أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم عبدالله - أصداء العطش في صمت الحجر: قصيدة بين الذاكرة والوجود قراءة نقدية في نصّ : ذاكرة العطش – للشاعرة : عبير محمد – مصر . بقلم : كريم عبدالله – العراق .















المزيد.....


أصداء العطش في صمت الحجر: قصيدة بين الذاكرة والوجود قراءة نقدية في نصّ : ذاكرة العطش – للشاعرة : عبير محمد – مصر . بقلم : كريم عبدالله – العراق .


كريم عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 8221 - 2025 / 1 / 13 - 00:58
المحور: الادب والفن
    


أصداء العطش في صمت الحجر: قصيدة بين الذاكرة والوجود
قراءة نقدية في نصّ : ذاكرة العطش – للشاعرة : عبير محمد – مصر .
بقلم : كريم عبدالله – العراق .

قصيدة /ذاكرة العطش/ للشاعرة عبير محمد تنغمس في لغة مشحونة بالرمزية والإحالات النفسية والوجدانية العميقة. هي قصيدة تكشف عن الصراع الداخلي للذات بين الألم الروحي والتوق المستمر إلى الخلاص، وبين الجمود الناتج عن الفقد والانقطاع. تنسج الشاعرة شبكة من الرموز التي تربط بين الطبيعة والوجود البشري، وبالأخص الحجر الذي يتكرر كرمز مركزي يُحتفى به ويُستثار في مواجهة الذاكرة المرهقة. ولعل التفاعل بين العطش والذاكرة، كما بين الحجر والأنين، يخلق حوارًا شعريًا بين الثبات والتحول، وبين ما هو جسدي وما هو روحاني.

الذاكرة والعطش: توترات روحية وإشارات إلى الوجود
من خلال /ذاكرة العطش/، تبدأ الشاعرة عبير محمد في استكشاف عمق الوجود الإنساني، حيث يُنظَر إلى العطش لا كحاجة جسدية فحسب، بل كرمزية رمادية تنبض بالحاجة الروحية والمشاعرية التي لا تروى. العطش في النص هو عطش الذاكرة، الذي يسعى إلى إشباع نفسه من خلال التذكر، وقد يكون في ذلك ألم أو رغبة محمومة للعودة إلى نقطة بداية لم تتحقق. إنه عطشٌ للروح، عطشٌ يتقاطع مع الزمن والمكان ولا يتوقف عن /الأنين/ المتمثل في الصور المتناثرة. الشاعرة تخلق مشهدًا من «الظلال» و«السراب»، وكلها تعبيرات عن عدم اليقين والفراغ الوجودي الذي يشعر به الإنسان في رحلته مع العطش الروحي.

أما الذاكرة، فهي ذلك الشبح الذي يطارد الذات، كأنها لا تملكها بل هي التي تملكها. هناك إشارة دائمة إلى الذاكرة المحترقة و«الخطوات المبعثرة»، في مشهدٍ يوحي بحركة مستمرة لا يمكن التنبؤ بها أو السيطرة عليها. الذاكرة في هذا السياق ليست مجرد محتوى للذكريات، بل هي كائن حي يعيد إحياء الألم ويدفع صاحبه إلى البحث عن إجابات لا نهاية لها.

الحجر: رمز الجمود والاحتجاج والتحدي
يتحول الحجر في النص إلى كائن رمزي يتسم بالثبات، بل يتعالى إلى مستوى الكائن المشتبك مع العاطفة الإنسانية. فالحجر في الثقافات المختلفة هو رمز للألم، للصلابة، ولما لا يتحرك، وعليه فإن الشاعرة لا تكتفي بتسليط الضوء على هذا الثبات، بل تدعوه لتحدي الجمود. الخطاب الشعري الموجه إليه ليس نداءً عاديًا، بل هو حوار مع الجمود ذاته، وتحدٍّ لمحاولة هذا الحجر أن يظل ساكنًا.

/أنا من أنطقتك أيها الحجر/ هي الجملة التي تبدأ فيها الشاعرة تحدي الحجر ليتنفس الحياة في الكلمات والذكريات، ويتكلم من خلاله الوجع والحلم. في هذا السياق، الحجر ليس فقط مادة مادية، بل هو حجر يحمل في طياته معاني التاريخ والجروح المشتركة، حتى أنه يتصالح مع مفاهيم الحب والجمال، كما في قوله: /أنا من جعلت منك ماء الحب يتفجر/. هنا يبرز الصراع بين الثبات والتحول؛ فالحجر لا يظل جمادًا، بل يصبح جسدًا حيًا يعبر عن الألم والجمال في آن واحد.

