بن سالم الوكيلي
الحوار المتمدن-العدد: 8220 - 2025 / 1 / 12 - 01:48
المحور:
كتابات ساخرة
بينما كانت النيران تلتهم غابات كاليفورنيا بلا رحمة، قررت استكمال جولتها لتصل إلى شوارع نيويورك، مظهرة هشاشة الإنسان أمام قوة الطبيعة. وفي الوقت ذاته، وعلى بعد آلاف الأميال، كانت غزة تشتعل، لكن هذه المرة بنيران من نوع آخر، نيران القصف والإبادة، حيث لا تغريدات ولا مؤتمرات صحفية كافية لإخفاء حجم المأساة.
في الولايات المتحدة، بينما يتنافس المسؤولون على إطلاق التصريحات البراقة حول "السيطرة" على الحرائق، تظهر الطبيعة بوضوح أنها لا تعترف بجنون العظمة. النيران لا تطفأ بالتغريدات ولا تنحني أمام البيانات الصحفية. وعلى النقيض، في غزة، نيران العدوان لا تنطفئ، بل تشعلها سياسات القوة والإفلات من المحاسبة، في مشهد يجسد أبشع صور جنون العظمة السياسي.
في كاليفورنيا، الحرائق تحرق الأخضر واليابس، بينما المسؤولون يكتفون بالوعود المستقبلية. وفي غزة، طائرات ودبابات تحرق الحجر والبشر بلا رحمة، تحت غطاء دولي صامت، وكأن الأرواح هناك أقل أهمية. هنا وهناك، تظهر النيران وجهين متناقضين لجنون العظمة: الأول يعتقد أنه قادر على التحكم بالطبيعة، والثاني يصر على محو شعب بأكمله، متجاهلا أصوات العالم التي تصرخ بالعدالة.
المفارقة في كلا المشهدين واحدة: ميزانيات تصرف بالمليارات، في أمريكا لبناء ترسانات عسكرية يفترض بها حماية البشر، وفي فلسطين تستخدم هذه الترسانات نفسها للإبادة الجماعية. وفي الحالتين، يبقى السؤال: أين الأولويات؟
إذا كان المسؤولون في الغرب يظنون أن نيران الطبيعة أو نيران الحروب يمكن إخمادها بالخطابات، فإن الحقيقة تظهر العكس. لا التغريدات أطفأت حرائق كاليفورنيا، ولا المؤتمرات أوقفت إبادة غزة. العظمة الحقيقية ليست في التظاهر بالسيطرة، بل في الاعتراف بالفشل والعمل على تغييره.
في غزة، لا تطفئ النيران نفسها. هي جزء من سياسة ممنهجة، تحرق البيوت وتقتلع العائلات، في حين يصور بعض القادة تلك الجرائم كـ"دفاع عن النفس". تماما كما تتجاهل الطبيعة كلمات المسؤولين في كاليفورنيا، تتجاهل العدالة الإنسانية صرخات غزة، وتترك النيران لتلتهم كل شيء.
ربما إذا وجهت نصف الأموال التي تهدر على الحروب إلى حماية البيئة أو إلى إعادة بناء ما دمر بفعل الاستعمار والقصف، لكانت النيران – سواء الطبيعية أو التي يصنعها البشر – أقل وحشية.
لكن، في النهاية، يبقى المشهد مأساويا: نيران تحرق الغابات في الغرب، ونيران تحرق البشر في غزة. وفي كلتا الحالتين، تستمر العظمة الزائفة في رسم مسارات عبثية، متناسية أن النيران لا تعترف بالسياسة، وأن الأرواح، بغض النظر عن مكانها، تستحق الحياة.
#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