|
حضارات العصر الجليدي المندثره أسطورة أم حقيقة ؟
نبهان خريشه
الحوار المتمدن-العدد: 8221 - 2025 / 1 / 13 - 22:10
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
يصف الفيلسوف الإغريقي أفلاطون (429-347 ق.م) جزيرة "أطلانطيس" على أنها كانت زاخرة بحضارة متطورة بلعها البحر فضاعت إلى الأبد، ونظرا لعدم وجود دليل أثري عنها من مصادرغير أفلاطون، فإن الكثير من الأسئلة بشأنها أكثر من الإجابات. ورواية أفلاطون عن أطلانطيس تفيد، بأنها حضارة ظهرت في الجانب الآخرمن المحيط الأطلسي، في جزيرة قبالة مضيق أعمدة هرقل (جبل طارق)، وكانت هذه الجزيرة أوسع من آسيا (بالنسبة للإغريق كانت آسيا تمتد من النيل إلى مضيق الدردنيل في تركيا)، وحكمتها قوىً ملكية عظيمة الشأن لديها الخبرات في كافة فنون الحرب، كما أن سكان الجزيرة بنوا الجسوروحفروا القنوات، وإنتشرت فيها شلالات المياه الساخنة و الباردة والحمامات، وقاعات للألعاب الرياضية ومسارات سباق للخيل، بالإضافة لأسطول من السفن الحربية، الا أنها آلت الى زوال بسبب زلازل وفياضانات متتالية عنيفة، أغرقتها في البحر واختفت خلال يوم وليلة!!
حضارات ما قبل التاريخ وفي عصرنا هذا يجري البحث في نظريات تفيد بوجود حضارات في عهود أقدم بكثيرمن نلك التي نعرف عنها اليوم، كالحضارتين السومرية والمصرية القديمة. ومن هذه النظريات مثلا قصص "الكائنات الفضائية" التي جاءت الى الأرض من النجوم في الأزمان الغابرة، وقدمت للإنسان العلوم والحكمة، والحديث أيضاعن مذنب عملاق ضرب الأرض منذ أكثر من 17 ألف عام، ما أدى لزوال حضارات ما قبل التاريخ . وواحدة من هذه النظريات أيضا تفيد بأنه قبل قيام حضارات بلاد ما بين النهرين وحضارة مصر القديمة، وتحديدا في العصر الجليدي الأخير، ازدهرت حضارة قديمة متطورة لم يعرف الإنسان لها مثيلا، حيث عرف شعبها العلوم ونبغوا في الفلك والفنون والعمارة، وإندثرت تلك الحضارة بفعل كارثة ارتطام مذنب عملاق بكوكب الأرض، في حادثة تشبه تلك التي تسببت في انقراض الديناصورات، لكنها هذه المرة تسببت بفيضانات مدمرة قضت على حضارة العصر الجليدي العريقة، ومحت أي أثر لمدن العالم الموغل بالقدم. وفرضية حضارات العصر الجليدي المندثره هذه، يطرحها الكاتب والباحث البريطاني "غراهام هانكوك" في مؤلفاته، كما أنه روج لها في مسلسل تلفزيوني وثائقي بعنوان "نهاية العالم القديم"، حيث يعرب عن إعتقاده بأن القليل ممن نجوا من كارثة إرتطام المذنب بالأرض، والفيضانات التي تلت ذلك إنتشروا في جميع أنحاء العالم، الذي كان يسكنه آنذاك أسلافنا من البشر البدائيين من الصيادين وجامعي الثمار في أماكن مختلفة في العالم، وزدوهم بمعارفهم وعلومهم القديمة، من الزراعة وأصول الهندسة المعمارية وعلم الفلك والتكنولوجيا، ولكن سردية هؤلاء المعلمون تختلف بحسب من ثقافة ودين مجتمع لآخر الا أن جوهرها جميعا واحد وهو الكارثة. ويفترض "هانكوك" أن علماء الآثار كما ارتكبوا أخطاء في السابق، يمكن أن يكونوا مخطئين أيضا بشأن نفي وجود حضارات في العصر الجليدي، ولهذا ومن