ومن طبيعة "القاروط" النفسية؟
يستمر "القاروط" في الحديث عن ضعفه/حالته/مرضه بقوله: "الكآبة كف عاهرة قوية كأنها من الفولاذ تغوص فيك، فتشعر بألم ممض، حاد حتى آخر نقطة في الروح، تقبض عليها، تعصرها، تجعلك تصفر، وتجف، وتتكسر مثل وريقة الشجر وتذويك الريح... الكآبة تعني أن تكفر بالحياة... وجع الروح أقسى الأوجاع، وجع الروح هو الوجع الوحيد الذي لا تضع إصبعك عليه، ولا تلمسه، ...تشعر بالدنيا لا تتسع لك، تشعر برغبة جارفة بالبكاء" ص178و179، في هذا المشهد نتأكد أننا أمام شخصية تعاني من ألم، لكنه ليس ألم (مادي) بل ألم روحي، ألم الاغتراب، عدم الانسجام مع الواقع، مع الآخرين، وهذا يقودنا إلى فكرة، أن عملية التألم التي يمر بها "القاروط" تتماثل مع عملية (التطهير) من الخطيئة، فألمه هو المعبر/الممر نحو الكمال، والوصول إلى المطلق.
يتحدث "يعقوب الجابي" عن "أيوب /القاروط" متسائلا/مستفسرا/مستغربا عن السر الذي تراه "هند" في "القاروط": "ما الذي قد يعرفه ولد مشتت، ضائع، بائس؟ ما الذي يقوله وهو الذي يحتاج إلى ثلاث دقائق كي يلفظ كلمة من ثلاثة أحرف؟" ص239، وهذا ما يزيد تعلق القارئ بأحداث الرواية، لمعرفة ما وراء "القاروط" من أحداث/مهام/خصائص تميزه عن غيره وتجعله يأخذ هذا الاهتمام من "هند"
في خاتمة الرواية تظهر حقيقة "أيوب/القاروط" فيخرج من نفسه (لنفسه/لقرينه) الذي يخاطبه كوحي/كملاك السماء، يهزه، يمسك رأسه ويضعه بين كفيه، يُدهش، يرتجف "القاروط" كما أندهش وارتجف الأنبياء عندما تلقوا الوحي أول مرة، يحدثه (الوحي) عن حالة الحلول بينهما:
"ـ أنا أنت... أيوب الشعم. ..لا .. أنا.. أنت بالذات، بلا أي انزياح، لست صورة عنك، ولا شقيقا، ولا توأما، ولا شيئا ..أنا أنت.. أيوب بن فاطمة .. الشعم... لا أنا صورتك وأنت أنت صورتي...لا يوجد في الأمر مرآة...أعرف كم يبدو الأمر صعبا...لكنك قريبا ستفهمه، أنا أنت...افترقنا يوم ألقي بي أبي إلى مكب نفيات الدواء في الصحراء... تركتني، ومضيت.. تركتني، وسافرت، ظننت أنني مت ولكني في الحقيقة لم أمت ...أتذكر؟ ...أعرف... لم تكن موجودا في المكان المناسب، ذلك هو الأمر... حين تكون في المكان الخطأ يختل توازنك.. وتنهار، وقد تنهشك الأمراض دون أن تدري السبب... أتعرف لماذا يصاب شخصيان لهما نفس المناعة بنفس المرض، فيموت أحدهما، ويبقى الآخر؟ الذي يموت، يكون أصلا غير منسجم مع المكان... لذلك بالذات بقيت طوال عمرك تتأتئ...حين تخرج من مكانك، المحدد، يحدث اضطراب ما فيك... وعليك، لكي تتوازن، أن تعود إلى حيزك لتملأ... لهذا بالذات شفيت من التأتأة الآن...سأكون موجودا دائما معك، ولن تفارقني، ولن أفارقك...لن اسمح لك بالخروج من جديد" ص440-443، نلاحظ قوة حضور الفانتازيا في الخاتمة، فقد تم تخليص "القاروط" من ضعفه، من مرضه، وتعرف على حقيقته، على كونه جزءا من المكان، وعلى أن هناك من يحتاج له، كما هو يحتاج لهم، ليكون كاملا، طبيعيا، عاديا، سويا.