العلاقة بين الذات والطبيعة: تفاعلٌ فلسفيٌ ووجداني
الطبيعة في القصيدة تتحول إلى حضور قوي، يتفاعل مع الذات ويؤثر فيها، ولكن ليس بشكل مباشر. الشاعرة تذكر في نصها /أبنة الزيتونة الشامخة/، في إشارة إلى ارتباطها بالأرض والوطن، ولكنها أيضًا تستخدم الزيتونة كرمز للصمود والقداسة. الزيتونة، مثلها مثل الياسمين، ليست مجرد عناصر نباتية، بل هي رموز للهوية الوطنية والإنسانية المتجذرة في الأرض، التي على الرغم من ألمها ومواتها، تستمر في العطاء.

وما يثير الانتباه هو أن الشاعرة لا تكتفي بهذه الرمزية الوطنية، بل تمزجها مع الطابع الوجداني والعاطفي، حيث يتحول الياسمين إلى رمز للبراءة، والنقاء، والطهر. في قلب هذا التفاعل بين الذات والطبيعة، هناك استحضار لحالة معقدة من الفقد والتوق إلى شيء غير ممكن: /تضرع من أجلي... تضرع في يوم ميلاد/. تضرع الشاعرة هنا هو بمثابة استغاثة، طلب النجاة من الأقنعة الزائفة التي تلوثها الدماء، وهو استعارة للضياع في زيف الواقع، وعليه يُطلب من الشاعر أن يحافظ على الطهارة، على الأصالة، في مواجهة هذه الفوضى.

التوق إلى النقاء والضوء: التحول إلى الذات الأكثر إشراقًا
القصيدة لا تنتهي باليأس أو الهزيمة. على العكس، هناك إشراقة مفاجئة في النهاية. يُحتفل بـ /سديم/ الذات، حيث الدموع تتحول إلى نور، وهي صورة شاعرية توحي بتحول الألم إلى نورٍ داخلي. تقول الشاعرة: /ها هو سديمها يتفتق دموعًا من نور/. هذا التحول يحمل دلالة فلسفية عميقة، فهو ليس فقط تحوّلاً عاطفيًا بل هو مقاربة للنقاء الروحي الذي يمكن أن ينبثق من أقسى لحظات الألم.

الأمر اللافت هو أن الشاعرة تمنح الحجر القدرة على التوهج والتحول، رغم ثباته. /توّهج كما تشاء... فلا سماء لك سوى قلبي/، هو مشهد نهائي يُعيد تقديم الحجر ككائن متجدد يستطيع أن يحمل معناه الجديد في قلب الشاعرة، في تلك الفضاءات التي لا تقيدها الأرض أو الزمن. الحجر هنا يشير إلى التحول الداخلي الذي لا يتوقف عن الظهور في أشكال جديدة، بل يمتد إلى السماء من خلال القلب.

الخاتمة: بين العطش والنور
قصيدة /ذاكرة العطش/ لا تكتفي بالسعي نحو الخلاص أو الوصول إلى هدف معين، بل هي رحلة وجودية وشعرية غنية بالرمزية التي تنقلنا بين الألم والحلم، بين الجسد والروح، بين الأرض والسماء. الحجر، كرمز للجمود، يتحول إلى كائن حي، والشاعرة نفسها تتحول من نقطة الألم إلى نقطة الضوء والنور الداخلي. إن النص يشير إلى أن الوجود لا يمكن أن يظل في حالة ثابتة، وأن كل الألم يمكن أن يتحول إلى أمل وتحقق في النهاية.