أجل إثبات نظريته زار العديد من المواقع الأثرية حول العالم، بدءً من تلال أميركا الشمالية إلى أهرامات المكسيك ومواقع ممتدة بين مالطا وإندونيسيا، ويخلص "هانكوك" إلى أنه في جميع تلك المواقع دلائل تشيرالى وجود حضارة متقدمة منذ أكثر من 12 ألف سنة، وأن الكارثة القديمة أدت إلى ذوبان الأنهار الجليدية وارتفاع منسوب سطح البحربنحو 120 متر، ما نتج عن ذلك من تغيرات قاسيه في المناخ، دفنت على إثرها مدن العالم القديم في أعماق البحار كجزيرة "أطلانطيس" ، وهذا ما قد يفسرعدم وجود أدلة كافية تدعم وجود هذه الحضارة. إن "هانكوك" يطرح في نظريته الكثيرمن الأسئلة والقليل من الإجابات، بالإضافة الى انه لم يوضح ماهية هؤلاء الناجون ذوو العلوم القديمة، الذين علموا اسلافنا الزراعة والهندسة المعمارية والفلك، الا أن هنالك باحثين ممن يربطون بين فرضية "هانكوك" وأرشيف مكتبة (أشوربنيبال) الملكي، الذي إكتشفه عالم الآثار البريطاني "أوستن هنري لايارد" في عام 1842 خلال التقيبات الأثرية في مدينة نينوى الحالية في شمال العراق. وهذا الأرشيف الذي يعود للقرن السابع قبل الميلاد ويحتوي على آلاف الألواح الطينية بالكتابة المسمارية، يعود تاريخها إلى 3,000 عام قبل الميلاد، وتتضمن قصصاً عن إختلاط الآلهة مع البشروكيف كان لها يد في خلقهم. الا أنهذه القصص موضع جدل بين المؤرخين وعلماء الآثار، بين من يرى أنها أساطير ومن يرى أنها سرد لوقائع تاريخية !!
كائنات فضائيه ووفقا لترجمة تلك الألواح السومرية، فإن الألهه التي سموها بـ"أنوناكي" هي التي خلقت البشر على صورتها، ويطهر في رسم على أحد الألواح تلك قرصا يمثل شجرة الحياة تحيط بها "الأنوناكي" من كل جانب، وفي لوح آخر نرى قرصا مجنحا يرمز لأحدهم ممن لديه القدرة على الطيران، كما أن رسوما أخرى تظهر قلائد في أعناقهم عليها رسوم للقمروالنجوم ، كما تشيرالحسابات المحفورة على الألواح إلى أن "الأنوناكي" كانت عملاقة، يصل طولها إلى نحو مترين ونصف. وفي كتابه (الكوكب 12) يتبنى الباحث الأمريكي الروسي الأصل "زيكاريا سيتشين" نظرية ظهورالحياة على الأرض بفعل "الأنوناكي"، حيث يفترض بأنهم كائنات جاءت من كوكب يسمى نييرو (Nibiru)، وهو كوكب موجود بالفعل في نظامنا الشمسي. وبعد قرائته للألواح الطينية السومرية خرج بنظرية تفيد بأن "الأنوناكي" قاموا بتطويرالجنس البشري واستخدموه في شكل من أشكال العبودية، بعد أن جاؤوا الى الأرض (إثر فشل بالغلاف الجوي المحيط بكوكبهم) لاستخراج الذهب، وخلقوا الإنسان للقيام بهذه المهمة. وعلى الرغم من أن هذه النظرية لا تحظى بقبول المؤرخين وعلماء الآثار من التيارالرئيسي، الا أن هناك من يؤيدها مثل عالم الآثار والجيولوجي الأمريكي ويليام هنري (1846-1933) الذي يرى بأن "الأنوناكي" كانوا يتمتعون بذكاء غير بشري، وكانوا يسافرون من كوكب "نيبيرو"الذي يعد نجما وبوابة في آن واحد عبر ثقب دودي فضائي، وهو وسيلة اتصال تشبه النفق يصل بين نقطتين متفرقتين في الزمان والمكان (الزمكان)، مختصراً المسافة بين نقطتين بعيدتين جداً في الكون.