يذهب (الوحي) ويأخذ "القاروط" في التفكير بما جرى له ومر به، ليخلص إلى نتيجة: "عليك أن تعرف في نهاية المطاف أن تقف أمام نفسك، بشجاعة، وتعترف أن المكان الذي كانت تبحث فيه عن سعادتك واكتمالك لم يكن سوى الجحيم، ثمة أشخاص بعينهم هم مفتاح حياتنا، حين تفقدهم، تبقى أبواب الحياة موصدة في وجوهنا إلى ذاته" ص450، إذا ما توقفنا عند هذا المقطع، سنجده جاء بصيغة أنا السارد/المتكلم، بمعنى أن "القاروط" تخلص من التأتأة، من المرض، من ضعفه، وأخذت يتكلم بصورة طبيعية سوية، وهذا يعد بداية الطريق الصحيح للتعامل مع الآخرين، مع المجتمع، فقد أصبح قادرا على التكلم بصورة طبيعية/عادية.
إذن تم إيصال فكرة النبوة/اكتمال "القاروط" من خلال صيغة السرد التي حدث/جاءت بسبب عودته إلى المكان، إلى الوادي، وإذا علمنا أن أطول فصل تحدث فيه القاروط هو الخاتمة، ست عشرة صفحة، نصل إلى أنه تحرر من كل ما فيه من ضعف/عجز وأنطلق نحو الحياة ليوجهها بكل ما فيها من خير وشر، من فرح وألم.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليهودي في رواية -كوانتوم- أحمد أبو سليم
- الأسر والأسرى في كتاب -حسن اللاوعي- إسماعيل رمضان
- -إضاءات على رواية المعتقلين الأدباء في المعتقلات الإسرائيلية ...
- الثورة في ديوان -أعرني بعض إيمانك- فكري القباطي
- صلاح أبو لاوي والموت
- السلاسة والوحدة في مجموعة -أسرار خزنة- هدى الأحمد
- أثر القمع رواية -الثانية وخمس وعشرون دقيقة- طايل معادات
- التمرد في كتاب -النهر لن يفصلني عنك- رمضان الرواشدة
- مهدي نصير وتقديم الألم
- جواد العقاد والارتباك - وفي إيابي
- البياض في قصيدة -معراج واسع للقصيدة- سائد أبو عبيد
- الإيجابية في رواية -زمن القناطر- عامر سلطان
- الأخلاق وجمالية الكتابة في رواية -لم أكن أتوقع- راشد عيسى
- الواقع في قصة -الكابوس- مأمون حسن
- فشل حركة التحرر العربية
- سورية الجديدة (4)
- سورية (الجديد) 3
- سورية الجديدة (2)
- سورية
- سامح أبو هنود قصيدة -كن بين شكك واليقين-


المزيد.....




- بعد غياب 13 عاما.. وصول جمال سليمان إلى سوريا (فيديو)
- حفل توزيع جوائز غرامي والأوسكار سيُقامان وسط حرائق لوس أنجلو ...
- حلق اللحى.. كيف أدخل بطرس الأكبر الموضة الأوروبية إلى روسيا؟ ...
- -رجل مختلف- فيلم الجنون والقبح والجمال
- الكوميدي جون ستيوارت يسخر من الجمهوريين لمطالبتهم بشروط لإغا ...
- -الفارس الأول- يتصدر شباك التذاكر الروسي
- وزير الثقافة الأردني: مصر منارة وإشعاع ثقافي وحضاري للعالم و ...
- شاهد.. فنان ينحت حجارة غزة ويوثق مآسي الحرب ويحافظ على الذاك ...
- جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تنظم فعاليات ثقافية ...
- الهند تطلق مهرجان -ماها كومبه- أكبر تجمع ديني في العالم بمشا ...


المزيد.....

- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - صيغة السرد والمضمون -ال...هو/ القاروط/أيوب- في رواية -الكوانتوم-