|
تكرار ارتداء ذات الفستان هل يعني الحب ؟!
فرات المحسن
الحوار المتمدن-العدد: 8221 - 2025 / 1 / 13 - 13:52
المحور:
الادب والفن
البارحة لمحتها وحيدةً تتهادى وسط الشارع العريض المحاط بأشجار البوهيميا المزهرة والمفضي إلى زقاق آخر بعيد بعض الشيء، ولكنه يذهب أيضا نحو السكن. لم أتجرأ الاقتراب منها رغم إدراكي أهمية مثل هذه الفرصة التي ربما لا تسنح لي طيلة العام. في المدرسة تراني أتحاشى الاقتراب منها وهي كذلك لا تروم ذلك، وحين تكون هناك فترةُ استراحة، فكلانا لا يفعل سوى تبادل النظرات من بعيد. أو هكذا أعتقد أنا. هي في الصف المنتهي من الدراسة الثانوية وأنا مايزال أمامي فصل آخر لأنهي دراستي وألتحق بالجامعة، كلانا جاء مع عائلته من ذات البلد وفي ذات السنة وعلى ظهر نفس المركب، حين تم تهريبنا ، وكاد المركب يغرق وسط لجة البحر وهياج الأمواج وزحمة الركاب. ثم وضعنا جميعا في معسكر واحد قريب من مدينة فالون السويدية، ومن ثم حددت لنا منطقة السكن، ودخلت وإياها مدرسة قريبة من وسط المدينة، سبقتني هي في فصل دراسي وتخلفت أنا عنها عاما واحدا بسبب نفوري من اللغة السويدية. لم أنتبه لأهمية وجودها جواري قبل هذا العام الدراسي الذي لم يتبقّ على نهايته غير ثلاثة أسابع. لاحظتها وجلبت اهتمامي حين شاركنا سوية في التحضير لاحتفالات نهاية العام الدراسي لطلاب الصفوف المنتهية. كنت أتقدم في السنة الثانية الإعدادي وهي في نهاية سنتها الثالثة. وأنا أراقبها وجدتها قوية ذكية تتحرك بخفة وحيوية، ولها ذوق رفيع في اختيار الألوان والزخارف والشرائط التي توضع فوق الجدران الداخلية للمدرسة لتتدلى من فوق أبوابها وشبابيكها. كنت عازفا عن مخالطة الفتيات، وأنا مع ثلاثة أخوة لم نتعرف في حياتنا المنزلية على فتيات من أقاربنا أو من الجيران، حتى حينما كنا في العراق، لذا لم أجد في نفسي الجرأة للاقتراب منها بادئ الأمر، ولا حتى محاولة النظر إليها واكتشاف وجودها قريبا مني، لم تكن مثل هذه الفكرة لتخطر على بالي أو تراودني طيلة الزمن الذي انقضى، ولكن مثل تلك اللحظة جاءت مصادفة، وحين تنبهت لوجودها اعترتني رغبة جامحة لا أعرف طبيعتها، رغبة في الاقتراب منها ومحادثتها. لم أفعل بادئ الأمر سوى إلقاء التحية باستحياء فأشاحت بوجهها عني، ولكني سمعتها تجيب تحيتي بصوت خافت ثم استدارت لتواجهني وكأن ثمة ابتسامة خفيفة قد ارتسمت فوق محياها، هذا ما شعرت به، وساورني الشك بذلك. راقبت أوقات خروجها من شقتهم ووجدتني أتتبع خطاها باستحياء محاذرا الاقتراب منها ، ولكني كنت في كل مرة أحاول إثارة انتباهها. نصل المدرسة سوية فتلتفت نحوي لنتبادل النظرات فأشعر ببلاهتي وبشيء من الخذلان. في إحدى المرات تجرأت وقلت لها إن فستانك اليوم أجمل ما رأيت، فشكرتني باستحياء وأسرعت الخطى نحو السكن. لعدة أيام وبشكل متكرر كانت ترتدي ذات الفستان وتنظر نحوي برقة ترافقها ابتسامة خجولة تحاول إخفاءها. لم أدع الأمر يمر اعتباطا دون أن أحاول إيجاد تفسيرا له، لذا سألت أخي الكبير عن معنى أن تقول لشخص ما، إن ما ترتديه جميل جدا، فيقوم ذلك الشخص بتكرار ارتدائه لأيام متتالية، ضحك أخي بصوت عال واكتفى بالقول، إنها محاولة لجلب الأنظار لا بل هو الرضا بالحب ياعزيزي، وهذا ما أكده أيضا البعض من أصدقائي الذين حدثتهم عن الموضوع. على ذات المنوال مضت السنة نحو نهايتها وأنا طيلة الوقت أكتم حبي وألوك بداخلي خجلي ورعبي من مصارحتها. لم يتبقَ سوى أيام لتكون هي في الجامعة