أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود كلّم - رحلةٌ في عتمةِ اللَّيل














المزيد.....


رحلةٌ في عتمةِ اللَّيل


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8221 - 2025 / 1 / 13 - 10:52
المحور: الادب والفن
    


الليل حزينٌ، موغلٌ في حزنه كبحرٍ ضاقت شواطئه، لا يدعو إلا العابرين المكلومين لتأمل هدوئه الذي يئن بصمت.
أجدني في ليلةٍ كهذه، شبحاً يتنقل بين أزقة الذاكرة، أحمل كوباً من الشراب كأنني أستأنس برفيقٍ مرٍّ كمرارة الغياب. ذكرياتٌ عارية، كجسدٍ متجمد في عراء البرد، علقت على مشجب الأمس بثوبٍ فضفاضٍ لم يحجب عنها عار الألم.

تسكنني أطياف الماضي، ترتدي حزناً كغيمةٍ سوداء تغطي القمر، وأرتشفها قطرةً قطرة، حتى إذا اشتد طعم العلقم في حلقي، وجدتني مسروراً بوجعٍ مألوف، كأن العذاب هو الحليف الذي لا يخون.
الحزن هنا ليس زائراً، بل مقيمٌ أبديٌّ يتوسد الروح، يُطفئ وهج الفوانيس في طريق العمر، واحدةً تلو الأخرى، حتى تغدو كالسراجِ نضبَ زيته، والتهمت النار فتيله.

في زوايا الغرفة، يتصاعد الدخان كعمودٍ شاردٍ يطاول السماء، ثم ينكسر في منتصف الطريق، يتكاثف سحاباً يغمر الوجوه، فيغدو الجالسون محضَ ظلالٍ غارقة في غمرات الذكرى.
تبدو ملامحهم كحروفٍ ممحوة، تستغيث بين صفحاتٍ بلّلها مطر الحزن.
هم أيضاً ينتظرون، أو ربما يظنون أن الانتظار هو الغاية، والآتي، إن أتى، ليس سوى سرابٍ ينهك النفوس.

ليلي ممتدٌ كرصيف الوحشة الذي لا نهاية له.
عربات الليل تمرّ أمامي، تحمل الفراغ، لا مسافر سواي فيها. وفي رحم هذا الليل يولد جنين اليأس، إحساسٌ ينخر القلب كأنّه داءٌ صامت. المحطات تتلاشى كأنها أوهام حلم، والرحلة ليست إلا عبوراً دائماً، أشبه بلوحةٍ صدئةٍ خطت عليها يد الزمن كلماتٍ مرتبكة: "العمر مرهونٌ بالسفر، والتعب قدَر".

في عتمة الليل، حيث تنطفئ ارتعاشات النهار، تُفتح نافذةٌ تطلّ على هاويةٍ من الانكسارات.
تطفو على سطح الذكرى أغنياتُ الرعاة التي ضاعت في مهب الريح، وصورةُ امرأةٍ ظلّت تنتظر على الضفاف، كطيفٍ سرق الحظ منه كل شيء.
في هذه الأوقات، تكتسي النفس برودة الهواجس، تصير كثلجٍ يحيط بالقلب ويطفئ دفأه.

في لحظةٍ كهذه، تكون الذات غريبة عن ماضيها، كزائرٍ أتى دون إذنٍ أو تصريح.
تُغلق أبواب الذكرى أمامها، فلا تجد سوى الظلام.
وتحت وطأة تلك التداعيات، تضيع الحلاوة التي كانت تقتنصها من رعشاتٍ صغيرةٍ للحب، للفرح، للحياة.
الوقت يمرّ ببطءٍ، كقيظٍ يلتهم الروح، يتركها هشيماً تذروه الرياح.

هكذا هو الليل حين يطول، يتجسد كقصيدةٍ مليئةٍ بالتشبيهات المرة، تزينها استعاراتٌ حزينة، وتجلّلها كنايةٌ عن فقدان الأمل. ليس الليل سوى مرآةٍ للروح المثقلة بالخيبات، ولا الذكريات إلا نوافذ على ماضٍ يُعيد نفسه في كل مرة.
ولأن الحزنَ سيدُ المشهد، يظل الختامُ مفتوحاً، كجرحٍ يرفض الاندمال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في عتمةِ الانتظارِ: حكايةُ ليلٍ لا ينتهي!
- الإعصارُ الناريُّ في لوس أنجلوس: كارثةٌ بيئيةٌ ودعوةٌ للتفكّ ...
- الأرقامُ الهنديَّةُ والعربيَّةُ في تاريخِ الرِّيَاضِيَّاتِ
- الرِّياضيات في الحضارة الإِسلامِيَّة: من الجبر إلى الفلك!
- سليمان فرنجية: زعيمُ الوفاءِ ورمزُ الشجاعةِ والثباتِ!
- أم ناظم: دموعُ الانتظارِ وحلمٌ ماتَ في أحضانِ الغيابِ!
- ناقةُ صالح: معجزةٌ ربانيةٌ وعبرةٌ أبديةٌ
- تاريخُ اكتشافِ الرَّقمِ صفرٍ: من الحضاراتِ القديمةِ إلى الثّ ...
- الريَّاضياتُ والاكتشافاتُ العلميَّةُ: السَّرِقاتُ الفِكرِيَّ ...
- كيف تجدُ الطُّيُورُ طريقها أَثناء الهجرةِ: أَسرارُ الملاحةِ ...
- غزّة: صمودٌ في وجهِ ظلمٍ عالميٍّ وخذلانٍ عربيٍّ وإسلاميٍّ
- الوساطةُ المصريةُ القطريةُ: فشلٌ في إنهاءِ معاناةِ غزة!
- دورُ الذَّكاءِ الاصطناعيِّ في تحديدِ الأَهدافِ العسكريَّةِ: ...
- نظرية فيثاغورس(Pythagorean Theorem): أصولها البابلية وتطورها ...
- تطوُّرُ علمِ المثلَّثاتِ (Trigonometry) في الرِّياضياتِ عبرَ ...
- أساسياتُ الرياضيات: مفتاحُ التفوُّقِ الأكاديميِّ
- أسبابُ ضعفِ تعلمِ الرياضياتِ لدى الطلابِ
- محمود سعيد: غيابُ الصقرِ الذي أسكتت صوتهُ أوجاعُ الأرضِ!
- اليمن ونزار بنات: رمزُ العزَّةِ والشَّجاعةِ!
- دانيال مانن: يرحلُ النورُ ويظلُّ الأثرُ!


المزيد.....




- معرض إثنو ليبيا.. سردية تاريخ القبائل الليبية في عمل يجمع ال ...
- بعد غياب دام 13 عاما.. الممثل السوري جمال سليمان يعود إلى دم ...
- باريس والأدب العربي : كتاب لكولين هوسيه يستكشف علاقة الأدباء ...
- -إفريقيا: قارة المستقبل- برنامج جديد على شاشة RT Arabic (فيد ...
- سوريا : ما دور المؤسسات الثقافية المستقلة في مرحلة التعافي ؟ ...
- عابد فهد يعلق على أزمة عمايري
- معركة الهوية الفلسطينية.. جذور العائلات وصراع الرواية
- جلسة استذكارية مهيبة في برلين للمخرج السينمائي الراحل قيس ال ...
- طعم النّغم وملمس الإيقاع.. رحلة فلسفية في عالم الموسيقى
- جمال سليمان في طريقه لسوريا لأول مرة منذ 13 عاما (فيديو)


المزيد.....

- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود كلّم - رحلةٌ في عتمةِ اللَّيل