اللغة هبة الآلهه ويسجل كتاب "البوبول فو" وهو مجموعة من القصص الأسطورية والتاريخية، للشعب الجواتيمالي في أمريكا الجنوبية التي نقلها عن شعب المايا القديم، عددا من القصص التي تشرح أصل العالم والحضارة وظواهرأخرى كاللغه، التي بحسب الكتاب أعطتها الألهه للإنسان، وهذا ما تقوله أيضا النصوص المصرية القديمة. فقبل استخدام أنظمة الكتابة المبكرة، تواصل القدماء رمزيا بحجر يسمى petroglyphs (ويعني خدش الحجارة)، في فترة قبل حوالي 10,000 إلى 12,000 سنة مضت، وبعتقد بعض المؤمنين بنظرية خلق "الأنوناكي" بأنها منحت اللغه للإنسان، وبأن نقوش الصخورالموجودة في الجنوب الغربي للولايات المتحدة تظهرعلاقة قبائل "زوني وهوبي" وهي أسلاف البشر ما قبل التاريخ مع كائنات النجوم، وبحسب علماء الإنسان فإن هنود "الهوبي" في أمريكا على سبيل المثال حفروا نقوشا "بتروجليفية" تظهر فيها كائنات بأكاليل من الزهور المشعة، وهي تعبير عن الآلهة التي تنزل من السماء، التي سمتها القبائل من سكان أمريكا الأصليين بالـ "كاتشيناس". وأصحاب هذه النظرية يؤكدون أنه في آسيا وفي أمريكا الجنوبية (البرازيل)، وفي أنحاء أخرى في العالم توجد أساطير مماثلة لكائنات من النجوم، كان لديهم تأثيرا عميقا على ثقافة شعب هذا البلد أو ذاك في حقب زمنية متشابهة وعلى نطاق واسع. وفي عام 1940 أكتشفت كهوف "لاسكو" بالقرب من قرية "مونتاغناك" في جنوب غرب فرنسا، رسمت على جدرانها لوحات من العصر الحجري القديم يعود تاريخها لأكثر من 17,000 عام مضت، يفسرها المؤمنون بهذه النظرية أن صور فن الكهوف هو عمليا التجارب التي كان يمر بها الشامان في حالة عميقة من الغيبوبة، وعندما يعودون لوعيهم يرسمون على جدران الكهوف الرؤى التي رأوها في هذه الحالة المتغيرة بعمق من الوعي.
إينوما إليش والكتاب المقدس وبالعودة للأدلة الأثرية التي يسوقها أصحاب نظرية الآلهه التي نزلت من السماء، فإنه كان قد عثر في العراق على ألواح أسطورة الخلق البابلي (إينوما إليش)، والتي تعود للقران 11 قبل الميلاد، وتتحدث عن إله يدعى "مردوك" أخذ الدم من الإله "كينجو" وخلطه بالطين من أجل خلق أول إنسان على الأرض، وهذا الإنسان هوالذي سماه الكتاب المقدس في سفرالتكوين آدم، والألواح السومرية والبابلية لديها إصدارات أكثر تفصيلا عن خلق الإله "مردوك" للإنسان من رواية الكتاب المقدس عن خلق آدم. وملحمة أنوما أليش إكتشفها هنري لآيارد في 1849 في حفريات مكتبة أشر بنيبال وطبعها جورج سميث في 1867 وتتألف من ألف سطر تقريبا على سبعة ألواح فخارية باللغة البابلية القديمة، في كل لوح منها 115 إلى 170 سطرا، والنص كامل تقريبا عدا اللوح الخامس لكن اكتشفت نسخة عنه في تركيا. وتعتبر الملحمة أحد أهم المصادر لفهم نظرة البابليين للعالم وتظهر أهمية "مردوك" وخلق البشرية من أجل خدمة الآلهة، لكن هدفها الرئيسي ليس دينيا بل لتمجيد إله بابل الرئيسي مردوك على غيره من آلهة بلاد الرافدين. وتشترك ملحمة "إينوما أيلش" مع العهد القديم (الكتاب المقدس) بأوجه شبه عديدة، ما دفع بإستنتاج عام من بعض الباحثين، بأن قصص العهد القديم تستند إلى أعمال أدبية من بلاد الرافدين وخاصة الـ "إينوما إليش". ومن أوجه الشبه بينهما