وفي هذا السياق، /ذاكرة العطش/ هي قصيدة عن السعي المستمر نحو الضوء، حتى لو كان هذا السعي محفوفًا بالعطش، وموصولًا بالذاكرة التي تلاحق الإنسان في أزمنته المختلفة.
النصّ :
أيها المتسكع
مع الريح على أرصفة الشتاء
وظلال الردى تلسعك
بخطوات السراب وذاكرة العطش
تتعرى غصون القلب المحترقة
وهي تتعقب آثار أقدام مبعثرة
و تمتمة شفاه ظامئة
بشقاء المسافات
وخيال حلم لم ينفك من أساه
يجره الأنين بالف والف آه
أنا من أنطقتك أيها الحجر
وبشفاهي أستفززت أنين أحلامك اللاهثة....
الجمر واللهب يستيقظان بتلك اللذة الخبيئة
كشمعة ترفض الإنطفاء الاخير
أنا أبنة الزيتونة الشامخة
ومن تلك الارض الطاهرة
التى تنبت الياسمين
فكن حافظا لي
من تلك الوجوه العابثة بالسكون
ونكر عرشي بالياسمين
.....
تضرع من أجلي
تضرع في يوم ميلاد
لكيلا تقترب مني الأقنعة الزائفة
الملطخة بدماء الأبرياء
أنا انثاك.....
فلا تتكبر أيها الحجر المصقول بأمواج
شواطئ الوجد
أنا من جعلت منك ماء الحب يتفجر...
عطرا وشعرا
لتنشد قوافيك
في حقول العشق
لترفرف كالفراشات
لتغرد كالعصافير
وتحلق كما الأغاني في الأثير
بعيدا عن ضجيج الفوضى
وتتبع ما أوحي إليها
وتهتدي بهالتي الحبلى بالضوء
فها هو سديمها
يتفتق دموعا من نور
في سماء بعيدة عن شياطين
الإثم والغرور
أيها الحجر النيزكي
توهجْ كما تشاء
فلا سماء لك سوى قلبي
لتحط في معارجه
على مدرج الأضلاع
كطفل أبصر النور .



#كريم_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة نقدية أسلوبية في قصيدة (خطوات منمشة بكدمات الجوع) لسلو ...
- قراءة نقدية أسلوبية في قصيدة (غياب) لأنور غني الموسوي - العر ...
- قراءة نقدية أسلوبية في قصيدة (خاصرةُ الرّهبةِ) لسامية خليفة ...
- قراءة نقدية أسلوبية في قصيدة (موجةٌ غاضبةٌ) لعائشة أحمد بازا ...
- قراءة نقدية أسلوبية في قصيدة (الأحجار) لابن الحاضر بقلم : كر ...
- سيّدةُ الشتاء
- قراءة نقدية أسلوبية في قصيدة (قلبي والجدران والمسمار ...) لم ...
- قراءة نقدية أسلوبية في قصيدة (بئس) لجميلة مزرعاني - لبنان ؟ ...
- قراءة نقدية أسلوبية في قصيدة (انتظار) لنصيف علي وهيب - بقلم ...
- المطر
- موسيقى الأبدية
- بين المسافات والفرح: رحلة البحث عن الطمأنينة قراءة نقدية اسل ...
- سيّدةُ المسافات البعيدة
- مفارقات الزمن والمشاعر في لغة الذاكرة قراءة نقدية تحليلية في ...
- سيدة القُبلة الأولى
- وكمْ داعبت رياح سبتمبر حزنَ وجهي
- أصابع ديسمبر: بين برودة اللمسات وحلم الجنوب الساحر قراءة نقد ...
- صهيل الذكريات: رحلة بين ظلال الوجود وندوب الزمن
- قراءة نقدية سيميائية في رواية : الياسمين السومريّ – للكاتبة ...
- الوطن في قلب الكروان: بين الحلم والألم قراءة نقدية تحليلية ف ...


المزيد.....




- لم تتحدث عن غزة.. ترجمة مُضللة لفيديو تايلور سويفت حول حرائق ...
- 7 أسباب وراء هيمنة الفنانات على المشهد الغنائي العالمي
- جيمي لي كورتس -ملكة الصراخ- ونجمة سلسلة أفلام هالوين
- ارتدادات سقوط الأسد تعصف بنقابة الفنانين في سوريا.. ما علاقة ...
- اللسان الأروي.. قصة لغة تجمع بين العربية والتاميلية
- احداث مشوقة.. مسلسل المتوحش الحلقة 51 مترجمة على تردد القنوا ...
- الحلقة كاملة.. تابع مسلسل المتوحش الحلقة 51 مترجمة للعربية ب ...
- اقبال لافت لاهالي الناصرية في العراق على مسرحية -قيامة الارض ...
- بيلا حديد تشارك صورا مأساوية لمنزل طفولتها المدمر بحرائق لوس ...
- -هآرتس-: الجيش الإسرائيلي يقر خططا للانسحاب من غزة


المزيد.....

- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم عبدالله - أصداء العطش في صمت الحجر: قصيدة بين الذاكرة والوجود قراءة نقدية في نصّ : ذاكرة العطش – للشاعرة : عبير محمد – مصر . بقلم : كريم عبدالله – العراق .