وأقبع أنا سنة أخرى في مدرستي أنتظر اللحاق بها. من الجائز أنها ستـُقبل في إحدى الكليات وربما تكون الكلية في مدينة أخرى، وهناك ستكون الوقائع مختلفة كليا عما أرغب فيه، ولكن في داخلي صممت أن ألحق بها في أي كلية وفي أي مدينة تكون. البارحة حين لمحتها وحيدة تميس باتجاه السكن انتابتني أول الأمر مشاعر رهبة وقررت أن لا أقترب منها، ولكني فكرت مليا بتلك الرحلة الطويلة التي أوجدتنا في هذا الوضع، سوية في سكن قريب ومدرسة واحدة واليوم تدخل هذا الزقاق الذي لم تكن لتطرقه سابقا، فتساءلت هل هي الصدفة أم أنها تعمدت اختيار المكان وهي التي تعرف جيدا بأني ألاحقها منذ فترة طويلة، واليوم حتما ترغب في لقائي. ترددت لبضع دقائق ثم اكتسحني شعور غريب وكأن فرحا غامرا غطى كياني وجعلني خفيفا محلقا، فأسرعت الخطى لأجاورها ملقيا تحيتي، فابتسمت وردت التحية، تلعثمتُ ولم أستطع بعد التحية أن أتفوه بكلمة أخرى، استدرنا سوية باتجاه المنعطف المفضي إلى شارعنا الذاهب نحو السكن. عند الخطوات الأولى ظهر أمامنا شاب طويل جميل الملامح مكتمل الرجولة يرتدي ثيابا بيضاء فضفاضة، وبابتسامة عريضة تقدم نحو محبوبتي وضمها إلى صدره، توقفت جوارهما وكأن قدمي أصابهما شلل، شعرت بجفاف لساني وتيبس حلقي وسمعت دقات قلبي وكأنها تريد الخروج من صدري وسالت قطرات عرق هابطة رويدا فوق ساقية ظهري. أدارت وجهها نحوي قائلة: أقدم لك خطيبي رياض، سوف أنتقل معه إلى مدينة كارلستاد بعد الزواج، ثم مالت نحو خطيبها قائلة، هذا جارنا وطالب معي في المدرسة، وهو ابن العائلة العراقية التي تسكن بالقرب منا، أظنني حدثتك عنهم. تلك اللحظة لم أعد ألوك بداخلي خيبتي وخجلي فحسب وإنما ابتلعتهما بكامل مرارتهما وألمهما.
#فرات_المحسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخاتم
-
ساعة هروبنا من الجنة / اغواء
-
معايير الديمقراطية والحلول المبتورة
-
نبذ العنف وترميم السلم المجتمعي
-
قصتان قصيرتان
-
البعد الديني السياسي في معركة غزة
-
صناعة الفاشينيستا والبلوغرات في العراق
-
تعدد مراكز القوى ومستقبل العملية السياسية
-
الحرب والعودة إلى الوادي المقدس/ ج الأخير
-
الحرب والعودة إلى الوادي المقدس/ ج الثاني
-
الحرب والعودة إلى الوادي المقدس/ ج الأول
-
السلطة وخيار الديمقراطية.
-
الوقوف عند الزمن الأخر/ ج الأخير
-
الوقوف عند الزمن الأخر /ج4
-
الوقوف عند الزمن الأخر /ج3
-
الوقوف عند الزمن الأخر/ج2
-
الوقوف عند الزمن الأخر
-
اللجوء: لا ضمان في البحث عن بر الأمان
-
الموالاة كمدخل لإحكام السيطرة على السلطة
-
حماية الطفولة من عبث تجار العنف
المزيد.....
-
معرض إثنو ليبيا.. سردية تاريخ القبائل الليبية في عمل يجمع ال
...
-
بعد غياب دام 13 عاما.. الممثل السوري جمال سليمان يعود إلى دم
...
-
باريس والأدب العربي : كتاب لكولين هوسيه يستكشف علاقة الأدباء
...
-
-إفريقيا: قارة المستقبل- برنامج جديد على شاشة RT Arabic (فيد
...
-
سوريا : ما دور المؤسسات الثقافية المستقلة في مرحلة التعافي ؟
...
-
عابد فهد يعلق على أزمة عمايري
-
معركة الهوية الفلسطينية.. جذور العائلات وصراع الرواية
-
جلسة استذكارية مهيبة في برلين للمخرج السينمائي الراحل قيس ال
...
-
طعم النّغم وملمس الإيقاع.. رحلة فلسفية في عالم الموسيقى
-
جمال سليمان في طريقه لسوريا لأول مرة منذ 13 عاما (فيديو)
المزيد.....
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
المزيد.....
|