الفوضى المائية قبل الخلق، والفصل بين السماء والأرض، وأنواع مختلفة من المياه وفصلها أثناء عملية الخلق؛ وكذلك التشابه النصي غير المباشر بين عدد الألواح وعدد أيام الخلق السبعة. الا أن عالم الأشوريات والباحث في الكتاب المقدس ألكسندر هايدل (1907–1955) يشير الى وجود إختلافات يين الـ "إينوما أيلش" والكتاب المقدس منها الشرك مقابل التوحيد، وتجسيد القوى أو الخواص في الأسطورة البابلية مقابل الخلق الحتمي من الله في القصص التوراتية، ودوام المادة مقابل الخلق من لا شيء، وعدم وجود أي تشابه حقيقي بين الملحمة البابلية والكتاب المقدس بشأن الوصف الموسع لمعارك مردوك مع الوحوش. كما أنه يلاحظ بعض القواسم المشتركة مع الأديان الأخرى، مثل الفوضى المائية الموجودة في الأعمال المصرية والفينيقية، بالإضافة الى أن التحليل اللغوي لنصوص تلك المعتقدات معقد، بسبب وجود جذر سامي مشترك لكلتا اللغتين وخاصة فيما يتعلق بخلق الإنسان. ومع ذلك فإن باحثين آخرين يجدون أوجه شبه بين الملحمة البابلية والعهد القديم، من حيث استخدام التراب أو الصلصال لخلق الإنسان، مع إختلاف الغرض من خلقه في النصين، ففي "إينوما إليش" يتم خلق الإنسان كخادم للآلهة، بينما في سفرالتكوين، يُعطى الإنسان المزيد من الصلاحيات، ومع ذلك يوجد في كلا الرجلين المخلوقين في النصين مكون "إلهي"، إما من خلال دم الإله في القصة البابلية، أو من خلال خلقه "على صورته" في سفر التكوين، وكذلك فإنه في كلا النصين فإن الإنسان هو العمل الإبداعي النهائي. وفيما يتعلق بالألواح السبعة وسبعة أيام هناك بعض القواسم المشتركة في ترتيب الحدوث: الخلق والظلام، وخلق الضوء وخلق السماء، وخلق الأراضي الجافة، وخلق الإنسان ليلي بعد ذلك يوم الراحة.
#نبهان_خريشه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل ساهم -الأنوناكي- في بناء الحضارات القديمة ؟؟
-
-فليكوفسكي- ومحاولة تحويل أساطيرالتوراة لوقائع تاريخية
-
التغيرات المناخية والهجرات من شبه الجزيرة العربية
-
حصاد إسرائيل لحربها على غزة
-
تصدع جدران الصهيونية
-
فشل الإعلام الغربي في تعميم الرواية الإسرائيلية للحرب على غز
...
-
في مواجهة تزوير تاريخ الشرق الأدنى القديم
-
طريق أوسلو: المواقف الامريكية المبكره من منظمة التحرير الفلس
...
-
ماذا يعني ان يكون طالب اللجوء إلى أوروبا ليس أبيض البشره ؟!!
-
غربلة التراث
المزيد.....
-
مسؤول قطري: محادثات جارية لوضع اللمسات النهائية على الصفقة ب
...
-
بأول كلمة له كرئيس للحكومة في لبنان.. نوّاف سلام يرد على شكو
...
-
حرائق في غير موسمها.. بما يفسر العلماء حدوثها؟
-
لافروف يصف عضوية أرمينيا في الاتحاد الأوروبي بالمستحيلة
-
-محض خيال-.. -تيك توك- تعلق على تقارير بيع الشركة لماسك
-
دولة جديدة تنضم إلى قضية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل
-
لافروف: روسيا مستعدة لمناقشة الضمانات الأمنية -لما يسمى أوكر
...
-
هل تتأثر مصر حال انهيار سد النهضة؟.. خبير يشرح:
-
-قنبلة موقوتة- تهدد القارة القطبية الجنوبية!
-
-فصل جديد-.. رئيس الحكومة اللبنانية المكلف يتحدث عن التحديات
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|